“الدّيلر: “آكشن” منتزع من سياقه العربي وأخطاء بالجملة
التكلفة الإنتاجية الباهظة وعوامل الإبهار البصري التي حشدها المخرج أحمد صالح في “الديلر”، لم تكن لتغطي على هشاشة حبكته واعتمادها المصادفات فضلاً عن إيجاد مخارج درامية منطقية للأحداث، إلى جانب السعي المُستميت لاقتباس الروح الأميركية لأفلام “الآكشن”
“الدّيلر: “آكشن” منتزع من سياقه العربي وأخطاء بالجملة
|رشا عبدالله سلامة|
ثالوث يكاد يكون ثابتاً في أفلام الممثل المصري أحمد السقا: البطل القادم من بيئة مسحوقة اجتماعياً، واللعب مع الكبار في صفقات مشبوهة، والتصوير في بلد أجنبي.
“الديلر”، فيلم السقا الجديد، أصر إلا أن يُخلص للثالوث آنف الذكر الذي تكرر في أفلام سابقة، مثل: “مافيا” و”حرب إيطاليا” و”تيتو”، وإن كان استعاض فيه -بالتحديد عن الدول الأجنبية- بالأوساط فاحشة الثراء في المجتمع المصري.
حتى تلك الأفلام، التي لم يتقبل الجمهور فيها كثيراً أدوار السقا الاجتماعية والعاطفية، مثل: “عن العشق والهوى” و”تيمور وشفيقة”، فإنه ما استغنى عن ثالوثه- خاصة التصوير الخارجي.
التكلفة الإنتاجية الباهظة وعوامل الإبهار البصري التي حشدها المخرج أحمد صالح في “الديلر”، لم تكن لتغطي على هشاشة حبكته واعتمادها المصادفات فضلاً عن إيجاد مخارج درامية منطقية للأحداث، إلى جانب السعي المُستميت لاقتباس الروح الأميركية لأفلام “الآكشن”، وإن كان ذلك على حساب منطقية الأحداث بالنسبة للمجتمع العربي.
ليس “الآكشن” حصراً في السينما الغربية؛ بل من حق السينما العربية اجتراح مذهبها الخاص فيه، بيد أن خلق قصة “آكشن” منتزعة من سياقها العربي الحقيقي، من شأنه جعل الحكاية محض “مسخ” عن أفلام ستالوني وبوند وغيرها.
ما يلفت النظر في “الديلر” عدم استغنائه عن “تعويذة” العشوائيات، التي اقتحمت السينما المصرية في السنوات الأخيرة، وكان ذلك حين تم استعراض أرضية القصة (التي تبلورت في تركيا وأوكرانيا)، في أزقة حي عشوائي مصري رغم كون القصة لم تكن لتتأثر لو كان قطباها -السقا والممثل خالد النبوي- من طبقة متوسطة يطمح أبناؤها إلى الهجرة.
الأفلام المصرية باتت تجنح بشكل جليّ نحو الأنماط الجاهزة: إذ ما يلبث أحد المخرجين أن يبتكر قالباً سينمائياً تهريجياً، أو درامياً مكثفاً عن العشوائيات، أو بؤر الإرهاب، حتى تُهرَع عشرات الأفلام ـمن بعدهـ إلى تقمصه كاملاً مع تغيير بسيط في أسماء طاقم العمل.
نقطة أخرى يثيرها “الديلر” وهي التصوير السلبي لجنسيات عربية بعينها، وعلى رأسها الخليجية والعراقية؛ إذ تصر السينما المصرية على إقحام الشخصيات آنفة الذًّكر، استلزم السياق أم لم يستلزم، ليتم رسمها مصدراً ساذجاً للأموال، مقابل المتعة الرخيصة والبذخ “العبيط”.
تتصل بالنقطة السابقة ملاحظة أخرى تكمن خطورتها في حقيقة أنّ جلّ صناع الأفلام المصرية الحديثة يطمحون إلى تسويقها في مهرجانات السينما العالمية، وهي تلفع كل “أزعر” في الأفلام المصرية بكوفية فلسطينية. من المعلوم، طبعاً، أن بدو سيناء وكذلك مناطق من سورية والعراق، يرتدون الكوفية الفلسطينية في تراثهم، بيد أن الكوفية ذاتها مرتبطة ـلدى الجمهور العالميـ بالشخصية الفلسطينية التي دأبت هوليوود على تشويهها، متخذة من الكوفية رمزاً لها، ما يستدعي حذراً شديداً في التعامل مع هذه الكوفية، لئلا تصبح السينما العربية مصدر تشويه لأصحابها، قبل السينما الغربية.
تكمن نقطة الفيلم القوية، والتي تكاد تكون اليتيمة، في النهاية الرمزية التي يعود فيها السقا من الغربة إلى زقاق العشوائيات، مع طفله وطفل غريمه المغدور، ليسرد لهما التاريخ مغلوطاً وملوّناً بنوايا راويه، التي تجنح لـ “تجميل الماضي” لا مراجعته ونقده وتصحيحه.
(عن “الدستور” اللبنانية)