يوم الأرض ..it’s a must
سأكشف السرّ.. بالأحرى الأنتي-سرّ عن علاقتي بيوم الأرض، حين بيعت قطعة الأرض التي جاورت بيتنا لسبب لن أكتشفه إلا لاحقًا..
يوم الأرض ..it’s a must
|راجي بطحيش|
عندما طلب الأخ الكريم هشام نفاع في اجتماع هيئة تحرير “قديتا” الأخير المشاركة في ملف سيعده بمناسبة الذكرى الـ35 ليوم الأرض، شعرت أن كل من حولي يتعاملون مع الأمر بطبيعية شديدة وكأنهم محترفو “أيام أرض”.. وبالتالي شعرت بالحرج قليلا.. حيث أنني أكبرهم (تقريبا: فالفروق العمرية ليست بهذه الحدة) ولكن يوم الأرض بمعنى هذا المضاف والمضاف إليه لا يعني لي شيئا واحدًا ومحددًا وجاهزًا كما ينبغي أن يعني لي.. أو كما يتوقّع للأمر لدى القراء أن يعني لي.. يا للخبطة!
يوم الأرض؟؟
يوم الأرض!!
إذا سأكشف السر! ليس أمام هيئة التحرير هذه المرة لأنه ليس سرا سرًا؛ فلنُسمّه الأنتي-سر.
في الذكرى العاشرة ليوم الأرض وتحديدًا في العام 1986 -وليس بقصد- باع أبي الأرض، بل قطعة الأرض الخالية التي بجانب بيتنا. تلك الأرض التي تفصل بين بيتنا وبين أرض أموال متروكة تدعى أرض الأخرس (يقولون إنّ أخرسَ كان يعيش في المغارة العشبية شماليّ الأرض وهكذا أنهى حكايته). كانت الأرض التي بيعت تضمّ شجرة لوز كنا نقضي على ثمارها قبل أن تشدّ طولها، إضافة إلى شجرة أسكيدنيا والكثير الكثير من أوكار الأفاعي. كان إدعاء أبي وقتها أنّ الأفاعي تهاجمنا كلّ صيف وعلينا التخلص منها ومن شرّها ومنظرها المُنفر. لم يبع الأرض لأشخاص صهاينة يحلمون بالاستيطان في مركز الناصرة، بل باعها لأقرباء بعيدين، سُرعان ما نصبوا الأسوار عند حدّها وهكذا خلصونا من عبء الشعور بالخسارة.
بعدها بسنوات اتضح لي أن السبب الحقيقي في بيع الأرض كان إنقاذ العائلة من أزمة اقتصادية خطيرة كانت ستعصف بنا وترمينا في قبضة الذلّ والمجهول. ولكن، وقبل هذا بعامين، كان المعلم يقف مُحرجًا في درس الفيزياء (على ما أعتقد) ليقرأ علينا بتأتأة لا زلت أذكرها ما حدث في يوم الأرض، حيث قرر مدير المدرسة المعمدانية آنذاك الرضوخ لضغط الطلاب المطالبين بالإضراب تماشيًا مع الإضراب المعلن في مدرسة المطران (كان التنافس بين المدرستين على أشدّه!) وقلة من المدارس غير الأهلية الأخرى وقتها. فجاء حل الأزمة من قبل المدير كالتالي: حسنا، لن تضرب المدرسة بل ستخصص الحصة السادسة للحديث عن يوم الأرض. لكن عمّاذا نتحدث؟ فلا أحد يعرف شيئا عن يوم الأرض كي نناقشه. ولكن نقاشًا حادًا دار بين بنتيْن، الأولى هاجمت المدرسة وإدارتها واتهمتها بالانعزالية وعدم الوطنية، أما الثانية فاستشهدت بآية من العهد القديم تقول ما يشبه “أرض إسرائيل لشعب إسرائيل..” (إشعيا 45:76).
وعلى رأي المصريّين: زغردي ياللي انت مش غرمانة!
كان عالمنا ينقسم وقتها إلى ثلاث فئات: الشيوعيين، الشين بيت (أذناب السلطة الإسرائيلية المتنفذين)، والأكثرية الصامتة فيما بينهما. نحن، أنا. فأنا من عائلة تجار وُسطى من البلدة القديمة بالناصرة من الجهتين -من جهة والدي وكذلك والدتي. هؤلاء الذين لم يغادروا مدينتهم أبدًا سوى للتبضّع لمحالهم من تل أبيب أو نابلس ثم العودة. كان هؤلاء وطنيين بطريقتهم التي خافت من شجاعة وجرأة الشيوعيين وقتها وتركت لهم ويلات العمل السياسي، كما أنها أشرت مباشرة على المتعاونين مع السلطة الإسرائيلية القامعة حيث يُستنتج من ذلك أنهم لم يعتبروها يومًا شرعية. ولكن يوم الأرض كان بالنسبة لنا يوم الآخرين: الشيوعيين، القوميين، يوم الفلاحين من سكان القرى المجاورة والبطوف والشاغور والمثلث. ليس هذا يومنا، خصوصًا مع اضطرارنا لاغلاق حوانيتنا وقطع أرزاقنا وفق عقلية العقاب الذاتي المتبعة حتى الآن. ولكنّ نشوب الانتفاضة الأولى عام 1987 وهبة أكتوبر عام 2000 والسنوات التي بينهما من تشكيل حقيقي للوطنية الفلسطينية في المناطق المحتلة عام 1948، منحت يوم الأرض زخما أكبر، وحوّلته إلى يوم وطني الى حد ما في أوساط البرجوازية الفلسطينية غير المسيّسة.
30 مارس 2011
طيب ……. كمل !!