الحركات الإسلاميّة في الداخل بين داعش والديمقراطية/ ممدوح الكامل
يسعى المقال ليكون منصّة للنقاش البنّاء ونشر الفكر التنويريّ، وهو يأتي ضمن المجهود المكثف الذي يبذله المخلصون من أبناء هذا الشعب للتحاور مع الحركات الاسلامية نحو تحديثها ودمقرطتها
|ممدوح الكامل|
يشهد العالم -وبضمنه الوطن العربيّ- أعمالا إرهابية تخريبية يقوم عليها تنظيم الدولة الإسلاميّة، داعش. ويواكب الوطن العربيّ، أيضًا، نقاشًا مستمرًّا بين الإسلاميّين والعَلمانيّين حول قضايا الساعة وأمور المجتمع. ينسحب هذا النقاش ليصل إلى المجتمع العربي في البلاد ويأخذ أشكالا عديدة ومناحيَ مختلفة. عودة لداعش: تنطلق الأخيرة من الإيمان المطلق بكونها “الممثل الشرعيّ والوحيد” لله عزّ وجل على الأرض، وبهذا المنطلق الفكريّ فإنّها تشبه الكثير من الحركات الإسلامية وأبنائها- ولا أقول كلهم لأكون دقيقا- في ظلّ التمايز والاختلاف في طرق العمل.
يسعى المقال ليكون منصّة للنقاش البنّاء ونشر الفكر التنويريّ، وهو يأتي ضمن المجهود المكثف الذي يبذله المخلصون من أبناء هذا الشعب للتحاور مع الحركات الاسلامية نحو تحديثها ودمقرطتها، والحدّ من وهمها المتعلق بشعار “الإسلام هو الحلّ”. ويتركز المقال في ثلاثة جوانب أساسية.
أوّلا، التأكيد بأنّ لا أحد يُمثّل الإسلام في هذه الأيام. كلّ الحركات الإسلاميّة تعبّر عن فهم معيّن ومنحى تفكيريّ في الدين، وهي ليست “الممثّل الشرعيّ والوحيد” للإسلام. الحركات الإسلامية “ضلّلت” الجمهور في ممارستها، فقد ألغت الفرق بين المقدّس (النصّ القرآنيّ والسيرة النبويّة) وبين غير المقدّس، وهو تناول الحركات الاسلاميّة للدّين عبر الشعائر والسياسة. تبدأ المشكلة عندما يعتقد أبناء الحَراك الإسلاميّ بأنّ كلّ ما يصدر عنها يمثل الدّين الحقيقيّ. ونؤكّد في هذا الجانب، بما لا شكّ فيه، أنّ للحركات الإسلاميّة -مثلها كسائر الأحزاب- أهدافها وطموحاتها ورؤاها التي قد نتفق أو نختلف معها، لكنّنا نحترمها ونعطيها الشرعية بصفتها مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات المجتمع.
ثانيًا، تفسير الدين ليس حكرًا على أحد، واجتهادات الجماعات الإسلامية قابلة للخطأ والصواب؛ فالقران هو كلام الله فقط، أمّا التفسيرات المختلفة فهي اجتهادات دنيويّة قابلة للاختلاف معها. ويميل المفكّرون الإسلاميّون التقدميّون للجزم بأنّ الاجتهادات الفقهيّة على اختلاف أنواعها ليست جزءًا من الشريعة وتقتصر الأخيرة على النصّ القرآنيّ والسنّة والأحاديث النبويّة المثبتة فقط. هنا لا بدّ من الاشارة إلى الذين يدّعون امتلاك الحقيقة وتفسير الدين الصحيح بأنّ النبيّ (صلعم) حثّ على الاجتهاد حسب متطلبات الفترة والعصر، بقوله المثبت لعمرو بن العاص “إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أجْرٌ”.
ثالثًا، المساهمة في حوار الفكر الإسلاميّ نحو تحويله للنموذج الديمقراطي والحداثويّ للحركات الإسلاميّة، مثل “النهضة” في تونس و”العدالة والتنمية” في تركيا. فحركة “النهضة” التونسية شكلت النموذج الديمقراطي والحداثوي للحركات الاسلامية، وفيها تمّ فصل العمل الدَعَويّ عن السياسيّ وتمّ التخلي عن كلّ الشعارات والأهداف الدينيّة في العمل السياسي. نحن نتحدث عن قرار تاريخيّ للحركات الإسلامية. فالنموذج التونسيّ للعمل الاسلامي بقيادة الشيخ راشد الغنوشي يُعتبر شكلا متقدمًا وممارسة سياسية طلائعية على صعيد العمل الإسلامي. وقد قرّر مجلس شورى حركة النهضة التونسية في مؤتمره الأخير فصل العمل السياسي للحزب عن الأنشطة الدعوية، وقال رئيس الحركة راشد الغنوشي إنّ “النهضة” ستتحوّل إلى حزب يعمل في الحقل السياسيّ فقط، تاركة الشأن الدَعَويّ للجمعيات المدنيّة.
أخيرًا، نتوقّع تحوّلًا في السنوات القادمة في العمل الإسلاميّ في الداخل، سيكون نحو الحداثة والديمقراطية من دون التنازل عن الحضارة الإسلاميّة كحاضنة وعمق استراتيجيّ لهذا التطوّر. وقد حان الوقت، فعلًا، لأن يكون الدين بعيدًا عن النقاش السياسيّ، وللتحييد الكامل للمساجد والامور المقدّسة عن الخصومات السياسيّة والتوظيف الحزبيّ.