أذكُر/ رشا حلوة
جرائد كثيرة أحضرها والدي إلى البيت، بعد أن أنهينا قراءتها أحضرت مقصًا كبيرًا وكرتونًا أسودَ كبيرًا أيضًا. قصصتُ صور الانتفاضة، الشهداء، المظاهرات ومقالات، رغبت في الاحتفاظ بها وألصقتها جميعها على الكرتون الأسود
أذكُر/ رشا حلوة
|رشا حلوة|
أذكر يوم 27 أيلول 2000، قبل 10 سنوات، يوم ميلادي السّادس عشر. كعادتي أحتفل مرتين؛ مرة مع أصدقائي في المدرسة ومرة مع عائلتي.
كان شعري مبللاً وكنت أرتدي كنزة زرقاء. صورة واحدة صورتها لي والدتي، كنت أقطع بسكين حادة كعكة الشوكلاطة بعد أن أطفأتُ 17 شمعة وتمنيت أمنياتي السبع، التي أكرر تمني قسم منها كلّ عام.
28 أيلول، هي ذكرى تربيت على حفظها؛ وفاة جمال عبد الناصر- لشدة حبّ وتقدير عائلتي له، فقد كان من حظي أني وُلدت قبل ذكرى وفاته بيوم واحد.
صباح 29 أيلول 2000، لم أعلم بأنّ ذكرى إضافية ستضاف إليه، وإلى أيلول أيضًا! مسكين هذا الأيلول.. كم من الذكريات حملوه!
إستيقظت على أصوات مذيعي الأخبار تملأ البيت، الكلّ يجلس أمام شاشة التلفاز. صمت وشتائم.. صورٌ ومقاطع فيديو. أذكر أني كنت أنظر من شباك البيت الكبير المطلّ على البحر في طرفه، كنت أرتدي عندها كنزة سوداء.. لم تلتقط صورة لي والدتي عندها.
جرائد كثيرة أحضرها والدي إلى البيت، بعد أن أنهينا قراءتها أحضرت مقصًا كبيرًا وكرتونًا أسودَ كبيرًا أيضًا. قصصتُ صور الانتفاضة، الشهداء، المظاهرات ومقالات، رغبت في الاحتفاظ بها وألصقتها جميعها على الكرتون الأسود من دون أن أترك مساحة فارغة وحملتها معي في صباح اليوم الثاني إلى صفي في المدرسة ووضعتها على الحائط. تكرّر المشهد لأيام عديدة.
لم يأبه الكثيرون بما أفعله كلّ صباح، لم يعارض أحد من الصف أو إدارة المدرسة، فيما عدا بعض المقولات الساخرة من زملاء في الصف ملّوا من هذا المشهد اليومي المتكرّر في بيوتهم والذي أحضرته معي إلى الصف، ربما ملوّا مني أيضًا.
أيلول 2000، إشترى والدي حاسوبًا ووصله بشبكة الإنترنت- يومها كان تشبيك الحاسوب بالإنترنت متعلقا بخط الهاتف البيتي- أي أننا كنا نستخدم الإنترنت فقط في ساعات الليل المتأخرة- عندها لا داعي لخط الهاتف!
أذكر أنّ برنامج المحادثات المستخدم في شبكة الانترنت عندها كان الـ Mirc، وللإنتفاضة الثانية كان النصيب الأول من حياة الشباب الإفتراضية. يومها تعرفت صدفة إلى زملاء الشهيد أسيل عاصلة وإلى أقربائه. قسم منهم شكّل، ولا زال، جزءًا هامًا ومؤثرًا من حياتي خلال السنوات العشر الأخيرة. أحيانًا أنسى أنّ ما جمعنا كانت الإنتفاضة والحديث عن حياة الشهداء.
أعذرونا، فقد ننسى غالبًا أنّ للشهداء الفضل الأكبر بأن تستمرّ على هذه الأرض الحياة وفينا.
أذكر، بل أرى دومًا حين أفتح باب الخزانة المهملة في غرفتي، الصحف التي جمعتها واحتفظت بها منذ 10 سنوات، محفوظة في أكياس نايلون مغلقة، صفراء، لا يفتحها أحد ولا حتى أنا. لم تأتِني رغبة حتى اليوم في أن أعيد تصفحها وقراءة المقالات وتأمّل الصور من جديد.. ولكن من قال إنّ الصور تبقى على صفحات الصحف الصفراء في الخزانة المغلقة؟
أذكر في أيلول 2000 أني لم أكبر عامًا واحدًا فقط، بل كبرتُ أكثر.
3 أكتوبر 2010
عنجد حلوة و ومؤثرة كتيير
أعجبتني