سعاد: أسطورة الواقع والخيال/ علاء حليحل
عبر تقنية “الكولاج” يطرح شريط “اختفاءات سعاد حسني الثلاثة” مقولة هامّة وجريئة لكنها متواضعة وحالمة في الوقت نفسه: سعاد حسني هي أفضل من يتحدث عن سعاد حسني
.
|علاء حليحل|
حين يُسأل السؤال: ما الجديد الذي يمكن أن أقدّمه عن شخصيّة معروفة شغلت الناس بحياتها وموتها، يرد أحيانًا جواب غير عاديّ. شريط “اختفاءات سعاد حسني الثلاثة” للمخرجة اللبنانية رانية اسطفان والذي عُرض أمس الخميس في مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام هو إحدى الإجابات الممكنة على السؤال المثير: ما الذي لديك لتقوله عن سعاد حسني؟ والإجابة في هذا الشريط مثيرة على عدّة مستويات.
تأسس الشريط (وبشكل معلن) على ثلاثة فصول مُعنونة؛ في كلّ فصل ثيمة مركزيّة واضحة. الفصل الأول يدور حول البدايات وبراءة الحب، والثاني فصل “الإثارة”: الجنس وطغيان الحضور وغريزة البقاء والتقدّم؛ والفصل الثالث هو النهاية المأساويّة، معبّرًا عنها بمقاطع عنف واغتصاب وأفول نجمها. الجديد في هذا الشريط هو أنه يعتمد أسلوب الكولاج السينمائي وتقنية “المواد الجاهزة” (Ready Made): فاسطفان لم تصور لقطة واحدة جديدة عن حسني ولم تجر مقابلات ولم تحاول إعادة تمثيل حياتها. كل الشريط عبارة عن “قص ولصق” من جديد لمقاطع من أفلامها التي جاوزت الثمانين فيلمًا. مقولة هامّة وجريئة لكنها متواضعة وحالمة في الوقت نفسه: سعاد حسني هي أفضل من يتحدث عن سعاد حسني. في هذا السياق يجنح الشريط نحو جانر “بوب آرت”: ذلك التيار الفني الذي حوّل الأغراض اليومية العادي الجاهزة والتجارية إلى منتج فني يُعرض في المتاحف والصالات.
حظيت حسني بلقب “السندريلا” لأنها شغلت مكانة الأسطورة في المخيلة العربية. الفتاة التي تتحول إلى “امرأة قاتلة” (Femme Fatale) وتحصل على “كل شيء”. وهي كأيّ أسطورة، تستمد من الواقع والخيال، وهي الثيمة التي رددتها المخرجة في الشريط ثلاث مرات على الأقل. تمامًا مثل السينما نفسها: خليط خبيث من الواقع والخيال، من الصدق والكذب، من الجماليات والحرفية التقنيّة. لا يمكن الحديث عن سعاد حسني كظاهرة من دون استعراض جزء كبير من تاريخ السينما المصرية في حقبة الستينات حتى التسعينات. ولذلك فإنّ هذا الشريط نوع من أنواع الوثائق التاريخيّة من دون أن تكون تاريخيّة بالمعنى المتداول للكلمة. فاختيارات المخرجة للّقطات التي ألّفت الشريط هي نوع من كتابة جديدة لتاريخ السينما المصريّة، ولتاريخ الجمهور الذي أحبّ حسني- وهم كُثر.
لا شكّ في أنّ هذا الشريط خاصّ وممتاز، خصوصًا وأنّه يطرح –كغيره من الإبداعات الجيدة- سؤالا عن السينما نفسها كوسيط خلّاب وآسر ما زال يسحر الكثيرين في العالم. وفي هذا السياق لا بدّ من المقارنة –ولو الأوّليّة- بين سعاد حسني ومارلين مونرو. النجمتين اللتين ألهبتا خيال الملايين، وانتهيتا بالموت الطوعيّ. كأنّ نار السينما ستحرق النجمة بشكل ما، وبشكل قاتل.
هذا شريط مخاتل ومخادع؛ جمل وأنصاف جمل ومواقف تتحول في توليف قويّ وذكيّ إلى تفاصيل تأريخيّة لشخصيّة خياليّة اسمها “سعاد حسني”، استمدّت وجودها الماديّ الملموس من سعاد محمد كمال حسني البابا المولودة في القاهرة (أو دمشق) في 26 يناير 1943، والمتوفاة في 21 يونيو 2001 بلندن، بعد خمس زيجات ومن دون ابن أو ابنة.
_________________________
“اختفاءات سعاد حسني الثلاثة” ■ إخراج: رانية اسطفان؛ 70 دقيقة، لبنان ومصر.