يا شمس لا تغيبي: توطئة المؤلف
شهد مركز محمد درويش الثقافي بالناصرة مساء الجمعة الماضي […]
يا شمس لا تغيبي: توطئة المؤلف
شهد مركز محمد درويش الثقافي بالناصرة مساء الجمعة الماضي، 23 أيلول، العرض الإحتفالي لإنتاج مسرح انسمبل الفرينج الجديد “يا شمس لا تغيبي”، بحضور فني وثقافي مميز. المسرحية من تأليف د.أيمن كامل إغبارية، إخراج: منير بكري، موسيقى: ريمون حداد، تمثيل: طارق قبطي، إياد شيتي، ميساء عبد الهادي ومروان عوكل.
ننشر هنا توطئة المؤلف عن النصّ المسرحي.
المؤلف
د. أيمن كامل إغبارية: شاعر ومسرحي فلسطيني من مدينة أم الفحم. يعمل حاليًا محاضرا في قسم القيادة والسياسات التربوية في جامعة حيفا. نشرت قصائده ضمن الدوريات وكتب المختارات بلغات مختلفة. للكاتب مسرحيتان: “الباص” (إخراج فؤاد عوض، 2003، مهرجان المسرح الآخر في عكا ومسرح الجوال)، و”بياض العينيين” (إخراج منير بكري، 2005، مسرح “الميدان”.
توطئة المؤلف
أبو فايز وأبو نمر وأبو نديم ولينا شخصيات من لحم ودمّ، ومن حنين ووهم. للوهلة الأولى قد يبدو للقارئ أن الكاتب يسعى للتعاطي مع أثر النكبة على العلاقات الإجتماعية والإنسانية بين ثلاثة أجيال تمثلها شخصيات المسرحية: أبو فايز وأبو نمر الجيل الأول الذي عاش النكبة فكان ضحيتها المباشرة وقبرها المفتوح؛ أبو نديم الجيل الثاني الذي ولد من رحم النكبة ضعيفا وخائفا ليبحث عن لقمة العيش ويرمّم كرامته في ظلّ الحكم العسكري؛ ولينا الجامعية ابنة الجيل الثالث الذي كبر في ظلّ محاولات التهميش وتشويه الهوية والتشظي المجتمعي للفلسطينيين في إسرائيل. هذا صحيح، ولكنه ليس دقيقا؛ ذلك أنّ هذه الشخصيات ليست مجرد ضحايا كلحم على وضم. هي أكثر من ذلك فاعلية وقوة في إنتاج ضحويتها وفي مقاومتها في آن معا.
المسرحية ليست خارج التاريخ لكنها ليست عنه. هي مسرحية عن رجال لا أحد يذكرهم مثلما يذكرون أنفسهم وفتاة ستظلّ وحدها بلا ذاكرة أبعد من أنفها. يلتقون صدفة وخطأً على شاطئ ترتطم على رماله أسئلة النسيان والوحدة وتستيقظ أمواج الماضي والحبّ. شاطىء تغير حوله كل شيء: أسماء القرى وكنايات التلال وطعم الحياة. المسرحية عن هذا اللقاء المليء بالمفارقات إلى حد كوميديا الأخطاء. لقاء يكمن الوداع في ثنياته منذ البداية؛ وداع يبحث عن غروب لائق.
أصعب ما في ماضينا وأشدّ ما فيه ألمًا أنه أدّى بنا إلى ما نحن فيه من تمزق وضعف لا يمكننا جراءهما الجزم بأنّ النكبة انتهت أو أنها لن تحدث ثانية
أبو فايز وأبو نمر وأبو نديم ولينا شخصيات لذاتها يطرحها النصّ كذوات مستقلة عن السياق التاريخي. شخصيات إنسانية تبحث عن الحبّ والتواصل في زمن النكران والإنكفاء المطلق على الذات. شخصيات قلقة ومتناقضة في حبها للحياة وخوفها من الموت. هذا هو امتحان المسرحية الأساس وهمها الخالد: الإنسان. في هذا السّياق، تتعاطى المسرحية مع الهموم الإنسانية للمسنين العرب ممّن عاصروا النكبة وشهدوها كجيل ما زال قادرًا على الحبّ والشهوة والكذب والمراوغة وليس فقط استدرار الشفقة والاهتمام الأنثربولوجي والتاريخي به من حيث كونه شاهدا على النكبة أو ضحية لها.
“يا شمس لا تغيبي، خليكي قريبي”: لازمة يردّدها الجميع في أعراسنا وهم يتحلقون حول الشاعر الشعبي، “الحَدّا”. لازمة نغنيها كناية عن الحياة والحب والألفة والزمن الجميل. هذه الجملة تكتسب معانيَ خاصة عندما ينشدها كبار السّن من أهلنا. نرى في عيونهم حنينا وغربة ووحدة وبردًا وأيامًا قطفتها الحروب والأمراض. “يا شمس لا تغيبي، خليكي قريبي”: نداء للحياة كي يكون فينا ما يتسحق هذه الأرض. “يا شمس لا تغيبي، خليكي قريبي”: نداء للتواصل بين الأجيال كي نفهم أنّ النكبة ما زالت مستمرة. الحاضر لم يُنجَز تمامًا والماضي لم ينتهِ تمامًا. صدقًا، أصعب ما في ماضينا وأشدّ ما فيه ألمًا أنه أدّى بنا إلى ما نحن فيه من تمزق وضعف لا يمكننا جراءهما الجزم بأنّ النكبة انتهت أو أنها لن تحدث ثانية.
هل سيعيد التاريخ نفسه؟ لا أدري، لكننا قطعا غير مستعدين لمنع “عام هجيج” جديد.