«أخبار الأدب»: وقائع موت معلن؟/ محمد خير
منعطف جديد تدخله الجريدة المعروفة. بعدما أخضع صحافيوها العسكر لإرادتهم العام الماضي، ها هي التعيينات الأخيرة تضعهم أمام استحقاق جديد: مجدي تهامي عفيفي الذي أمضى أعواماً في كيل المدائح للسلطان قابوس وحسني مبارك و«الفقيه الثوري»، يصبح رئيس تحرير أهم مجلة ثقافية في العالم العربي
«أخبار الأدب»: وقائع موت معلن؟/ محمد خير
.
|محمد خير|
«سوف ننتظر أولاً ونرى، كما فعلنا خلال العام الماضي»، هكذا يقول نائل الطوخي لـ «الأخبار». يعيش الروائي والمترجم والصحافي في جريدة «أخبار الأدب» مرحلة انتظار وترقّب بعدما اتخذ مجلس الشورى المصري قراراً صادماً لجمهور الصحيفة وقرائها، بتعيين مجدي تهامي عفيفي المقيم في سلطنة عمان منذ عشرات الأعوام، رئيس تحرير الجريدة الأسبوعية خلفاً لعبلة الرويني. يذكّر الطوخي بما جرى العام الماضي، عندما عيّن المجلس العسكري مصطفى عبد الله رئيساً للتحرير، وخلفاً لجمال الغيطاني، مؤسّس الجريدة ورئيس تحريرها لـ 17 عاماً. آنذاك، انتظر الصحافيون بضعة أسابيع منحوا خلالها عبد الله فرصته، قبل أن يبدأوا إجراءات الضغط والتّصعيد بالإضراب.
حاول مصطفى عبد الله وقتها الالتفاف على الإضراب باستكتاب صحافيين من الخارج، لكنّ محاولاته لم تصمد طويلاً. بعد الضغط والوقفات الاحتجاجية وبيانات التضامن وامتناع المثقفين عن الكتابة في الجريدة، رضخت مؤسسة «الأخبار» -ومن هم وراءها- لمطالب الصحافيين وقبلت انتخاباتهم التي اختاروا خلالها عبلة الرويني كأول رئيس تحرير منتخب في الصحافة المصرية. أعادت عبلة إلى الجريدة رونقها سريعاً، لكن السنة دارت لتجد الجريدة نفسهاً مجدداً عند نقطة البداية، ولو بصيغة أشدّ صعوبة. رئيس التحرير الجديد الذي اقتحم «مكتبه» فوراً من دون أن ينتظر أن تجمع الرويني حاجياتها، عُيّن بواسطة القانون «الطبيعي» من قبل سلطة «منتخبة» لم تسعَ إلى تغيير إرث النظام البائد من القوانين الاحتكارية المصممة للسيطرة على الإعلام. في موقع «الشبكة العمانية»، كتب العُماني إياد بن ساعدة «استنزف عفيفي أموالاً طائلة من وزارة التراث والثقافة ووزارة الإعلام التي تربطه بوزيرها علاقات (ثقافية) متينة!». ثم يضيف «وإذا كان عفيفي خبرة صحافية لا تقدر بثمن (..) فليجرّب العودة إلى مصر والعمل في صحافتها، وكم سيكون محظوظاً إذا سمحوا له بتحرير مجلة حائط هناك»!
طبعاً، ليست «أخبار الأدب» مجلة حائط، بل هي الجريدة الأدبية الوحيدة في مصر، لكن عفيفي الذي استغرق في كيل المدائح للسلطان قابوس طوال إقامته في عمان، من دون أن ينسى نصيب الرئيس -المخلوع الآن- مبارك، تولى الآن «أخبار الأدب» ليستثمر فيها «خبراته»، ومنها التغزل بأحد أقرب القريبين إلى الإخوان المسلمين وهو الشيخ صفوت حجازي. وقد وصفه عفيفي في حوار معه بـ «الفقيه الثوري» و«بيته ميدان تحرير مصغر (…) العنفوان حواره، والثقة عنوانه، الهدف محدد، والرؤية واضحة: إحقاق الحق ونيل رضى الله، لكن لا شيء يتحقق إلا بالروح الثورية، يتحدث بقدر، ويقدر لرجله قبل الخطو موضعها»! لكن المفارقة أنه قبل ثلاثة أشهر فقط من هذا المديح، أي في حزيران (يونيو) 2011، كتب عفيفي نفسه مقالاً غاضباً ضد الإخوان تحت عنوان «أيها الإخوان… هل كفار قريش؟». سخر هنا من الجماعة وحجازي قائلاً: «ويبدو، والله أعلم، أننا سنظل هكذا (يقصد ككفار قريش) إلى أن يعتلي الأخ صبحي صالح وإخوانه عرش مصر، وأن تتنزل على الأخ محمد حسان وجماعته تعاليم جديدة من السماء، وأن يفجر الأخ صفوت حجازي ثورة إسلامية حديثة شعارها اللحية والنقاب باعتباره مفجر الثورة وخطيبها الأغر»!
رغم ما سبق من تناقضات في شخصه و«أفكاره»، إلا أنّ أمام رئيس التحرير الجديد الفرصة ليخيب ظنّ المتشائمين، لكن بعض كتّاب الصحيفة اتخذوا قراراً بالفعل بالتوقف عن الكتابة فيها احتجاجاً على إبعاد الرويني والمجيء بعفيفي. وليس هذا غريباً، فمدير التحرير نفسه (الزميل محمد شعير) يعتبر أن مجرد تعيين عفيفي «محاولة لإغلاق الصحيفة».
تتجه الأنظار الآن نحو مبادرة التشكيلي أحمد اللباد، الذي اقترح إنشاء صحيفة موازية تعبر عن المثقفين من دون الخضوع لإملاءات الحكومة «التي غدت إخوانية». «مطبوعة جديدة يلتفّ حولها الصحافيون الثقافيون والمثقفون والفنانون بكل طوائفهم والقرّاء المحترفون وكل المهتمين بحماسة حقيقية وإيمان بدور المطبوعة كنموذج للمقاومة وطرح البدائل»، بدا اقتراح اللباد مقبولاً، تحمّس له مثقفون، منهم الناشر محمد هاشم. ولأن عقبة التمويل تبقى قائمة، فقد عاد احتمال إصدار الصحيفة إلكترونياً بصفة تطوعية. هذا طبعاً لو ثبت التوقع بتدهور التجربة على يد عفيفي، الذي يعتبر أن أنيس منصور أستاذه، ومهما كانت النتائج، فإن الصحافة المصرية -الحكومية منها على الأقل- لن تعود أبداً كما كانت.
.
ترقّب الخطوة الأولى
أصدر صحافيو «أخبار الأدب» أمس بياناً جاء فيه: «منذ الإعلان عن اسم رئيس التحرير الجديد، سادت الوسط الثقافي حالة من الرفض والإدانة، ووصل الأمر إلى حد طلب المقاطعة، والإعلان عن مبادرات لإصدار «أخبار أدب» بديلة تحل محل الأصلية (…) وبدورنا أصابنا ما أصاب الوسط كلّه من صدمة وقلق، وخاصةً مع ما قيل عن التوجهات الإخوانية للزميل مجدي عفيفي (…)، واعتبرها البعض نهاية حقيقية لـ «أخبار الأدب». ولأننا نؤمن بأنّ «أخبار الأدب» ملككم وأنّكم شركاء حقيقيون في هذا الإصدار، كان يجب أن نواجه الزميل الجديد بكل ما قيل. وفي اجتماع الأحد الماضي، أكّدنا على ثوابت «أخبار الأدب» (…). وأكد رئيس التحرير الجديد أنه ملتزم بهذه الثوابت، وجاء ليضيف إلى «أخبار الأدب» لا لينتقص منها. نفى الرجل أن يكون إخوانياً أو يسعى إلى فرض رؤى وتصورات الجماعة (…) وقال إن أولى مقالاته ستكون تأكيداً على تلك الثوابت. حالياً نحن على أعتاب مرحلة جديدة، وربما صدام جديد، لكن لا يسعنا إلا أن نفترض حسن النوايا، وانتظروا وإنا معكم لمنتظرون».
(عن “الأخبار” اللبنانية)