العيد في قريتنا روعة!/ فراس خطيب
عندما أكبر، ويولد لي أبن، سأصدر له أمر إخلاء من القرية خلال أيام العيد. فمشهد جارنا اللحام قبل العيد بيومين، بملابسه الملطخة بدماء الأبقار وذقنه السوداء غير المحلوقة أصعب بكثير من فيلم “أناكوندا”
العيد في قريتنا روعة!/ فراس خطيب
|فراس خطيب|
العيد في قريتنا روعة: أطفال يرتدون ملابسَ العيد الملوَّنة، المغبرة، ويتجمهرون حول محالّ “الطعام السريع”. العيد لحظة الطفل التاريخية لتعويض ذاته عن النظرات الجائعة إلى فاترينا الـ “بيتسا” وهو عائد من مدرسته يوميًا. إنَّها لحظته التاريخية لالتهام ما يشاء دون رقيبٍ- لا من قريب ولا من بعيد. يريد تعويض نفسه عن سنوات مضت، يحلم بعالمٍ بين يديه، فتراه لا يكترث لحقيقة أنَّ والدَه توسَّل موظفَ البنكِ الناقم على المجتمع ومن فيه ليصدِّق له على القرض الثالث كي يشتري لحم الخروف والعجوة!
العيد في قريتنا سعادة: تمرّ سيارة “بي إم دبليو” سوداء قديمة، صاحبُها يريدها جديدةً رغم الطبيعة، تقطع الشارع –بسرعةٍ جنونيةٍ- أكثر من عشرين مرةً ذهاباً وإيابًا. من وراء المقود شابٌ (طبعًا!)، لا يظهر منه سوى شعره المنتصب والمشّع بريقًا من شدّة “الجِّل”. يحاول هذا الشاب قدّر المستطاع أن يلفت نظر الفتاة المارّة من هناك. ينجح في لفت أنظار القرية كلّها… سواها.
العيد في قريتنا نسيمٌ يحمل ضجيج القنابل الصّوتية وسيّارة إسعاف تهرع إلى مكان الحادث لإنقاذ يد فتى انفجرت فيها قنبلة قبل أن يرمي بها بين مجموعة من الناس للفت أنظارهم، فدفع إبهامه ثمنًا. فلحق به مصوّر أحد المواقع الإلكترونية. هذا المصوّر الذي جاء خصيصًا ليلتقط خمسين صورة من دون كلام عن “أجواء العيد”، يجد نفسه في لحظة مهنية تاريخية و”سكوب صحافيّ” عن طفل فَقَد أصبعه، سيضعه ساعتين على واجهة الموقع “الأكثر قراءة”. بعد ساعات من الحادث، سيظهر الطفل في الموقع، رافعًا ابهامه المبتور، وإلى جانبه أمه مبتسمة. الإثنان تحت عنوان: “موقعنا يحذّر من المفرقعات”.
الحصان يعاني، وصاحبه أيضًا، وطابور آخر من الأطفال ينتظر في المكان باحثين عن الحنطور المفقود
العيد في قريتنا حلمٌ: بيوت، ومبانٍ تشبه البيوت، وجدران مهترئة جاثمة وسط الطريق، لكنّها مزيّنة بأضواء حمراء، إلى جانبها صور صفراء متآكلة علقت منذ عاميْن لمُرشّحي الانتخابات البلدية. من هلاك الجدار تظهر صورةٌ لطبيبٍ عاد قبل أعوام من بلاد الثورة لتقنعه العائلة بأن يصبح رئيسًا للمجلس المحليّ. دعمته العائلة، فاستقال من قسم الجراحة، وصار الـ “دال نقطة” رئيسًا لقائمة “الأمان والإلتزام”. إختار علمًا ملونًا ليكمل “المسيرة”، لتتعرض حاشيته (أبناء عمه) لإطلاق النار بعد شهريْن من انتخابه. ليس بسبب المسيرة. فكلّ شيء يستأهل إطلاق النار في القرى إلا “المسيرة”!
العيد في قريتنا جمالٌ: فقد قرّر صاحب الحصان أن يصنع حنطورًا لينقل الأولاد الفرحين من أول الشارع إلى نهايته. يمرّ الحنطور بين السيارات وتحت الحرّ. يسير الحصان على الإسفلت من دون هوادة، بينما يمتطيه عشرون طفلاً. الحصان يعاني، وصاحبه أيضًا، وطابور آخر من الأطفال ينتظر في المكان باحثين عن الحنطور المفقود. على مقربة منهم يشتعل المشهد: عراكٌ بين شابيْن على شيء ليس معلومًا على باب “المُول” الجديد. إشكالية لم يحلّها العلماء، ولا حتى المستشرقين منهم. لماذا يتشاجر العرب في الأعراس والأعياد والمناسبات السعيدة، فقط؟!
العيد في قريتنا موسيقى: تحتار أمة المليار بين “هل العيد غدًا أم بعد غد؟” (ودائمًا يأتي بعد غد!). وحين يعلن الإمام مَجيئه، تشتعل دخان المناقل، تنطلق السّيارات السّوداء الألمانية التي طورّها شبان القرى بأضواء زرقاء، وتصدح الموسيقى الشرقية الحزينة، ويصرخ المطرب المغربي الأصل: “إلهي إلى متى؟!”
العيد في قريتنا ندم: عندما أكبر، ويولد لي ابن، سأصدر له أمر إخلاء من القرية خلال أيام العيد. فمشهد جارنا اللحام قبل العيد بيوميْن، بملابسه الملطخة بدماء الأبقار وذقنه السّوداء غير المحلوقة، أصعب بكثير من فيلم “أناكوندا”… هذا ما جناه أبي عليّ، وهذا ما لن أجنيه على ولدي!
..
الخطيئة والصيام
أطلق مسلّحون النار على أحد المحالّ التي تبيع الخمور في إحدى القرى. السبب هو “دفعه نحو عدم بيع الكحول”. القضية لا تقتصر على العنف فقط، إنما عن إعلان نوايا أخرى: عدد من وكلاء الله على الأرض صاروا مُسلحين! لماذا العجب؟! فحين ينتفض “منتخبونا” (من حركات وطنية وأخرى عائلية) ضد النائبة حنين زعبي، وبشكل مُخجل، في اجتماع لجنة المتابعة، لأنها شربت الماء “ولم تراعِ” شعور الصائمين، فلمَ العجب حين يقوم عدد من “عامّة الشعب” بإطلاق النار ضدّ محلّ بيع الكحول لأنَّ صاحب المكان “لم يُراعِ” شعور الصائمين في بلده؟
ونحن لا نعرف، أين الخطيئة الأكبر: إطلاق النار الذي يمكن أن يودي بحياة بشر، أم بيع الكحول؟! لجنة المتابعة لم تقرّر بعد وتنتظر حذف إجابة كي تعرف!
(فراس خطيب)
..
21 سبتمبر 2010
نص رائع وراقي
احببته بشدة
هناك كثير منه مني
من تجربتي مع العيد
وانا ايضا اريد ان اعطي ابني امر اخلاء بالعيد !
14 سبتمبر 2010
المصيبة انو حنين جوبنت وما شربت مي
يعني اذا هيك هيك ماكلة بهدلة فعلى الأقل تشرب وما تزيح الكباي وكأنها رجس من عمل الشيطان!!
14 سبتمبر 2010
الحل ليس الاستسلام للواقع (بان تبعد ابنك عن البلدة(… وانما ان تحاول ان تغيير الواقع للافضل… بالنهاية هذه القرية هي قريتك ومسقط رأسك واهالها هم اهلك!
****
انا لم افهم بعد مكان الفقرة الاخير من الاعراب…
ربماللدفاع عن حنين؟ وهل اصبح قديتا منبراً للتجمع؟
ومع ذلك.. تصرف حنين الزعبي غير مقبول وخطير .. لانه حسب رأي كان مقصوداً!
وتصرف اعضاء اللجنة الذين تهجموا عليها غير مقبول ايضاً ولعله اسوء واخطر !!!!
14 سبتمبر 2010
عزيزي فراس:
كي تكون ابا صالحا يجب عليك اصدار أمر إخلاء من القرية.
13 سبتمبر 2010
جميل فراس. احببت المقال بعناوينه الجميلة. ومع كل هدا كل عام وانت بخير
13 سبتمبر 2010
نبيل
يا خوفي تصير المدينة قرية إذا الناس بتسمع منك
13 سبتمبر 2010
آمل أن يترك الجميع قراهم وأن يسكنوا المُدن وليبقى في القرى الفلاحين والعجائز والعائدين من مشوار حياة طويل ليستقروا آخر العمر تحت ظل الكرمة فكذلك عي القرى في كل مكان في العالم إلى في بلادنا. فليترك الشباب القرى ليكتشفوا المدينة وليكتشفوا ذواتهم فيها وليعرفوا أن العالم أوسع من ساحة البلد وأن في الحياة ما هو أمتع من شرب الفودكا مع البلو وتدخين النرجيلة أثناء التشحيط بسيارتهم “التي يردونها جديدة رغم الطبيعة”. مقال رائع جدا.
13 سبتمبر 2010
feras ya wa7sh
12 سبتمبر 2010
نص مميز بلا شك وفشة خلق عما نراه دوما
لكني أشارك املي امل علي مواسي على أن يبقى أبناؤنا في قرانا لعلهم يصنعون عيدا أجمل ،رغم أني أراهم سعداء مع هذاالعيد وعلى جميع أشكاله …. فأنا أحسد الاطفال لأن العيد لا زال يزورهم ببراءه بدون الحاجة الى رؤية ما نراه نحن ربما لأننا ندفع ثمن مرور أعياد كهذه علينا! فتكبرنا أو كبرنا عليها!
12 سبتمبر 2010
نصّ مؤلمٌ، حادّ، صافع، صادق، سلس..
أتمنّى لو يستطيعُ ولدكَ أنْ يبقى في قريتِهِ ليصنع عيدَهُ جميلاً كما يشاء ويحلُمْ، دون أن تكون هناكَ حاجةٌ لأوامر إخلاء..
ربّما ينجح القادمونَ في تغييرِ ما نعجزُ عن تغييره اليوم..
ربّما..
تحيّاتي