بيان الـ 100 والخطوة التالية/ نائل بلعاوي
|نائل بلعاوي| هامّة، بقدر طاقتها على الايحاء، كانت فكرة […]
بيان الـ 100 والخطوة التالية/ نائل بلعاوي
|نائل بلعاوي|
هامّة، بقدر طاقتها على الايحاء، كانت فكرة اقدام الكتاب الفلسطينيين على توقيع طلب انتساب جماعي لرابطة الكتاب السوريين التي ولدت قبل وقت قصير في المهجر. فهي تتجاوز، من ناحية، حدود التضامن التقليدي مع قضية تستحق التضامن وتستدعيه، لتدخل صلب العمل المشترك: الانتساب للرابطة السورية التي أخذت على عاتقها (أو هكذا ننتظر) مهمة استرداد ملف الثقافة الكبير من براثن النظام وتحريره مما علق به، على مدار العقود السابقة، من أوهام وهرطقات ورؤىً وضيعة أحطت من القيمة الكلية والعميقة للمنجز الثقافي وأنتجت، في المقابل، مفاهيمها الخاصة (قومجية فارغة واشتراكية كاذبة) التي وظفت بعناية وعنف لتأكيد سلطة الحزب الواحد والقائد الواحد والعائلة المتسيدة لا أكثر.
هكذا تكون فكرة الانتساب للرابطة، وبهذا المعنى تحديداَ، هي: استحضار فعلي، مُغيب بصرامة، للخصائص المميزة للثقافة العربية المشتركة والمتداخلة الى مستويات تتعدى الجغرافيا وعوامل التأثر والتأثير العادية وصولا لحالة تلقٍّ فريدة لذات المصادر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي اوجدتها الانظمة العربية المتشابهة ولوثتها. فما يتلقاه المثقف العربي هنا، مع اعتبار طبائع الامكنة واقتراحاتها الخاصة، هو ما يتلقاه هناك… في هذا البلد أو ذاك.. تحت رحمة هذا النظام الوحشي او ذاك. وما يمكن أن يُقدم عليه ذلك المثقف، وما يجدر به العمل على تحقيقه في اطار انقاذ ثقافته المشتركة، هو متشابه الجوهر والخطوات بالتالي، ولعل الرابطة السورية الوليدة وبيان الانتساب الفلسطيني اليها (هناك طلبات انتساب جماعية لعديد الكتاب من مصر والمغرب والجزائر ولبنان ايضا)، لعلها تصب مجتمعة في مشروع بديع ورصين لانقاذ الثقافة العربية من غيً وجهالة الانظمة السائدة.
من ناحية ثانية، لا تقل اهمية ابداَ عن الاولى الواردة اعلاه، تجيء فكرة الانتساب الفلسطيني للرابطة السورية في موعدها المنشود بالضبط. انه الوقت المناسب للعمل على سحب الورقة الفلسطينية من قبضة النظام المحتل في دمشق، حيث يتابع القتلة هناك، ومنذ عقود ظلامية أربعة، جلد شعبهم بتلك الورقة وحرمانه، بحجج المقاومة الخرافية، من حقوقه الآدمية البسيطة في وقت كان تأثيرهم التدميري على القضية الفلسطينية هو الامر المركزي، وربما الوحيد، الذي تحفظه الذاكرة العامة لهم، وليس هذا الهراء المتواصل حول مقاومة النظام لإسرائيل، وممانعة الصلح معها، ورعاية الملف الفلسطيني.. الى آخر الشعارات الجوفاء التي كابد السوري تحت سياطها ولا يزال. ليكون النظام المقاوم والحال هذه، قد ضرب، انسجاماَ مع منطقه الوحشي، عصفورين بحجر واحد: قمع الشعب السوري وتخريب مسارات تطوره الطبيعي، واللعب على هواه ووفقاَ لمصالحه الذاتية الصرفة بالورقة الفلسطينية. ثم، وإذا ارتضينا التسليم قليلاَ بأكذوبة المقاومة تلك، فكيف يفسر لنا النظام وشبيحته المنتشرون بلا خجل او وجل في وسائل الاعلام جدلية العلاقة بين المقاومة ومصادرة حريات الناس… بين المقاومة ومجازر العقود الاربعة التي مارسها النظام ضد شعبه.. وبين المقاومة وتأليه الاب القائد (غير الشرعي) وتأليه الابن الوريث (غير الشرعي) والتأليه الذي كان يمكن ان يتم لوريث الوريث! وكيف يقنعنا، استطراداَ واستحضاراَ، بعض الكتاب الفلسطينيين الذين عارضوا بيان المئة، وعارضوا ويعارضون كل حراك شعبي من اجل التغيير؛ كيف يقنعوننا بجاهزية الشعب الفلسطيني لقبول قتل واستعباد اخوتهم في الجوار السوري وباسم قضيتهم، في حين لا يمكن للفلسطيني سوى الانتصار لقضايا العدالة والحريات الغائبة، فتلك هي قضاياه وجوهر وجوده العميق؟
شديد الاهمية، وعلى كافة الاصعدة، كان بيان الانتساب الفلسطيني الذي لم ينل تغطية اعلامية كافية للاسف، وشديدة الأهمية هي فكرة أنشاء رابطة الكتاب السوريين، فقد جاء البيان ليسحب الورقة الفلسطينية من قبضة النظام البدائي، وسبقته الرابطة العاملة على استرداد الثقافة السورية / العربية من ادراج شبيحتها. وإذا كان الفعل الاول يكمل الثاني، كما نحب وننتظر، ويوسع آفاقه، وإذا كان لا بد للمثقف من تحقيق حالة تفاعل جدي، منشود وضروري، مع قضايا وهموم شعبه، فإنّ الإشارة جديرة الآن الى أهمية الخطوة القادمة، إذ لا يجوز لهذا البيان الهام ان يواصل سيره الضوئي الى خزائن النسيان العربية الأثيرة، ولا يصح ان يتوقف حدود اهتمامنا بفكرته العالية عند لحظة توقيعه ونشره، فهناك ما يمكن بالضرورة متابعته والعمل على تحقيقه، ولعل العمل على اصدار بيان موسع يتم الحاقه بالأول هو الخطوة الاولى الآن. فقد غابت العديد من الاسماء الفلسطينية الراغبة، كما اعلنت هي بنفسها، بالمشاركة، عن البيان الاول. كما يمكن، ومن باب الاقتراح ومواصلة الحوار، الاتصال بأجهزة الاعلام العربية، المرئية تحديداَ (صاحبة الجمهور الاوسع عادة) كي تسلط الضوء فعليا على الورقة الفلسطينية وضرورة استرجاعها من النظام السوري. ناهيك عما يمكن اصداره من اوراق دورية (عن الرابطة السورية) تتابع هذه القضية وتعمق حضورها، وصولا، كما نرجو، للتحضير لمؤتمر ثقافي عربي عام يعيد الثقافة المُصادرة الى نصابها الطبيعي، حيث الحرية هي الاصل والمرجع، وحيث القضية الفلسطينية هي قضية سورية عربية وانسانية وليست مجرد أداة لقمع الشعوب وتدمير مصائرها.
كثيرة هي الافكار القابلة للسجال حول هذا الجانب العضوي من العمل الثقافي، وكثيرة هي الخطوات الممكن تنفيذها في السياق، فالقضية المطروحة اليوم على الشعوب العربية هي قضية مصيرية، بقدر ما هي ريادية ايضاَ، وهامة بقدر اهمية الحياة والعيش الكريم، وها هي الفرصة قد حانت اخيراَ: فرصة الصعود الجمعي للعرب، الى مراتب الحرية العظيمة، وما على المثقف العربي اليوم سوى التقاط معانيها وتحليل اشاراتها ودعمها، قبل كل شيء، بالكثير مما يمكن للثقافة ان تقدمه، فهناك الكثير والهام… بل الكثير جداَ مما يمكن تقديمه فعلاَ.