“فلسطين المنسية”: سلسلة محاضرات في الدنمارك حول الداخل الفلسطيني والقدس
سلسلة محاضرات تحت عنوان “فلسطين المنسية”، حول فلسطينيي الداخل والقدس، شارك بها العشرات من أبناء الجالية الفلسطينية اللاجئين في الدنمارك، وعدد من العرب والدنماركيين الداعمين للشعب الفلسطيني
“فلسطين المنسية”: سلسلة محاضرات في الدنمارك حول الداخل الفلسطيني والقدس
.
|خدمة إخبارية|
نظمت رابطة الشباب الفلسطيني في الدنمارك “PALUNG”، سلسلة محاضرات خلال الأسبوع الماضي، تحت عنوان “فلسطين المنسية”، حول فلسطينيي الداخل والقدس، شارك بها العشرات من أبناء الجالية الفلسطينية اللاجئين في الدنمارك، وعدد من العرب والدنماركيين الداعمين للشعب الفلسطيني.
عقدت المحاضرات في أربع مدن دنماركية رئيسية، في الشمال والوسط والجنوب، وهي على التوالي: آلبورج وأوغس وأونسي وكوبنهاجن العاصمة. وقد استضافت الرابطة لتقديم المحاضرات كلا من السيد يعقوب عودة، سكرتير لجنة المتابعة والدفاع عن أراضي لفتا، وهو مراقب لحقوق الإنسان والسكن في القدس- جمعية الدراسات العربية، والناشط علي نصوح مواسي، عضو لجنة المراقبة المركزية في التجمع الوطني الديمقراطي، والباحث في مجال الدراسات العربية والإسلامية، والناشطة أماني طاطور، عضو فرقة “دمار” لفن الراب.
يعقوب عودة: فلسطين كانت عامرة
قدم يعقوب عودة شهادته حول النكبة وتجربة اللجوء، إذ كان عمره ثماني سنوات عندما هجرت العصابات الصهيونية قريته لفتا قضاء القدس عام 1948، والتي ما زالت بيوتها قائمة إلى الآن وتحاول السلطات الإسرائيلية السيطرة عليها لهدمها وبناء بيوت فخمة ومجمعات ومرافق فوق أنقاضها.
وتضمنت شهادة عودة عرض صور لطبيعة لفتا وما تبقى من بيوتها ومعالمها، وجانبا من المظاهر الثقافية والاجتماعية لحياة أهلها قبل تشريدهم.
وفند عودة ادعاءات الحركة الصهيونية بأن فلسطين “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، مؤكدا أن قريته، كما سائر مدن وقرى فلسطين، كانت عامرة وهانئة، يكدح أهلها ليعيشوا حياة كريمة، مبينا المعالم الحضارية والثقافية والعمرانية التي وجدت فيها، من خلال الصور الفوتوغرافية، كما عدد ما سطت عليه العصابات الصهيونية من مطارات، ومستشفيات، ومعاهد، وبنى تحتية وموارد في فلسطين خلال النكبة.
سياسات الاحتلال تسعى إلى هدم الإنسان الفلسطيني
وتناول عودة كذلك وضعية القدس المحتلة، وما تواجهه من حملات مصادرة أراضي، وتشويه معالم، وسياسة هدم بيوت، بهدف تهويدها وإخلائها من أهلها، وآخرها مصادرة البيوت في الشيخ جراح وطرد أهلها منها، والتخطيط لإنشاء “حديقة الملك” في موقع حي سلوان وتشريد عشرات آلاف الفلسطينيين منه، بالإضافة إلى استهداف هوية القدس العربية والإسلامية.
وتحدث عودة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها أهل القدس بسبب سياسات الاحتلال، والتي “تسعى إلى هدم الإنسان الفلسطيني وإضعافه كي لا يتمكن من مجابهة الاحتلال.”
850 ألف فلسطيني مروا بتجربة الأسر
وتطرق عودة كذلك إلى تجربته كأسير سياسي في سجون الاحتلال، حيث قضى 17 عامًا فيه، منها 11 سنة معزولا هو وأسرى القدس عن باقي الأسرى العرب والفلسطينيين، مؤكدًا أن الأسرى الذي ضحوا بحريتهم من أجل القضية الفلسطينية يحتاجون إلى الدعم الدائم والمتواصل من كافة أبناء الشعب الفلسطيني، وأن 850 ألف فلسطيني مروا بتجربة الأسر منذ عام 1967 وحتى اليوم، وهو عدد مهول لم يعرفه أي شعب في التاريخ، وفق عودة.
علي مواسي: “الصمود والبقاء والحفاظ على الهوية” عنوان معركتنا الأساسي
أما علي نصوح مواسي، فكانت مداخلته حول “فلسطينيي الداخل: التاريخ والحاضر”، قدم خلالها معلومات حول نموهم الديموغرافي، ومواقع سكناهم على خريطة فلسطين التاريخية، وأشار إلى تعدد التسميات التي تطلق عليهم وفق وجهة وقصدية مطلق التسمية، مثل “عرب 48″، و”فلسطينيو الداخل”، و”الفلسطينيون في إسرائيل”، وتسمية “عرب إسرائيل” التي يحلو للسلطات الإسرائيلية استخدامها بينما هم يرفضونها في غالبيتهم.
“يوم الأرض” كان أول انتفاضة فلسطينية فعليا بعد النكبة
وتطرق مواسي إلى أهم المحطات التاريخية التي عاشها فلسطينيو الداخل على مدى العقود الستة الماضية، من نكبة عام 1948، مرورًا بحقبة الحكم العسكريّ (1948 – 1968) التي سعت إلى السيطرة على من تبقى من فلسطينيين داخل حدود خط الهدنة أو ما يعرف “بالخط الأخضر”، وتميزت بالقمع والترهيب وتقييد الحريات وعزل فلسطينيي الداخل عن محيطهم الفلسطيني والعربي، فـ “يوم الأرض” عام 1976، الذي وصفه بأنه “أول انتفاضة فلسطينية بعد النكبة، حيث هب الفلسطينيون من الجليل بداية، ثم كل فلسطين، احتجاجا على سياسة مصادرة الأراضي، وقد أصبح يوما عالميا تُحيى ذكراه في مختلف أنحاء العالم”.
أوسلو نكبة ثانية بالنسبة للشعب الفلسطيني
ومن المحطات التاريخية التي تطرق إليها مواسي أيضًا الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث شارك فيها فلسطينيو الداخل كما كل أبناء الشعب الفلسطيني، ثم توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، والتي “رفضها التيار القومي واليساري في الداخل الفلسطيني لأنه اعتبرها نكبة ثانية بالنسبة للشعب الفلسطيني وتفريطًا بحقوقه، وتخليًّا عن فلسطينيي الداخل ليصبحوا شأنا إسرائيليا داخليا يواجهون بمفردهم سياسات دولة بقدراتها المهولة دون مرجعية فلسطينية أو عربية، بينما قبل بها التيار الشيوعي الإسرائيلي لأنها تنسجم مع طرحه المنادي بدولتين لشعبين.”
أما المحطة الأخيرة فكانت “هبة أكتوبر” أو “انتفاضة القدس والأقصى” عام 2000، والتي تعتبر نقطة تحول مركزية في العلاقة بين الدولة الإسرائيلية وفلسطينيي الداخل، حيث زاد قمع الأولى، وارتفع سقف مطالب فلسطينيي الداخل القومية والمدنية.
حافظنا على عروبتنا وفلسطينيتنا رغم كل محاولات “الأسرلة” وتشويه الهوية
وأوضح مواسي أن عنوان معركة فلسطينيي الداخل الأهم هو “الصمود والبقاء، والحفاظ على الهوية”، مستعرضًا أهم القضايا الحارقة التي واجهها فلسطينيو الداخل وما زالوا، ومنها فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم واضطرارهم للتعامل مع ازدواجية عروبتهم والمواطنة المفروضة عليهم، بالإضافة إلى سياسات مصادرة الأراضي وهدم البيوت بدءا من “قانون أملاك الغائبين” و”أرض البور” وانتهاء بمخطط “برافر” الذي يسعى إلى مصادرة 800 ألف دونم في النقب وتشريد عشرات الآلاف، وكذلك القوانين العنصرية وعلى رأسها “قانون النكبة” و”المواطنة” و”الولاء” وغيرها.
ومن القضايا التي تحدث عنها كذلك مشاريع “الأسرلة” وتشويه الهوية، مؤكدا أن كل محاولات المؤسسة الصهيونية لانتزاع عروبة وفلسطينية فلسطينيي الداخل باءت الفشل.
وبين مواسي أن مشاريع “الأسرلة” تبدأ من عبرنة الفضاء والجغرافيا، وتهميش اللغة العربية في الإعلام الإسرائيلي، والمؤسسات الرسمية، ومراكز التشغيل المركزية، وتغييبها شبه التام في الجامعات، مرورا بالمناهج التدريسية التي تُغيّب الرواية الفلسطينية والأدب الفلسطيني، وتلغي الجغرافيا العربية، ولا تسمح بالانكشاف على المحطات المضيئة في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية.
مساعي التجنيد والملاحقات السياسية
تحدث مواسي أيضا عن مساعي تجنيد فلسطينيي الداخل المختلفة، وسبل التصدي لها، مبينا الأسباب التاريخية التي أدت إلى فرض الخدمة العسكرية على الفلسطينيين الدروز، وتزايد أعداد رافضي الخدمة بينهم اطرادا مع زيادة الوعي الوطني والقومي، ونشوء أطر ومبادرات وطنية في القرى الدرزية لمحاربة التجنيد، مشددا على رفض الجماهير العربية لكل أشكال وبدائل التجنيد، وعلى رأسها “الخدمة المدنية”.
وأشار كذلك إلى ملاحقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية المختلفة للناشطين السياسيين والحزبيين، والتضييق عليهم، من قيادات وشباب، إن كان بالتحقيقات المستمرة، أو الاعتقالات، أو التحريض والتهديد.
أماني طاطور: المؤسسة الإسرائيلية لا تريد شبابا عربيا متعلما ومثقفا
أما أماني طاطور، فتناولت التحديات التي يواجهها الطالب العربي لدى التحاقه بالجامعات الإسرائيلية، وعلى رأسها امتحان القبول “البسيخومتري”، حيث لا يُجهز كما الطالب اليهودي في المدارس للتعامل مع هذا الامتحان؛ إضافة إلى تحديد جيل القبول للكثير من الموضوعات بهدف إبقاء المقاعد الدراسية شاغرة في انتظار إنهاء الطالب اليهودي خدمته العسكرية، وهي معيقات تدفع بآلاف الطلاب للدراسة سنويا خارج البلاد؛ وقد أكدت على أن المؤسسة الإسرائيلية لا تريد شبابا عربيا متعلما ومثقفا وواعيا، بل جاهلا ومغيبا.
وتحدثت طاطور كذلك عن الفنان في الداخل الفلسطيني، صاحب الرسالة والمرتبط بقضايا شعبه ووطنه، مشيرة إلى أنه يواجه ظروفا صعبة جدا في ظل غياب الدعم الذي يسمح لمشروعه الفني بالاستمرار والتطور، بالإضافة إلى كون المساحات المفتوحة أمامه قليلة وضيقة رغم الانفراج الذي شهدته السنوات الأخيرة في التواصل مع العالم العربي، مبينة أنه يُنتظر منه دائما تقديم فنه تطوعا كونه صاحب رسالة، دون مراعاة أن من حقه العيش بكرامة حتى يتمكن من الاستمرار في الإنتاج والعطاء.
مجابهة الخدمة المدنية
وأشارت طاطور إلى الجهود المختلفة لمجابهة تجنيد الشباب العرب ضمن ما يسمى بـ “الخدمة المدنية”، والتي ثبت خلال الحرب الأخيرة على غزة، بما لا يدع مجالا للشك، بأنها ليست خدمة ذات طابع تطوعي مدني، إذ وجهت السلطات الإسرائيلية نداء للخادمين العرب ليخدموا في الجبهة الداخلية.
كما تطرقت إلى المخططات الساعية لتجنيد أبناء الطائفة المسيحية مؤخرا، وكيف أن ردة فعل الحركات السياسية والشباب كانت قوية وحازمة رفضا لهذه المخططات.
العنف والجريمة
ومن الأمور التي أثارتها طاطور مسألة انتشار العنف والجريمة في صفوف فلسطينيي الداخل، مبينة أن المجتمع الفلسطيني يتحمل مسؤولية ذلك في بعض جوانبه، “ولكن هناك أيضا دور واضح للشرطة التي تتقاعس ولا تقوم بدورها في رصد الأسلحة وجمعها وملاحقة المجرمين، ولا تظهر حزما تجاه انتشارها، على عكس ما يحصل في التجمعات السكنية اليهودية، وذلك ربما بهدف تفكيك النسيج الاجتماعي العربي، وجعله ينشغل بالخلافات والصراعات الداخلية، وكي يظل غارقا بالعنف والدم”، كما قالت طاطور.
أفلام وفنون
وشملت المحاضرات عرض أفلام حول يوم الأرض في الداخل الفلسطيني وحول “الخدمة المدنية” من إنتاج “جمعية الشباب العرب – بلدنا” في حيفا، بالإضافة إلى أغاني “راب” قامت بأدائها الفنانة أماني طاطور، وهي من ألحان وكلمات فرقة “دمار” العضوة فيها.
وعرضت فرقة “جفرا” للدبكة الشعبية في مدينة أوغس، والتي يشرف عليها الدكتور عماد كعوش، مجموعة من الرقصات التراثية الفلسطينية.
وقدم ممثلون عن مشروع “استكشاف فلسطين” عرضا حول برنامج وأهداف المشروع، والذي يوفر فرصة الإقامة في مدرسة داخلية للتعلم عن فلسطين مدة 14 أسبوعا، والتحضير لمشروع يتم تنفيذه خلال زيارة إلى فلسطين تستمر أسبوعين، حيث يلتقي المشاركون بشباب فلسطينيين ومؤسسات مجتمع مدني، ويتعرفون إلى ظروف عيش الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.
أجيال مختلفة تروي تتحدث عن تجارب خاصة وصادقة
وفي حديث مع ولاء أبو أحمد من قرية ديشوم المهجرة، قضاء صفد، حول البرنامج، قالت: “أعتقد أن المحاضرات التي قدمت من أهم ما سمعت عن فلسطين، وذلك لأن المحاضرين تحدثوا عن واقعهم وحياتهم بصدق. الإعلام الدنماركي لا يظهر حقيقة ما يعانيه الفلسطينيون في الداخل والقدس، فهو منحاز لإسرائيل، ولهذا يظن الدنماركيون أن إسرائيل دولة ديمقراطية حقيقية وأن لهم حق في وطننا، وهذا ما فنده المحاضرون تماما.”
وقالت: “يظن الناس عموما هنا أن عرب 48 يحصلون على كامل حقوقهم تماما مثل الإسرائيليين كونهم يحملون الجنسيات الإسرائيلية، وقد كان من المهم لنا أن نسمع منكم مباشرة وشخصيا عن الظروف التي تعيشونها حتى تتضح الصورة لدينا أكثر”، وأضافت: “من أهم ما ميز المحاضرات أن مقدميها كانوا من أجيال مختلفة، وعبروا عن تجارب شخصية خاصة ومختلفة.”