“أرض الأُمهات”: عمل جديد للفنان عيسى ديبي في متحف “كونست هالي” بألمانيا
باشر ديبي بالبحث والتصوير في مدينتي نيويورك وجنيف بتقنية تصوير فيديو ثلاثيّ الأبعاد، وخاصة منطقة السنترال بارك، رغبة منه بربط المكان بالتاريخ الكولونياليّ لبريطانيا وخاصة أنّ الحديقة العامة “سنترال بارك” أُنشئت على أنقاض محمية طبيعية كانت ملكا للسكان الأصليّين
|خدمة إخباريّة|
بحضور المئات من المثقفين والمبدعين، افتتح نهاية الأسبوع الماضي، في متحف “كونست هالي” في مدينة أوسنبرغ الالمانيّة، معرض “الوطن الأم” الذي يشارك فيه الفنان والأكاديمي ابن حيفا بروفِسور عيسى ديبي، والذي أُقيم برعاية بلدية أوسنبرغ، بالتعاون مع المؤسّسات الثقافيّة الألمانيّة وبلدية مدينة تشنكالي التركيّة.
افتتحت المعرض رئيسة المجلس الثقافيّ في الحكومة الألمانية، ومديرة المتحف والقيّم على العرض د. كريستيان أوكسنيطوس. “أرض الأمهات” عمل فني إنشائي متعدّد الوسائط، أُعِدّ بتقنية الفيديو أرت، ويعالج فيه الفنان سؤال المنفى ومعضلة الوطنيّة الحديثة في سياقها الفلسطينيّ وعلاقتها التاريخيّة مع المشروع الكولونياليّ في أوروبا والولايات المتّحدة الأمريكيّة.
ويضمّ المعرض أعمالًا لأكثر من 30 فنانًا/ة من ألمانيا وتركيا وأرمينيا واليونان والولايات المتحدة الأمريكيّة. ويشارك ديبي المقيم في سويسرا حالياً بعمله الإنشائيّ “أرض الأمهات”، الذي كان من المقرّر أن يُعرض كاملًا في بينالي مدينة تشنكالي التركيّة قبل نحو عام، إلّا أنّ البينالي أُجِّل لأسباب أمنيّة. وكان ديبي باشر منذ أكثر من عام بالبحث والتصوير في مدينتي نيويورك وجنيف بتقنية تصوير فيديو ثلاثيّ الأبعاد، إذ تمركز التصوير في مكانيْن موازييْن ذوي علاقة مباشرة بالمشاهد الطبيعيّة لمدينة نيويورك، وخاصة منطقة السنترال بارك، التي تعد منطقة خضراء محميّة، شُيّدت على نسق الحدائق الانكليزية والأسلوب الفيكتوريانيّ، رغبة منه بربط المكان بالتاريخ الكولونياليّ لبريطانيا الذي امتدّ من أقصى الأراضي الأمريكيّة إلى فلسطين، وخاصة أنّ الحديقة العامة “سنترال بارك” أُنشئت على أنقاض محمية طبيعية كانت ملكا للسكان الأصليّين.
وينبع اختيار ديبي للمكان من توجّه يحاول ربط النقاط بين المنفى والوطن، والسؤال الكولونياليّ المركّب حول أمريكا الحديثة كامتداد للمشروع الأوروبيّ وعلاقتها بالنصّ الخاصّ للمنفى، وبناء على ذلك أنتج المتحف وبالتشاور مع الفنان وطاقم المعرض الفصل الأول من العمل-سنترال بارك نيويورك، وهو عمل إنشائيّ مكوّن من 24 فيديو رقميًّا مطبوعًا بتقنيات حديثة، حيث سيتم عرض المشروع كاملاً في العام القادم في بينالي تشنكالي في تركيا.
استمرارًا للمعرض عقد المتحف والقيمون على المعرض ندوة حول موضوع المعرض “الوطن الام”، ودار نقاش هام حول تطوّرات الحرب الأهليّة في سورية واليمن والوضع في تركيا، وتأثير الوضع على المشهد الثقافي العالمي في ظل التهجير الحاصل نتيجة للحرب. وعبر المشاركون في الندوة عن قلقهم العميق على مستقبل العلاقة مع أوروبا في سياق الهجرات الجديدة، وفي ظل التحديات الثقافية الهامة التي تواجه المجتمعات الأوروبية، وفي سياق تطوير رواية مستقبلية تضع الاندماج كمشروع يشمل خصوصية الهويات الثقافية والدينية.
شارك في الندوة الى جانب بروفيسور ديبي باحث مختص في الثقافات البصرية، والذي عبر عن قلقه الشديد من مفهوم الاندماج، وهندسة البشر داعيًا المجتمع الثقافي الألماني الى تجاوز الأخطاء الاوروبية التاريخية في انجلترا وفرنسا، وشدّد على ضرورة طرح مشروع دولة المواطنين في ألمانيا كبديل لمنهج الدمج والصهر للمهاجرين العرب والأتراك، ونادى زملاءه الألمان للضغط على القيادة السياسية للتدخل بشكل أقوى لوقف الحروب في المنطقة، متسائلًا عن مدى مساهمة شركات السلاح الألمانيّة في تعميق الأزمة.
وشارك في النقاش، أيضًا، القيّم على المعرض في ألمانيا، د. كريستيان أونكس، وقيّمة المعارض التركية بيرال مادرا، والباحثة دنيس إبراز من تركيا. وشدّدت مادرا على ضرورة التضامن الثقافي مع المبدعين من العالمين العربي والإسلامي في ظل الوضع السياسي المتأزم في بعض دول المنطقة.
بروفِسور عيسى ديبي فنان ومحاضر جامعيّ وباحث في الفنون البصريّة، مقيم في مدينة جنيف السويسريّة. شغل العديد من المناصب الأكاديميّة الرفيعة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة ومصر والمكسيك وبريطانيا، فكان أوّل أكاديميّ فلسطينيّ يتولى رئاسة برنامج الثقافات البصرية في الجامعة الأمريكيّة في القاهرة، وشغل لاحقًا منصب رئيس قسم الفنون البصريّة في جامعة مونتكلير في ولاية نيوجرسي الأمريكيّة. يُذكر أنّ أعمال ديبي عرضت عالميا في دور العرض والمتاحف، منها بينالي فنيسيا ومتحف مدينة نيويورك وغيرها في العالم العربيّ. وُلد ديبي في مدينة حيفا عام 1969 وحاز على شهادة الدكتوراة في الفنون البصريّة من جامعة ساوثهامبتون البريطانيّة، وأشرف على دراسته البروفِسور الفلسطينيّ بشير مخول.