الرسم بالكلمات، الكلام بالرسومات
تبرز الرسامة والفنانة جنى طرابلسي مؤخرًا في مشهد الفنون التشكيلية المعاصرة، من خلال تصاميمها ورسوماتها والكومكس الآخذ بالتبلور مؤخرًا في العالم العربي- وفي لبنان خصوصًا. تبحث عن التفاصيل الصغيرة وتحاول من خلال الابتعاد عن الواقع أن ترسمه وتعلق عليه. مائدة الطعام كمثال…
الرسم بالكلمات، الكلام بالرسومات
|رشا حلوة| خاص بـ “قديتا”
صاحبة مدونة “أيلول”؛ هذه المدونة الفنّية التي تحتوي “رسومات وغير قصص” كما يظهر في عنوانها الفرعي: عن بيروت والمدن، عن تفاصيل المائدة، قصص مصورة، فلسطين، عن الحرب، السفر، التجوال في المدن وما على الطرقات من أحاديث.
إنها جنى طرابلسي، إبنة المناضل اليساري فواز طرابلسي، علاقتها الاولى بالرسم “كأي أحد، منذ طفولتي” تقول جنى. ألقت على مدونتها الالكترونية، التي تنشر من خلالها جميع أعمالها الفنّية اسم “أيلول”: “أحبّ كثيرًا هذه الفترة من السنة، وأحبّ نغمة الاسم “أيلول”. لم أفكر بالسبب كثيرًا، ولكني أردت اسمًا يسهل استخدامه الكترونيًا في اللاتينية أيضًا، لكن الاسم لم يخدم كثيرًا مضمون المدونة لأني لم أدرك في البداية المواضيع التي سأرسم عنها”، تقول طرابلسي.
تُدرّس طرابلسي التصميمَ الغرافي منذ عام 2004 في الجامعة الأمريكية في بيروت، من الجامعة التي حصلت فيها على ليسانس في المجال عام 2000. في العام 2002، حصلت على الماجستير في الإعلام والصحافة من جامعة غولدسميت في لندن، وأيضًا على الماجستر في الوسائط المتعددة في باريس، فرنسا عام 2003. منذ ذلك الحين، تعمل طرابلسي على تصاميم غرافيكية بشكل حرّ لمؤسسات، شركات ومؤسسات ثقافية وأيضًا لصحيفتي “السفير” و“الأخبار” اللبنانيتين، وترسم الكاريكتور لمجلة “السمندل” ورسومات لكتب أطفال، مثل: “هي، هم، هنّ”، “الخياط الصغير” (2008)، وقيد النشر: “حلوة يا مفتقة” عن دار “أصالة” للنشر.
مع جنى طرابلسي كان لموقع “قديتا.نت” هذا الحوار الخاص:
- ما هي المناخات التي أثرت على أعمالك الفنية (السياسية، الثقافية، الفنية، الاجتماعية، البيئية، إلخ..)؟
طرابلسي: “أعتقد أن عملي في الصحف المختلفة أتاح لي الفرصة التعبير عن بعض آرائي وعلاقتها بالقضايا المجتمعية، السياسية وحتى البيئية. هناك صدى لمفاهيم عديدة من البيئة التي ترعرعت فيها (في حضن عائلة يسارية علمانية)، أما المناخات الأخرى فقد اكتشفتها بنفسي من خلال تجوالي عبر العالم.
ولكني بشكل خاص أؤمن بمحاكاة همي الأساسي والذي هو العدالة الاجتماعية، والإيمان بالتغيير، من خلال سرد القصص ورسمها (قصصي أو قصص الآخرين).
“أما ما يخصّ التأثيرات الفنية والثقافية، فقد كنت منكشفة كثيرًا ومسحورة بالأعمال الفنية السوريالية في الشعر والفنّ البصري. لدي ذكريات حيّة جدًا عن الرسومات التوضيحية لكتبي كطفلة. أمي هي بالأصل رسامة، لذلك كان تأثيرها عليّ رائعًا باستمرار. تأثرت برسامين غربيين (على سبيل المثال، البريطاني كوينتين بليك والتشيكية كفيتا باسفوكا)، وشرقيين كالإيرانية شيرين خيرية، والرسامين والفنانين العرب (المصري محيي الدين اللباد، حلمي التوني والعراقي ضياء عزاوي، والسوداني حسن موسى وغيرهم..)، هؤلاء جميعم مصادر ثابتة للتأثير عليّ. أعتقد أن ذوقي في الرسومات المزخرفة جاءً كثيرًا من الفنانين الأخيرين.
“في الآونة الأخيرة، بدأت رسومات الكوميكس بالتأثير على أسلوبي في رسم وتصور ورواية القصص، من خلال الانكشاف على أعمال فناني الكوميكس الأوروبيين (منهم بعض رسامي الكوميكيس في دار النشر الفرنسية المستقلة L’Association). وأنا أسعى أيضًا لمعرفة المزيد عن المبنى السردي الهيكيلي كالفرنسي Edmond Baudoin أو الأمريكي Chris Ware وآخرين. أما في الرسوم التوضيحية التحريرية (الافتتاحية) فطبعًا تأثرت بالفلسطيني ناجي العلي وبمازن كرباج وسعد حجو في لبنان، وهما ملهمان جدًا، أما بالنسبة لرسامي أمريكا الجنوبية، فأنا أكتشف بينهمres, Angel Boligan, وغيرهما. الانترنت أيضًا يعطيني فرصة لأكتشاف عدد كبير من الفنانين والرسامين الشباب.”
- كيف أثرت وتؤثر بيروت تحديدًا والمدن (مثل باريس، بيرو، بوليفيا) في أعمالك؟
طرابلسي: “منذ أن كنت طفلة، كانت لدي الفرصة وبالمقابل سوء الحظ، بأن أسافر من وإلى لبنان؛ للهجرة، الدراسة، المتعة والتسلية. من خلال السفر والرحلات، تبلورت لدي رؤية للأمور ووجهة نظر، وقضيت أوقاتًا كثيرًا في المقارنة ما بين الثقافات، المدن وأساليب الحياة. كلّ هذا خلق علاقة حب وكراهية معقدة بيني وبين بلدي، ككثير من أبناء جيلي، على ما أظن. ولكن بالمقابل فالسفر والرحلات فتحا عينيّ على أشياء كثيرة. بيروت مدينة موجعة، حُبّها موجع، كنت أهرب منها إليها، وأشتاق إليها حين أكون بعيدة، وأكرها حين أعود إليها. كنت أكتب وأرسم كي أعبر عن كلّ هذا، هذه الأدوات أعطتني الفرصة لأن أشارك التجارب، الآراء ووجهات النظر.”
- وكيف أثرت المدن التي لم تزوريها حتى الآن -أو للدقة التي مُنعت من زيارتها- كالمدن الفلسطينية، على أعمالك ومسيرتك الفنية؟
طرابلسي: “بالنسبة للأماكن التي لا أستطيع زيارتها حتى الآن، كفلسطين، لا أزال قادرة على أن أتخيلها، أحكي، أن أكتب عنها وأرسمها. وبالمقابل، أستطيع أن أنكر، أكافح، أمحو، أعيد بناء، أقاوم، أعيد التخطيط، وأبقي كما أريد منها من خلال أعمالي الفنية. لا يمكن لكلّ شيء أن يكون ممنوعًا. ولكني أدركت أيضًا، ككثير من العرب الذي لا يمكنهم الذهاب إلى فلسطين، أنّ صوري ورسومي ستبقى وهمية، أحيانًا هي مجرد صور خيالية للواقع، أحيانًا إنكار، أحيانًا مثالية وأحيانًا مظلمة.”
- ما هي المواد التي تستخدمينها عادة للرسم؟
طرابلسي: “أستخدم تقنيات مختلفة. في الوقت الراهن، أستخدم بالأساس أقلامًا رفيعة أو أقلام رصاص. أحيانًا أدمج تقينات عديدة. بدأت باستخدام أيضًا الألوان المائية، حبر وقريبًا سأجرب تقنيات أخرى.”
- ما هي علاقتك بالتفاصيل الصغيرة؟ كونها طاغية على أعمالك الفنية؛ تفاصيل الغرفة، الطاولة، الأغراض، إلخ؟
طرابلسي: “هنالك جانب روحاني في سيرورة الرسم، عندما يكون الرسم من الواقع، يتم التركيز على شيء واحد من خلال أساليب وطرق عديدة كي يتم رسمه، يجب على الرسام أن ينقطع عمّا يحيطه من أجل التركيز ومن اجل إلقاء نظر مختلفة على الأمور. أنا بشكل خاص أستمتع بالنظر إلى التفاصيل والأشياء المهمشة، ورؤية ماذا سيحصل لها حين يتم تمثيلها بواسطة الرسم. الأشياء الصغيرة التي لا نهتم فيها تصبح هامة، مظلمة، مشوهة، كبيرة، ثقيلة، معقدة، إلخ.. الأشياء تتكون من أشكال كثيرة ومثيرة. أحيانًا تحتاج العيون لأن ترى الخطوط والنقاط وأن تسطحها ليتم رسمها، عندها تبدو بشكل مغاير. أعتقد أنّ الناس ترى الأشياء بشكل بطرائق مختلفة، أنا عندي الميل للتركيز على التفاصيل، وأحيانًا أنسى الصور الكبيرة.”
- لماذا تخصصين رسومات عديدة “للمائدة” وما عليها؟
طرابلسي: “في اللغة الاسبانية، هنالك كلمة واحدة “sobremesa” (الأطلال)، هذه اللحظة التي ينتهي فيها الجميع من الأكل، ويبقون حول المائدة للحديث، ولأنّ لهذه اللحظة دلالة عندهم فلها كلمة واحدة.
أحب هذه الفترة، وغالبًا ما يكون دفتر الرسم معي وأرسم ما أراه. أعتقد أن المائدة بعد الطعام تبدو كأنها طبيعة دمرتها الحرب وأصبحت كالأنقاض. تجدين مليون غرض: قطعًا من الطعام، عظامًا، صحونًا قذرة، معالق، مناديل مستخدمة، كؤوسًا نصف مليئة، بقعًا، سجائر ورمادها. هذه المشاهد مثيرة أكثر بالنسبة لي من فاكهة لم تُمس في الصينية. إنها لا زالت جزءًا من الطبيعة، أو لربما لم تعد، مثل أشياء كثيرة تم استخدامها.”
- إضافة إلى الرسومات، في رصيدك “قصص مصورة” عديدة، ماذا تُشكل هذه القصص لديك؟ ماذا تعني لك؟ وبما تختلف عن الرسمة الواحدة؟
طرابلسي: “كلّ شي يتمحور حول سرد القصص، ولكني أميل إلى التعبير عن أفكاري أكثر من خلال رسمة واحدة، ولكني بدأت برسم القصص في أكثر من إطار واحد عندما يُطلب مني هذا، من أجل عمل ما أو كجزء من مشروع تعاوني مشترك. التفكير في قصة من أقسام مختلفة يحتاج إلى مهارات إضافية: الأخذ بعين الاعتبار التزيين، الوتيرة، عناصر المفاجأة، الأساليب التي تمنع من أن يكون السرد وصفيًا أو متكررًا، التغييرات في وجهات النظر، أعتقد بأن الكثير من دور الموسيقى والسينما موجودة لهذا الغرض.”
- شعرت أثناء قراءتي لرسوماتك بأني ألمسُ أحيانًا فتاة حالمة.. ما هو حُلمك؟ وكيف يترجم من خلال أعمالك الفنية؟
طرابلسي: “لست على دراية أو وعي لهذه الصورة في أعمالي الفنية، ولكني استخدم خيالي أحيانًا لكي أهرب من الواقع، أو لتجميله، لا اعتقد أن لدي حلمًا واحدًا، بل الكثير. بعض أحلامي تظهر من خلال تصويري للأماكن التي لا يمكن لي زيارتها، وبعض آخر هي آمالي في التغيير.”
- ما هو مشروعك القادم؟
طرابلسي: “لدي مشاريع عديدة كما أحلامي. العديد من المشريع “خربشتها” على دفاتري. بشكل أساسي أحاول تطوير حقل الرسوم القصصية من خلال ورش العمل والمشاريع التعاونية، أريد أيضًا العمل على بعض التقينات بشكل كامل. وبشكل مثالي، أن أجد خط الخط المناسب لرسومي التحريرية كالتي أرسمها في الصحف.”
- كلمة أخيرة لقراء موقع “قديتا.نت”..
طرابلسي: “أنا شاكرة جدًا لهذه الفرصة التي جعلتني أجيب على هذه الأسئلة التي فيها هذا القدر من التحدي وأن أعكس أعمالي من خلالها. وهذه فرصة أيضًا للتواصل معكم في فلسطين، متمنية لكم النجاح في الموقع.”
أيلول// مدونة جنى طرابلسي:
27 ديسمبر 2011
المواضيع حلوة كتير انا بشكر كل من ساهم في النشر
27 ديسمبر 2011
الصور كثي معبرة تشكر للفلسطينين كلكو
13 نوفمبر 2010
شكرا على الصور يمكن المزيد