رسالة إلى محمد عسّاف/ هانية عَسوَد
نحن بحاجة حقيقية لأشخاص وأرواح جديدة من المنطقة العربية (في كل المجالات) التي لديها الوعي والحافز والقدرة على أن تعمم ثقافة وفكر جديد.
| هانية عَسوَد |
عزيزي محمد، وأتمنى أن تصلك رسالتي وأنت بخير وفرح وأمل وأن يكون في صدرك الرحابة وسعة الأفق لأن تتقبل ما سيأتي بها كوجهة نظر، من إحدى المواطنات المهتمات في هذا الوطن العربي الممتد، على الأقل.
أنا لست من متابعي التلفاز .. فلقد اتخذت قرارًا منذ 10 سنوات تقريباً بمقاطعته تماماً، بعد أن تدهورت محطاته وبرامجه ورسائلة وأدواته بسبب الظروف والواقع والأجندات (ليس فقط في المنطقة العربية وإنما بشكل عام). وللعلم، أنا لم أعد لمشاهدته خلال هذه السنوات العشر الماضية إلا لسببيْن: الأول هو أحداث الربيع العربي ما بين تونس ومصر واليمن بشكل خاصّ، والثاني لمشاهدة الحلقات الثلاث الأخيرة من برنامج “الأراب أيدل” الذي كنت فيه، وذلك بعد كمّ الضغوطات والتخجيلات التي واجهتها من الأصدقاء. وللعلم أيضاً، بشكل أخلاقي ومهني عام، لديّ تحفظات على البرامج الفنية التلفزيونية التجارية بما فيها البرنامج الذي كنت فيه، وتحديداً بكيفية العمل عليها والتعامل مع المتقدمين لها والمشاركين بها وتسخيرها. لكن قناعتي، برغم تحفظاتي، أنها لربما -حتى لو بالصدفة- تستطيع أن توفر فرصا حقيقية لشبان وفتايات موهوبين يستحقون الدعم على مستويات مختلفة؛ وهذا أضعف الأيمان.
خلال مشاهدة آخر ثلاث حلقات، شدني الفخر بك وبكل الشباب العرب المشاركين الموهوبين؛ فرحت ودافعت عن كمّ الفرحة التي أدخلتموها إلى قلوب وبيوت الشعوب.. شعوبكم، وتحديدًا في وقت وظروف أصابتنا جميعاً بالإحباط من الخليج حتى المحيط. وللأسف، لم أتابع ما حدث معك ومع الآخرين من المشاركين بعد انتهاء البرنامج، لكنني كنت أسمع بعض الأخبار من خلال الأصدقاء كل فترة.
أما الآن وقد وصلني لينك لأغنيتك الجديدة “يا حلالي يا مالي”، التي صورتها في أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان، شعرت بحاجتي لأن أضع أمامك بعض إنعكاساتي ومن ثم أمنياتي وآمالي، وهي بشكل أساسي على ثلاثة محاور مترابطة جداً:
الشكل والمضمون..
بدايةً، لم أر في الفيديو عسّاف الشاب الفلسطيني العربي بطبيعته وعفويته الحرة. الشعر و”الميك أب” أكثر من اللزوم لدرجة تسلب الواقعية من المشهد وكذلك من الفكرة التي يحاول الفيديو وجملتك في نهايته ترسيخها. والملاحظة الثانية، هي أنني ولوهلة شعرت بأن الفيديو كليب هو إعلان تسويقي لمنتجين جدد في ساحة المستهلكين؛ البوت الجولد-بليتد أو المذهّب والبلوزة ذات الحطة الذهبية الحديثة. ولم أفهم وجود العديد من المشاهد الأخرى في الفيديو التي حملت صورا لأحذية رياضية -مختلفة وربما أكثر حقيقية ومنطقية بشكلها كأحذية رياضية- لشباب من المخيم (المفروض) وكذلك صور أخرى لك بالحطة البيضاء الحقيقية؛ وشعرت أيضأ بأن ذلك هي طريقة المنتج لعمل المقارنة أو المقاربة.
أحترم تماماً حاجة المنتج والمخرج لإستخدام المكياج والملابس لأسباب تقنية و”فنية” وتسويقية، كما أنني أعي أهمية الإستعانة بالشركات الكبرى الرأسمالية لدعم المشاريع الإبداعية وغيرها من المشاريع المهمة، لكن أتمنى عليك أن تكون أكثر وعياً وحذراً من أن تؤدي هذه الأهداف أو أحدها إلى تشويه الطبيعية وتشويه الثقافة العامة والمضمون، وبالتالي التأثير بشكل سلبي عليك وعلى مشاهديك وعلى تفاصيل أكبر. ومثل صغير على ذلك: أنا لا يسعدني أبداً بأن تكون طرفا من الأطراف الكثيرة التي تسعى إلى تشويه الثقافة التراثية والسياسية سوءاً للقضية الفلسطنية أو للمنطقة عبر إستبعاد الحطة الحقيقية وإستخدام ما تبقى منها من خلال رسم كمبيوتر مذهب على صدر البلايز العصرية. أنا لست ضد التحضر والتقدم، لكن وبعد أن شهد التاريخ ثقافات مات أهلها في محاولة لترسيخ هويتهم عبر تراثهم، فإن ذلك يتطلب منّا أن نكون أكثر وعياً وعدم تخطي ذلك الخط الرفيع، ما بين التحضر وبين انتهاك حرمة الثقافات والتراث.
الرسالة والتمييز ..
تقديرك لأصلك وإنتماؤك لمكانك ولقضيتك يمكن أن تعكسهما من خلال أشكال وأعمال متعددة وليس فقط من خلال إنتاج فيديو كليب في أحد المخيمات، لا سيما وأن الفيديو كليب لم يعكس أي مضمون حقيقي لعكس هذه القضية، سواء بشكل خاص (المخيمات الفلسطينية في لبنان) أو بشكل عام (اللجوء كمفهوم ونتائج). ولا أفترض هنا أن عليك التركيز على السيئ أو المحزن فقط. أسعدني جداً رؤية الفرح على الناس الموجودة في الفيديو وأتمنى أن يكون هذا هو حقيقة ما حدث على أرض الواقع حين تصوير الفيديو في المخيم.
نحن بحاجة حقيقية لأشخاص وأرواح جديدة من المنطقة العربية (في كل المجالات) لديها الوعي والحافز والقدرة على أن تعمم ثقافة وفكرا جديدين. الفنان صاحب رسالة ولديه السلطة والقدرة على توصيلها لجمهور كبير. وأنت يا عزيزي صاحب أكثر من رسالة برأيي؛ كشاب، كفلسطيني، كلاجئ، كعربي، كفنان، وغيرها. وكمثال بسيط على ما أقوله؛ أنا لست ضد التغني بالرصاص الذي “يلولح بالعالي” ولكني مع تناوله بشكل أكثر وعياً وأكثر موضوعية وتحديداً بهذه المرحلة التاريخية التي يمرّ الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وتحديداً الشباب.
التغني بالمقبول والركض خلف السائد والمضي فقط مع التيار الجارف لن يسمح لك أبداً بتأدية أيّ رسالة حقيقية يمكن لها أن تترك أثرا أو تغييرا إيجابيا على أي مستوى. من الضروري أن تختار رسائلك وترسم مسارك وتعمل بجد وصبر على تحقيقها. وبرأيي المتواضع، لو قدمت الأفضل أو قدمت الأسوا، كفنان، ستستطيع أن تكسب “جمهور”؛ لكن هناك فرق ما بين كسب الجمهور عبر فن حقيقي وناضج يطرح مضمونا واعيا وناضجا ويساهم في عمل تغيير على مستوى الوعي والثقافة وبين كسبه عبر تكرير نفس الرسائل التجارية ذات الأهداف التسويقية التي لا تزال تلوث مجتمعنا وشبابنا وتؤدي إلى إبعادنا كل البعد عن القضايا الأهم لنا ولمجتمعاتنا ومحيطنا. لربما تحتاج لوقت ما للقيام بإنتاج الإثنين سوياً لتستطيع تحقيق الكسب سواءً جماهيرياً أم مادياً .. تمام؛ لكن أتمنى أن لا تغلب التسويقية والتجارية على فنك ولا أن تتوه في محاولة للبقاء ضمن “النخبة الفنية التجارية” وتخسر فنك الحقيقي.
الشهرة والأضواء
كلنا نعلم أنّ لدى الشعوب إشكالية حقيقية مع واقع أنّ أغلب من يصل إلى السلطة من السياسيين والمفكرين وغيرهم، ينفصلون تماماً عن أرض الواقع والناس والقضايا الحقيقية ويشكلون ما يسمى بـ “النخب السياسية” التي تعمل لمصلحتها الفردية أو المشتركة ما بينهم؛ وطبعاً جميعهم لديهم المبررات – من وجهة نظرهم لذلك – والتي يتمحور عدد منها حلول: أن “التيار جارف لرأي ورؤية الأغلبية” داخل هذه النخبة وكذلك هناك فكرة “أهمية الحصول على القبول” من هذه الأغلبية بهدف البقاء جزءا منها وعمل شيء، وبالتأكيد هناك فكرة العمل بحسب ما يرغبه “السوق”، أو ما يقبله ويتوقعه الأغلبية من الناس. بنفس المنطق والسياق تماماً، هناك “نخب الأنجي أوز” و”النخب الثقافية” و “النخب الفنية” و”التجارية” وغيرها. أتمنى أن لا تتحول إلى رقم من أرقام هذه النخب المنزوعة من أرضها والبعيدة عن جذورها وناسها والتي تعمل لمصلحتها أو لمصالحها المشتركة فقط، فتقتل حلمك وحلمنا بك وبكل أمل صاعد.
في النهاية، مرة أخرى، أتمنى أن يتسع صدرك لأن تأخذ تأملاتي ورأيي على أنها تخوفات وأمنيات لا تستهدف بأيّ شكل من الأشكال الإساءة إليك أو لقدراتك وإنما لتحفيزك على العمل أكثر على ما يمكن أن يتناسب مع ما أعلنته كمسؤوليتك ودورك، وأن يصقل ويرضي موهبتك، ويحقق حلمك ويرضي ضميرك.
4 مارس 2015
التعليق
17 أبريل 2014
قلتيلي أصحابك ضغطوا عليك لتحضيري البرنامج ..ضحكتني .. يا ريتهم ما ضغطوا .. نقد ضعيف ومفلسف ًمفلس وبلا طعمة
16 أبريل 2014
اذا ممكن اعلق قليلا على المقال، شخصيا انا أيضاً لست من متابعي التلفزيون منذ عدة سنوات لأسباب مشابهة،وأتوقع عددنا كبير مع زيادة الاعتماد على النت للترفيه وللمعلومات، الوسيط اختلف و ذلك لا يعني توقف الناس عن المشاهدة،وايضاً تابعت مثل غيري بشغف هذا الموسم من عرب ايدول، لانه برنامج ترفيهي يقدم مواهب مميزة، لفتني تحديدا محمد عساف كموهبة استثنائية خارقة للمألوف، ولأول مرة صوت في برنامج ترفيهي لإيماني بفنه لا غير، ولا زلت أتابعه كفنان استثنائي يقدم فنا راقيا، فهو ليس زعيما او ناشطا سياسيا، فنان يقوم بدور ممتاز في المجال الخيري والثقافي لكن يظل فنانا ونجما، ومن المؤسف ان البعض يريد منه ان يتحول الى زعيم او ناشط سياسي، بينما دوره الفني اهم وأقرب للناس من كل الزعماء والنشطاء، وهؤلاء يتوقعون ان يصور أعماله الفنية كأفلام وثائقية! فلا يكفيهم ان يصور في مخيم للاجئين و ان يلبس من مصممين فلسطينيين، بل لا بد ان يظهر بمظهر رث وغير مرتب!!! كان أبناء المخيم محرم عليهم الظهور بمظهر حسن! ويلام على البوت بينما الهدف هو حركة القدمين في الدبكة!!!ارجوكم، ابحثوا عن الزعماء في مكان اخر، واتركوا لنا أملا في الفن الجميل الراقي