الفنان بين المقاطعة والتطبيع/ بن ثابت صليبا
|بن ثابت صليبا| “لا يزال موضوع مقاطعة حفلات عمر ف […]
الفنان بين المقاطعة والتطبيع/ بن ثابت صليبا
|بن ثابت صليبا|
“لا يزال موضوع مقاطعة حفلات عمر فاروق يشغل حيزا من النقاش بين مؤيد(ة) ومعارض(ة)، كما أطلقت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل بيانا يدعو إلى مقاطعة مهرجان العود الإسرائيلي الذي تنظمه بلدية القدس المحتلة.” هذا نص الرسالة التي وصلتني لقراءة المقالات ذات الصلة.
بالواقع، ومن دون الدخول في سجال مع أحد، ليست هذه المرة الأولى -ومؤكدًا لن تكون الأخيرة- لإثارة هذه القضية، التي أستوقفت حتى الصحافة العربية في الخارج (نجوان درويش، “الأخبار” اللبنانية، العدد ١٥٣٨، السبت ١٥ تشرين الأول) التي أوجزت في مقالها حوار الندوة التي نظمها مؤخرا مسرح “الميدان” وموقع “قديتا” في جمعية “المشغل” في حيفا، تحت عنوان “خصوصية العمل الثقافي لدى فلسطينيي الداخل” ومدى اندماجها في الحملة للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل. وفيه ورد على لسان الكاتب والناقد أنطوان شلحت: “نحن مشوّهون، نحن عرب ناقصون وإسرائيليون ناقصون وفلسطينيون ناقصون”، والتي تلخص بدورها خصوصية العمل الفني والثقافي في الداخل وما تواجهها من مطبات حقيقية تعيق وضع المعايير الأخلاقية والموضوعية في كل ما يتعلق بموضوع المقاطعة.
حقيقة الأمر أنها كغيرها من القضايا الشائكة المستعصية على الحسم والتي يشتد من حولها النقاش ويحتد، وتنتهي عند إما مع أو ضد، وكل ما يرافقها من تابوهات وتراشق اتهامات ما بين العمالة والتخوين والارتهان. من موقعي النظري كمؤيد مبدئي “للمقاطعة”، وبالرغم من التزامي بذلك من جهة، ورغبتي بعدم دخول العبثية المفرطة من جهة أخرى، ينبغي أن يجتاز النقاش الجدي الساعي الى التوعية (وليس التحذير!) حد المقاطعة والتحوّل الى البحث والتفكير الموضوعي بعيدا عن المزاودة لوضع الصيغة الثابتة، مع التأكيد على الثابتة، التي ينطوي تحتها تفعيل حد “المقاطعة” لتمتد الى جميع الفئات الجماهيرية ولعدم إبقائها نخبوية تقتصر على المثقفين لا غير.
تتركب دعوات المقاطعة للأعمال الثقافية الفنية في الداخل من جزءين: الأول تحت بند التطبيع وهو يشمل الفنانين الأجانب والعرب من غير فلسطينيي الداخل، والثاني يعني الفنانين المحليين والذي يرتكز بالأساس على مصادر التمويل وغيرها. المبدع، سواءً أكان كاتبًا أم مخرجًا أم عازفًا أم ممثلاً أم مغنيًا، هو بالأخير فنان متحرر من كافة الحواجز النمطية. فبالإضافة إلى انتمائه القومي وهمّه الوطني يبقى اهتمامه الأول فنّه وهاجسه الوصول الى أبعد حد في مجال تخصصه. كان هذا توصيفًا لفئة تُمثل معظم الفنانين بشكل عام. وهناك فئة من الفنانين يسخّرون فنهم لخدمة قناعاتهم الوطنية أو الاجتماعية وغيرها، والتي تُجسّد هموم شعبهم وقضاياه من محاربة الظلم والفقر والتوق الى الحرية والعدالة وغيرهما. بالتالي يتحول الفنان إلى حامل رسالة يريد إيصالها الى أكبرعدد من الناس. وفي كلتا الحالتين يحمل لقب “فنان ومبدع”.
وبالعودة إلى موضوعنا: ينطلق الجزء الأول من المقاطعة من مبدأ رفض التطبيع مع إسرائيل، وهو يشمل كما ذكرت الفنانين الأجانب والعرب غير المحليين. أما بخصوص العرب، فعلى ما أعتقد أن من يأتي منهم للتواصل وإقامة العروض لعرب الداخل فلا يجوز شمله بالتطبيع وبالتالي المقاطعة هنا ليست في مكانها. أما فيما يتعلق بالفنانين الأجانب (عمرو فاروق كمثال) فتبقى القضية محصورة بالقناعات الفردية والأخلاقية للفنان وفي هذه الحالة هو المدعو للمقاطعة بالمنطلقات ذاتها التي كانت سائدة إبان حكم الأبرتهايد في جنوب أفريقيا، وفعالية هذه الدعوات تبقى مرتبطة بحجم وثقل المؤسسات الخارجية والداخلية صاحبة الدعوة.
من هنا وللخوض في المعضلة الأساسية في هذه القضية، نتحوّل إلى الفئة الثانية -وهي الأهمّ- والمتعلقة بدعوة المقاطعة، وهي فنانو الداخل. يبقى الفنان والمبدع والموهوب في الداخل وبالرغم من الخصوصية التي يقرها الجميع، كغيره من فناني العالم، قلقا من تحقيق أمريْن: الأول، مصادر تمويل لإنتاج العمل وثانيا أطر تضمن له الوصول إلى الجماهير. ومن ثم يتحول القلق إلى هاجس من حيث استحسان المشاهد والقارئ والمتتبع للعمل وهو ما يضمن له النجاح والشعبية والشهرة. بذلك يرتبط الفنان من حيث التمويل والانطلاق بمؤسّسات الدولة التي يحيا فيها، الرسمية منها والخاصة المحتكرة، والعالمية الداعمة للفن بشكل عام. وبالتالي، فهو رهن هذه المؤسسات ليرى عمله النور بداية، ومن بعد ذلك الانتشار والوصول إلى أبعد الحدود لينتهي عند العالمية.
لهذا، لا بد وتزامنا مع دعوة الفنان لمقاطعة المؤسسات الإسرائيلية (العنصرية بمعظمها!) وبحق، البحث وإيجاد البديل الذي يضمن إنتاج العمل الفني ونشره من دون الارتهان للداعم، وضمان بيئة حاضنة ومشجعة للفنان لمزاولة عمله باحترام والعيش بكرامة كباقي البشر. وبمدى اعترافنا بضرورة الفن وأهميته بالمجتمع وفي حال تجاهل الاعتبارات الواردة أعلاه، تصبح الدعوة إلى المقاطعة عبثية عديمة الأثر كغيرها من الدعوات المرتبطة بقضايا أخرى تخص مجتمعنا في الداخل.
.
• “القوة الأخلاقية من جماعية العمل”: محضر ندوة خصوصية العمل الثقافي لدى فلسطينيي الداخل
• عمر فاروق خرق المقاطعة الفلسطينية لإسرائيل: فلنقاطع جميع حفلاته!