لإحداث التغيير الرجاء الضغط لايك!
قراءة في الحملات الرقميّة لمناهضة العنف ضدّ النساء، التي انطلقت في اليوم العالميّ: “كيان”، “نساء ضدّ العنف”، “نعمات” و”مبادرات صندوق إبراهيم” • الحملات تتفاوت، ولكلّ حملة جانب مهنيّ قويّ أو أكثر، لكنّها جميعها تفتقر في نهايتها لتوفير منصّة لتفعيل الجمهور وتجنيده لخطوات عمليّة، Call to action
>
|فاطمة عاصلة|
في الشهر الأخير أطلقت جمعيّات وحَراكات نسويّة عديدة، وجمعيّات أخرى فاعلة في الداخل الفلسطينيّ، حملاتٍ عديدةً تزامنًا مع اليوم العالميّ لمحاربة العنف ضدّ النساء، وهي حملات هامة ومبادرات ضروريّة تستطيع المساهمة في تشكيل وعي الجمهور والدفع بنا نحو التغيير. تصبّ الحملات الكثير من تركيزها رقميًا، واضعة الجهود والاستثمار بمعظمه فيها. وإيمانًا بأهميّة مساهمة هذه الحملات ودور عمل الجمعيات عمومًا، تشتق أهميّة حضور النقد البناء وحضور النقاش المهنيّ الذي يرمي لتصويب الجهود بدقّة أكثر نحو الهدف الواحد.
وكمساهمة في ذلك، أقدّم هذه المقالة كقراءة في عدة حملات انطلقت وبعضها ما زال مستمرًّا، وهذه القراءة تطرح آراءً شخصيّة حسبما جرت قراءة وفهم المضامين كمشاهدة مُتلقيّة أولًا، ومدعومة بأسس هامّة في التسويق المهنيّ ثانيًا، من دون العلم أو الإحاطة بتفاصيل أخرى غير بادية للجمهور.
أول ما تفعله أي حملة -بعد جذب انتباهنا في عالمٍ يغصّ بالمحتوى- وفي كثير من المرّات، هو تجنيد تضامننا معها؛ ليس من حيث الرأي وإنمّا من حيث فرض الشعور بأنّ الحديث عنّا: عن أشخاص يشبهوننا، عن مشاكلنا أو عن قضايانا عن صراعاتنا وعن مشاعرنا- نحن لا غيرنا. وبكلمات أدقّ مدى تصوير الحملة للواقع؛ هل هؤلاء الأشخاص نحن؟ هل هذه التصرّفات والأقوال والشكل البادر من الشخصيّة هو أنا؟ هل هذا مجتمعنا أو مجتمع آخر؟ فأنا “أتضامن” مع من يشبهني، وأحفَّز نفسانيًا بقصص وأحداث تشبهني، وبمشاعر أعانيها أنا أيضًا.
وهنا- في هذه النقطة بالذات- تفقد الكثير من الحملات إمكانية نجاعتها، أو حتّى إمكانيّة منحنا إيّاها فرصة لإحداث أثر. فالحملة التي تفقد نجاعتها في هذه النقطة الحاسمة ستستصعب أصلًا إحداثها للأثر؛ فالطريق طويل قبل إحداث الأثر.
من يحمي الأخت؟
“أحمي أختي” هي حملة “لنعمات” انطلقت بالعربيّة والعبريّة، وقبل الوصول أصلًا للتفكير بجدوى المقولة الرئيسة للحملة “أحمي اختي” التي تفتح تساؤلات حول تكريسها لدور الذكر السّلطويّ في الحماية (رغم أنّنا نفهم من نظرة على الحملة كاملة التي انطلقت بالعربيّة والعبرية، أنّ الحملة تحوي المقولتين “שומר.ת אחותי”، وقسم من الفيديوهات بالعبريّة يقوم بتمثيلها “أخت او امرأة” تحمي اختها أيضًا، لكن بالعربية هناك فيديو واحد، ومن الأجدى لتفادي هذه التساؤل، على الأقلّ، أن يكون فيديو آخر مُوازٍ لأخت تحمي اختها وليس فقط أخ ذكر يحمي أخته- وربما يكون هناك فيديو قادم والحملة مُستمرّة) . لكن هذا السّؤال مفتوح للنقاش، والأهم قبل ذلك بكثير أنّ الحملة لم تنجح في تجنيد الجمهور العريض وتوجيهه نحو الهدف الهام التي ترغب الحملة بتحقيقه، أو المقولة التي تنوي قولها لبُعد الشخصيّة وبيئة العمل عن واقع الفئة المستهدَفة.
الكثير من التعليقات وُجّهت بنقد للمُمثلة التي لا تشبه بشكلها الخارجيّ معظم النساء اللاتي نراهُنّ في مجتمعاتنا؛ فهي تبدو للأكثرية بمظهر “غير لائق” ولا يمثّل أساسًا معظم الشريحة التي ننوي استهدافها.
ولا يُقصَد بهذا الاعتماد على التعليقات لتقييم الحملة ولا يُقصد بهذا منح الشرعيّة والمكان لنظرة كهذه، (ومهما كانت الحملة ستكون هذه التعقيبات المريضة) ولكن علينا كمُسوّقين للفكرة محاولة تمريرها بأقلّ درجة من النقد. علينا –في هذا المجتمع الذي يعاني ظواهرَ سيئة وأفكارًا مريضة وموبوءة- أن نحاول قدر الإمكان عدم إعطاء أيّ فرصة لمساحة حديث كهذه، حتّى نستطيع العبور أساسًا لمحطّة أخرى في الحملة وهي “إيصال الرسالة والتأثير” وعدم وأد الحملة مبكرًا (مع وضوح وصحّة أنّ هذه الردود والقوالب الفكريّة والنمطيّة هي ذاتها التي تسبّب في النهاية قتل النساء وهي ذات المشكلة ونحن أمام وجهيْن لمشكلة واحدة علينا التعامل معها)، لأنّه بمشاهدة بداية الفيديو سنفهم أنّ الفئة المستهدفة أصلًا لن تتماهى ولن تشعر بالتضامن مع مَن في الفيديو.. فلماذا نضع أنفسنا أمام هذا العائق؟
إذا كان هذا بهدف كسر كلّ الأنماط والقوالب الفكريّة، وهو هدف سامٍ ومطلوب، فهذا جاء على حساب الحملة وأهدافها، وهذا ليس تسويقًا ذكيًا إذا ما وضعنا هدف تمرير رسالة “أحمي اختي وإحداث التغيير في وضع العنف ضدّ النساء” في المركز، لأنّنا في النهاية -ومهما أردنا- نتعامل مع واقع قائم ومع سلوك مجتمعي حاضر نرغب في تغييره. والحملة العينيّة هذه تصبّ في تعزيز سلوك مُحدّد (احمي اختك وغيّر من وضع العنف ضد النساء)، لا من أجل الغوص في مشاكل أكبر وأكثر شموليّة، وهي لم تُعدّ للتعامل مع العقلية الذكورية كرزمة واحدة. بمعنى آخر: هي ليست حملة لكسر المفاهيم البالية كلها -مع رغبتنا جميعًا ولزوم عملنا على هذا- لكنها حملة لتعزيز سلوك يحارب قتل النساء (احمي اختك.. تمنع العنف).
كان بالإمكان أن تكون الممثلة أكثر نمطيّة، تشبه حتّى بمظهرها وكلّ البيئة التصويرية المحيطة الفئة المستهدفة (حتى لو كان هذا غير واقعيّ، لكن هذا هو القالب الموجود في عقلنا وإدراكنا، هكذا نفهم الصورة وليس هذا الوقت لتغيير القالب حتّى لو أردنا)، وذلك من أجل إنجاح الحملة وأهدافها. ومن ثم لو تقدّمنا لمحطات أخرى في الحملة، نجد سياقًا عامًا بمضمون غير مفهوم تمامًا، شائك، مفتوح على تفسيرات كثيرة ومفتوح على قصص عديدة، إلى جانب أنّه يُرجع المشاهد لنقطة لا يستطيع التضامن معها “بتروديش عَأبوكي”حتى لو أراد، وأيضًا الرسالة غير واضحة له أساسًا.
بمقولة كهذه “بحمي اختي” كان بالإمكان بناء حملة قويّة وأكثر واقعية، صارخة أكثر، والأهم واضحة بشدّة في نفس مدة الفيديو المعروض. فالمقولة مع التحفظ والتساؤل عن مدى صحة استخدامها هي مقولة قوية فعلًا، مختصرة وصارخة، وترمي أيضًا لتعزيز سلوك واضح: تقول للمشاهد بشكل صريح وقويّ وواضح “احمي اختك” وكان من الأجدر إكمال هذه الترجمة القويّة لسيناريوهات واضحة تُرينا وتصوّر لنا نحن المتلقي البسيط كيف يساهم هذا التصرّف بحلّ المشكلة وبتغيير الواقع، أو كيف يؤثر فيما لو غاب! فما الذي سيحدث لو أنّك لم تحمِ اختك، وكيف ستكون دورًا في المشكلة؟!
“من الأول تستكتوش”
وهو الشيء الذي قامت بترجمته واضحًا حملة “نساء ضد العنف”، وبالإمكان القول إنّ هذه الحملة شبه مكتملة! فهي تعالج جذر المشكلة أيضًا: ابتعدت عن السطحيّة بأقصى درجة، ومشينا نحن المشاهدين رحلة خطوة بخطوة لنفهم جذر المشكلة، كيف بدأت وما المسببات والنتائج، وفهمنا كيف نتعامل مع المشكلة فعلًا وكيف يجب أن نتعامل معها، ما أثّر في سلوكنا الحاليّ وكيف نقوم بالسلوك الصحيح. كل هذا بأقلّ من دقيقة ونصف، وبشكل واضح من دون الوقوع في فخّ تكريس أيّ فكرة أو تصرّف لا نرغب بتكريسهما (كتكريس السلطة الذكوريّة)، ومن دون السماح وإعطاء فرصة للجمهور لقتل الحملة في محطتها الأولى، في محاولتها تجنيد تضامننا وانتباهنا وفي تكريس شعورنا بأنّها قريبة وواقعيّة، وتتحدث عنّا وعن كل واحد فينا، وليس هذا فحسب بل أنّ الحملة عرضت وجوهًا عديدة للمشكلة وبمراحل عديدة من حياة المرأة في مجتمعنا، من دون الوقوع في أيٍّ من الإشكاليّات الأولى التي وقعت فيها حملة “احمي اختك”.
وهو الشيء الذي قامت بترجمته واضحًا حملة “نساء ضد العنف”، وبالإمكان القول إنّ هذه الحملة شبه مكتملة! فهي تعالج جذر المشكلة أيضًا: ابتعدت عن السطحيّة بأقصى درجة، ومشينا نحن المشاهدين رحلة خطوة بخطوة لنفهم جذر المشكلة، كيف بدأت وما المسببات والنتائج، وفهمنا كيف نتعامل مع المشكلة فعلًا وكيف يجب أن نتعامل معها، ما أثّر في سلوكنا الحاليّ وكيف نقوم بالسلوك الصحيح. كل هذا بأقلّ من دقيقة ونصف، وبشكل واضح من دون الوقوع في فخّ تكريس أيّ فكرة أو تصرّف لا نرغب بتكريسهما (كتكريس السلطة الذكوريّة)، ومن دون السماح وإعطاء فرصة للجمهور لقتل الحملة في محطتها الأولى، في محاولتها تجنيد تضامننا وانتباهنا وفي تكريس شعورنا بأنّها قريبة وواقعيّة، وتتحدث عنّا وعن كل واحد فينا، وليس هذا فحسب بل أنّ الحملة عرضت وجوهًا عديدة للمشكلة وبمراحل عديدة من حياة المرأة في مجتمعنا، من دون الوقوع في أيٍّ من الإشكاليّات الأولى التي وقعت فيها حملة “احمي اختك”.
وفي المقولة العامّة للحملة التي اتبعت بسلسلة صور ومقولات: “التغيير هو قرار” و”من الأول تستكوش”، هي أيضًا مقولات ممتازة، تقنعنا الأولى بأنّ هناك ما نستطيع فعله، وتوقظنا من حالة اليأس، وتدّلنا الثانية على ما نستطيع فعله!
وظفت الحملة عواملَ وتأثيراتٍ بصريّة ومرئيّة عالية، تحفّز العواطف والمشاعر والتأثّر، وهي أيضًا عوامل هامّة وحاسمة في أيِّ حملة (لأنّنا نهاية نتحرّك بسبب عواطفنا ومشاعرنا)، من دون أنّ تفقد مقولاتها الهامّة ومن دون الوقوع في إشكاليات وتفسيرات أخرى، ومن دون أن تفقد من عمق الرسالة وعمق المعالجة للظاهرة والأسباب (الشيء الذي يميّز غالبيّة الحملات التي تركّز على الأثر العاطفيّ؛ ففي كثير من الحملات كلما زاد “اللعب على العاطفة والأثر النفسانيّ” تفقد الحملة قوة الحبكة والسيناريو وقوة الرسالة).
“تخليهاش بالقلب”
القوة في الحملة التي أطلقتها منظمة “كيان” هي طرحها لقصص شخصيّة storytelling، وهي من الأسس الأقوى تسويقيًا للتأثير وتجنيد التضامن. غير أنّ كون القصة محكيّة من ممثلين/ات وليس الأشخاص أنفسهم أصحاب القصة (مع فهم صعوبة أو حتى استحالة هذا)، فإنّ هذا قد يُفقد الحملة قوّة تأثيرها، رغم كلّ قوة الإخراج والتمثيل المتقن في الفيديوهات وفي التأثيرات البصريّة والصوتيّة التي تعزز الأثر والتضامن.
تسعى الحملة لتعزيز سلوك “المشاركة” بقولها: “المشاركة وطلب المساعدة هي الخطوة الأولى للنجاة من دائرة العنف.. شاركينا نحن معك”. وهذا جيّد وحيويّ بالطبع، لكن ربما يجدر التفكير -خاصّة بعد الظروف الأخيرة وبعد وجود شعور بعدم الثقة في السلطات وادّعاءات البعض بجدوى عمل الجمعيّات ومدى قدرتها على الحماية (شعور عام غير مبنيّ على أيّ معطيات واقعيّة)- يجدر التفكير بطريقة أو أسلوب يجعلنا كنساء أكثر شجاعة لنشارك، فهناك ما يمنعنا من المشاركة؛ نحن نعلم غالبا أنّه بالإمكان المشاركة ولكننا نخاف أو أنّنا لا نملك الشجاعة أو أنّنا لا نفهم الجدوى، ولهذا ربما يكون التأثير الأكبر في منحنا أسبابًا مُحفّزة لنشارك (أسبابًا للتعامل مع الخوف، مع الشجاعة، أو لفهم الجدوى وترجمتها بصورة بسيطة).
لهذا من الممكن إلحاق الجملة بجمل أخرى تعطينا هذه الأسباب كي تبدو الحملة أكثر إقناعًا وأشدّ قوّة وكي تتعامل الحملة مع “موضع المشكلة الجذريّ” مثلًا:
معطيات: 7 من أصل 10 متوجّهات يستطعنَ “النجاة” من دائرة العنف أو توجّهات النساء ساعدت بأن نقدم شكوى معًا (معطيات وأرقام).
أو ترجمة مثل: إذا قمتِ بالتوجّه فسنقوم بمعالجة المشكلة معًا قضائيًا أو طرح بدائل أخرى، (إضافة للدعم النفسانيّ). أو بالإمكان الرجوع لجو الحملة الأول: عرض قصص شخصيّة، كيف ساعد التوجّه والمشاركة إحدى النساء في التخلص من دائرة العنف؟ أي التركيز على الحلّ وأثره وليس على المشكلة.
كذلك نحن بمرحلة أبعد من طرح القصص نفسها… ربما علينا التركيز على طرح القصص ما قبل الحلّ وما بعد الحلّ: ما قبل التوجّه وما بعد التوجّه وعلى حيويّة التوجّه لإحداث الفرق والتغيير.
الفيديو الأول (الممثلة فداء زيدان) ربما يطرح نوعًا من القصّة مع الحلّ والتصرّف وتمثيله، إذ قامت المرأة بالرفض وبإيقاف المعتدي بإصرارها، أو اتخذت قرارًا بالمواجهة فقامت بإيقاف المعتدي ومواجهته بقوّة. وربما تطرح فيديوهات قادمة هذا، لكنّها بقيت منقوصة لأنّ مقولة “واجهي أو شاركي” لم تكن بارزة في النهاية.
الواقع الجميل المفترَض
وهو الشيء الذي كان واضحًا أكثر في حملة “صندوق إبراهيم”. صحيح أنّ الحملة اعتمدت أيضًا كحملة “كيان” القصص التمثيلية، لكن ما يجعل الحملة قويّة جدًا هو عرضها للموجود وللمنشود، وفي النهاية كقولها بأنّ هذا ينقصنا للأسف، لهذا “نغيّر نهاية القصة ونمنع الجريمة المقبلة”.
مثلا قصة سليم: الرجل العنيف الذي تلقى العلاج وأحدث التغيير، ترفعنا الحملة إلى مكان منشود وجميل وتفاؤليّ عندما يبدأ سليم بالتحدّث عن تجربته الناجحة في التعالج من العنف، بعد توجّهه للمسؤولين والمركز العلاجيّ، وهو يعطينا الحلّ وما بعده وتأثيراته وتداعياته، ويقارنه بفترة المشكلة وتداعياتها. وبعد هذا السّرد وبعد وضع المشاهد في ذروة التفاؤل والأمل والاقتناع (بالتشديد على الاقتناع) يفاجئنا بأنّ هذا سيناريو تمثيليّ غير واقعيّ، ويفاجئنا بأنّ هذا الحلّ المقنع مفقود!
ولكن لا يتوقف هنا إذ يقول بأنّ هذا الواقع غير بعيد، وهذا الحلّ بالإمكان تحقيقه. وهنا يأتي دورنا نحن الذين اقتنعنا بالحلّ ونحن الذين وضعنا في مكان منشود ومليء بالأمل أن نسعى لفرض هذا الحلّ! يصدمنا هذا الفيديو بالواقع، بعد المرور برحلة جميلة وبعد مسار إقناع مذهل محسوس ومرئي، وهذا أكثر ما يمكن أن تصله حملة بطرحها!
(لوهلة يبدو القول بأنّ على هذه الحملة أن توجّه للسلطات المسؤولة -خاصّة هذا الفيديو- منطقيّة. ومنطقي القول بأنّ هذه حملة أقل ملاءَمة لعامة الناس ولحملة تغيير وعي، بل حملة مَطلبية موجّهة للسلطات، ولكن بتفكير ثانٍ هذه الحملة بالذات هي للجميع، بكل تفاصيلها الذكية هي جوهر حملة تغيير الوعي لدى الناس، مستعملًة أسسًا هامّة في تغيير السّلوك وبناء الوعي.)
بالإمكان القول إنّ هذه الحملة ذكية، فهي في كل فيديو تطرح حلًا، وتطرح تصوّرًا لما بعد الحلّ، وتقول لنا بجرأة إنّ هذا الواقع مفقود ويجب علينا التحرّك لصنع الواقع الجميل الذي نرغب به.
تلخيص: الفرص والجانب التقني
أتاح لنا العالم الرقميّ ما لم يُتَح في أيّ حقبة مرّت، وكسّر أكبر العوائق أمام عمل الجمعيّات بالتحديد، وهو الوصول للناس عامة، والوصول لمن يعاني الضائقة مباشرة، والوصول للشرائح التي تحتاج التغيير في سلوكها أكثر من غيرها؛ أصبحنا نصل الناس في عقر بيوتها، طوال الوقت وكلّ يوم وأكثر من مرة باليوم، صرنا نجيء نحن للجمهور، هذا الذي انتظرنا قلّته ونخبته ليلاقينا مبادرًا في الندوات والمحاضرات؛ الشيء الذي بدّد هذا الحاجز بين النخبة وبين العامة، وبين المبادر والمهتم والمستهدف (بمستوى الوصول على الأقل).
ولهذا فإنّ فرصة التأثير اليوم ذهبيّة، وعلينا استغلالها بأقصى درجة، وعلينا الحذر من التفاصيل بأعلى درجة وأكثر من أيّ حقبة خلت. وعلينا كلنا العمل على محتوى أفضل وشبه متكامل وحذِر ليصل الجميع، حتّى في الإعلانات التجاريّة التي تقوم هي أيضًا بتشكيل وعينا تجاه كلّ قضية وتصرّف (أذكر في هذا السياق: كنماذج إعلانات “لبنة طارَه” الأخير وإعلان حملة المشهداوي “خبرتي حماتك.. خبرتي زوجك؟ لغيتي برامجك” والتي تقع عليها مسؤولية تكريس الأفكار النمطيّة للمرأة أيضًا)، وتعزيز سلوكنا غير المرغوب. وبالتأكيد أكثر وأكثر حملاتنا المجتمعيّة التي تهدف أولًا وأخيرًا لإحداث التغيير في وعينا وسلوكنا ومضينا قدمًا كمجتمع.
تم قصدًا تحييد الجانب التقني عن مركز الحديث، لعدم الإحاطة بالتفاصيل، ولكن الإشارة جديرة لأمريْن: أولًا، يستوجب بعد هذا الجهد -وحتّى لا تضيع كل هذه الجهود- أن تصل الحملات وتحقق أوسع انتشار بتوزيع مناطقيّ ملائم، وبالآليات التقنية المتاحة بما تتيح الميزانيات المحددة، وإلّا فلن تحدث الأثر الأعمق.
وثانيًا -وهذه النقطة تتجاوز التقنيات- من الممكن أن يتم التفكير بما يطلب من الجمهور بعد مشاهدة الحملة- كيف بالإمكان أن تستثمَر هذه المشاهدات أو هذا التفاعل من الجمهور بفعل واضح ومفيد، call to action. مثًلا: أنا شاهدت الفيديو وأريد أن أساهم بالتغيير فهل لديّ ما أفعله؟ أتبرّع، أتسجّل كمتطوّع/ة، أوقّع على عريضة، أتسجّل للمشاركة في مظاهرة، أتوجّه للجمعيّة؟
أو حتى فعل أبسط كالدخول لصفحة إنترنت تحوي تفاصيلَ أكثر لأحداث معرفة ووعي أكبر عن القضيّة، أو يحوي الامكانية لمساهمة أكبر. إذ يمكّننا هذا من استثمار هذه المشاهدات بهدف فعليّ إضافيّ، وهو ليس ضروريًا بشكل مطلق في جميع الحملات ولكنه محبّذ بالتأكيد.
يؤخذ كمثال حملة “صندوق إبراهيم” التي تطرح حلولًا فعليّة هامة لحلّ مشكلة العنف ضدّ النساء، وبالإمكان أن تطلب فعلاً عينيًا مُكمّلًا مثل “لتساهم بهذه الحلول اُدخل إلى عريضة للتوقيع: مطالبة الشرطة بـ… مطالبة السلطات بفتح مراكز علاجية للرجال، وغيرها.
هكذا تكون الحملة انتقلت لمرحلة أخرى وهي استثمار المشاهدات والجهد الواضح فيها وترجمته لفعل عينيٍّ بالإمكان الاستفادة منه للتأثير على السلطات بفرض هذه الحلول، واستثمار الناتج من تراكم الوعي لفعل حَراك عينيّ يحدث الفرق. فنحن لا نصنع الوعي من أجل صنعه، وحتّى لهذا هناك ترجمة فعليّة وعمليّة. وهذا العنصر الهام (call to action) تفقده للأسف كلّ الحملات الحاليّة، وهو العنصر الأهمّ في الحملات الرقميّة وهو الفارق الأكبر الذي فرضه العالم الرقميّ!
_________________
للتواصل مع الكاتبة:
fatme.asli@hotmail.com
facebook.com/fasleh