مسرحية “1945″؛ تفتح مادة التراث على أدوات الحداثة
مسرحية “1945″، الإنتاج الجديد لمسرح الميدان، والتي ستخرج إلى الخشبة في السادس والعشرين من آذار الحالي، تقتطع جزءًا من الذاكرة الفلسطينية قبل النكبة، في قرية فلسطينية يقوم أهلها بجمع غمار القمح ونقلها إلى البيدر، لتكون بداية لموسم حافل بالأعراس والأفراح.
| خدمة إخبارية |
مسرحية “1945″، الإنتاج الجديد لمسرح الميدان، والتي ستخرج إلى الخشبة في السادس والعشرين من آذار الحالي، تقتطع جزءًا من الذاكرة الفلسطينية قبل النكبة، في قرية فلسطينية يقوم أهلها بجمع غمار القمح ونقلها إلى البيدر، لتكون بداية لموسم حافل بالأعراس والأفراح. تبدأ حياة أهل البلدة بالتعكر، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إفساد فرحتهم وحلمهم. في إشارة استعارية لقتل الحلم الفلسطيني عام 1945. هي مرحلة الانتظار الفلسطينية التي بدأ فيها وعد بلفور بالتحقق واندفعت الهجرات الصهيونية إلى فلسطين. فتصور المسرحية تناقضاتها التي تتبدى في الثورة والحب والخيانة، الخوف والشجاعة، العمالة وحماية الوطن في ظل الانتداب البريطاني.
تفتح مسرحية “1945″ التراث على الحداثة؛ التي تجلبها رؤى وأدوات الحقول الفنية المختلفة التي ستوضع على المسرح؛ الموسيقى والغناء والحركة والفيديو آرت. في مسعى لمعاودة صياغة الفلكلور على مستوى النص واللغة الفنية بآليات حديثة ووسائط متنوعة تخلق محاكاة متعددة الأطراف لتصب في الشكل والمحتوى العام للمسرحية، جاعلةً من التراث مادةً حيوية تخرجه من تصلبه واجتراره بقالبه ومضمونه المتعارف عليهما. وذلك من خلال رؤية إخراجية يقول المخرج منير بكري إنها “تنبت من دور الفنان في السعي نحو الإشارة إلى حقيقة الأشياء، المضمورة في معظم الأحيان، ونحو إلقاء اللائمة إن استوجب الأمر ذلك، فهي تجنب ضمني لإلقاء الشعب الفلسطيني في دور البطل، وكذلك في دور الضحية”. فيستشهد بحدث من المسرحية؛ تموت فيه شخصية دافنةً معها حقيقة ترتبط بطبيعتنا كشعب قبل النكبة. “فمقابل الفرحة والسعادة والعادية التي عشناها قبل عام 48، غُمرت حقيقة لم نتعامل معها وغيّبناها لعقود طويلة، تثير فيّ السؤال: كيف سمحنا لكل هذا بأن يحصل؟ ما الذي جعلنا ننتكب؟”، يقول بكري. ويضيف أنه يحاول في عمله الإخراجي أن تطمع الوسائط الفنية المتعددة على الخشبة، التي تجد شيئًا فشيئًا لغة مشتركة تتواصل فيها، في ترجمة هذه الرؤية الفلسفية، والتناقض الواقعي بين الفرحة والحقيقة، إلى مواد ملموسة، على اعتبارها تحمل بعدًا تأويلياً وراء الحكاية نفسها التي جرت أحداثها عام 1945. في سعي نحو كسر اللغة المباشرة والمألوفة التي تحملها تلك الفترة؛ فتجيء الموسيقى والسينوغرافيا والحركة والفيديو آرت بلغة حديثة، وتظل الحكاية هي الهيكل الأساس الذي يجلب ذاك الزمان أمام المشاهد.
“من المفترض أن تسكن الموسيقى في منطقة بين الحداثة والأصالة”، يقول الموسيقي حبيب شحادة الذي يضع الموسيقى التصويرية وألحان الأغاني، حيث سعى في الأخيرة إلى استحضار المزاج الصوتيّ العام لموسيقى الشام الكبرى، تلك التي تذكرنا بها القدود الحلبية أو موسيقى الرحابنة، تلك التي تعود بنا إلى حقبة زمنية كانت تشكل فلسطين فيها مركزًا في جغرافيا الوطن العربي. أما الموسيقى التصويرية، فصممت كخيط دراماتورجي يشكل جامعًا وحاضنًا لأحداث المسرحية، ذي مساحة موسيقية مختلفة، تتكئ أحيانًا على مزاج هذه الجغرافيا.
أما على المستوى البصري، فيطمح الفيديو آرت أن يشكل قيمة مضافة له في المحتوى، لا أن يؤول أو يضيف قيمة جمالية فحسب، أي كأنه يتعامل مع نصوص متشعبة من النص المنطوق على الخشبة، فيتناص معه ويحاكيه. “سيعتمد تداخل الفيديو مع مجريات الخشبة على السلاسة، وكإنه، برمزية ما، يستعير إحدى شخصيات المسرحية أو لا وعيها”، يقول محمد خليل، الذي تشكل السلاسة في الدخول والخروج والاتكاء على الرمزية بالنسبة له أداة توائم بُعد “هنا والآن” في المسرح، ولكن توفر في نفس الوقت بعدًا ثالثًا له”. ويجيء التكوين الهندسي للسينوغرافيا، التي استلهمت من الأجواء والمادة والتفاصيل المرتبطة بتلك الفترة، قاعدة فيزيائية وفكرية في آن. تقول مجدلة خوري إن هذه القاعدة تسعى إلى استيعاب الوسائط الفنية الموضوعة، على أن تتصمم جميعها في سيرورة متناغمة.
يشار إلى أن المسرحية من تأليف: عدنان طرابشة، إخراج: منير بكري، موسيقى: حبيب شحادة، ديكور: مجدلة خوري، ملابس: مجدلة خوري وهيثم حداد، إضاءة: فراس روبي، حركة: سماء واكيم وسمر كينغ، فيديو آرت: محمد خليل، مؤثرات صوتية: فراس شحادة. تمثيل: إيهاب سلامة، خولة إبراهيم، ربيكا تلحمي، شادن قنبورة، شادي فخر الدين، صبحي حصري، طارق قبطي، مراد حسن، هنري أندراوس ومساعدة مخرج: خلود طنوس.