لعبتنا السّرية
عندما ننتهي كان يردد في كل مرة نفس العبارة: إياك أن تخبر أحدا يا صغيري.هدا سرنا وحدنا.مفهوم؟ وغالبا ما كنت أكتفي بتحريك راسي إشارة على الموافقة…
لعبتنا السّرية
|وليد العمراوي|
كنا لا نفترق أخي الصغير وأنا. كنت في السادسة من عمري وهو في الرابعة. نلعب سوية. نزور عائلة أمي كل يوم. جدتي التي أحببتها كثيرا كانت آية في الحكمة والحنان. طالما قالت لأمي إنني أكثر أبنائها جمالا وفطنة. تغدقني بالهدايا كل يوم. رحمة الله عليها ماتت وأنا في سن الطفولة. ماتت بالسم. قتلتها إحدى المشعوذات. وضعت لها السم في الشاي. السم الذي قتلها بعد أن أتى على كل جسمها لم يترك فيها عند موتها إلا عظاما جافة وعيونًا غارقة في الزرقة خالية من أية معالم حياة.
تحزنني كثيرا طريقة موتها. تستحق نهاية أفضل. لكن القدر والمشعوذة الملعونة أرادا ذلك. الغريب في الأمر أنّ لا أحد يعرف حتى يومنا هذا ما الذي دفعها إلى تسميم جدتي. كنت سعيدا باللعب مع أخي الصغير وأسعد بالذهاب معًا لزيارة جدتي كل يوم، فمنزلهم لا يبعد عن منزلنا إلا مسيرة دقائق. نادرًا ما نقطع الطريق في هدوء. كان أخي الصغير يتميز بروح مشاكسة غريبة متأهبة للشجار والاحتكاك، لم تزدها صرامة أمي إلا عدوانية. فكان الشجار حدثًا أساسيًا يطبع لعبنا ولهونا، تتناقص حدته في حضور أمي وتزداد في غيابها، وغالبا ما ينتهي العراك لصالحه. فلا فارق السن ولا شراسة الأيدي يحولان دون تلقي حجارة طائشة في الرأس أو عضة مؤلمة في أيّ موضع ينقض عليه من جسمي النحيل بأسنانه الصغيرة.
كنت أجد عزائي في صفعات أمي التي يتلقاها على وجهه المكتنز، بل يتحوّل الأمر أحيانا إلى تكبيل وضربات بالسّوط، فتصرخ أمي ويتطاير الزبد من ثغرها: أنظر مادا فعلت بأخيك يا ثور! أغثني يا ربي من شرّ هدا الجني. تتوالى الضربات والصراخ فيمتلئ الجو بالأصوات المتناقضة، بينما أظلّ بلا حراك والخوف يحكم عليّ قبضته، لأنني عاجلا أم آجلا سأتلقى صفعة مدوية مصحوبة بالعتاب: تكبره بعامين ونصف يا مصيبة وتعجز عن ردعه! إذا رماك بحجرة إرمه باثنتين؛ إذا عضك جاوبه بالمثل، عوض أن تأتيني باكيا كالفتيات.
كنا نعرج على ساحة صغيرة قبل الوصول إلى منزل جدتي. دائما نجد في الساحة مجموعة من الرجال، تارة يتبادلون الأحاديث وتارة يلعبون الورق. يفترسون بنظراتهم الفضولية كلّ من يمرّ من الساحة، سواءً أكان طفلا أم فتاة، رجلا أم امرأة. لا تسلم النساء من غزلهم ومداعباتهم. لكن ما لم أدركه حينها -لأني لم أكن أعر ف لغة النظرات- أنّ رجلا من بين هؤلاء يفترس جسدي الصغير والنحيل بغرابة. كان الوقت صيفا وغالبا ما تلبسني أمي سروالا قصيرا مع فانلة صيفية… كان رجلا أسود البشرة، في الثلاثينات من عمره، طويل القامة متوسط الوزن، ذا وجه بشع وأنف عريض يحجب باقي ملامح وجهه، وعينان زائغتان تملؤهما نظرة خاوية مخيفة. كلما مررنا من الساحة يفترسني بنظرات مخيفة وغامضة لم أفهم معناها إلا عندما كبرت.
وذات مرة كنا في الطريق إلى منزل جدتي أخي الصغير وأنا. عندما وصلنا الساحة لم نمرّ مباشرة كما نفعل عادة لأنّ صاحب النظرات الغريبة استوقفنا. ناداني باسمي. جذبني برفق من يدي وأجلسني في حجره، ثم منحني حلوى ولأخي الصغير مثلها. بدأ يربت على شعري قائلا: هل تعرف ما اسمي؟ أجبته ببراءة: لا أعرف. ابتسم في وجهي وقال بنبرة عتاب مصطنعة: اسمي محمد. ضحك الرجال الجالسون معه وردّ أحدهم: اسمه محمد بن بوعزة. شملني بنظرة مفترسة ثم سألني من جديد: أتعرف الآن اسمي؟ أجبت بحماس الأطفال: نعم… اسمك محمد بن بوعزة. أفتر ثغره عن ابتسامة شيطانية. منحني بعض الريالات ولأخي مثلها ثم أمرنا بالمغادرة.
عندما عدنا إلى المنزل سردت الواقعة لأمي. كانت فرحة للغاية. أثنت على لطف محمد بن بوعزة معنا. في اليوم التالي وكعادتنا انطلقنا نحو منزل جدتي تتقاذفنا الخطوات في تسلسل غير مستمر نفسد ثباته بوقفاتنا المتكرّرة إما للمرح أو للعراك. عندما وصلنا الساحة تكرر نفس المشهد مع محمد. ناداني وأجلسني في حجره. مدّني بالحلوى وسألني نفس السؤال: هل تعرف ما هو اسمي؟ اسمك محمد بن بوعزة، قلتها ببراءة الأطفال باسمًا. ربّت على شعري الناعم بحنان: ممتاز إنك صبي رائع. ابتسم الآخرون وواصلوا حديثهم، بينما استسلم أخي الصغير للوقوف ينتظر أن يحرّرني الرجل لمواصلة الطريق نحو منزل جدتي. لكن جلوسي هده المرة في حجر الرجل لم يكن عاديا لأنّ هناك شيئًا ما صلب يشاركني حجره أجهل ماهيته لكنه يزعجني. انغمس الرجل في الحديث مع أصدقائه واستمرت أصابعه الغليظة في العبث بشعري غير آبه بهذا الشيء الغريب المزعج. استغرق ذلك برهة من الزمن قبل أن يحررني ويأمرنا بالذهاب. أنساني الفرح قصة الشيء الغريب لأنّ الرجل منحني حلوى وريالات أكثر من التي منحها لأخي.عندما عدنا إلى المنزل أثنت أمي على لطف محمد معنا حبًا في الله.
نفس المشهد يتكرر كل يوم: يناديني، يُجلسني في حجره، يواصل تبادل الأحاديث مع أصحابه، يعبث بشعري برهة من الزمن، بينما أخي الصغير ينتظر كالصنم في صمت متى يجود علينا الرجل بأمر المغادرة، بعدما يمنحنا الحلوى والريالات. مع مرور الوقت أصبحت معتادًا على دلك الشيء الغريب. وجدته لعبة مسلية ومغرية. لم يعد يزعجني رغم ازدياد خشونته وصلابته، بل أصبحت أنتظر بشغف لحظة الوصول إلى الساحة لأرتمي كالقط في حجر محمد. أضيفت هدايا محمد إلى هدايا جدتي فازداد فرحنا. وغالبا ما نتعارك بسبب هداياه لأنه يمنحني الكثير منها والقليل لأخي الصغير، فتنطلق المشاحنات وتتشابك الأيادي وينتهي الشجار بإتلاف الريالات ولا يتبقى لنا غير الحلوى.
أصبح الجلوس في حجر محمد وتلقي هداياه جزءًا أساسيًا من زيارتنا لجدتي كل يوم. وفي أحد الأيام عندما أمرنا محمد بالمغادرة منحني الكثير من الحلوى والريالات ومنح أخي الصغير قطعة حلوى واحدة دون الريالات، ثم همس في أدني الصغيرة بنبرة لطيفة آمرة: أعجبتك الحلوى يا صغيري أليس كذلك؟ قلت: نعم. إذا أردت الكثير والكثير منها، فلا تصطحب أخاك معك في المرة القادمة، مفهوم؟… قلت: نعم.
في اليوم الموالي انتهزت فرصة تواجد أمي في المطبخ لأطلق العنان لساقيّ النحيلتين بفرح متوجها إلى منزل جدتي. انشغل عقلي الصغير برسم بحر من الخيالات لكل تلك الحلوى التي سيمنحها لي محمد. وصلت الساحة وركضت كالعادة نحوه. تلقفني بسرور وحبور، فها أنا أتيت وحدي كما أمرني. ولأول مرة أجده جالسا وحده في الساحة من دون أصدقائه. لم يكن بجانبه إلا شاب آخر في نفس سنه وبشاعته. بعد دقائق انصرف صاحبه وبقينا وحدنا. ارتفعت وتيرة أصابعه في العبث بشعري، نظر في كل اتجاه بقلق وحذر كالمتربص. قام واقفا. مرّر يده بلطف على وجهي. قبض بيده الغليظة على يدي الصغيرة بقوة كالخائف من فقدان شيء ثمين. ابتسم لي باطمئنان وتكلم بلهجة رقيقة: هيا معي لأعطيك الحلوى… هيا أسرع.
سارع في خطواته… تسارعت معه قدماي في شبه ركض… وفجأة وقف أمام مسكن مهجور. أدخلني إلى المسكن المهجور، حرر يدي أخيرا من قبضته، ثم أمرني بلهجة آمرة ممزوجة بنبرة التهديد والوعيد أن استدير إلى الحائط. لم أخف ولم تصدر مني أدنى إشارة للانزعاج لفترة غير وجيزة، لكنني بدأت في البكاء لأنه ترك شيئا هلاميا غريبا بين فخدي الطريتين. أخافني منظر وبرودة ذلك الشيء. أمرني بالصمت مهددا متوعدا. أخد خرقة بالية متسخة -كسرواله البالي- من الأرض وأزال بها ذلك الشيء الهلامي. مسح دموعي بيده وطمأنني قائلا: أرأيت؟ لقد أزلته. توقفت أخيرا عن البكاء. أطل برأسه ليتأكد من خلوّ الطريق. غادرنا المسكن المهجور. منحني الكثير من الحلوى والدراهم.
انطلقت نحو منزل جدتي وأنا أكاد أطير من الفرح… كل الحلوى لي وحدي. هذه المرة منحني الدراهم وليس الريالات. أثناء عودتي إلى المنزل نفذت تعليمات محمد كما أمرني: خبأت الحلوى والنقود ولم أخبر أحدًا بما حدث في المسكن المهجور.
نفس المشهد تكرر مرارا في البيت المهجور من دون بكاء أو خوف. بدأت أتعود على السائل الهلامي الغريب. أعجبتني لعبة محمد واستولت على كل انتباهي. لم أعد أنتظر أوامر أمي بالذهاب إلى منزل جدتي. أصبحت أنفر من مرافقة أخي الصغير وأستغل فرصة انشغال أمي لأنطلق بخفة وهمّة نحو منزل جدتي. عندما أصل للساحة أركض نحو حجر محمد بجنون. يتلقفني بابتسامة مرحبة. يداعب شعري ووجنتيّ وفي نفس الوقت يتبادل الأحاديث مع أصدقائه. بعد هنيهات يقوم وأقوم معه. يجدبني برفق من يدي الصغيرة ثم يعلن لأصدقائه أنه سيغيب لبعض الوقت. تتعالى ضحكاتهم وهمزاتهم، ثم يأخذني إلى دلك البيت القديم لنمارس طقوس لعبتنا المثيرة. بعدها يغدقني بالحلوى والنقود. أصبحت هده الأحداث المثيرة جزءا من عالمي الصغير آنداك. لم أطلع أحدا على لعبتنا السرية أنا ومحمد. كان الأخير يوصيني دائما بأن لا أخبر أيًا كان عن سرنا.
عندما ننتهي كان يردد في كل مرة نفس العبارة: إياك أن تخبر أحدا يا صغيري.هدا سرنا وحدنا.مفهوم؟ وغالبا ما كنت أكتفي بتحريك راسي إشارة على الموافقة…
(كاتب وناشط مغربي)
22 أغسطس 2017
لو تكرمت يا كاتب القصة ارجو ان لا تكتب اسم الجلالة او ربنا عموما في اي قصة مهما كان ……… او اتمني و نتمني كلنا ان تزيل القصة كلها حتي لا تكون يعني دخل سيئات ليك مثلا و نتمني المغفرة ليك وللجميع ………. بس اهم حاجة امسح اسم ربنا خالص من اي قصة انت كتبتها قبل كدة يا كاتب القصة يا طيب ………… و انت طيب و اكيد هتعمل خير و كدة و نتمني لك المغفرة حتي تكون نيتك حسنة …. و شكرا كثيرا
6 أكتوبر 2013
البيدوفيليا موجوده سواء رفضناها او قبلنا بها ….العيب كل العيب على المجتمع الذي يتستر عليها …وانا عندي قصة بهذا الخصوص من ارض الواقع …حدثت معي شخصيا …كتبت عنها في البلوكر تبعي …مع مدرس المادة الرياضية
http://hayatrabi.blogspot.com/
حياة الربيع
4 أبريل 2011
مع احترامي للكاتب ان القصه هي واقعيه جدا
هناك الكثير من الاشخاص المريضين بالشذوذ الجنسي ولكن للأسف انا انتقد طريقطة عرض القصه لأنها شبه دعايه للهذه الممراسات الوحشيه
يجب اعده صياغه هذه الروايه ومهاجمة محمد بل توضيح هعمله الوحشي والغير مقبول عل المستوى الانساني
وليس الترويج له ولافعاله الدنيئه
وتقبلو نقدي ولكم مني تحياتي
9 مارس 2011
ماهذه الممارسات الوحشية ، أبهذه السهولة تنتهك براءة الطفولة
لقد أحزنتني كثيرا هذه القصة
3 مارس 2011
الى محمود
النص يعري البيدوفيليا بصدق و لا يدعو لها بتاتا ان ركزت جيدا سترى أن النص ينتقد بشدة البيدوفليا و ينتقد أيضا قبول رفقاء محمد بن بوعزة لها لأنهم يعلمون مادا يفعل الجاني بالطفل الصغير و كون الطفل في النص تلدد بالتحرش الجنسي و الفعل الجنسي فهدا لا يعني بالضرورة أن النص يتعاطف مع البيدوفيليا بل يعني فقط أن الطفل استمتع بالأمر و هدا ليس دنبه.
الى خالد
متفق معك يجب حماية الطفولة و الأطفال و اصدار قوانين تعاقب بشدة البيدوفليين لكن قبل دلك يجب توعية المجتمع على ضرورة كشف المستور و مناقشة البيدوفيليا من جميع النواحي و تحسيس الناس على عدم التستر عن الأمر.
3 مارس 2011
يعني…نص يخوض في هذا الموضوع لا يصح إلا أن يكون ناقداً ومهاجماً لأشخاص على شاكلة محمد…
النص يعرض البيدوفيليا كأمر طبيعي ولذيذ بل وكأنه يدعو إليها!.. وهذا خطير..
على إدارة الموقع حذف النص برأيي.
2 مارس 2011
إنه لأمر مؤسف هذا التحرش بالأطفال!
غالبًا ما يكتم الصغار حوادث مشابهة خوفًا من الوعيد أو جهلاً بماهيتها، ولذلك يجب أن تكون هناك توعية مبكرة جدًا لممارسات من هذا النوع- بيدوفيليا، كما يجب توفير دعم للأطفال الذين يتعرضون لمثل هذا الاعتداء، بالاضافة لتوفير مراكز علاج للأشخاص البيدوفيليين.
* النص جميل.