استغفلونا ونحن صغار!
الحقيقة التي تعمّدوا إخفاءها عنا أنهم كانوا يعيشون في أجواء حرة وديموقراطية الى حدّ كبير، وكان كل واحد منهم يحترم معتقدات الآخر. كانوا مُتعدّدي الاديان والطوائف، بينهم الوثنيون والمجوسيون والحنفيون واليهود والمسيحيون وعبدة الشمس والملحدون
استغفلونا ونحن صغار!
|وجيهة الحويدر|
إستغفلونا ونحن صغار…
وعلمونا أنّ العرب كانوا قبل الاسلام جاهلين وفاسدين ومُنحطين. أخبرونا بأنهم كانوا يعيشون في حروب طاحنة، ويتقاتلون بسبب وبدون، وأنهم قتلة ومتوحشون. ثم عرفنا أنهم لم يكونوا كذلك أبدًا؛ فقط فئة قليلة منهم كانت تفعل ذلك مثل سائر شعوب العالم في تلك الزمانات.
الحقيقة التي تعمّدوا إخفاءها عنا أنهم كانوا يعيشون في أجواء حرة وديموقراطية الى حدّ كبير، وكان كل واحد منهم يحترم معتقدات الآخر. كانوا مُتعدّدي الاديان والطوائف، بينهم الوثنيون والمجوسيون والحنفيون واليهود والمسيحيون وعبدة الشمس والملحدون، جميعهم عاشوا في وئام وانسجام. كانت الحريات الشخصية والحريات الدينية مقدّرة ومحترمة، ولا أحد له شأن بالآخر. كانوا أناسًا يهتمون بالثقافة والشعر ولديهم مهرجانات ثقافية وتسوّق دورية مثل مهرجان “المربد” ومهرجان “عكاظ”، حيث يأتي إليها كل من يهمه الشأن الثقافي ويرغب في التعرف على منابع الادب والفن والشعر، وأنهم كانوا يقدّرون الشعر، وعُرفت عنهم مسابقة القصائد المعلقة التي سُميت بالمعلقات. القصيدة التي تنال رضا واستحسان الاكثرية تـُعلق على ستائر الكعبة بجانب آلهاتهم لعام بأكمله، وأنّ من أشهر شعراء ذاك العصر وأكثرهم قريحية امرئ القيس والنابغة الذيباني ولبيد بن ربيعة العامري وعنترة بن شداد.
إستغفلونا ونحن صغار …
وعلمونا أنّ المرأة في الجزيرة العربية في زمن ما قبل الاسلام والذي يُسمى “الجاهلية” كانت محتقرَة وليست لها أية قيمة في قبيلتها أو بين رجال عشيرتها. وأنّ الاناث يُوأدنَ في مهدهنّ لأنهن عار. لكن عرفنا أنّ فئة من الناس كانت تمارس تلك السلوكيات ولم تكن ظاهرة اجتماعية، وأنّ ثمة منهم من يقتلون أناثهم وذكورهم على حدّ سواء خشية الفقر وليس العار كما ذُكر في آية 151 (الاسراء) “وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَـٰقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا.”
كما تيقنا ان المرأة كانت رمز الآلهات التي يعبدونها، فكانت مقدرة ولها مكانة كبيرة بين القبائل ذات الصيت والسمعة الحسنة، ولها دور سياسي واجتماعي بارز مثل هند بنت عتبة وسجاح بنت الحارث بن الاسود، وفي الشعر والثقافة ليلى الأخيلية والخنساء ومية بنت ضرار بن عمرو الضبيه وغيرهن. وانه كان لها حقوق في بعض القبائل كنفس حقوق الرجل، حيث تمارسها بحرية في الحياة العامة والخاصة، وأنّ الابناء كانوا يُنسبون لها ويحملون اسمها مثل الصحابي الزبير بن صفية والشاعران عمرو ابن كلثوم وزهير بن ابي سلمى، وثمة قبائل تـُنسب لنساء مثل قبيلة بني “عذرة” التي اشتهرت بالحسية والغزل حيث قالوا عن انفسهم نحن من قوم إذا أحبّوا ماتوا”. ينحدر من تلك القبيلة شاعر الغزل الناعم جميل بثينة، ونُسبت الى النساء ايضا تضاريس جغرافية مثل وادي فاطمة وجبل سلمى حيث يقطن فيه”بني شمّر”، من أعرق القبائل العربية.
إستغفلونا ونحن صغار…
وعلمونا أنّ اليهود والنصارى والمجوس وأصحاب المعتقدات الاخرى كانوا اعداء للمسلمين منذ ظهور الاسلام، وأنهم أناس أشرار وسيئو الطباع وارادوا قتلنا والغدر بنا، مع أننا خير أمة أخرجت للناس. ثم اكتشفنا أنّ كل أمة تعتقد انها هي الامة الأفضل، وان دينها هو الأخير والصائب. وعلمنا أن المسلمين لم يكونوا افضل من غيرهم، فقد سببوا أذًى لغير المسلمين بما يُسمى بالفتوحات الاسلامية. هجموا على الناس الآمنين في ديارهم وانتهكوا حقوقهم وقتلوهم واجبروا من بقي منهم على اعتناق دين الاسلام او دفع جزية. أدركنا أنّ الحروب الاسلامية مثل الحملات التبشيرية المسلحة في بعض أجزاء من العالم، ومثل الحروب الصليبية حيث جيوشها قامت بقتل وتشريد وانتهاك حقوق الناس في تلك الحقبة من التاريخ من أجل فرض دين جديد على الآخر وإجباره على ممارسة طقوسه.
إستغفلونا ونحن صغار…
وعلمونا ان الديانة اليهودية ديانة كالمسيحية محرّفة وانها ديانة تحرض على كره الآخر واقصائه؛ فاليهود يعتقدون أنهم “شعب الله المختار” لذلك تقلصت ديانتهم لأنها غير صالحة، لكننا عرفنا فيما بعد بأنّ الديانة اليهودية ليست ديانة تبشيرية، لذلك لم تُنشر بالسلاح مثل الإسلام والمسيحية، وأنها أول ديانة سماوية توحيدية؛ فالسيد المسيح (عليه السلام) كان يهودياً، والسيدة خديجة ذات الغنى والنفوذ زوجة النبي محمد (عليهما السلام) ربما كانت مسيحية، حيث أن عمها ورقة ابن نوفل حبر وقسّ جليل من قساوسة المسيحيين، وهو من ساند الرسول (صلى الله عليه وسلم) فكريا واستراتيجياً، وزوجته دعمته مادياً ومعنوياً في بداية بزوغ الدين الاسلامي، حين كان في أشدّ الحاجة للدعم والمساندة.
إستغفلونا ونحن صغار…
وعلمونا أنّ من ثوابت الاسلام “حدّ الردة” وأنّ من يترك الاسلام يحق لباقي المسلمين قتله واهدار دمه، لذلك قام الخليفة ابو بكر الصديق بقتل من ارتدوا بعد وفاة النبي. ثم عرفنا أنه لا يوجد أيّ نصّ شرعيّ في القرآن الشريف يبيّن “حدّ الردة”، فليس له اية دلالة على أنه بند في الاسلام، بل العكس نهى القرآن عن إكراه الناس على اعتناق الاسلام حيث ذكر في الآية 256 من سورة البقرة: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”، وأيضًا في آية 144 من آل عمران: ”َمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ”. وبالنسبة لحروب الردّة فقد كان سببها الحقيقي سياسيًا واقتصاديًا وليس دينيًا، لأنّ المسلمين الاوائل تمردوا ورفضوا دفع الزكاة، وغير المسلمين كفوا عن دفع الجزية، ممّا هزّ اقتصاد دولة الاسلام الوليدة، وخلخل قواعدها، لذلك وجد الخليفة الثاني أنّ الحلّ مقاتلتهم وإجبارهم على دفع ما طلب منهم من مال.
إستغفلونا ونحن صغار…
وعلمونا أنّ غطاء الرأس للمرأة او ما يُـسمى بالحجاب أمر ديني وفريضة مؤكدة، وانه لا يـُقبل إيمان المرأة المسلمة سوى بقطعة القماش تلك. ثم اكتشفنا أنّ غطاء الرأس فريضة في الصلاة والحجّ، فقط لا غير، وأنه لم يرد ذكر تغطية شعر المرأة في أيّ نصّ آخر دينيّ، سواءً في القرآن الشريف أو في السنة النبوية، وأنّ الآية الكريمة من سورة الاحزاب “يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيمًا”، كانت بسبب تعرض نساء المسلمين للمضايقات ومحاولة قتلهنّ من قبل محاربي الدين آنذاك، فكان لا بدّ من حمايتهن بهذه الطريقة. أي أنّ الأمر انتهى بانتهاء الحدث. كل ما أمر الله المسلمات به هو “لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبِهِنَّ” والجيوب هي الصدور، أي أن يكُنَّ محتشمات في لبسهن ولا يظهرن مفاتهن للآخرين.
(كاتبة سعودية؛ عن موقع “نشطاء الرأي”)
10 فبراير 2011
كلام جميل يدخل العقل
ماعدا موضوع الحجاب فهو أمر رباني ولا جدال فيه إطلاقاً
5 ديسمبر 2010
هم استغفلونا وسكروا الأبواب طلعنالهم من الشبابيك وما رح يقدروا يعتموا علينا خلاص
14 أكتوبر 2010
كم أشكر لهذه المحاولات التي تحاول رد الاعتبار لحضارة تنكّر لها أهلها، وتراث ثقافي جحده أبناؤه. من المعيب أن نقنع أنفسنا بجهالة أسلافنا فقط من أجل إبراز حاضرنا وعلى حساب ذلك العبق المتنامي في القدم.
كل الأمم تباهي بتراثها وتحتفي بالقديم من الأدب والمأثور. علّمنا التاريخ حضارة الإغريق وتراث الصين وماضي الهند وأصول فارس، كما مجد مصر الفرعونية وعاظم من شأن روما القديمة؛ لكنّ كتّابه الشرقيون(!) يشيحون برؤوسهم عن أمجاد العرب العاربة والمستعربة، عن الأنباط، عن امرئ القيس (الأمير اللاهي) عن عنترة، وغيرهما كثر، ولا يصور من الحياة الاجتماعية، والثقافية، والسياسية إلا القليل والذي يتاح للقليل أيضاً ممن يدرس الأدب والتاريخ الاطلاع عليه. ولنا في ذلك الماضي ما نفخر به.
بمودة
ناجح أبو شمسية-رام الله
11 أكتوبر 2010
الكثيييييييييير من الأخطاء الإملائية!!!!
لكن الفكرة ممتازة وجريئة. نحتاج لفكر جديد يكشف كذب الصورة التي رسوها لنا عن تاريخنا، وغير تاريخنا، فنحن نعيش على أفكار ونظريات وقصص أغلبها اختراع خيال أشخاص أرادوا السيطرة علينا عبر فرض نظرياتهم الكاذبة.
10 أكتوبر 2010
نعم استغفلونا ونحن صغار ولكن الأهم أنهم ما زالوا يستغفلونا ونحن كبار، يشوهون الحقائق وللأسف نقبلها كما هي.
شكرا لك على هذا النشر الذي يتضمن الكثير من التوعية واسمح لي أن أرسله إلى أصدقائي