مقتل السّعودي- الإسلاميّ بن لادن/ علاء حليحل
بن لادن سعودي-إسلامي المنشأ، سعودي-إسلامي المسلك، سعودي-إسلامي التنظيم ■ لا يمكن تحميل كل تحليلاتنا السياسية والتنظيرية على مقولة “أمريكا رأس الحية” المولودة إبان الحرب الباردة، وتجاهل الحيات والثعابين التي تنمو بين ظهرانينا ■ سجال مع مقالة الزميل هشام نفاع “مقتل الأمريكي بن لادن”
مقتل السّعودي- الإسلاميّ بن لادن/ علاء حليحل
| علاء حليحل|
تثيرني دائمًا مقالات الصديق والزميل العزيز هشام نفاع، من حيث مضامينها وذكاء تحليلاتها، وغالبًا للإيجاب والإعجاب، ونادرًا للخلاف والتباين- وهذا ما حصل بعد قراءة مقالته “مقتل الأمريكي بن لادن” المنشورة في هذا الموقع.
أعتقد أنّ العزيز نفاع يخطئ في التمسّك بأحادية التحليل التاريخية التي ميّزت الحرب الباردة وصراع القطبيْن، حيث ترسّمت الولايات المتحدة الأمريكية في الخطاب الشيوعي-اليساري منصبَ “رأس الحية”، وهي قد استحقت هذا اللقب بجدارة عبر تاريخها بعد الحرب العالمية الثانية؛ لا شكّ. لكنّ تجاهل الرأس الثانية للحية، النظام السوفياتي الشّمولي، مع كلّ جرائمه ضد الإنسانية (حصيلة من قتلهم وعذبهم هذا النظام، على يد ستالين بالأساس، يفوق ما قتلته النازية بثلاث مرات!)، واحتلالاته التوسّعية باسم محاربة الرأسمالية وغيرها من المَكاره- هذا التجاهل يُضعف جميع التحليلات التي تتخذ من “رأس الحية الواحد” مرجعية تاريخية وسياسية تحليلية.
يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة –ما عدا الاختلافات التنظيرية والنظرية- إذا كان الحديث عن فترة الحرب الباردة وتصارع أمريكا والاتحاد السوفياتي في أماكن شتى في العالم، خصوصًا في أوروبا الشرقية ومركز آسيا وأدناها، حيث يُلزم الأمر ببعض الحذر في إطلاق استنتاجات تتعلق بمنشأ حركات تحرّرية وجهادية على اختلافها، وتعاونها مع أحد رأسي الحية. ولكنني سأكتفي بهذه الإشارة هنا على وجه السّرعة، من أجل لفت الانتباه، ليس إلا، إلى رأسيْ الحية وليس رأسها الواحد.
وهكذا، وجد الإرهابي أسامة بن لادن نفسَه حليفًا لأمريكا في نضاله ضد السّوفيات (مطلع الثمانينات) في أفغانستان، يتموّل بأموالها ويضرب بسيفها (بنادقها). ولكنّ انتهاء الحرب هناك خلف جماعة كاملة من “المجاهدين” بلا عمل، فانقلبوا على الرأس الثانية للحية (الرفيق هشام يتوسّع في مقالته المذكورة في هذا الصدد، ولست أخالفه بأية حقيقة من الحقائق). هذه طبعًا انتهازية سياسية يُتقنها الأنذال، وعلى نفس القدر- يتقنها الإيديولوجيون المتعصبون (مع الفوارق الضرورية) الذين يرون في هدف نضالهم قيمة عليا تسمح لهم بارتكاب أيّ فعل لا أخلاقيّ، لأنّ “لا غالب إلا الله” و”لا صوت يعلو على صوت الدولار” و”الحزب هو ممثل العمال ولذلك فهو فوق الجميع”. وهكذا..
بن لادن نتاج للثقافة الوهابية المتطرفة الظلامية. بن لادن ليس أمريكيًا بأيّ شكل. أمريكا ودعمها كانا محطة عابرة في حياته، انقلب عليها فورَ انتهاء التوافق التكتيكي، ومضى في حال “جهاده” وحربه الشّعواء. لو كانت الصين الشعبية هي التي تحارب السّوفيات في أفغانستان وقتها وعرضت المساعدة على بن لادن ورفاقه لأخذ النقود والسلاح كما أخذها من أمريكا. بن لادن نتاج لتوجّه إسلاميّ مشوّه سيطر ويسيطر على رقع عديدة من الوطن العربي-الإسلامي، ليس أولها السعودية وليس آخرها بعض البؤر المُغالية في غزة. كلّ محاولة لزجِّه في خانة “الأمريكي” هي تنصّل من مسؤوليّتنا في محاسبة أنفسنا ومجتمعنا وديننا وتديّننا: كيف نما ونشأ بن لادن وأمثاله بين ظهرانينا، وهل يمكننا أن نعلن براءتنا منهم بنعتهم بالأمريكيين؟
أما عن “نجاح” النظام الأمريكي الإنجيلي-الاستعماري المتمثل بجورج بوش ورجاله في تجنيد بن لادن كذريعة لحربهم على الشرق العربي والإسلامي، فهو أمر لا شأن لبن لادن به. هذه انتهازية أمريكية صرفة مارستها وتمارسها في كلّ مكان، حين تقتضي الضرورة (العراق وصدام حسين مثال طازج). تحويل هذه النقطة –كما يفعل العزيز هشام- إلى دليل على أمَرْكنة بن لادن هو خطأ كبير قد ينسحب –بشكل مغلوط- على حالة “حماس” وإسرائيل مثلا. فالكثير من المحللين والمراقبين والعارفين جزموا بأنّ إسرائيل مهّدت وساعدت على تقوية “حماس” في بداية طريقها (عن طريق خمولها مقابل الحركة بالأساس)، كي تكون ندًا ضد حركة “فتح” وعلى رأسها عرفات، سعيًا منها لخلق توازنات فلسطينية جديدة اعتقدت أنها في صالحها في سنوات الثمانين. هل “حماس” تنظيم إسرائيلي؟ طبعًا لا. “حماس” تنظيم فلسطيني وإسلامي نحن نحمل كامل المسؤولية –كشعب وأمة- عن وجوده ودوره، عن إيجابياته وسلبياته.
كما أنّ قول المفكر نوعام تشومسكي الذي يورده الزميل هشام (“الأمريكيون بحاجة ماسّة الى ميدان تحرير”- يُنظر إلى خاتمة مقالة هشام) هو قول صحيح وبتـّار في رأيي. ولكن كيف يمكن سحب هذه المقولة وتجنيدها للقول إنّ بن لادن أمريكي؟ بن لادن سعودي-إسلامي المنشأ، سعودي-إسلامي المسلك، سعودي-إسلامي التنظيم.
من “دي أن إيه” العرب والمسلمين خرج بن لادن و”القاعدة” و”طالبان”. تاريخنا مليء بالمتعصبين والحركات الظلامية والسّرية، ولا أعتقد أنّ حركات إسلامية مثل “الحشاشين”، التي اتبعت مبدأ قتل واغتيال المعارضين، نمت بدعم أمريكي في العصور الوسطى. يجب أن نمعن النظر في مبنانا الاجتماعي والديني، كما يجب ألا نُغفل مراقبة وتحليل رأس الحية وذيلها ومعدتها وسُمها الكريه.
لست حزينًا على بن لادن كما أنني لست سعيدًا بمقتله. مقتله يشكل جزءًا من سلسلة مستمرة من الكرّ والفرّ بين الإرهاب الدولي المُمأسَس وبين الإرهاب الفصائليّ العقائديّ. بين هذا وذاك، يجب أن نتشبث بكلّ قوانا بما يمكن أن ينقذنا في الصّراعات المستقبلية من تطرفنا الأعمى: البصيرة والشجاعة مقابل جميع الثعابين- الخارجية والداخلية.
• مقتل الأمريكي بن لادن/ هشام نفاع
6 مايو 2011
المقال غير موضوعي ابدا في التحليل, فما زالت الافكار القديمة التي عشعشت في راس الكاتب ايام شبابه ظاهرة بوضوح في مقاله هذا, ثم ان استخدام الكاتب كلمات مثل ابن لادن الارهابي وحركات ظلامية ووهابية وغيرها من الكلمات تدل على ان المهنية الصحفية بعيدة جدا عن هذا المقال…يعني انصح الكاتب ان يفتح محل لبيع البندورة لفيد به هذا الشعب افضل من ان يكتب مقالات
4 مايو 2011
احسنت يا علاء
العلة فينا
4 مايو 2011
الفكرة معقولة جدا..ولكن طرحك لها خال من اي موضوعية… كأنك تبرأ امريكا من كل سيناريو “الارهاب” كما تسميه.. واحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ التي اجمعت الكثير من الدراسات على عدم تمكن تنظيم مهما كان كبره (هنا القاعدة) من القيام بها تقنيا… انا اوافقك ان عالمنا العربي والاسلامي لا يخلو من التطرف.. لكنه لا يستطيع تحمل ملف الارهاب بكل ثقله… وانا اعتقد ان دور ومصالحها امريكا في كل فوضى الارهاب التي تهز العالم في السنوات العشر الاواخر اكبر
3 مايو 2011
الصديق علاء، لهذه الحية، رأس واحد وذيول في كل العالم. وهذه هي الماسونية العالمية وذيولها في أميركا وروسيا وفي كل العالم، حتى المناطق التي تبدو لنا أشد عداء لأميركا. لا يوجد قطبين ولم يكن هناك قطبين في يوم من الأيام، ولو بدا الأمر كذلك للوهلة الأولى. الحرب الباردة. أسامة بن لادن حين تعاون مع الروس وحين تعاون مع الأمريكان كان ينفع مصالح الماسونية العالمية ومشتقاتها، مثل تجار السلاح وغيرهم. وهم المنتفعون من الحرب الباردة والعالمية وغيرها.
لا أقول إننا في غنى عن النقد الذاتي وتنظيف البيت من التطرف والظلامية السائدة. ولكن علينا ألا نعول في معلوماتنا على وسائل ال”إعلام” الرسمية. لذلك أجد مقالة هشام في هذه الحالة أقرب إلى الواقع كما تعلمته في السنوات الأخيرة.