الأمر بالمنع والنهي عن الفن/ عامر حليحل
إذا كنتم تريدوننا في مهرجاناتكم السياسية وأمسياتكم الوطنية، نريدكم أن تحموا فكرنا، لا لأننا ضحايا، وإنما لأننا وجه هذا الشعب وصورته ومرآته ولسنا في خلفيّته
>
|عامر حليحل|
صدمنا الأسبوع الفائت خبران لا يمكن المرور عليهما مرّ الكرام؛ الأول هو تصدّي ثلّة من التكفيريين لعرض فرقة “وطن على وتر” في عكا ومنع الجمهور من دخول القاعة بحجّة أنّ العرض يسيء للإسلام لأنّ الفرقة لديها مقطع على اليوتيوب يعبّر عن خوف الشارع الفلسطيني من سيطرة الإخوان المسلمين على حياتنا. أمّا الخبر الثاني فهو منع عرض فيلم “المخلّص” الذي يروي سيرة حياة المسيح في سخنين، تقريباً بنفس الحجة وهي أنّ الفيلم مخالف للرواية الإسلامية في هذا الموضوع.
لنعُد إلى “وطن على وتر”، ولنفرض أنّ به إساءة، فمن قرّر أنّ الإساءة للإخوان المسلمين والمتطرفين دينياً هي إساءة للإسلام؟ ومن قرّر أنّ رجال الدين المسلمين، والذين يجرّدهم الإسلام نفسه من أيّ صفة تقديس أو رفعة عن باقي الناس، من قرّر أنهم معصومون عن النقد؟ ولنفرض أنّ ما قدّمه فريق “وطن على وتر” غير مقبول وغير منصف وغير مُحقّ، فهل في هذا ما يكفي لأن تمنع عرضًا بالقوة وتجبر الناس على الرجوع إلى بيوتهم وتصرخ في وجوههم بأنّ “من يشاهد هذا العرض فهو خارج عن طاعة محمد”؟ هكذا، ببساطة؟! خارج عن طاعة محمد! تخيفون الناس كي يتبعوكم، هذا ما تفعلونه، وهذا ما يقوله “وطن على وتر” بالحرف، إذًا لمَ الغضب؟ على ماذا تعترضون؟ أين الإساءة وأنتم تمارسون ما يدعونه ضدّكم، لتكذيب ما يدّعونه؟ عجيب!
بالنسبة لفيلم “المخلّص”، لدي سؤال واحد فقط: ماذا لو جاءت ثلّة من العنصريين المسيحيين في أوروبا ومنعوا خطبة الجمعة لأحد الشيوخ بحجّة أنها منافية لتعاليمهم وروايتهم؟ كنتم أقمتم الدنيا ولم تقعدوها؛ كنتم لعبتم دور الضحية وأنّ الحقد والكراهية يملآن قلوب الكفّار ضدّ المسلمين والإسلام.. هل أنتم على استعداد لتقبّل مثل هذا الإدعاء ضدّكم بفعلتكم هذه؟
كنت سأحترمكم وأحترم موقفكم لو أنكم وقفتم خارج قاعات العرض وأقمتم مظاهرة احتجاجية سلمية تشرحون بها للعالم قضيتكم، من دون أن تعطّلوا سير أحداث تختلفون معها. لكنكم لم تتركوا مكاناً للاحترام. ما حصل في عكا وسخنين ومن قبلهما في باقة الغربية وغيرها من البلدان يتطلّب موقفاً فعلياً لا كلامياً من الأحزاب والحركات السياسية التي تعتبر نفسها ديمقراطية وتدافع عن الحريات. الحرية ليست حرية الأرض والإنسان فقط، وإنما الأهم من ذلك حرية الفكر والتعبير. إذ ما الحكمة في تحرير البلاد ونحن مسجونون في أفكار ظلامية تعود بنا 500 عام إلى الوراء؟ ما الحكمة في أن تحرّر أسيرًا فتخرجه إلى عالم لا يستطيع أن يفكّر به بحريّة؟ لذا على الأحزاب أن تحمي الفن والثقافة، ليس هذا فقط، بل عليها أن تحمي حرية الفن والثقافة مهما كانت قاسية وغير مُرضية لأيّ طرف كان، وهذا يبدأ بأن نرى قيادات هذا المجتمع في العروض التي تقام على مسارحنا، من دون أن يكون العرض مربوطاً بحدث وطنيّ، بل الحضور إلى العروض من أجل العروض من أجل الفن. كما نريدكم أن تكونوا هناك لصدّ أيّ محاولة اعتداء على أيّ فنان أو إنسان يريد أن يمارس حياته بالشكل الذي يريده. وإلّا فكلّ مشروعكم السياسيّ هباء. إذا كنتم تريدوننا في مهرجاناتكم السياسية وأمسياتكم الوطنية، نريدكم أن تحموا فكرنا، لا لأننا ضحايا، وإنما لأننا وجه هذا الشعب وصورته ومرآته ولسنا في خلفيّته؛ نريد منكم أن تثبتوا صدق ادعاءاتكم.
ما حصل في عكا وسخنين وطرعان خطير، خطير بمعناه وفحواه وشكله؛ خطير لأنّ بعض الأشخاص يتّخذون لأنفسهم موقع السلطة والآمر الناهي فقط لأنهم قرّروا ذلك؛ خطير لأنه من السهولة أن يصبح عادة؛ خطير لأنّ السكوت عليه سيعزّزه ويثبته؛ خطير لأنه سيستطيع أيّ أحد من الآن فصاعدًا إيقاف أيّ عرض أو فعالية لأنه قرّر أنّ العرض مسيء لشيء ما أو لأحد ما؛ خطير لأنه يضعنا كشعب أمام واقع لا يقبل التعددية والاختلاف. نحن لن نصمت، فردّة فعلنا ستكون مشابهة لفعلهم. سيمنعوننا، سنمنعهم؛ سيرفضوننا، سنرفضهم؛ سيكفّروننا، سنكفّرهم. لن نسمح لهم بسلب حريتنا في التعبير والفن والثقافة والاختلاف مهما كلّف الثمن. سنحارب على أنفسنا وفننا وثقافتنا وأدبنا من دون أيّ مهاودة وجبن. لن نقبل، لن نقبل، ولن نقبل؛ إنها حرب على الحياة والكرامة والحرية، وسنخوضها حتى لو بقينا وحدنا فيها.
(نشر في ملحق الجمعة لصحيفة “فصل المقال”)
14 أبريل 2014
عامر أفتخر بك، وأشكرك على “فشة الخلق”يجب أن نتكاتف جميعنا لمنع هذه الأفعال اللّا حضاريّة ولكبح انتشارها