رحيل محمد خان.. الواقعيّ “الحرّيف”
سعى خان في أعماله إلى خلق جمهور ومثقف سينمائياً، وقد كان ذلك موضع انتقاد البعض، لكنه ظل مصراً على توجهه: “أنا لا استطيع أن أعمل كل شيء لكي يفهمه الجميع. عليهم أن يبذلوا بعض الجهد. لا استطيع أن اصنع أفلاماً لكل الناس”…
|عن موقع بوسطجي|
“كنت أرى إحداها ولا أرى الشاشة، أشاهد الأفلام في اليوم الأول، وأتابع شريط الصوت بتركيز بقية الأيام”… هكذا روى محمد خان بعضاً من أوجه علاقته الأولى بالفن السابع، وهو يتحدث عن دار سينما مزدوجة قريبة من المنزل الذي نشأ فيه. وإذا كان “حلم طفولة” خان، أي الهندسة المعمارية، هو ما قاده إلى بريطانيا من أجل تحقيقه، فإنّ علاقته الأولية بالسينما، وصدفة لقائه بشاب سويسري يدرس هذا الفن هناك، كان بمثابة نقطة تحوّل ليس لذلك الشاب المولود لأب باكستاني وأم مصرية فحسب، وإنما للسينما العربية بشكل عام.
صباح اليوم، استيقظ عشاق السينما المصرية، وبعد عروض عادية في ليلة صيف رتيبة، على خبر محزن، وهو رحيل محمد خان عن عمر يناهز 74 عاماً، على أثر وعكة صحية. محمد خان، المولود لأب باكستاني وأم مصرية في 23 شباط 1942، عشق السينما منذ صغره، وعلاوة على علاقته الحميمة بدار السينما المذكورة، كان حريصاً على اقتناء كل “افيشات” الأفلام السينمائية، كما روى في أحد الحوارات الصحافية، مع أنه لم يكن في باله أن يصبح سينمائياً غير أن نقطة تحوّل حصلت في العام 1956، حين سافر إلى لندن لدراسة الهندسة المعمارية، وقد شاءت الصدفة أن يلتقى بشاب سويسري يدرس السينما، وأصبحا أصدقاء، فصمم خان على ترك دراسة الهندسة، وألتحق بمعهد السينما في لندن.
يروي خان هذا التحوّل قائلاً: “لم أكن أعلم بأنّ السينما تدرّس. كنت أظنّها موهبة وخبرة فقط، ولكن بمجرّد أن ذهبت مع صديقي إلى مدرسة الفنون، لم أتردد لحظة واحدة بأن أكون مخرجاً سينمائياً”.
ومع أن الدراسة في مدرسة الفنون اقتصرت على الجانب الأكاديمي والتعرّف إلى الآلات وبعض التقنيات، إلا أن فترة معيشة خان في لندن، التي قاربت السبع سنوات، ساعدته في التعرف على مختلف التيارات السينمائية السائدة في أوربا في ذلك الحين، ولا سيما التوجهات الجديدة في السينما الفرنسية التشيكية والهولندية والأميركية، كما سمحت له بالتفاعل مع ادوات معرفية أخرى في مجال السينما، لا سيما في المجال النقدي.
من أعماله:
ضربة شمس (1978)
الرغبة (1980)
موعد على العشاء (1981)
طائر على الطريق (1981)
الحريف (1983)
الثأر (1984)
خرج ولم يعد (1984)
نص أرنب (1985)
مشوار عمر (1986)
عودة مواطن (1986)
يوسف وزينب (1986)
زوجة رجل مهم (1987)
أحلام هند وكاميليا (1989)
سوبرماركت (1990)
فارس المدينة (1992)
الغرقانة (1992)
مستر كاراتيه (1993)
يوم حار جدا (1994)
أيام السادات (2001)
كليفتي (2004)
بنات وسط البلد (2005)
في شقة مصر الجديدة (2007)
فتاة المصنع (2013)
قبل زحمة الصيف (2016)
عقب عودته إلى مصر في العام 1963، عمل خان في قسم قراءة السيناريو في شركة “فيلمنتاج” (الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي)، تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف. وبعد عام واحد، سافر إلى لبنان حيث يعمل مساعد مخرج مع العديد من المخرجين مثل يوسف معلوف، وديع فارس، كوستا، وفاروق عجرمة.
لم يكد خان يقتحم مجال الإخراج السينمائي، حتى جاءت هزيمة العام 1967، فسافر مرّة أخرى إلى لندن، مدفوعاً بشعور من اليأس، وعمل في مجال النشر.
يقول خان عن تلك التجربة: “شعرب بحالة يأس شديدة، وفقدت الأمل بالعمل في السينما، فأنشأت دار نشر، وأصدرت كتابين، الأول عن السينما المصرية، والثاني عن السينما التشيكية، وكنت أكت مقالات عن السينما”.
كان العام 1977، بمثابة انطلاقة جديدة لخان، حين عاد إلى مصر، ليجدد مشواره الفني، بداية بإخراج فيلم قصير، ثم بإخراج فيلم “ضربة شمس” (1978)، الذي عكس، في حينه، توجهاً جديداً في السينما العربية، ترسّخ لاحقاً في العديد من الأعمال الأخرى، أهمها على الإطلاق فيلم “الحريف” (1983)، و”زوجة رجل مهم” (1988).
يعدّ خان أحد أبرز مخرجي السينما الواقعية التي انتشرت في جيله من السينمائيين نهاية السبعينيات وطوال ثمانينيات القرن الماضي وانحسر نشاطه السينمائي خلال السنوات الأخيرة، وقدم 26 فيلماً روائياً، وآخرها “قبل زحمة الصيف” (2015) من بطولة هنا شيحة وماجد الكدواني، بينما ظهر كممثل في أفلام “ملك وكتابة” (2006)، “بيبو وبشير” (2011) و”عشم” (2013).
تميّز اسلوب محمد خان بجوانب سينمائية عدّة، أبرزها على الإطلاق الاهتمام بالصورة أكثر من أي شيء آخر، حتى أن بعض النقاد يرى أن اهتمامه بالصورة يأتي أحياناً على حساب المضمون، ولكن خان يرى الأمر من زاوية مختلفة، إذ كان يعتبر أن “ثمة استهتاراً بشعاً بالتكنيك في السينما المصري”، التي “لن تتقدم أبداً لأنها لا تهتم بالشكل”، لا بل يرى أن السينما المصرية “لن تكتمل إلا لو أعطت اهتماماً أكثر بالصورة”. وقد تحدّى خان منتقديه بالقول: “إنني موافق بأنّ الصورة لن تكون مهمة إذا كان المضمون عبقرياً في السينما، وإذا وجدت مضموناً قادراً على التهام الصورة، فأنا مستعد لأن الكاميرا وأصوّره فوراً، ولكن العثور على مثل هذه المضامين مسألة نادرة وبالتالي تبقى للصورة الأهمية الكبرى”.
سعى خان في كافة أعماله إلى خلق جمهور ومثقف سينمائياً، وقد كان ذلك موضع انتقاد البعض، لكنه ظل مصراً على توجهه، فقال يوماً: “أنا لا استطيع أن أعمل كل شيء لكي يفهمه الجميع. عليهم أن يبذلوا بعض الجهد. لا استطيع أن اصنع أفلاماً لكل الناس”… وكل ذلك من أجل هدف أساسي هو أن “أعمل فيلماً تتلقاه كل العيون، خصوصاً عين ابن بلدي. ولذلك يتهمونني بأنني أصنع أفلاماً (خواجاتية) وشكلية. وحقيقة الأمر، هو أن عيوننا لم تتعد بعد أن تكون الكاميرا هناك، لأنهم يريدونها في مكانها الدائم، وعندما غيّرت قليلاً مكان الكاميرا، قالوا أن هناك نوعاً من الغربة بالنسبة إلى العين. إيماني كبير بأن عين المتفرّج ستعتاد على هذه اللغة السينمائية، وبالتالي سيصبح الأمر طبيعياً”.
حصد خان أكثر من 25 جائزة في مهرجانات محلية وعالمية، مثل الجائزة التقديرية الذهبية عن الإخراج الأول من مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي الأول، وجائزة العمل الأول من جمعية الفيلم، وجائزة الدولة التقديرية عن فيلم “ضربة شمس”، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان القارات الثلاث في نانت في فرنسا عن فيلم “طائر على الطريق” في العام 1981.
كما حصل فيلمه “الحرّيف” (بطولة عادل امام) على شهادة تقدير في مهرجان برلين الدولي في العام 1983، وقد عُرض في المسابقة الرسمية في مهرجان موسكو الدولي في العام ذاته. وامّا فيمله “عودة مواطن” فعرض في مهرجان فالنسيا لدول البحر المتوسط في أسبانيا في العام 1986، ومن ثم خارج المسابقة الرسمية في مهرجان كان الدولي في العام 1987.
واصل محمد خان حصد الجوائز في المهرجانات العالمية، حتى العقد الأخير من عمره، حيث حصل فيلم “في شقة مصر الجديدة” على جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي في العام 2007، وجائزة الخنجر الفضي والجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحفيين في مهرجان مسقط السينمائي في العام 2008، كما شارك في مهرجان دبي السينمائي في العام 2007، ومهرجان “بالم سبرينغز”، ومهرجان “سان رفاييل” في الولايات المتحدة في العام 2008.
برغم كل ذلك، ظلّ خان محروماً من الجنسية المصرية، بحكم أنه من أب باكستاني، لكن مناشدات من قبل سينمائيين وفنانين ومثقفين أفضت في نهاية المطاف إلى صدور قرار رئاسي، حمل الرقم 92 لسنة 2014، بمنحه الجنسية.
بدا ذلك، ربما، بمثابة تكريم متأخر لخان، من قبل الحكومة المصرية، وقد قال في حديث سابق على منحه الجنسية: “أصعب لحظة أواجهها هي تقديم جواز السفر البريطاني في مطار القاهرة، فساعتها يسألني موظف المطار عن جنسيتي، فلا أدري ماذا أقول، وأظل استنكر بداخلي هذا السؤال، فأنا مصري وُلدت وتربيت في القاهرة وأحيائها الشعبية”.
تزوج محمد خان عدة مرات، الأولى من سيدة خارج الوسط الفني وأنجب ابنته المخرجة نادين خان، ثم من الفنانة نهله سلامة، وأخيراً من المؤلفة وسام سليمان.