الثقافة الفلسطينيّة عبرت «جسر اللنبي»/ رشا حلوة
في محاولة لفهم تاريخ مشترك يجمع ضفّتي نهر الأردن، قررت ثلاث فنانات هنّ شروق حرب (رام الله)، تولين توق وسماح حجاوي (عمّان)، المبادرة إلى حوار فنّي _ ثقافي بعنوان «للنهر ضفتان»
الثقافة الفلسطينيّة عبرت «جسر اللنبي»/ رشا حلوة
| رشا حلوة |
لا منفذ آخر يخرج منه الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 سوى «جسر الأردن» (جسر اللنبي) إلى ما هو خارج منطقته المحاصرة. هكذا، أصبحت عمان محطة «ترانزيت» يسافر الفلسطيني من مطارها إلى دول العالم. أما في ما يخص الأردني، فلا يُسمح بالذهاب إلى الضفة الغربية إلا لحاملي بطاقة هوية فلسطينية. كلّ فلسطيني مرّ بسيرورة «العبور» هذه يملك قصة يرويها عن المسافة القريبة والصعبة، بينما الأردني _ إن لم يستطع زيارة أريحا أو رام الله _ يكتفي بإطلالة عليهما من وادي الأردن.
في محاولة لسرد هذه القصص، ومن أجل فهم جماعي لتاريخ مشترك يجمع ضفّتي نهر الأردن، قررت ثلاث فنانات، هنّ شروق حرب (رام الله)، تولين توق وسماح حجاوي (عمّان)، المبادرة إلى حوار فنّي _ ثقافي بعنوان «للنهر ضفتان» كمحاولة لتعقّب المسار التاريخي بين فلسطين والأردن، و«فحص كيفية تفعيل تحالفات يمكنها أن ترتقي إلى مستوى التحديات السياسية والاجتماعية الراهنة»، كما جاء في البيان التأسيسي للمشروع.
الفكرة ليست بعيدة عن حياة الفنانات الثلاث، فهي نتاج واقع عشنه مراراً. تولين وسماح تعيشان في عمان وشروق في رام الله. الأخيرة دائمة السفر من خلال عمان إلى دول عربية أخرى وأوروبا.
في حديث خاص إلى «الأخبار»، تقول تولين: «خلال العامين الأخيرين، تحدثنا كثيراً عن المسافات بين الفلسطينيين والأردنيين رغم تجاورنا الجغرافي. تمثّل عمان محطة مرور للفلسطيني، بينما لا يستطيع الأردني زيارة فلسطين، إلا إذا كان يحمل هوية فلسطينية. وحين بدأنا بالسفر أكثر، أنا وسماح إلى فلسطين، شعرنا بحاجة إلى مدّ جسور بين الجانبين». في المقابل، جرى اختيار البرنامج على مواضيع وأنشطة تعزز العلاقة بين «ضفّتي النهر»، وتتشارك التاريخ السياسي والاجتماعي لفلسطين والأردن من خلال الموسيقى، الأفلام، الأبحاث، المواد الأرشيفية، النصوص وغيرها. وهو ما تؤكده تولين توق التي ترى أن المبادرة نقدٌ للهيمنة السياسية القومية الحالية، وسياسات الفصل ومحو الذاكرة من خلال الأنظمة التعليمية. وبحسب رأيها، فإنّ هناك «ضرورة لإعادة النظر في تاريخنا وموقعنا اليوم، من أجل فهم أفضل لقضايانا المشتركة. لذا، فالمبادرة محاولة لاستعادة قصص تاريخية ذات أبطال مجهولين، وأيضاً لشخصيات ولمجتمعات تعيش الحاضر، وتأثرت بهذه الهيمنة».
تضمنت المبادرة تنظيم نشاطات ومحاضرات ثقافية وفنّية في عمان ورام الله وبيرزيت ووادي الأردن. وقد بدأت في أيلول (سبتمبر) الماضي واستمرت إلى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، وتم نشر المداخلات والمحاضرات على «مدونة إلكترونية»، وخصصت زاوية للمناقشات والانطباعات بالعربية والإنجليزية مع نشطاء ثقافيين حول المحاور المختلفة التي أثارتها المبادرة.
ارتكز المشروع على فكرة «الفنان عابر سبيل»، وهي دعوة للفنانين الفلسطينيين (من الأراضي المحتلة عامي 48 و67) المارين في عمّان، بهدف السفر أو حتى الزيارة، لقضاء يوم إضافي لتقديم شهادات فنّية عن أعمالهم في «غاليري مكان»، والتفاعل مع زملائهم الأردنيين. هكذا، تتالت الفعاليات، وكانت البداية مع محاضرة المخرج الفلسطيني مهند يعقوبي بعنوان «البحث عن غودار» التي تحدث فيها عن تجربته حول السينما الفلسطينية الثورية، من أجل إنجاز أول أفلامه الوثائقية الطويلة بعنوان «خارج الإطار». وفي «مركز خليل السكاكيني الثقافي» في رام الله، عُرض فيلم «ذاكرة مثقوبة» للمخرجة الفلسطينية المولودة في عمان ساندرا ماضي، تلاه مناقشة مع المخرجة عبر «السكايب». في رام الله، أُقيمت للمرة الأولى أمسية موسيقية للفنان طارق أبو كويك (المعروف بالفرعي). وفي المركز نفسه، عُرض فيلم «صراع في جرش» (2009) لآيلين سيمسون وبن وايت، والفيلم محاولة استعادية لفيلم «صراع في جرش» أول فيلم أردني روائي رومانسي/ بوليسي أُنتج عام 1957 في جرش وعمان والبحر الميت والقدس. إلى جانب العروض السينمائية والمحاضرات، قدمت الفنانة عُريب طوقان المقيمة في نيويورك معرضها «سعيد»، وهو أجزاء متعددة من معرض في بيئات مؤسساتيّة مختلفة. وتزامن المعرض مع محاضرة في «مركز خليل السكاكيني الثقافي» في رام الله بعنوان «نهر الأردن _ مسار من التناقضات» للجيولوجي المتخصّص في المياه الجوفية كليمانس مسيرشميدت، تلاها عرض أول فيلم وثائقي قصير للمخرجة داليا كوري بعنوان «نهر الأردن _ النفس الأخير». أما النشاط الأخير للمشروع، فكان عبارة عن مسار على طول الضفة الشرقية لنهر الأردن بمرافقة دليل. رحلة محكومة بصعوبات تتعلق بكون معظم المناطق التي تحيط بالنهر مصنفة مناطق عسكرية، ولكن تنظيم هذه الرحلة جاء «كمحاولة للاقتراب من ضفة النهر قدر الإمكان، وذلك لكشف العقبات التي تعترض الزائر والمقيم على حد سواء»، وفقاً للورقة التعريفية للمشروع. اختتام المشروع بهذا المسار خدم الفكرة الأولى للمبادرة حول «تقريب المسافات» فعلياً رغم الحدود التي فُرضت على الأرض والنهر والإنسان.