أفعى/ شيخة حليوى
صوتُ الشّيخ يتجاوز مجلس الرجال وأسماعهم ويصلُ مجلس النساء فتهزُّ واحدة رأسها. وتزمُّ أخرى شفتيها. ولسان نعيمة يُزاحمُ صوتَ الشّيخِ: استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم
.
|شيخة حليوى|
- ماذا تقولين؟ أفعى!؟
- اثنتان وليست واحدة.
- اثنتان؟ لا أشبعها الله!
- لا… والأدهى أنّها وشمتها على…مؤخّرتها!
- والأفعى الثانية؟ ….. دخيلك أم أحمد لا تقوليها! يييييي عند….؟ ستر الله علينا!
- منذ عشرين عاما وأنا أغسلُ الأموات لم أر في حياتي ما رأيته اليوم. والله غسلتها وجسدي كلّه ينتفض.
- الله يغفر لها ويستر عليها.
- والله هذا آخر الزّمان. هذه من علامات السّاعة.
- طبعا أم أحمد. عندما يطوي القبر امرأة واشمة أفعى على…اللهمّ لا تكتبها علينا نميمة.
- استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم. ستر الله على الولايا ورحم جميع أمواتنا.
**
غسلت نعيمة جثّة الميّتة وهي ترتعدُ. لم يحدث أن خافت وهي التي تحاور الموت على المغتسل. تدلّل حضوره وتعتني به. لم يحدث خلال سنوات عملها العشرين أن شاركتها أفعى في مهمّتها. كأنّ الأفعى الملوّنة المتمدّدة براحة أسفل ظهر المرأة ستبعث حيّة وتلتهمها. هذا الجسد الفتي كأنّه لم يمت. ينبضُ حرارة وحياةً وجمالا . أفعى أخرى ملتفّة بجمال أعلى عانتها.
- إنّها فتنة الأفعى. أعرفها إنّها فتنتها على الأموات والأحياء. أخرجت أبانا آدم من الجنّة. استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم. يا ربّ سترك.
سارعتْ في طقوس الغسل وتغاضت عن بعضها. أختُ الميّتة وصديقتها تتّبعان أوامر نعيمة في الغسل دون فائض تفكّر. لا يجتمع الحزن والفكر السّليم معا. يحضر واحدٌ فيغيبُ الآخر.
**
لقد قال تعالى في محكم تنزيله:”زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة منَ الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا والله عنده حسن المآب” صدق الله العظيم.
- احذروا فتنة المرأة أيّها المسلمون. احذروها. إنّها كالأفعى التي أخرجت سيدنا آدم عليه السلام من الجنّة. إنّها الأفعى بعينها.
لا يملكُ هذا الشّيخ من رصيد الآيات سواها. يكرّرها في مجالس العزاء التي ينعى فيها الميّتين ويمجّد الموت. يُضيفُ إليها أحيانا بعض العبارات الجاهزة وحديثا يتلعثمُ فيه، فيقطعه: صدق رسول الله. لا أحد ينتبه للحديث المقطوع من آخره أو للآيات المُكرّرة. الوجوه منشغلةً برائحة الموت وشبحه وبعضها ينشغل بجدوى الوجود والرحيل المتربّص به.
صوتُ الشّيخ يتجاوز مجلس الرجال وأسماعهم ويصلُ مجلس النساء فتهزُّ واحدة رأسها. وتزمُّ أخرى شفتيها. ولسان نعيمة يُزاحمُ صوتَ الشّيخِ: استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم.
زوج الميّتة ينظرُ في ساعته ويُحصي ما بقي على انتهاء مجلس العزاء. إنّه الثالث. ثلاثة أيّام لم يذق فيها طعما للنوم. ليته الليلة يغفو ويزورها في منامه. رحلت فجأة. توقّف قلبها وبرد جسدها الجميل. حتّى الأفعى التي تزيّن موضعين من الجسد الغضّ بهتت ألوانها. كانت هديّتها له في عيده الخامس والثلاثين وذكرى زواجهما العاشرة. وشم أفعى أسفل ظهرها. بعد عام رجاها أن ترسمَ أفعى أخرى أسفل بطنها. تردّدتْ. ثمّ رضخت لرغبة زوجٍ تُثيرهُ أفعى وتغريهِ.
أعياهُ الحزنُ والتّذكّر فنام.
لم تنم نعيمة تلك الليلة. كانت الميّتة تتمدّدُ بجمال بجانبها في السّرير وأفاعٍ تتكاثر عند الحافّة.
صارت الأفعى حديث النسوة في صباح الثرثرة وحلم الرجالِ في ليالي الشّغف.
ورفيقة ليالي نعيمة بعد كلّ موت.
4 أغسطس 2015
“الأفعى” هذه تنتمي لثقافة العهد القديم وليس الاسلام. وما من حديث شريف أو آية كريمة تحتوي أفعى أخرجت آدم وحواء من الجنة. في القرآن شجرة. إذاً من زاوية فنية، بنيت القصة على فكرة خاطئة تشي بـ -لا- معرفة الكاتبة، وبالتالي هي تحامل واضح، لأنه ما من “شيخ” سيردد آيات أو أحاديث غير موجودتين، وعلى افتراض أنه شيخ أمي، كان يترتب على الكاتبة أن تشير لهذا الأمر.