مش هوموفوب، بس…
أإلى هذا الحد يأخذه اختلافي؟ أيلقي بصداقتنا في الجحيم بكل ارتياحٍ ضميريّ، لأنني لن أخطب وأتزوج مثله؟..
مش هوموفوب، بس…
|بقلم: كويروس|
1
مساءٌ صيفيٌ لهّاب. بجانبي يجلس لابسًا “بوكسره” الضيق فيما نشاهد فيلمًا. لم يكن الفيلم ممتعًا بشكل خاص، غير أنّ مشاهدة الأفلام أصبحت هوايتنا الروتينية. أنحني لآخذ قنينة الماء وألمحه يحدق في صدره الأملس. أبتسم باستغراب سائلاً إياه إذا كان حقًا يشاهد الفيلم، فيجيبني كأنما يتابع حديثًا كان قد بدأه مع نفسه:
– أنا فعلاً محظوظ، أعرف من يصرفون آلاف الشواقل لإزالة شعر جسدهم بالليزر.
أنظرُ إلى جسمه وهو يتحسسه بفخر ثم أصرف نظري بشيء من الانتفاض، وأقول لنفسي مؤكِدًا: نحن صديقان!
في الواقع لسنا أيّ صديقين، فنحن كذلك من نفس القرية، وجاران كثيرا الزيارات لبعضنا البعض على خلاف أعراف “التخنيون” الاجتماعية.
يتابع الحديث:
- تحب الفتيات الصدر الأملس.. لكن صديقتي تتمنى لو كان لي بعض الشعر أعلى صدري.. القليل منه فقط.
أصمت قليلاً ثم أقول:
– نعم.. قد يعطي شعر الصدر شعورًا بالرجولة.. إن تحسسه قد يكون مثيرًا بقدر ما قد يكون مقززًا، ذلك يتعلق بعدة عوامل، الصدر العريض مثلاً يلائمه الشعر، هنالك دور أيضًا للكثافة واللون والترتيب…
وأسترسل في حديث الشعر بما لا يخلو من الفانتازيا.. يقطع صمته حديثي.. فأستدرك انسيابي.
- لا؛ لا أطيق الشعر.. كان لدي بعض الشعيرات أسفل صرتي ولكن مع بلوغي اختفت تمامًا مع أنني توقعت العكس.. أُنظر…
ويسحب البوكسر إلى الأسفل فأرى أسفل صرته وشعر عانته وجزءًا من قضيبه. نظرت إليه مشدوهًا فاغرًا فمي، ثم ابتسمت سريعًا لأخفي اضطرابي:
– ماذا دهاك!
- ما بك؟ هل انزعجت؟
- هذا مكان حساس، عورة، لا ينبغي أن تكشفه!
- لا تفلسف الأمور، نحن صديقان، ورجال، لا بأس في ذلك.. لا بد أنك تعتقد أني “هومو” الآن! (يضحك بصوت مرتفع)
دفعت جملته الموقف نحو مزيد من التدهور، وكاد قضيبي نصف المنتصب أن يبدل الأدوار ويجعلني أنا في موقف التبرير.
- لا.. أبدًا.. ما علاقة ذلك؟
- هذا ما يفعله “الهومويم”.
ندمت على سؤالي الغبي. في الواقع لم يكن السؤال عن “علاقة ذلك” سؤالاً بقدر ما كان اعتراضًا لم أستطع أن أخفيه. ولكنه فتح الباب للخوض في هذه المسألة التي لطالما تجنبتُ الحديث بها.
يتابع:
- على أية حال لست “هوموفوب”.. سأقص عليك حادثة؛ قبل عدة أشهر كنت ألعب لعبة “حقيقة أو واجب”. كانت المجموعة مؤلفة من ثلاث شابات وأنا وشاب آخر. في إحدى الدورات اشترطت الفتيات علينا أن نقبّل بعضنا من الفم.. وقد فعلنا ذلك.. بسرعة (ضاحكًا).. لقد كان ذلك مثيرًا بالنسبة لهن.
فاجأتني القصة، ولكنني تساءلت مرة أخرى عن علاقة ذلك، هذه المرة بيني وبين نفسي، هل يعني ذلك أنه ليس “هوموفوب”؟!
لم أعرف بماذا أجيبه، لم أُرِدْ أن أبدي موقفًا من المثليين، قد يكون صمتي المرتبك موقفًا.. تناولت القنينة مرة أخرى وابتلعت الموقف، مؤمنًا لنفسي برهة للتفكير.
- هل فعلت ذلك حقًا؟ (أضحك).. حسنًا دعنا نتابع ما تبقى من الفيلم..
2
في السنة التالية أصبح شريكي في الغرفة. توطدت علاقتنا أكثر فأكثر، وتوطدت معها عادتنا في مشاهدة الأفلام. لم نكن قد سمعنا عن جائزة (Golden Glob) قبل أن يشترك في المسابقة الفيلم الفلسطيني “الجنة الآن”. لقد وجّه اشتراكه في هذه المسابقة السينمائية أنظارنا نحو الأفلام المشاركة الأخرى. رغم أنه مضى على المسابقة عدة سنوات، إلا أننا قررنا أن نشاهد جميع الأفلام التي اشتركت. كانت الفاتحة بفيلم (Brokeback mountain)، الفيلم الأشهر في تاريخ السينما المثلية. لم يكن لديه أو لديّ أية فكرة عن محتوى الفيلم، حتى إنّ صورة الغلاف بمثليتها غير العصية على الاكتشاف، لم تُثر أيّ تفكير في مضمون مثلي محتمل.
أعددنا طقوس المشاهدة بالتمام. بعد عدة دقائق، يصحو البطلان اللذان يبيتان في خيمة واحدة، وبمشهد متوتر وسريع نجد أنفسنا أمام جسدين ذكريين متوحدين بمشهد جنسي كامل معلنين فشلنا في التقاط الإشارات في المشاهد السابقة!
منتفضًا سارع إلى جهاز التحكم وأوقف الفيلم.
- ينعن الحياة شو هاد؟!
- … (باندهاش مزدوج)
- عم نحضر فلم هومويم!!!
(صمت)
- شو إنت عم تحضر سكس؟ كلو فلم، جاب كتير أرباح وأخذ جوائز، شكلو منيح..
- شو منيح مش منيح، خذ كملو انت، أنا بحضرش هيك إشي.
- طيب ياخي قدمو شوي، تبعصناش إسا!
- (بعد صمت وإطراق) قدم قدم الفلم.
وعاد كأن لم يعد. بدا كأنه يفكر في ألف اتجاه، لكن عينيه ظلتا مسمرتين على الشاشة كأنهما تترقبان المشهد الجنسي التالي بحذر.
جاء المشهد التالي، كانت “مجرد قبل”، لم يوقف الفيلم، رغم أنّ عينيه جعلتاني أعيد النظر بما أشاهد؛ أهو سيء إلى هذا الحد؟
في المشهد الحميم الثالث بدا أقلّ انزعاجًا، وفيما تلاه من مشاهد كان قد استرخى باطمئنان على الأريكة.
انتهى الفيلم.. لم نتناقش به كما نفعل عادةً، فقد كان في مكان آخر.
في الليل، ونحن مستلقيان قبيل نومنا، تكلم أخيرًا عن الفيلم:
- بتعرف؟
- شو؟
- استغربت كتير اليوم.. متوقعتش إنو في أفلام للهومويم غير أفلام السكس. بعدين شيلي مش مبين عالبطلين إنهن هومويم.. هيث ليدجر، الجوكر بفيلم “باتمان”، كيف هيك بقبل يوخذ دور الهومو وينيك زلمة بالفلم؟! كنت أحبو عاد..
– يعني اسا بتكرهو؟
- مش بكرهو، بس مش راكبة على راسي الشغلة.. معو مصاري الله، مش ناقصو تنو يعمل هيك فلم..
- شو خصّ المصاري؟ معقول إنو هو مع حقوق الهومويم واللسبيوت.. طيب شو رأيك بالفلم كفلم؟
- أنا عارف.. بصراحة فلم جامد، وهو هاذا اللي محيرني… شوف، تعاطفت معهن.. أنا مش هوموفوب… بس اذا بطلع إبني هومو بطخّو.
3
لعلّ من أبرز مساوئ السكن مع شخص آخر في غرفة واحدة أنك لا تستطيع الاستمناء (ممارسة العادة السرية) بحرية، خصوصًا إذا كنت ممن يفعلونها في فترات متقاربة وفي ساعات المساء. لكني لم أكن كذلك؛ كنت أفعلها عندما أعود إلى المنزل، أما هو فقد كان يقوم بالاستمناء كل يومين أو ثلاثة أيام، حين أكون نائمًا. في الواقع لم أكن دائمًا نائمًا فعلاً، كما حصل في تلك الليلة.
عاد من سهرة مع أصدقائه، وعندما دخل الغرفة المظلمة وجدني نائمًا. وقتها لم يكن قد مضى على استلقائي في السرير سوى بضع دقائق. دخل بهدوء، أبقى الغرفة مظلمة وخلع ملابسه. كانت أذناي تراقبانه، لم أخبره بأني غير نائم، فقد حسبته سيلقي بنفسه في السرير من دون أن يغير ملابسه، غاطًا بنوم عميق كما يفعل عادةً. شغّل حاسوبه، وبعد قليل سمعت أصوات تأوهات خفيفة، ففهمت الأمر. حاولت تجاهله والنوم كي يأخذ راحته، لكنّ كلّ الأصوات غير المفهومة التي كانت تصدر من فمه ويديه كانت كفيلة بأن تجعلني أقذف دونما استمناء. تقلبت يمينًا ويسارًا علّه يتوقف أو يخفض صوته، لكنه كان من النشوة بحيث لم يعرني انتباهًا.
- انت هون؟ وينتا روّحت؟ (سألته دون أن أنهض من الفراش أو أغير من وضعيتي)
- (مستمرًا في الاستمناء!) آه، قبل شوي.
- طيب.. ابقى سكر الكمبيوتر مش عارف أنام من ضيّو.
- آه أخرى شوي، بس تأخلص مرج.
قالها دونما حرج، وزاد صدمتي حين تابع:
- عم بحضر فلم سكس أخو شرموطة، اذا بدك تعال احضر معي، ولك كل وحدة منهن جَمل.
حملت صدمتي ونهضت إلى الجو المشحون بالأرنب والجمال، وإذ بي أراه يمسّد أيرًا لا يبدو بضخامته أنه يمت بصلة إلى هذا الجسد الضئيل. شيء ما في دورة الدم والأعصاب كان قد تشوش، وأنا أجد نفسي أشاهد شخصًا أثناء استمنائه وهو غير آبهٍ بوجودي. صرفت نظري إلى شاشة الحاسوب، كانت هناك ثلاث إناث يمارسن الجنس مع بعضهن البعض. يا للفنتازيا!
- خذ راحتك.
- رايح؟ طيب قفل وراك.
- طيب.
ذهبت إلى الحمام، واضعًا حدًا للإثارة المتطرفة الفجائية.
عندما عدت كان قد فرغ من أمره، لم أشأ أن أفتح حديثًا معه، لكنني وجدت نفسي أساله:
- بتمرج على لسبيوت؟!
- آه شو فيها، أنا بنمحن عاللسبيوت، ليش انت ولا مرة مرجت عليهن؟
- لأ، بمرج على هومويم (أجبته دون أن أنطق، والبسمة الساخرة التي يخفيها الظلام تعلو وجهي)
يتابع:
- معنديش مشكلة مع اللسبيوت، بالعكس بنمحن عليهن، بس لما يطلعو يعملو فيها حقوق ومش حقوق ساعتها بتحملهنش.. مش إني هوموفوب، بس لشو وجع الراس والشوشرة؟!
- آه.. تصبح على خير.
4
…
5
…
6
.
.
.
.
0
انتهت السنة الدراسية، وعاد كل منا إلى بيته، هذه المرة إلى غير رجعة، فقد انهينا دراستنا في التخنيون بعد جهد ليس بهيّن.
مرّ الصيف عليّ حارقًا أكثر مما ينبغي، فقد أخبرت أهلي بأنني مثلي بعد أن ألحّوا أن أختار واحدة من بين عدة فتيات كانوا قد اقترحوهن عليّ بأكثر الأساليب تقليديةً. لم يكن أبي وأمي أول العارفين، ولكن أصعب العارفين. تجاوزت المرحلة بشقّ النفس، وبأضرار نفسية لا تزال آثارها عميقة في نفسي. في هذه الفترة لم أتواصل معه، فقد أصبح هاتفه فجأة غير متصل بشكل مستديم، فهمت أنه بدل الرقم.. لكن لماذا لم يرسل إليّ الرقم الجديد؟!.. لم أفهم.
قابلته مرة واحدة في البنك. عندما رآني اضطرب وشحب، بدت عيناه كأنهما تنظران إلى شيء لم تألفاه. دبّت به العجلة، ولملم أوراقه بسرعة، سلمت عليه بتلهف، وأردت أن أساله عن ألف شيء، لكنه تعامل معي بحذر واضح، وخلال المحادثة التي جرت فيما بيننا بأقلّ من دقيقة، ردد عبارة “خيا” ما لا يقل عن العشر مرات- وانصرف.
لم أفهم ما الذي حصل إلى أن جاء ذلك اليوم الخريفي. سمعت طرقًا على الباب، كان ذلك صبيًا صغيرًا يوزع مكاتيب زفاف. في قريتنا، ككثير من القرى، أن تستلم دعوة للزفاف أو للخطوبة، هذا لا يعني أنك مدعوّ حقًا. يُدعى الجميع للمشاركة- فهي أشبه بدعوة عامّة، حتى أنّ بعض الأشخاص يستعملون دليل الهاتف مارّين على جميع الأسماء تقريبًا لدعوتهم. استلمت الدعوة المعنونة باسم أبي “وجميع أفراد عائلته المحترمين”، لقد كانت دعوة لحضور حفلة خطوبته! فهمت أنه علم بأمر مثليتي، كما علمت لاحقًا بأنّ هذا الخبر كان قد زود الكثير من الناس بمادة دسمة لـ “دواوينهم” التي لا تنتهي.
كان صديقًا بل أخًا. قضيت برفقته أجمل أوقاتي، ووقف معي كما وقفت معه في المحن، كما في المسرات والنجاحات. أإلى هذا الحد يأخذه اختلافي؟ أيلقي بصداقتنا في الجحيم بكل ارتياحٍ ضميريّ، لأنني لن أخطب وأتزوج مثله؟.. لا أدري إن كان ضميره مرتاحًا فعلاً.. ترددت برأسي عبارة “أنا مش هوموفوب”!.. نعم، لم يكذب، ماذا يعني أن تكون هوموفوب؟! إن الفوبيا من المجتمع الذي يحتقر المثلي ومن يصادقه أو يتعامل معه، الفوبيا من كلام الناس، الفوبيا من الأهل والأقارب، الفوبيا من خرق الأخلاق والقيم الحميدة التي نتربى عليها، الفوبيا من عقاب الله لمن يعاشر قوم لوط، الفوبيا من ومن ومن.
أعذره.. كنت أود لو أشاركه الفرحة، لكن دعه من إحراج زيارتي. أتمنى له السعادة في حياته، وإذا ما اكتشف في يوم من الأيام أن ابنه مثلي، أتمنى… أن لا “يطخه”.
5 مايو 2013
لعلّ من أبرز مساوئ السكن مع شخص آخر في غرفة واحدة أنك لا تستطيع الاستمناء (ممارسة العادة السرية)
طقوس …
جسد عاري مسجى …
صوب قبلة النشوة منتشى…
يعتصر تضاريسه خمرا …
وبركان يتلضى سعيرا ..
طيب الرضاب يسيل سيلا ..
وارتعاش هزني فرحا أليما …
حياة الربيع
22 ديسمبر 2012
رااااااااااااااااااااااااااااااااااااائعة
23 يوليو 2011
علي،الكاتب لم يقل أنه يحب شريكه في السكن وأنه لا يستطيع البوح له بذلك! أنت تصف حالة غير موجودة في النص.
16 يوليو 2011
مقال جميل وواقعى يعبر عن حالي شخصياً .
ما اصعب ان تتعلق بشخص وما تقدرش تلمسه او حتى تقوله انك بتحبه .
الخوف من تبعات انه يعرف هويتك الجنسية بتخليني اتراجع عن الاعتراف له .
24 مايو 2011
بكل عفوية وبصراحة صادقة يرسم لناالكاتب “كويروس” لحظات من الحياة تحمل معانٍ لا يمكن تجاوزها بسهولة. تأملات من يوميات شاب يترعرع داخل مجتمع يحاول تجاوز المعروف، علاقات صداقة وتجارب شبابية ترسم مستقبلا مليئا بالامل والاحترام، ولكن تبقى المعضلة بان عناصر التربية من الاساس لا يمكن اقتلاعها. فها نرى ان العودة الى حضن المجتمع تقوقع العائد الى بؤرة العقليات المحدودة في تقبلها للغير وهنا مربض الفرس! لا يمكن في ىسياق التغيير والانعتاق من التفكير المحصور في مفهوم الجنس والحريات الشخصية ان تبقى الاولية لافكار بائدة لا تتغير منذ الاف السنين. لقد تجاوزت شعوب شتي هذه المرحلة بواسطة تغييرات جذرية في المجتمع وانعتقت من قيود الكنسية والالوهية وانتقلت الى الفردية التي بدأت تشكل ظاهرة لا باس بها في مجتمعنا العربي بشكل عام. لا ادري اهي بداية تغيير ام مجرد بارقة امل ستخمد عما قليل؟
مع تقديري للكاتب وبانتظار الجديد!
19 مايو 2011
كتير حلو وطريقة الكتابة بتجنن، وشكرًا لأنك طلعتني من جو التفكير بحبيبي اللي قرر انو ينهي علاقتنا بدون سبب وبدون ادب!
17 مايو 2011
رائعة… رائعة جدا!!!! قرأتها 3 مرات و في كل مرة كانت واقعية النص و صدقه تطربني و تضربني!!!!