إشتباك مع عدالة-لا عدالة الصهيونية: تحدّيات جديدة أمام الوطنية الفلسطينية/ بشير بشير
قراءة نقدية قدّمها الباحث بشير بشير لأطروحة الباحث حاييم جانس حول صهيونية عادلة المنشورة في ثنايا كتابه الصادر عن منشورات جامعة أكسفورد في العام 2008، تحت عنوان “صهيونية عادلة– في أخلاقية الدولة اليهودية” ■ نُشرت في” Ethical Perspectives 18 (no.4) 2011.
.
(نُشرت هذه المقالة في العدد الأخير من مجلة “قضايا إسرائيلية” الصادرة عن مركز “مدار” للدراسات الإسرائيلية في رام الله)
|بشير بشير|
تمتّعت قضية فلسطين/إسرائيل باهتمام بالغ من مختلف حقول التخصص. وقد ظهر عدد هائل من الأدبيّات من مختلف الحقول والمجالات، كالتاريخ، ودراسات الشرق الأوسط، والقانون الدولي، وفضّ النزاعات، والعلاقات الدولية، كلّها تناقش وتستكشف مختلف أبعاد ما بات يسمّى بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني (أو العربي). إلاّ أن قضية فلسطين/إسرائيل حظيت باهتمام أقلّ من منظور الدراسات القومية، واللافت للنظر قلّة الاهتمام بها من منظور النظرية السياسية. وبشكل أكثر تحديدًا، فإن المحاور والخلافات الأساسية في قضية فلسطين/إسرائيل، على مستوياتها المتعدّدة والتحدّيات التي تطرحها، نادرًا ما يجرى مناقشتها وفحصها عبر منظور معياريّ، أي من زاوية نظرية العدالة. وفي الواقع، تدعو هذا المقالة إلى مزيد من إقحام النظرية السياسية في قضية فلسطين/إسرائيل، ولكنّ هدفها أكثر تواضعًا. إنها تسعى إلى إجراء تقييم نقديّ لجهد متفرّد ينخرط معياريًا مع بعض القضايا الجوهرية الواقعة في صُلب القضية. وعلى وجه الدقّة، تشرع المقالة في محادثة نقديّة وموجزة مع كتاب حاييم جانس A Just Zionism (“صهيونية عادلة”). بعد تأطير الكتاب في سياق أدب يتنامى ساعيًا إلى إعادة التفكير في السياسات الإسرائيلية من وجهة نظر أقلّ حصريّة وإقصائيّة وأكثر توفيقيّة، تُظهر المقالة بعض محدوديّات العمل الذي قدّمه جانس، ثم تصل إلى استنتاج بعض الفرص التي يفسحها والتحدّيات التي يطرحها كتاب “صهيونية عادلة” أمام الوطنية الفلسطينية ومدى انخراطها في بحث الحقوق والهُويات اليهودية في فلسطين التاريخية.
I. إعادة النظر في السياسات الإسرائيلية
يقدّم كتاب “صهيونية عادلة” تحليلاً فلسفيًّا لعدالة الصهيونية المعاصرة المتجسّدة بدولة إسرائيل ودفاعًا فكريًا عنها. وبالرغم من إدراك الكاتب إلى الاعتراضات الواسعة والمتعدّدة على الصهيونية فهو يتقيّد في تناول هذه الاعتراضات عبر ما يسمّيه المبادئ المعرِّفة للصهيونية. علاوة على ذلك، يدرك الكاتب وجود صيغ عديدة من الصهيونية، وهو يحاجج بأن من الممكن إيجاد صيغة عادلة – هي الصهيونية كقومية ليبرالية إثنو-ثقافية. ينتمي كتاب جانس إلى طائفة متنامية من الأدبيات في إسرائيل، تولَّدت في العقدين الأخيرين، تسعى إلى طرح فكرة مفادها أن لإسرائيل أشكالاً من السياسات الديمقراطية أكثر توفيقيّة وأكثر قابلية للدفاع عنها. وقف عدد من المفكرين الإسرائيليّين – خصوصًا علماء السياسية والاجتماع – في وجه قوى الاستيعاب والقمع الكامنة في نموذج “بوتقة الصَّهر” المعتمدة إسرائيليًا، وأشاروا إلى التعددية الإثنو-ثقافية داخل المجتمع الإسرائيلي اليهودي وإلى القوى الإقصائية القائمة في نموذج سياسات الأغلبية اليهودية فيما يخصّ الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل. في ظلّ النماذج المعتمدة إسرائيليًا، وبالرغم من تباين أشكالها في الفترات المختلفة، فقد ظلّت الأقلية العربية خاضعة لإقصاء منهجيّ، كما أُخضعت بعض الجماعات اليهودية – خاصة “اليهود الشرقيون” – لسياسات الاستيعاب القمعية. ومن هنا فقد اقترح هؤلاء المفكرون الإسرائيليون إعادة النظر أو صرْف النظر عن شكل السياسة هذا، القمعي والإقصائي، والتحوّل إلى توجّه أكثر توفيقيّة نحو التعددية في إسرائيل.
تحت تأثير السجالات المعاصرة في النظرية السياسية والاجتماعية وبإيحاء منها، استند كثير من المفكرين الإسرائيليّين إلى أفكار من قبيل “الديمقراطية الإثنية” (سموحة 2002)، و”القومية الليبرالية” (تَمير 1993)، و”التعددية الثقافية” (يونا وشنهاف 2005؛ وجمّال 2007) وقاموا بتطويرها لأجل فحص إقصاء الأقلية الفلسطينية في إسرائيل ولتوفيق التوترات والاختلافات الإسرائيلية-اليهودية الداخلية. إلى جانب إطلاق نموذج “الديمقراطية الإثنية” لسموحة ونموذج “القومية الليبرالية” لتَمير، وبغية تبرير وتفسير الهيمنة اليهودية بمصطلحات نظرية ومعيارية، فقد طالب المدافعون عن نموذج “التعددية الثقافية” بإجراء بعض التحوّلات الجدّية على البنية وعلى الركائز المبدئية للسياسة الديمقراطية في إسرائيل. وعلمًا أنه يمكن موضعة كتاب “صهيونية عادلة” في إطار تلك الأدبيّات الإسرائيلية المتنامية – التي تنهل وتستفيد كما تصبّ وتسهم في السجال حول الديمقراطية وحقوق الأقليات والقومية في النظرية السياسية والاجتماعية المعاصرة – فإن كتاب جانس هو جهد متفرّد لأسباب عدّة. إنَّ معظم الجهود التي سعت إلى طرح إسرائيل معدّلة وأكثر ديمقراطية (بما في ذلك نموذج التعددية الثقافية) كانت في تخلّف عن مواكبة تطوّرات معياريّة مهمّة في النظرية السياسية المعاصرة. وعلى وجه الدقّة، فقد جرى النقاش والسجال حول سياسة إسرائيلية أكثر توفيقيّة وأكثر قابلية للدفاع عنها في معزل عن مفهومين وتطوّرين معياريّين مهمّين جدًا، هما مفهوما العدالة (التوزيعية والتصحيحية على حدّ سواء) والقومية. علاوة على ذلك، فإنَّ معظم هذه السجالات إمّا أنها تنكر التأثير الكبير للاحتلال ونهجه وممارساته الكولونيالية ضدّ الفلسطينيّين على تنظيراتها وإما تقلّل من شأنه. إن المسألة التي لم تحظ بالاهتمام المناسب وبالتالي نالت قسطًا قليلاً من التنظير في إطار المراجعة الفكرية لسياسات إسرائيل هي مسألة عدالة/لاعدالة الصهيونية والتحدّيات الأخلاقية والعملية التي يُقيمها واقع تحقّقها في فلسطين. يسعى نموذجا سموحة وتمير، كلّ بطريقته، إلى تفسير وتطبيع وتبرير الزواج القسريّ والتنافريّ بين الطابع اليهودي للدولة وبين قيم ومبادئ ديمقراطية أساسية، وفي معرض ذلك يهملان مسائل حيوية ومركزية، مثل عدالة القومية الصهيونية في فلسطين، ونهج إسرائيل الكولونيالي، واضطهاد الفلسطينيّين، رغم كونها مسائل ذات صلة وثيقة بهذا الزواج.(1)
وفي الواقع، شهدنا في بداية التسعينيات اهتمامًا متزايدًا لدى بعض الدوائر الأكاديمية الإسرائيلية بسياسات الهوية ومطالب الاعتراف الإثنو-ثقافي. والأمر شبه المؤكد هو أن قلّة من الباحثين النقديّين (يونا وشنهاف 2005؛ جمّال 2007) – المتأثرين بأعمال مفكرين مثل نانسي فريزر (1995؛ 2000) وإيريس ماريون يونغ (1990) – أصرّوا على العلاقة الوثيقة والحاسمة بين مطالب الاعتراف الهوياتية (recognition) ومطالب العدالة التوزيعية (distribution) من أجل التوصّل إلى سياسات ديمقراطية أكثر توفيقية وأكثر فاعلية في إسرائيل. ومع ذلك، فإن هؤلاء المفكرين أصحاب وجهة التعددية الثقافية قيّدوا نقاشهم في حدود إسرائيل ما قبل عام 1967 دون الانخراط الجدّي في مسألة نكبة عام 1948 أو مسألة عدالة/لاعدالة تحقّق الصهيونية في فلسطين التاريخية. ومن هنا، وضمن محاور عديدة أهملوها، كثيرًا ما أهملوا أو قلّلوا من أهمية العدالة التصحيحية ارتباطًا بالفلسطينيّين في إسرائيل واللاجئين والفلسطينيّين في الضفة الغربية وشرق القدس وغزّة.
بناءً على ذلك، بينما يمكن اعتبار مشروع جانس محاولة لتبرير معياريّ ولشرعنة الصهيونية اليسارية، فإن ما يميّز هذا المشروع ويجعله متفرّدًا هو أنه يجعل الفترة التاريخية المحيطة بعام 1948 نقطة تحليل مهمّة، ويسعى إلى أن يعالج بجدّية مسألة العدالة التوزيعية والتصحيحية ومسألة القومية. وعلاوة على ذلك، يفحص جانس المسألتين في سياق التحدّيات البارزة التي تقيمُها قضايا جوهرية، مثل حق تقرير المصير اليهودي والفلسطيني، والهيمنة اليهودية، وحقوق الفلسطينيّين في إسرائيل كأقلية وطن (أقلية أصلانية). وباختصار، مقارنة مع طروحات الأغلبية الساحقة التي سعت إلى طرح شكل معدّل أكثر شموليّة للسياسات الديمقراطية في إسرائيل أو طرح إسرائيل يهودية وديمقراطية في صيغة أكثر قابلية للدفاع عنها – فإن مشروع جانس المركّب وذو التوجّه المعياري أكثر طموحًا وأكثر جرأة – ومن هنا هو أكثر مدعاة للتحدّي – في سعيه إلى طرح صيغة مبرّرة للقومية اليهودية في فلسطين التاريخية.
II. نمطان من النقد
يمكن التمييز بين نمطين من النقد تجاه كتاب جانس وأطروحته: نقد من الخارج ونقد من الداخل. يأخذ النقد الداخلي نظرية جانس في حدّ ذاتها وبمصطلحاتها هي فيركز على اتّساقها وتماسكها وصدقيّة الحجج التي توردها والتحليل الذي تقدّمه؛ أمّا النقد الخارجي فيُسائل تلك المصطلحات بنظرة نقدية إطار التحليل والمسلّمات والفرضيّات الأساسية والرواية وتاريخ الصراع التي استندت إليها الأطروحة (يعترف جانس في معرض تحليله وتنظيره أنه يقبل إلى حدّ كبير الرواية الصهونية وأسسها؛ ص 7-8). والحقيقة أن هذين النمطين من النقد مترابطان ولا ينفصلان، وعليه فالتمييز المقترح هنا هو لأغراض التحليل والإيضاح فحسب. ويمكن القول إن التمرين الفكري الدقيق الذي يجريه جانس ليبيّن إمكانية التوافق والانسجام بين الليبرالية والقومية الإثنو-الثقافية، يواجه العراقيل في الحالة الصهيونية فيقع في التناقضات ويولّد التزامات متعارضة. فيما يلي تركيز على نقطتين رئيسيتين (واحدة داخلية وواحدة خارجية) بغرض الاشتباك نقديًّا مع أطروحة الصهيونية العادلة لجانس.
كما ذُكر أعلاه، واحدة من الإسهامات الفريدة لكتاب جانس، انخراطه في معالجة قضايا جوهرية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بالعودة إلى عام 1948 وتناوله واحدة من أكثر نتائج تحقّق السيادة اليهودية في فلسطين التاريخية مركزية واستدعاءً للقلق، أي قضية اللاجئين. يقدّم جانس تحليلاً محكمًا لهذه القضية ويخلص إلى موقف يعارض عودة فلسطينية كبرى ويقبل عودة عدد محدود من الفلسطينيّين (91-93). ولدى مناقشته حق عودة اللاجئين الفلسطينيّين يقول جانس إن وجهات النظر المؤيّدة لعودة فلسطينية كبرى حمَلتُها هم رافضون للصهيونية إمّا على قاعدة التعصّب القومي العربي، وإمّا على قاعدة تفسيرات كوزموبوليتيّة وحيادية لليبرالية والإنسانوية. ومن جهته، يرفض جانس الموقف الأول باعتباره بغيضًا من الناحية الأخلاقية، ويرفض الموقف الثاني لافتقاد الأهمية العملية، إذ لا يلقي بالاً إلى الفرضيات الأساسية التي يقوم عليها الخطاب الفلسطيني الإسرائيلي حول هذه المسألة. ثم يقول إن وجهات النظر الأخرى– سواء كانت معادية للصهيونية أو مؤيدة لواحدة من صيغ عديدة للصهيونية – جميعها قد يعارض عودة كبرى للاّجئين الفلسطينيّين.
ويركّز جانس في معرض نقاشه على مواقف القوميّين الليبراليّين الذين ينكرون عدالة الصهيونية (وهم القوميون الليبراليون الذين يرفضون القول بعدالة المبدأ الخاص المؤسِّس للصهيونية، والقائل بأن مبدأ حق تقرير المصير للشعب اليهودي يجب أن يتحقّق في فلسطين، التي بالكاد وُجد فيها يهود في بداية تشكّل الصهيونية). ويُظهر كيف أن موقفًا ليبراليًا متسقًا سيصل إلى نتيجة رفض عودة كبرى للاّجئين الفلسطينيّين وقبول عودة عدد محدود منهم. ثمّ يستنتج جانس أنه إذا كان القوميون الليبراليون الرافضون للصهيونية يعترضون على عودة كبرى للاّجئين الفلسطينيّين، فإنه من باب أولى أن يعترض عليها الذين يقرّون بفكرة عدالة الصهيونية. ورغم أن جانس لا يتبع المنحى الليبرالي للقومية، فهو مع ذلك يشاركه في نتيجة رفض عودة كبرى للاّجئين الفلسطينيّين وقبول العودة فقط لعدد محدود منهم. وبكلمات أخرى، يستقي جانز دعمًا غير مباشر لموقفه القومي الإثنو-ثقافي الرافض لعودة كبرى للاّجئين الفلسطينيّين والقابل بعودة جزء محدود منهم، من خلال إبرازه أنه حتى القوميّين الليبراليّين، سواء كانوا مناهضين للصهيونية أو داعمين لها، قد يرفضون العودة الفلسطينية الكبرى استنادًا إلى أسس واعتبارات ليبرالية. ويذهب جانس إلى استكشاف هذا الموقف القومي الليبرالي بالتمييز بين ثلاث مجموعات من العائدين المحتملين: أولاً، عائدون محتمَلون إلى الأماكن الأصلية التي عاشوا فيها هم أو عائلاتهم، والمأهولة بسكان آخرين يعيشون حياتهم فيها؛ ثانيًا، عائدون محتمَلون إلى أماكن لم تستوطن فيها إسرائيل، وهي شاغرة ومعدّة للبناء مستقبَلاً، ولكنها ليست الأماكن الأصلية التي عاشوا فيها؛ ثالثًا، عائدون محتمَلون إلى أماكن يتحدّرون منها أصلاً، وهي شاغرة الآن ومعدّة للبناء مستقبلاً (ص 87).
وبحسب جانس، لا يجب أن يجد الليبراليون صعوبة في رفض مطلب المجموعة الأولى، على أساس أن الأفراد الذين يسكنون الآن في الأماكن التي يطلب اللاجئون إلى العودة إليها ليسوا مسؤولين شخصيًا عن اقتلاعهم ولا عن الضّيم والغبن الذي ألمّ بهم في العام 1948 (ص 87). يمكن الردّ على هذا بأن فكرة المسؤولية هنا تتسم بتعريف ضيّق على نحو مبالغ به. ويمكن أن يكون ردًّا معقولاً القول بأن هؤلاء الأفراد يتحمّلون مسؤولية سياسية بحكم عضويتهم السياسية والدستورية في الجماعة الإسرائيلية اليهودية وبحُكم كونهم منتفعين من نتائج تهجير واقتلاع الفلسطينيّين(2). وفي عبارة أخرى، بينما من المعقول ألاّ يُوجَّه اللّوم إلى الأجيال الحاضرة على غبن تسبّب فيه أسلافهم فإنه ليس من غير المعقول تحميلهم المسؤولية السياسية (وليس الشخصية)(3) لأنهم المنتفعون بالموارد والمكاسب في أعقاب الغبن التاريخي الذي ارتكبه أسلافهم(4).
في حالة المجموعتين الثانية والثالثة، حيث أصول العائدين الفلسطينيّين المحتملين تعود إلى مناطق ليست مأهولة اليوم، يعترف جانس بأن القضية أكثر تعقيدًا وأن الحجج ليست قوية كما في حالة المجموعة الأولى. ومع ذلك، فبين الأسباب الأكثر أهمية التي يستحضرها لتبرير رفض عودة فلسطينية كبرى في حالة المجموعتين الثانية والثالثة أن تلك الأماكن التي يطالب اللاجئون بالعودة إليها قد تغيّرت إلى درجة أنه لا يمكن التعرّف عليها من ناحية مظهرها المادّي وتشكيلاتها الاجتماعية، وأن ثقافة أولئك اللاجئين يمكن أن تعبّر عن نفسها على نحوٍ أفضل في المناطق الفلسطينية (ص89). وعليه فإن طرح العودة إلى المناطق التي يمكن أن يتحقق فيها مبدأ تقرير المصير للشعب الفلسطيني هو أكثر معقولية من طرح العودة إلى المناطق التي قد تحقّق فيها مبدأ تقرير المصير للشعب اليهودي، حيث المناطق الشاغرة هي احتياطي للبناء والتطوّر اليهودي مستقبَلاً. وحتى لو قبلنا هذه الحجة القائلة بأن الإنسان يفضّل السكن حيث يمكنه أن يعيش ثقافته، يبقى من غير الواضح لماذا من الضروري ألاّ ينطبق هذا في حدود إسرائيل ما قبل عام 1967. إذ يمكن القول إن الثقافة والمجتمع الفلسطيني في إسرائيل يوفّران إطارًا معقولاً يعيش فيه اللاجئ العائد حياته وثقافته، بل هو إطار أفضل بالنسبة إلى جزء من العائدين. وقد أسهم الفلسطينيون في إسرائيل في الثقافة الفلسطينية بحيث أن دورهم الثقافي بارز ويفوق دورهم السياسي الهامشيّ في السياسات الفلسطينية الأوسع وفي الحركة الوطنية الفلسطينية (ولكنه دور آخذ في التزايد والاتّساع مؤخرًا). والشعراء الفلسطينيون (مواطنو إسرائيل) والكتاب والمثقفون والفنانون، من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وإميل حبيبي وتوفيق زياد وإيليا سليمان، كانوا شخصيّات تكوينيّة مؤسِّسة في قِوام المشهد الثقافي الفلسطيني.
علاوة على ذلك، فإن عددًا بارزًا من اللاجئين الفلسطينيّين في سوريا ولبنان منشأهم في المناطق الساحلية (يافا، حيفا، عكا) وفي الجليل، وما زال لديهم أقرباء يعيشون داخل إسرائيل وحتى في قراهم الأصلية أو في قرى ومدن قريبة منها. وفي الحقيقة يعزّز وجود القرابة العائلية ارتباط اللاجئين الفلسطينيّين بالمناطق التي تحدّرت منها عائلاتهم. إن الأغلبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيّين وسلالاتهم ما زالوا ينسبون أنفسهم إلى مناطق محدّدة مثل الجليل والساحل، وغالبًا ما يشيرون إلى قراهم أو مدنهم عينِها. إن الروابط التكوينية بهذه المناطق هي في صميم تشكّلات ذاكرة وهُوية اللاجئين الفلسطينيّين شيبًا وشبّانًا. يشير رشيد الخالدي إلى تواصل العلاقات القويّة مع الأماكن الأصلية كدليل على تجذّر عميق، ويضيف بأن الروابط المحلية بين الفلسطينيّين ما زالت ذات أهمية ومعنى “إلى درجة أنه يمكن بسهولة التعرّف من اسم العائلة على المكان الأصلي الذي يتحّدر منه شخص فلسطيني، وإلى حدّ معيّن يتواصل الربط بين هؤلاء الأشخاص وتلك الأماكن حتى لو أنهم لم يعيشوا فيها أبدًا (1997، 153). وهذا أمر جليّ بشكل خاص – يقول – بين اللاجئين الفلسطينيّين الذين ما زالوا حتى اليوم يتماثلون مع القرى والمدن التي يتحدّرون منها حتى لو كانوا يعيشون في المنفى بعيدًا عنها طيلة جيلين أو ثلاثة أجيال(5). إنّ إحياء ذكرى النكبة في 15 أيار 2011 ومحاولات اللاجئين الفلسطينيّين في سوريا ولبنان اجتياز الحدود بغرض العودة إلى قراهم الأصلية يوضّحان لنا إلى أيّ مدى تشكّل العلاقة مع الأماكن الأصلية جزءًا من هُوية وذاكرة هؤلاء اللاجئين.
يبدو أن الارتباط مع أماكن محدّدة، وأهمية هذا الارتباط لهوية وذاكرة الناس، والعلاقات العائلية بين أعداد كبيرة من اللاجئين الذين لديهم روابط عائلية وأقرباء داخل إسرائيل، وازدهار الثقافة الفلسطينية في إسرائيل (خاصة مع نشوء وتطوّر طبقة وسطى فلسطينية خلال السنوات الثلاثين الماضية) تُكسِبُ بعض الدعم لفكرة عودة عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيّين إلى إسرائيل ما قبل حدود 1967. ويمكن للمرء أن يجد دعمًا جزئيًا لهذا المطلب في حجّة جانس إذ يلجأ إلى تصّور المكان التكوينيّ المؤسّس للحق التاريخي لكي يحدّد موقع المكان الذي يطبّق فيه مبدأ حق تقرير المصير (ص36). وبحسب التصوّر التكوينيّ، ليست الأسباب البراغماتية فقط تشكّل أساسًا في اختيار الموقع المعيّن ليمارَس فيه حق تقرير المصير، وإنما الدور التكوينيّ الذي يلعبه هذا المكان تحديدًا في تشكيل هوية الشعب أيضًا. ولذلك فإن الانفصال المادّي عن الأرض لا يلغي الانتماء إليها ولا يقطع الصلة بها. إنَّ الوجود بعيدًا عن المكان التكويني يولّد مشاعر الغربة والشوق. صيغة أكثر دقّة من هذا الادّعاء تُكسب مزيدًا من الدعم لموقف أعداد كبيرة من اللاجئين في سوريا ولبنان الذين سيفضّلون العودة إلى المناطق الأصلية (في الساحل وفي الجليل) على العودة إلى مناطق أخرى ليكونوا جزءًا من بناء دولة فلسطينية عتيدة.
وكما ذُكر أعلاه، يمكن الاشتباك نقديًا مع نظرية جانس عبر تحدّي الفرضيّات الأساسيّة لإطارها والنتائج التي يستخلصها من التحليل ضمن ذلك الإطار. وفي الواقع، يذكر جانس أنه يلجأ إلى حجج وتحليلات فلسفية ليقدّم صيغة عادلة للصهيونية المعاصرة. وهو يعترف أن عدالة الصهيونية تستند إلى حقائق أخرى تتعلّق بخصوصيّات سياقات تاريخية، وبالسلوكيات والأفعال اللائقة لأطراف الصراع، وبتداعيات هذه الحقائق التاريخية، وبمسائل أخلاقية حول مسؤولية العرب واليهود في فلسطين التاريخية. ثم يتابع جانس فيصرّ على أن معالجة كل هذه القضايا هي أمر فوق طاقته. علاوة على ذلك، يرى في هذا السياق أننا في الوقت الحاضر ملزمون أخلاقيًا بـ”عدم تناول هذه القضايا المعقّدة والكثيرة والتي كثيرًا ما تكون خلافيّة ومثيرة للجدل، لأجل التركيز على تلك القضايا الرئيسة التي منعت حتى الآن حلّ الصراع العربي الإسرائيلي (ص6، رقم 8). إنها ملاحظة مربِكة. من الذي يحدّد إذن ما هي القضايا الرئيسة؟ وكيف سيكون ترتيب أهمّيتها وتسلسلها الهرميّ؟ نفهم من هذا، أنه باسم تجنّب الخلاف والجدل، من المسموح توخّي الانتقائية لدى فحص عدالة الصهيونية المعاصرة كما تحقّقت في إسرائيل، بل يُسمح عزل إسقاطات وتداعيات تحقّقها عن ميراث كامل من الغبن التاريخي والصدمة الجماعية التي لحقت بالفلسطينيّين. فوق ذلك، ليس واضحًا لماذا يجب قبول الرواية الصهيونية بمنطلقاتها وفرضياتها الأساسية كنقطة بداية مسلّم بها وغير خلافية، أو كإطار لتطوير دفاع فلسفيّ عن عدالة الصهيونية. يمكن للمرء أن يجادل بأن ما يمكّن ذلك هو على وجه التحديد الحساسية والاهتمام الزائدان بالحقوق اليهودية، والمصالح، والذكريات والخصوصيات التي يتحمّس جانس جدًا لإقحامها في تحليله؛ وهو من جهة ثانية التقليل من شأن بل وأحيانًا إنكار الخصوصيات الفلسطينية، والذكريات، والتواريخ، والتجارب القاسية من تمييز واحتلال واقتلاع التي ما زال الفلسطينيون يعيشونها والتي ألحقتها بهم الصهيونية عندما تحقّقت ثم الصهيونية المعاصرة عندما وضعت نظام المواطنة الهرميّ ونهجها وممارساتها الكولونيالية التي تسهم في تأبيد الصّراع. وفي الحقيقة، لا تَناظُرَ بين ظروف الفلسطينيّين وظروف اليهود الإسرائيليّين. إنَّ التحدّي المفترَض لدى جانس للرواية الصهيونية، من خلال توجيه اهتمام أكبر بذكريات وروايات الفلسطينيّين وبخصوصياتهم التاريخية، هو على الأرجح يمسّ بإطاره التحليليّ ويقوّض بعض حججه وادّعاءاته بشأن عدالة الصهيونية المعاصرة. فعلى سبيل المثال، تضم الرواية الصهيونية التي يحيل إليها جانس كإطار للتحليل الذي يُجريه مسؤولية جزئية للصهيونية عن التسبّب بالمعاناة الفلسطينية والاقتلاع. إنَّ الإطار التحليلي الذي يستند إلى رواية (صهيونية) معدّلة بحيث تُظهر حساسية أكبر تجاه الخصوصيات الفلسطينية والذاكرة والتاريخ الفلسطينيَّين، إضافة إلى تجارب التمييز والاقتلاع والاضطهاد المستمرّة، هو إطار يستتبع مسؤولية على عاتق الصهيونية أكبر من تلك التي تقبل نظرية جانس الاعتراف بها. وفعلاً، فإنَّ بعض الشخصيات الصهيونية البارزة قبل وفي أثناء فترة الانتداب البريطاني ذكرت بوضوح أن تحقّق المشروع الصهيوني وإقامة أغلبية يهودية في فلسطين يتطلّب بالضرورة نزع عروبة البلاد وتهويدها من خلال تدابير عديدة تشمل امتلاك الأراضي وتشجيع الهجرة اليهودية وإنشاء الأرضية واتخاذ الإجراءات التي قد تقود في النهاية إلى طرد، واقتلاع، وترحيل العرب(6). وبينما اختلف هؤلاء القادة فيما بينهم أحيانًا: هل ينفّذون هذه الإجراءات دفعة واحدة أم ببطء وبالتدريج (الخيار الأول كان خيار بن غوريون، والثاني كان خيار حاييم وايزمن)، فإنَّ بعض المفكّرين البارزين من يهود أوروبا، مثل حنة آرندت التي تغزّلت علنًا بالصهيونية وتكلّمت من وجهة نظر القومية اليهودية، حذّروا من النتائج الكارثية على العرب الفلسطينيّين التي سيجلبها حتمًا تقسيم فلسطين وتحقيق دولة يهودية في فلسطين التاريخية(7).
مثال آخر يرتبط بنقد الإطار التحليلي الذي اعتمده جانس والنتيجة التي خلص إليها من تبريرٍ للهيمنة والسيادة اليهودية ولحلّ الدولتين. يفحص جانس نقديًّا أربع حجج غالبًا ما يُشهِرُها الخطاب العام الإسرائيلي بغرض تبرير مبدأ الهيمنة اليهودية. تساوي الحجّة الأولى بين مبدأ حق تقرير المصير والحق في دولة قومية ذات سيادة؛ وتستند الحجّة الثانية إلى الادّعاء بأن هناك دولاً في العالم كلّه تنظر إلى نفسها كدول قومية مهيمنة رغم أن تركيبتها السكانية تشمل جماعات تنتمي إلى وطن خارج الدولة؛ وتلجأ الحجّة الثالثة إلى تاريخ طويل من الملاحقة التي عاناها اليهود في البلاد التي عاشوا فيها. أمّا الحجّة الرابعة، فتحيل إلى الصراع العنيف والدمويّ بين اليهود والعرب في فلسطين/إسرائيل (ص 55-56). يقول جانس بأن الحجج الثلاث الأولى، رغم أن كلاً منها يمتلك قوّة محدودة، لا تبرّر بشكل مقنع تطبيق النموذج الهيمنيّ لحق تقرير المصير في إسرائيل، حيث تبقى مصداقية هذا التبرير ظرفيّة وليست مبدئيه. ويدّعي أن الصراع العربي الإسرائيلي أنشأ عدّة وقائع وحقائق توفّر مبرّرات للهيمنة اليهودية. ومع ذلك، تبقى الهيمنة محدّدة في مناطق بعينها وهي أيضًا مؤقتة بمفوم الإطار الزمنيّ. هذه الوقائع/الحقائق تشمل غياب الثقة بين العرب واليهود؛ واحتماليّة فقدان الأغلبية اليهودية في الدولة؛ والنزاع بين مجموعتين إثنو-ثقافيّتين؛ والمخاوف بشأن الوجود المادّي وبقاء اليهود كمجتمع متميّز يتمتّع بحق تقرير المصير.
يرى جانس أن هذه الوقائع توفّر دعمًا قويًّا لهيمنة وسيادة يهوديتين. ويواصل فيحاجج بأن الوقت الطويل الذي يستغرقه بناء علاقات الثقة والاحترام المتبادل، وبالتأكيد في ضوء ميراث العداء والنزاع، يتطلّب أن يكون حلّ الدولتين خطوة أولى على طريق حلّ الصراع، إذ من شأن حلّ الدولتين الحدّ من الظلم والغبن الناجمين عن كون الدولة اليهودية المهيمنة إطارًا مُعدًّا لخدمة المصلحة اليهودية. يولّد تطبيق مبدأ حق تقرير المصير على شكل دولة غُبنًا على الصعيدين المحليّ والعالميّ. إنَّ دولة فلسطينية مستقلّة يتمتع فيها الفلسطينيون بحق تقرير المصير إلى جانب دولة يهودية سوف تحلّ مشكلة غياب المساواة في مكانة العرب واليهود على الصعيد العالميّ، كما ستقلّل عدد الفلسطينيّين الذين يعيشون في ظروف غياب العدالة على الصعيد المحلّي. وبينما يمكن النظر إلى النتيجة التي توصّل إليها جانس بخصوص تبرير الهيمنة والسيادة اليهوديّتين على أنه ظرفيّ ولا يستند إلى مبدأ مرجعيّ، فإن ادّعاءه بأن حلّ الدولتين سيوفّر حلاًّ معياريًّا لمشكلة غياب المساواة للعرب واليهود على الصعيد العالمي هو ادّعاء ملتبس. وبلا شكّ، فإنه يعترف بأن حلّ الدولتين لن يحلّ المظالم على الصعيد المحليّ، لأن الأقلية العربية في الدولة اليهودية ستعاني تحت وطأة الهيمنة اليهودية، وعليه يجب لجم هذه الهيمنة بتقييدات حقوق الإنسان، وهذا في مجالات محدّدة فقط، هي مجالات الأمني والديمغرافي (ص 78-80). وحتى لو قبلنا ادّعاء جانس بشأن ضرورة التقسيم وحلّ الدولتين بوصفه الحلّ الأفضل في عالمنا غير المثالي، الذي يُقحم الاعتبارات البراغماتية للسياسة المحلية والعالمية، يبقى من غير الواضح أيّ نموذج من نماذج العدالة (توزيعيّة، تصحيحيّة أو كليهما مدمجتين) يمنح لليهود 78% من مساحة فلسطين التاريخية ويُبقي للعرب الفلسطينيّين 22%؛ ويبقى من غير الواضح أيضًا هل التوزيع اللاتناسبيّ للأرض، والخصوصيات التاريخية والاجتماعية الذي يتجاهلها ويقلّل من شأنها، يطرح التحدّيات أمام المساواة المرغوبة في المكانة المعياريّة لليهود والعرب على الصعيد العالمي. والواقع أن جانس، لدى دفاعه عن رفضه عودة كبرى للاّجئين الفلسطينيّين إلى المناطق الشاغرة غير المأهولة، غالبًا ما يلجأ إلى الادعاء بأن هذه المناطق يُحتفظ بها لأغراض البناء والتطوير اليهودي. إنّ العدد العالمي لليهود والفلسطينيّين متساوٍ تقريبًا وعليه فمن غير الواضح لماذا يحتاج اليهود الإسرائيليون مساحات من الأرض للبناء والتطوير أكثر من التي يحتاجها الفلسطينيون.
III. تحدّيات أمام الوطنية الفلسطينية
إنَّ بعض المبادئ المعيارية التي يسير جانس على هدْيِها لدى دفاعه عن صيغة صهيونية بعينها، وبعض النتائج التي توصّل إليها، تُشهر تحدّيات أمام الوطنية الفلسطينية وأمام تفسيرات سائدة للصهيونية. في ذات الوقت، تحمل هذه المبادئ في ثناياها فرصة التعرّف على نقاط التقاء جديدة يشتبك فيها العرب والفلسطينيون مع المسألة اليهودية والوجود اليهودي والحقوق اليهودية في فلسطين التاريخية. تقول واحدة من حجج جانس الرئيسة إنَّ مبرّر التفسير الدولتيّ (statist interpretation) لحق تقرير المصير اليهودي هو ظرفيّ وليس مبدئيّ. وفي عبارة أخرى، هناك ظروف عينيّة تاريخية – الملاحقة واللاساميّة والصراع العربي اليهودي – تدعم تحقيق مبدأ تقرير المصير اليهودي على شكل دولة – أمّة يهودية مستقلّة؛ وعندما تزول هذه الظروف يسقط التفسير الدولتي لحق تقرير المصير اليهودي. وفي الحقيقة، يمكن لهذا الادّعاء أن يشكّل فرصة للشروع محادثة جدّية ومعمّقة حول الصهيونية وردّ الفعل العربي والفلسطيني تجاهها.
وممّا يلفت النظر أن عموم المفكرين العرب، والفلسطينيّين منهم خصوصًا، نادرًا ما بادروا إلى الاشتباك مع “المسألة اليهودية” والحقوق اليهودية في السنوات الأربعين الماضية. يبرز الغياب الكلّي تقريبًا لهذا الاشتباك على وجه التحديد في الفكر السياسي العربي والفلسطيني. فإلى جانب وجهات النظر التي يجري تداولها حول الطابع الكولونيالي والإمبريالي للصهيونية وحول أن اليهود لا يشكّلون جماعة قومية – وهي آراء تُطرَح وتُناقَش منذ عقود – كانت هناك محاولات قليلة جدًا لمراجعة هذه الادّعاءات بمجملها وإخضاعها لفحص أعمق، أمام واقع التحدّيات الهامّة التي برزت منذ نهاية السبعينيات نظرًا إلى التطوّر الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي طرأ على الوجود اليهودي في فلسطين التاريخية. إنَّ الاشتباك مع المسألة اليهودية والحقوق اليهودية ليس مطلبًا معياريًّا وأخلاقيًّا وحسب وإنما هو ضرورة سياسيّة ملحّة، ومن هنا يوفّر كتاب جانس “صهونية عادلة” فرصة غير عاديّة للشروع في مثل هذه النقاش الأخلاقي السياسي. وهو نقاش يكتسب أهمية خاصة لأنه في ضوء الوقائع المتغيرة – غالبًا نتيجة لمشاريع الاستيطان الكولونيالي التوسعية في الضفة الغربية وشرقي القدس، فشل ما يسمّى مشروع “العملية السلمية”، وكذلك مشروع المقاومة المتزايدة بين الفلسطينيّين لما يمكن تسمّيته بـ”استبدادية الخطاب الدولاني” “tyranny of statehood” (8)، هناك مبادرات فلسطينية عديدة وضغط متزايد لإعادة النظر في المشروع الوطني الفلسطيني.
إنَّ أحد مظاهر إعادة النظر هذه، فحص بدائل مختلفة لأشكال مؤسّسية بديلة (دولة واحدة، فدرالية، كونفدرالية، كوندومينيوم، ترتيبات إقليمية) تتجسّد من خلالها الحقوق الفلسطينية الأساسية، القومية والفردية، والتحوّلات الإستراتيجية المطلوبة للوصول إلى تلك البدائل(9). وفي هذا السياق يصبح الاشتباك الجدّي والمعمّق مع الحقوق اليهودية في فلسطين ضرورة أخلاقية وسياسية. ويصحّ هذا خصوصًا إذا ما تمّ النظر في أطر أخلاقية ممكنة وتصوّر حلول سياسية بديلة تطرح بدائل للتقسيم (ويتّخذ التقسيم أشكالاً عدّة مثل صيغة الدولتين، والعزل، والجدران، والأسلاك الشائكة، والطرق الالتفافية). وفي مجال المشروع الوطني الفلسطيني، يمكن تمييز ثلاث مواقع اشتباك/تلاقٍ ممكنة مع مسألة الحقوق اليهودية، ولو أنها لا تستنفد المسألة برمّتها: نظرة المشروع الوطني الفلسطيني الإسلامي تجاه الحقوق اليهودية؛ الموقف الليبرالي / الكوزموبوليتي؛ وطرح ثنائية القومية. إنَّ ردود فعل المشروع الوطني الفلسطيني الإسلامي (بما في ذلك حركات حماس والجهاد والتحرير، وبينها اختلاف كبير حول بعض المسائل) تنظر إلى المسألة بمصطلحات دينيّة، هي على الأرجح إقصائية، وفي أحسن الأحوال تنظر إلى اليهود كجماعة دينية تستحق حزمة من الحقوق الدينية في ظلّ النظام الإسلامي. وخلافًا للنهج الليبرالي، الذي يصرّ على حيادية الدولة، لا يرى المنحى الإسلامي الدولة كلاعب حياديّ وإنما كوسيلة هامّة لتطبيق أفكار معيّنة فيما يتعلّق بالصالح العامّ. إنَّ المنحى الإسلامي إمّا أنه ينكر القومية كصمغ يجمع أعضاء الجماعة (الأمّة) معًا، أو أنه يعترف بالقومية أداتيًّا، إذ يستخدمها حين تسهم في تحقيق أهداف ومرامي السياسات الإسلامية. والواقع أن التطوّرات الأخيرة في العالم العربي – في أعقاب موجة التحوّل الديمقراطي، غير المنتهية وغير المتضّحة بعد، قد دفعت بحركات الإخوان المسلمين إلى تبنّي خطاب الحقوق المدنية – تمكّنت من التأثير على المشروع الوطني الفلسطيني الإسلامي ووضعها أمام بعض التحدّيات على صعيد نظرتها إلى المشروع الوطني الفلسطيني العلماني وإلى الهُوية والحقوق اليهودية في فلسطين التاريخية.
يمكن التمييز داخل الموقف الليبرالي بين صيغتين. تستخدم الصيغة الأولى لغة المبادئ والقيم الليبرالية للتهرّب من الاشتباك مع الهوية اليهودية والحقوق القومية اليهودية. إنَّ فرضيّة العمل الضمنيّة هنا هي أن اليهود ليسوا قومية وبالتالي لا يستحقون حقوقًا جماعية قومية. تستخدم الصيغة الليبرالية الثانية القيم الليبرالية والحقوق الفردية كمبادئ أخلاقية ومعيارية تلغي اعتبارات أخرى مثل الهُوية القومية. إن وجهة نظر ليبرالية متّسقة وفق هذه المحدّدات تلغي القومية اليهودية مثلما تلغي الوطنية الفلسطينية. والتحدّي الذي يواجهه هذا الطرح هو أنه يستهين بأهمّية الهُويات والمشاعر القومية لدى اليهود الإسرائيليّين ولدى الفلسطينيّين على حدّ سواء. لا شكّ أن القومية تسبّبت بحروب كارثيّة وصراعات، ومع ذلك لا يمكن إنكارها كقوة مؤثرة في التاريخ والسياسة الحديثَين والمعاصرَين. والحقيقة أنّ مزيجًا من الليبرالية والقومية هو أمر ممكن في إطار دولة واحدة. ولكن يبقى من الصعب تصوّر أية مبادئ وقيم سيتمّ على هَديها تشكيل هذه الهوية القومية المشتركة؛ وفوق ذلك، لن يكون من السهل تحديد رقّة وسماكة الهُوية الجامعة المحتملة لمجتمع متعدّد ومنقسم. يمكن القول إنَّ طرح ثنائية القومية – مقارنة مع الطروحات الليبرالية – يبدو مرشّحًا أكثر قابليّة للانخراط في اشتباك جدّي ومعمّق مع حقوق اليهود، وذلك على الأرجح لكونه يصرّ على تناول القومية بجدّية وبالتالي يطمح إلى التوفيق بين الحقوق القومية اليهودية والحقوق القومية للفلسطينيّين. وفي طرح قوميّ ثنائيّ متّسق، ستمنح مبادئ التناظر والتبادلية والمساواة إسنادًا لحقوق اليهود القومية، بما في ذلك حق تقرير المصير. إنَّ أحد التحدّيات الأساسية أمام هذا الطرح هي تناظر ومساواة مفترضان ضمنيًّا ومجرّدان في سياق ميراث المظالم التاريخية التي وقعت على الفلسطينيّين، بشكل رئيس على يد الصهيونية ودولة إسرائيل، إذ يمكن في الواقع الادّعاء بأن طرحًا ثنائيّ القومية أخلاقيًّا سيكون أكثر إقناعًا إذا رافقته عملية مصالحة تاريخية تسعى إلى التصالح مع مظالم الماضي التي ولّدها الصراع. يُشهر كتاب جانس “صهيونية عادلة” تحدّيات جدّية أمام الطرحيْن الإسلامي والليبرالي، ويوفّر حججًا محفّزة من شأنها أن تصبح نقاطًا بدئيّة للنقاش مع مؤيدي طرح ثنائية القومية. والحقيقة أن طرح ثنائية القومية لا يجب أن يحيل حصريًّا إلى الحلول السياسية العينية (حلّ الدولة ثنائية القومية، حلّ الدولة الفدرالية أو الكونفدرالية) التي تنبثق عن هندسة مؤسّسيّة مجرّدة. فإنَّ ثنائية القومية هي أيضًا إطار أخلاقي حيث تُبرز “ثنائيّة” تُبرز قيمًا ومبادئ من قَبيل المساواة والتبادليّة والشرعيّة المتبادلة تشكّل أساسًا لحلول سياسيّة بغضّ النظر عن شكل هيئتها المؤسّسي العيني.
في الواقع، فقد عبّر عدد من الفلسطينيّين عن شكوكهم في اقتراح الاشتباك الجدّي مع المسألة اليهودية. يقول بعضهم إنَّ الفلسطينيّين بصفتهم الطرف المضطهَد ليس مطلوبًا منهم أن يجدوا الحلول وبالتالي ليس عليهم تقديم الاقتراحات إلى الطرف المضطهِد قبل أن يشرع بوضوح في عملية تفكيك الكولونيالية. ويرفض هؤلاء على وجه الخصوص جهود تقديم الرؤى والمقترحات والمبادرات التي تحاول “إغواء” المضطهِد و”استيعاب” حقوقه ومَصالحه ومطالبه. علاوة على ذلك، هم ينظرون إلى اقتراح الاشتباك مع المسألة اليهودية على أنه طوباوي وانهزاميّ، لأنه أيضًا يستهين بل وينكر التجربة المرّة التي يعيشها الفلسطينيون تحت الاحتلال. ويطرح هؤلاء رؤية منقوصة، فاقتراح الاشتباك مع المسألة اليهودية تغذّيه خصوصيات وتواريخ الفلسطينيّين كما اليهود، ومن غير الواضح لماذا يجب النظر إلى اشتباك كهذا على أنه يأتي بالضرورة على حساب إنجاز أهداف قصيرة أو متوسطة المدى، أو على حساب النضال ضدّ الظلم ولأجل تلبية احتياجات الفلسطينيّين، أو على حساب تعزيز مقاومتهم وقدرتهم على الصمود. إن تجديد الفكر السياسي وتطوير فكر سياسي جديد هما ضرورة أخلاقية كما هما مصلحة وطنية فلسطينية استراتيجية، فمن هنا يمكن طرح اقتراحات خلاّقة وشاملة وأخلاقية للخروج من الاستعصاء، حتى لو كان الفلسطينيون يرزحون تحت وطأة التمييز والاحتلال والاستعمار. ففي الوقت الذي يضع هذا الفكر السياسي الجديد إحقاق الحقوق الفلسطينية في المركز، فهو ينشد قيمًا ومبادئ كونيّة مثل المساواة والحرية والعدالة والإنصاف، وهذه بدورها تتطلّب الالتفات إلى الحقوق والهُويات اليهودية والاشتباك معها. إنّ تراجع حلّ الدولتين وتعزيز عدم واقعيّته، وإدامة الصراع على ضوء الغبن الناجم عن التقسيم والفصل بين جماعتين متداخلتين على نحو عميق، هما تحديدًا ما يجب أن يستدعي الفلسطينيّين ليسعوا إلى تقديم رؤىً سياسية خلاّقة وشاملة وأخلاقية. إنّ هذه الرؤى، فيما هي تصرّ على تفكيك علاقات الهيمنة الكولونيالية، عليها أن تُبدي حساسيّة وتفهّمًا لتواريخ وتجارب الطرف المضطهِد، وأن تكفل مصالحة تاريخية. لقد قال إدوارد سعيد: “إذا أردنا أن نعيش جميعًا – وهذا حتمٌ لنا – علينا أن نأسِر ليس فقط مخيّلة شعبنا وإنما مخيّلة مضطهِدِنا أيضًا، وعلينا أن نلتزم بقيم إنسانية ديمقراطية” (2001). وفي الواقع، هناك فلسطينيون كثيرون يناضلون ليس لأجل الانتقام أو قلب المواقع بحيث يتحوّلون من مضطهَدين إلى مضطهِدين لمن اضطهدهم، لا بل يسعى نضالهم إلى طرح إطار أخلاقي وحلول ممكنة تشيّد من جديد إنسانيّة العرب واليهود في فلسطين التاريخية.
IV. الخلاصة
إنَّ مزيدًا من انخراط منظّري السياسة في قضية فلسطين/إسرائيل وفي المسائل الرئيسة التي هي في صُلب هذه القضية، هو أمر ذو أهمّية لأجل فهم أكثر عمقًا للتعقيدات الأخلاقية والمعيارية المتعلّقة بمحاور الصراع الرئيسة وربّما التفكير في قضية فلسطين/إسرائيل بشكل مختلف و”من خارج الصندوق”. غالبًا ما يُناقش الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني باستخدام لغة المصالح وعلاقات القوة والواقعية (والأخيرة غالبًا ما يجري استخدامها / استغلالها لمراقبة وضبط التفكير الخلاّق ولترسيم حدود الممكن، حتى لو كانت المشار إليها كـ”واقعيّة” تتجاهل واقع الاشتباك المتزايد بين حياة العرب واليهود في فلسطين التاريخية). إنَّ هذا أمرٌ يثبته المسعى الفاشل، حتى الآن، لتسوية الصراع، إذ هيمنت إلى حدّ كبير مقاربات تسوية الصراعات، وإدارة الصراعات، وصنع السلام، على معالجة القضية. إنّ انخراطًا جدّيًا ومختلفًا في قضية فلسطين/إسرائيل لا بدّ له أن يستحضر لغة غير لغة علاقات القوّة والمصالح و”الواقعية”. إنه يتطلّب لغة الشرعية المتبادَلة، والعدالة، والإنصاف، والمسؤولية، والتصحيح/التعويض، والمصالحة، والواقع والحياة المشتبكين غير القابلين للفصل. هذا هو السياق الذي يمكن فيه للنظرية السياسية أن تسهم في تسوية الصراع من خلال ضخّ اعتبارات أخلاقية ومعيارية إلى النقاش بشأن فلسطين/إسرائيل.
علاوة على ذلك، فإنَّ الطعونات والاستئنافات الفلسطينية/الإسرائيلية دارت حول قضايا مثل حق تقرير المصير، والسيادة، والمواطنة، وثنائية القومية، والفدرالية، والحقوق التاريخية، والعدالة التصحيحية. وركّزت السجالات الأخيرة في مجال النظرية السياسية المعاصرة على إعادة النظر في هذه المفاهيم ومراجعتها معياريًّا من جهة وفي ضوء تحوّلات عولميّة زمكانية تؤثر على كلّ الأمم والجماعات من جهة أخرى. ولذلك، قد نجد أنّ توظيف هذه السجالات في مناقشة قضية فلسطين/إسرائيل هو أمر مفيد جدًا. وفي عبارة أخرى، بينما معظم السجال حول فلسطين/إسرائيل يبدو، على سبيل المثال، أنه يفترض مسبقًا أن حق تقرير المصير القومي يجب أن يُترجَم مؤسّسيًّا إلى دولة-أمّة حصرية، تصرّ النظرية السياسية أن هذه واحدة فقط من ترجمات أخرى – تحدّدها اعتبارات معيارية وعملية – تشمل الحكم الذاتي، والفدرالية، والديمقراطية التوافقية، والكونفدرالية، وغيرها من الاحتمالات الكثيرة. وخلافًا للفهم السائد لحق تقرير المصير القومي الذي يجري مَفهَمته على أنه عدم تدخّل وتجري بالتالي ترجمته عمليًّا إلى تقسيم، فإن بعض السجالات الجارية مؤخرًا في النظرية السياسية قد أعادت مَفهمة حق تقرير المصير القومي وفق مسارات غير إقليمية ولا تستند إلى الهيمنة(10). وفي الحقيقة، فإنَّ السجالات المعاصرة في النظرية السياسية حول حق تقرير المصير، والسيادة، والمصالحة، والاستعمار، وما بعد-الاستعمار، قد تسهم في التعرّف إلى ومن ثم فتح طرق جديدة للتفكير، بتقديمها لغة جديدة تستند إلى مبادئ العدالة، والإنصاف، والتبادليّة، وبهذا تتيح المجال لصياغة رؤى لمستقبل جديد في فلسطين/إسرائيل. ورغم المحدوديات والنواقص في عمل جانس الدفاعيّ عن الصهيونية اليسارية، فإنه قد يشكّل دعوة إلى إقحام النظرية السياسية واهتمامها بمسائل العدالة، والإنصاف، والمسؤولية، والمصالحة، في حالة فلسطين/إسرائيل.
>
حواشٍ
1. هناك مفكرون آخرون حاولوا الدفاع عن فكرة توافق المركّبين اليهودي والديمقراطي في السياسة الإسرائيلية وتبريرها بمصطلحات معيارية وبمصطلحات عملية.
2. للمزيد عن هذه التمايزات، انظروا Bashir (2008, 82).
3. في أعقاب حنة آرندت، ميّز عدد من المفكرين بين المسؤولية الشخصية والمسؤولية السياسية. وتختلف الثانية عن الأولى في أنها مسؤولية كفالة (غير مباشرة) وغير طوعيّة معًا. للمزيد انظروا Schaap (2001, 749-766).
4. Janna Thompson (2002) تصرّ على أن مسؤولية أعضاء الأمّة تشمل بالضرورة تحمّل المسؤولية عن أفعال سلفهم من أعضاء الأمّة نفسها.
5. للمزيد عن هذه الظاهرة ، انظروا Sayigh (1979).
6. انظروا مثلاً ، Masalha (1992).
7. للمزيد عن ذلك، انظروا Raz-Krakotzkin (2011, 62).
8. من منظور “استبدادية الخطاب الدولاني” “Tyranny of Statehood” ، جرى اختزال القضية الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني, وتحديدا حق تقرير المصير, (من قِبَل بعض النخب السياسية الفلسطينية واللاعبين الدوليّين المؤثرين والداعمين) إلى تحصيل دولة فلسطينية، تحوّلت إلى غاية في حدّ ذاتها بغضّ النظر عن قدرتها على التوفيق بين الطموحات والحقوق الأساسية الوطنية الفلسطينية، مثل حق العودة للاّجئين، وبين الهُوية الفلسطينية.
9. الوثيقة التي نشرها “الفريق الفلسطيني للدراسة الاستراتيجية”، الذي يشمل قيادات فلسطينية بارزة وناشطين وأكاديميّين، هي مثال على مثل هذه المساعي. للمزيد عن هذه المجموعة وعن الوثيقة المعنونة: ” استعادة زمام المبادرة: الخيارات الاستراتيجية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”، على الرابط التالي: http://www.palestinestrategygroup.ps/
10. انظروا مثلاً دراستي إيريس يونغ (2005، 2006)، والتي تقترح فيهما إعادة صياغة مفهوم حق تقرير المصير بموازاة مفهوم اللاهيمنيّة، باستخدامها قضية فلسطين/إسرائيل.
?
مصادر
Bashir, Bashir. 2008. “Accommodating Historically Oppressed Social Groups: Deliberative Democracy and the Politics of Reconciliation”. In The Politics of Reconciliation in Multicultural Societies, ed. Will Kymlicka, and Bashir Bashir, 69-101. Oxford: Oxford University Press.
Fraser, Nancy. 1995. “From Redistribution to Recognition? Dilemmas of Justice in a ‘Post-Socialist’ Age.” New Left Review 212 :68-93.
Gavison, Ruth. 1999. Can Israel Be Both Jewish and Democratic? Tensions and Prospects. Jerusalem: Van Leer Institute, Hakibbutz Hameuchad. (Hebrew.)
Jamal, Amal. 2007. “Nationalizing States and the Construction of ‘Hollow Citizenship’: Israel and its Palestinian Citizens.” Ethnopolitics 6 (4):471-493.
Khalidi, Rashid. 1997. Palestinian Identity: The Construction if Modern National Consciousness. New York: Columbia University Press.
Masalha, Nur. 1992. The Expulsion of the Palestinians: The Concept of “Transfer” in Zionist Political Thought, 1882-1948. Washington, D.C.: Institute for Palestine Studies.
Raz-Krakotzkin, Amnon. 2011. “Jewish Peoplehood, “Jewish Politics,” and Political Responsibility: Arendt on Zionism and Partitions.” College Literature 38 (1):57-74.
Said. Edward. 2001. “The Only Alternative.” Al-Ahram Weekly Online, 1-7 March, No. 523, 2001. http://weekly.ahram.org.eg/2001/523/op2.htm (Access: 8th/ September/ 2011)
Sayigh, Rosemary. 1979. Palestinians: From Peasants to Revolutionaries. London: Zed.
Schaap, Andrew. 2001. Guilty Subjects and Political Responsibility: Arendt, Jaspers and the Resonance of the ‘German Question’ in Politics of Reconciliation. Political Studies 49(4): 749-766.
Smooha, Sammy. 2002. “The Model of Ethnic Democracy: Israel as a Democratic and Jewish State.” Nations and Nationalism 8 (4):475-503.
Tamir, Yael. 1993. Liberal Nationalism. Princeton: Princeton University Press.
Thompson, Janna. 2002. Taking Responsibility for the Past: Reparation and Historical Injustice. Cambridge: Polity Press.
Yakobson, Alexander, and Rubinstein, Amnon. 2003. Israel and the Family of Nations: Jewish Nation-State and Human Rights. Tel-Aviv: Schocken. (Hebrew.)
Yonah, Yossi, and Shenhav, Yehouda. 2005. What is Multiculturalism? The Politics of Difference in Israel. Tel-Aviv: Babel. (Hebrew.)
Young, Iris. 1990. Justice and the Politics of Difference. Princeton: Princeton University Press.
Young, Iris. 2005. “Self-Determination as Non-Domination: Ideals Applied to Palestine/ Israel.” Ethnicities 5 (2):139-159.
Young, Iris. 2006. Global Challenges: War, Self-Determination and Responsibility for Justice. Polity Press.