عن قيادات منتهية الصلاحية!/ مرزوق الحلبي
كنّا نتوقّع من قيادة تريد أن تواصل ادعاء تمثيلنا أن تعتذر للشعوب العربية قبل أن تشرع في إنشاء خطب تمجيد هذه الشعوب وتنظيم مهرجانات تحت شعار دعمها ومناصرتها، فهي فعلت الشيء ذاته مع الأنظمة التي هبّت هذه الشعوب لتغييرها والتخلّص من قمعها وسجونها وظلمها
عن قيادات منتهية الصلاحية!/ مرزوق الحلبي
|مرزوق الحلبي|
الأحداث المتسارعة في الساحة العربية تظلّل على أوضاع العرب هنا، في إسرائيل، وإن شهدت ساحتنا المحلية محاولات التواصل مع الأحداث. وهي محاولات طبيعية في ضوء كون العالم العربي عمقا وجوديا لنا. ومع هذا، هناك حاجة ماسة إلى “نقطة نظام” ترتكز عليها هذه المحاولات وتستوي، في ضوء تلك العلاقة الإشكالية التي ربطتنا بالمحيط العربي لا سيّما بالأنظمة الراحلة والمهتزة، والتي لا تزال مستقرّة حتى كتابة هذه السطور.
لقد كانت زيارة قيادات عربية إلى ليبيا قبل أشهر مثالا يجسّد تلك العلاقة. وكنا أشرنا إلى إشكالية هذه الزيارة في مستويين اثنين، كونها تجسّد نسق بحث القيادات المحلية عن وصاية عربية خارج الحدود متخلّية عن خيار الذات الفاعلة، وكونها لا تتردّد في منح شرعية لأنظمة مونارخية مستبدّة تستأثر بخيرات بلادها من خلال قمع مواطنيها وحرياتهم. ويعود هذا الموضوع الآن بقوة إلى الواجهة لأنّ القيادات ذاتها التي درجت على هذه الزيارات ومأسستها والتعويل عليها، تحاول أن تنضمّ إلى موجة التحوّلات في الأقطار العربية من جهة إعلان الموقف المؤيّد للشعوب المنتفضة ضد أنظمتها. وذهبت بعض القيادات أبعد من ذلك حينما قررت تنظيم مهرجانات ونشاطات مؤيدة للشعوب العربية. ولن يكون مفاجئا على المحور ذاته أن تعود هذه القيادات التي عندنا لتزور الأنظمة ذاتها أو وريثاتها لو حصل ـجدلاـ التفاف على الشعوب العربية وحركتها الراهنة!
بدت القيادات هنا مشغولة بتوفير وصاية عربية لها، غطاء عربيا، دعما عربيا، مركزا عربيا، نظاما عربيا ما، أيا يكن، يتبناها ويشكّل عمقا استراتيجيا لها
كان الأحرى بكل من زار ليبيا وخطب ودّ القذافي وكرمه أن يشير إلى سفره على متن طائرة العقيد والتحلّق حول مآدبه، قبل أن يُدلي بدلوه فيما يحصل. وكان الأحرى بهم، في الدرجة الثانية، أن يعتذروا للشعب الليبي وضحاياه. أما في الدرجة الثالثة، فقد كان عليهم أن يعتذروا لنا طالما ادّعوا ويدّعون أنهم ممثلونا نحن. إذ أن طبيعة القذافي ونظامه لم تكن خافية على أحد ممّن زاره في خيمته، رمز سيادته. وكل الذين شاركوا يُفترض أنهم كانوا على علم بدموية هذا النظام وجنون الواقف على رأسه. لكنهم ذهبوا إلى هناك وألقوا ما تيسّر لهم من خُطب وأغدقوا على الرجل آيات المديح على الطريقة العربية، بكرم وإطناب. فماذا عساهم يفعلون الآن بمسوّدات هذه الخطابات، أو بما بقي على جدران غرفهم في البيت أو الكنيست أو المكتب من صور التقطت مع “القائد العربي” صاحب الألف نعت، معمّر القذافي؟
مثل هذه المفارقة التي صنعتها الأحداث العربية الآن ما كانت لتحصل لو أنّ قياداتنا هنا محرّرة من نسق البحث عن الوصاية العربية الخارجية الذي ساد في ساحاتنا في العقدين الأخيرين. لم تكن لتحدث لو أنّ السياسة المحلية انحكمت في حراكها لمبادئ ما وليس للتكتيك والمنفعة فحسب! ما كانت لتحصل بهذا الدويّ لو أنّ السياسة عندنا اقترنت بمثقال حبّة من أخلاقيات وضوابط في حدّها، لكنها حصلت لتعيدنا إلى السّؤال عن طبيعة الأنماط السياسية السائدة وعن منهجية القيادات وما تنتجه من “ثقافة” سياسية وعن جدوى هذه “الثقافة” ومؤدّاها. إلى السؤال عن القيادات وأدائها وانعكاس ذلك علينا كمجتمع يحاول أن يُعيد إنتاج نفسه في حقل من الألغام.
الأهم من الاعتذار فهو ضرورة التخلص مرة وإلى الأبد من عقدة الوصاية العربية والخارجية عموما، كما تخلّصت شعوب عربية وتحاول أخرى، من عقدة الخوف حيال بطش الأنظمة الأبوية
المسألة لا تتعلّق بزيارة القيادات ليبيا وحدها. فقد سبقتها زيارات لقيادات إلى سورية وبكثافة أكبر بكثير. وهناك الزيارات إلى مصر والأردن وقطر وغيرها من مواقع مع إدراكنا للفارق بين نظام وآخر، وبين علاقات هذا النظام أو ذاك بناسه. وهي تعكس في رأينا الإشكالية ذاتها من حيث النزوع إلى الوصاية، ومن حيث كونها تقفز فوق معاناة وطنيي سوريا ومواطنيها، مثلا.
نُدرك أن هناك دافعا وجوديا ثقافيا انتمائيا ينتج الرغبة في الزيارات. وهناك دافع إنساني للتواصل مع فضائنا وأهلنا وأقاربنا. إلى هنا تبدو الأمور في منتهى المنطق الإنساني والحقوقي، أيضا. ومن هنا تأييدنا لفكرة التواصل الإنساني والثقافي بيننا كعرب هنا، وبين كلّ المجتمعات العربية في الجوار أو في المنأى. لكن ما تطوّر في السنوات الأخيرة فيتجاوز بشكل خطير هذا “الطبيعي”! فقد بدت القيادات هنا مشغولة بتوفير وصاية عربية لها، غطاء عربيا، دعما عربيا، مركزا عربيا، نظاما عربيا ما، أيا يكن، يتبناها ويشكّل عمقا استراتيجيا لها. وكان عليها، بالمقابل، أن تدور في فلكه وتتحدث ولو لبعض الوقت من حنجرته وأيديولوجيته. ولو أن الأمور استتبت لها ـهذه القياداتـ لوصلت في بحثها عن وصاية إلى المراكز العربية الشاغرة، مثل الجزائر التي تعثّرت زيارتها لأسباب ضاعت في خضم الأحداث في تونس ثم في القاهرة!
كأنّ هذه القيادات قاصرة تعوز الوصاية! أو كأنّ هذه القيادات راغبة في جاهٍ سياسيٍّ ومركز داعم! أو كأنها باحثة عن فوائد أضيق، عن دعم ماليّ، مثلا! أو كأنها تؤشّر “أننا ضقنا ذرعًا بالهامش الإسرائيليّ الضيق”! أو أنها تؤشّر للمحيط العربي أنها عربية حتى النُخاع رادة تُهمة الاندماج في “الكيان الصهيوني”! أو أنها عروبية الهوى أو إسلامية الأيديولويجيا تدين بمشروع الخلافة الإسلامية! أو أنها كغيرها من نُخب غير ثورية انضوت تحت كنف أنظمة بائسة تراهن على “صمودها” و”تصديها” للشعوب وحرياتها وحقوقها وكراماتها وآمالها. أيًا كان الاحتمال، فإن واحدا منها أو اجتماع بعضها أو جميعها كان بمثابة منصّة لقياداتنا هنا للقفز من دمشق إلى طرابلس إلى الدوحة من خلال إغفال طبيعة النظام أو لا أخلاقيته أو لا شرعيته، ومدى قمعه لمواطنيه ووطنييه! وهو أمر يبدو صارخا في ضوء الفرضية أنّ هذه القيادات إنما تقوم بقيادة نضالاتنا ضد القهر وضد الظلم اللذيْن هنا!
كنّا نتوقّع من قيادة تريد أن تواصل ادعاء تمثيلنا أن تعتذر للشعوب العربية قبل أن تشرع في إنشاء خطب تمجيد هذه الشعوب وتنظيم مهرجانات تحت شعار دعمها ومناصرتها. لأنها، هي وأطرها وصحفها ومواقعها على الشبكة، فعلت الشيء ذاته مع الأنظمة التي هبّت هذه الشعوب لتغييرها والتخلّص من قمعها وسجونها وظلمها. أما الأهم من الاعتذار فهو ضرورة التخلص مرة وإلى الأبد من عقدة الوصاية العربية والخارجية عموما، كما تخلّصت شعوب عربية وتحاول أخرى، من عقدة الخوف حيال بطش الأنظمة الأبوية. وهي وصاية وعدت بفرج عربي قريب عاشت هذه القيادات وعيّشت جمهورها عليه. نسق انتظار غودو أفقد هذه القيادات بوصلتها ومعناها، وأفقدنا نحن سنين ثمينة من العمر وأضاع جهود أفراد ومجتمع، وأهدرت مقدرات واحتمالات وفُرصًا كما فعلت وتفعل أنظمة عربية خطبوا ودّها! والأخطر أنها صورتنا مجتمعا مهزوزا يرقص على وقع عروبة خاوية ويُنتج “ثقافة سياسية” هشّة لا قيم فيها، عاجزة عن التأثير. ومن هنا اعتقادي أنها قيادة منتهية الصلاحية!
5 مارس 2011
مقاله مهمة لا شك. الكاتب يضع النقط على الحروف ويجب على الجميع ان يفكر مليا فيما يحدث على مستوى القياده. هذه قياده مخيبه للامال لانها جاءت في التسعينيات كبديله للقيادات القديمه مع بشرى الاصلاح والشبوبية والعصرية…
5 مارس 2011
مقال غني ..
أوافق مع كا كتب جملة وتفصيلاً ..
وأعتقد إن خاتمة المقال أتت موفقّة جدًا بدا لي وكأنك قلت ما نقوله جميعًا سواء في سرّنا أو في العلن ..
قياداتنا .. خدعة ..!
4 مارس 2011
استغرب قلّة نقاش ما طرح هنا وقلّة التعليقات! لقد قرات واستمتعت ليس لاني اوافق مع كل كلمه, لكن لانني اعتقد ان من الجيد على المرء ان ينظر في المراه من حين الى اخر, ولو عقب اشارة من اخر بضرورة هذا الشيء.
كانت هذه فرصه جيده لي للتفكير وحساب النفس.اتمنّى ان يقوم ممثلونا بشيء مماثل.