كنا في الحمّة*، وشفنا لاكوست!
رازي نجّار يكتب عن فيلم التحريك “لوغوراما” • من المحتمل أيضًا أن تدخل في حالة من اللوغو-فوبيا وهذيان عالم الماتريكس وما إلى ذلك، لكن لا عليك؛ للنجاة من هذه الحالة ما عليك إلا أن تنقر على لوغو آخر؛ لوغو قديتا الظاهر أعلاه!
كنا في الحمّة*، وشفنا لاكوست!
| رازي نجّار|
في لقطتين سريعتين من فيلم “لوغوراما” (16 دقيقة) تلخّص الشارة الضوئية، بكلمة واحدة، هذا الفيلم القصير الحائز على جائزة الأوسكار لعام 2010 في فئة “فيلم الأنيميشن القصير”؛ ففي حين أنّ الشارات الضوئية يفترض أن تقول “قف/إمشِ”، تعمل الشارة في الفيلم على نظام “قف/اشترِ”. ففعل الأمر “اشترِ”، وفي صيغته الأنجع تجاريًا “إشْتري”، هو المحرّك الذي يخرج العالم، عالمنا، من سكونه إلى حراك استمراريّ التصاعد.
الآن، وقبل أيّ خوض غير مُحبب في مقولات الفيلم (وهذا نقاش آخر…)، وتجنبًا لإهمال خصوصية وتميّز فيلم “لوغوراما”، نذكّر بأنّ قصة الفيلم هي قصة بسيطة، أو قلْ هوليوودية، تدمج أفلام الأكشن/المطاردات وأفلام الكوميديا وأفلام الكوارث الطبيعية، وتصور مطاردة بوليسية لرجل شرير يعيث بمدينة لوس أنجلوس الآمنة خطفًا وطخًا وقتلاً، وينتهي بتدخل اليد الإلهية (Deus ex machine) – زلزال يريحنا من الشرير لكنه يغرق المدينة/المجتمع الأمريكي الاستهلاكي بمصيبة أكبر، النفط الخام (بوش؟! أنتَ قلت).
يبدو مألوفًا حتى الآن؟ صحيح، ولكن الجديد والمميز والمبتكر والمدهش في فيلم لوغوراما أنه مبنيّ كله من 2500 لوغو (رمز/أيقونة/شعار تجاري)؛ الشخصيات، الكومبارس، السيارات، الدراجات، الطائرات، الشجر، الحيوانات في حديقة الحيوان، الجسور، البنايات، وإلخ… والحكي مش مثل الشوف:
رونالد، مهرج شبكة مطاعم مكدونالدز سيئة الصيت والطعم، هو المجرم الشرير الذي يخطف الأولاد ويستخدمهم كرهائن (هل المقصود: ديروا بالكم على أولادكم من ألعاب ماكدونالدز – أكبر شبكة تبيع دمًى وألعابًا للأطفال في العالم، أكبر حتى من “تويز آر أس”). أما رجال الشرطة فهم الرجل السمين المدحبر من لوغو شركة ميشلين لإطارات السيارات (انتبه: شرطي أبيض وسمين وغبي كونه يقود سيارة عجلاتها من شركة بيريل المنافسة).
كل ما جاء في الفقرة السابقة هي تحليلات كاتب هذه السطور، قد تتقفون معها أو لا، على أمل أنّ الاختلاف بالرأي لن يفسد للودّ قديتا (هذه رسالة مبطنة لصديق مُهجّر)، لكنكم بالتأكيد لن تتفقوا مع تصريحات مُخرجي الفيلم الثلاثة الذين قالوا هنا وهناك إنّ فيلمهم لا يحمل رسالة معادية للمنظومة الرأسمالية أو إنه لا يحمل رسالة أصلاً، وأنه مجرد “ملاحظة نسجلّها على عالمنا الآني”. لكنني أعتقد أن تصريحهم هذا ليس إلا ملاحظة احتياطية مقصودة، نصحهم فيها مُحامٍ مخضرم، يسجلونها في بروتوكولات قد تستخدم لاحقًا في نزاع قضائيّ محتمل أمام أية واحدة من آلاف الشركات الظاهرة لوغوهاتها في الفيلم… ملاحظة احتياطية أخرى سجّلها مُخرجو الفيلم تتعلق بالجانب الشكليّ للفيلم (اللوغوهات) مفادها في أنّ فيلمهم بمثابة تكريم وتقدير واعتراف “بجمالية هذه الرموز التي تكوّن عالمنا الحديث وتخلق لغة عالمية مشتركة لنا جميعًا”، وهو ادعاء صحيح إلى حدٍّ بعيد.
..
..
ما عليك عزيزتي/زي القارئة/ئ الآن سوى الانقضاض فورًا على مثلّث اللعب في الفيديو الظاهر هنا في هذه الصفحة ومشاهدة هذا الفيلم الرائع. من المحتمل ألا ترى فيه أية رسالة، ومن المحتمل أن تقول لنفسك جملة عميقة مثل “آهااا..”، وبكلمات مرادفة “كل شيء على البسيطة زائل”، ومن المحتمل أيضًا أن تدخل في حالة من اللوغو-فوبيا وهذيان عالم الماتريكس وما إلى ذلك، لكن لا عليك؛ للنجاة من هذه الحالة ما عليك إلا أن تنقر على لوغو آخر؛ لوغو قديتا الظاهر أعلاه!
ختامًا، قبل أنهي هذه التوطئة وأتفرغ لاصطحاب طفلتي لمشاهدة اللافشكيري، كما وعدتها، في زريبة جيران أهلي في مدينتي الأم، أوّد –من منطلقات قومجية بحتة– أن أفسد على الفرنسيين والأمريكيين بهجتهم بهذا الإنجاز المرئي العظيم، وأذكّرهم أننا نحن العرب، خصوصًا في الداخل الضاحك ابتلاءً، سبقنا الغرب وهوليوود، ومن دون الحاجة لصرف ملايين الدولارات، في توظيف اللوغو في الإبداع، على اعتبار أن النكتة هي ضرب من ضروب الإبداع؛ فهل فاتتكم المناكفة السمجة التي تقول “لقيتلك شغل في البريد.. اتطعمي الغزال!”، والغزال لمن لا يعرف هو لوغو مؤسّسة بريد إسرائيل!
__________
لوغوراما | سيناريو وإخراج: فرنسوا إلو، هرفي دي كرسي، لودفيك هوبلي | إنتاج: أوتور دي مينوت | 16 دقيقة | فرنسا 2010 | جوائز: أسبوع النقاد Prix Kodak في مهرجان كان السينمائي 2009؛ الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة قصير 2010.
__________
* الحمة (السورية) – ينابيع حارة في وادي اليرموك جنوبي الجولان المحتل، يقصدها الناس للاستجمام والعلاج، وفيها حديقة لتربية التماسيح.
24 أغسطس 2010
شكرا على المشاركة, الي من أول ما سمعت عنه وقت الاوسكارس وانا بدور عليه.
لكنكم بالتأكيد لن تتفقوا مع تصريحات مُخرجي الفيلم الثلاثة الذين قالوا هنا وهناك إنّ فيلمهم لا يحمل رسالة معادية للمنظومة الرأسمالية أو إنه لا يحمل رسالة أصلاً، وأنه مجرد “ملاحظة نسجلّها على عالمنا الآني”.
وينتا كانت هاي التصريحات؟ واذا في شي فيديو أو مفال اقرأه بيكون منيح. شكرا