وثن المفاوضات الجديد/هشام نفّاع
بالطبع، فقد تناثر كلام كثير عن روعة السلام وبهائه وضرورته. حسنًا، موافقون (وعذرًاعلى انتحال النطق بلسانٍ جماعي) ولكن: كيف ستنزلون بالسلام الكلاميّ الى بلاد السمن والعسل والاحتلال والاستيطان والجدران؟
وثن المفاوضات الجديد/هشام نفّاع
..
|هشام نفاع|
كلمات هيلاري كلينتون، بنيامين نتنياهو ومحمود عبّاس، في حفل “إطلاق المفاوضات”، مساء أمس، كانت معبّرة جدًا. تعبّر فعلا عن ضآلة حجم احتمالات هذه المفاوضات عديمة المرجعية. فكلمة كلينتون يمكن أن تلائم جميع حفلات افتتاحات المفاوضات. لا جديد تحت شمس البيت الأبيض. ليس هناك أيّ التزام حقيقي بأيّ شيء. ولا حتى إشارة واحدة الى قرارات دولية متراكمة منذ عقود، (غالبًا ما صوّتت واشنطن ضدها).
نتنياهو حدثنا، ويا للمفاجأة، عن مركزية الأمن، وطمأننا بأن الملايين يصلون لأجل السلام! إستسقاء سياسيّ يعني. وهو صنفٌ فاخر من الديماغوغيا. عباس حدّثنا في هذه اللحظة التاريخية عن العثور على سيارة مطلقي الرصاص في الخليل، ومعرفة من اشتراها ومن باعها.. فمن بين جميع القذائف والصواريخ والرصاص وقنابل الغاز التي أطلقت على امتداد عقود، حظيت هذه الرصاصات بمساحة في “حدث تاريخيّ”!
بالطبع، فقد تناثر كلام كثير عن روعة السلام وبهائه وضرورته. حسنًا، موافقون (وعذرًاعلى انتحال النطق بلسانٍ جماعي) ولكن: كيف ستنزلون بالسلام الكلاميّ الى بلاد السمن والعسل والاحتلال والاستيطان والجدران؟ لننتظر صائب عريقات ويتسحاق مولخو (وغودو؟).
لكن أكثر ما شدّ انتباهي هو تلك الكلمة السحرية التي تتردّد اليوم كما تردّدت في سالف الزمان أسماء هُبل ورَع وإيل وحورس على الألسن المبتهلة القديمة. إنها: الفُرصة!
كلينتون تقول إنها “فرصة للبدء”؛ نتنياهو، بعبقريته الشهيرة، أخبرنا أن “التاريخ يعطينا فرصة حقيقية”، وقبلهما أعلن براك أوباما عن أن “فرصة السلام هذه قد لا تتوافر مرة اخرى”. فهذه الفرصة ليست من صنع البشر. بل إنها تطلّ من حين الى آخر، لا أحد يتحكّم بها، أشبه بنيزك أو مخلوق فوق-بشريّ، لا ندري كيف تظهر فجأة، ولا كيف تغيب، ولا كيف تعود، ولفترة محدودة جدًا في كلّ مرّة، فإما أن نتعلّق بأذيالها وننجو، أو نضيّعها فنظلّ عالقين حيث نحن.
هذه الفرصة العجائبيّة غير متعلقة بسياسات، توجّهات، قرارات، مصالح، تطوّرات. لا أبدًا، إنها الإلهة الجديدة. وثن العصر الأمريكيّ. وهكذا فإن القرار السياسي يصبح في درجة ثانية، والإرادة السياسية في ثالثة، والنوايا في عاشرة. هكذا يتواصل التلاعب بالعقول، لتستمرّ لعبة التفاوض بهيئتها العقيمة: طقوس واحتفالات وبروتوكولات، طالما أنها لا تستند الى حقوق ومبادئ عدلٍ ومرجعيّات.
بقي علينا أن نأمل، ونعمل، كيلا نجلس أمام الشاشات لنراقب بعد حين الإنفجار الجديد حين ينكشف لنا المكشوف منذ الآن: مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية أخرى تقوّضت (على أراضي السياسة الأمريكية) بسبب ضياع وثن الفرصة..