الدراما السورية اكتشفت المثلية… بخفر
مقاربة موضوع المثلية الجنسية غير ناضجة
الدراما السورية اكتشفت المثلية… بخفر
..
|سامي رستم|
الفساد والعشوائيات والدعارة والتزمّت الديني… هذه عينة من القضايا التي تحاول الدراما السورية تسليط الضوء عليها في السنوات الأخيرة. ورغم الخطوط الحمراء التي يصطدم بها كتّاب الدراما التلفزيونية، إلا أنهم ينجحون تدريجياً في تجاوز هذه المحرّمات. بعدما أضاءت المسلسلات على مجموعة من التابوهات، يبدو أنّ المثلية الجنسية قد تكتسح ميدان الدراما التلفزيونية السورية في المستقبل القريب. إذ بدأ الحديث عن هذا الموضوع في أعمال هذا الموسم، ما يعتبر خطوةً جريئة، وخصوصاً في ظلّ رفض المجتمع لتعدّد الهوية الجنسية النابع من الحكم الديني الذي يحرّم العلاقات المثلية. إلا أنّ طريقة طرح الموضوع تمثّل تحدياً أكبر لكتّاب الدراما لما قد تحمله من أبعاد ومفاهيم مغلوطة.
هكذا تقدّم الدراما التلفزيونية السورية هذا الموسم شخصيات مثلية في خطين متباعدين. أولهما درامياً في مسلسل “ما ملكت أيمانكم” الذي أظهر الشخصية المثلية بصورة مباشرة، إلا أنها افتقرت للمعالجة المنطقية. إذ تقدم الكاتبة هالة دياب حالة شاب يقترب من العشرين، يحاول اكتشاف ميوله المثلية وإشباعها خفيةً في دورات المياه المدرسية مع زميله الفقير الذي يقبل مجاراته لقاء مبلغ ماديّ. تغيب الجوانب النفسية التي كوّنت شخصية الشابيْن والدافع الحقيقي وراء رغباتهما. وتكتفي الكاتبة بالإشارة إلى أنّ والد كل منهما غائب: الأول بسبب أعماله الكثيرة والآخر بسبب مرضه وعجزه الجسدي… هكذا تصور لنا المشكلة بأنّها حالة ناتجة ربما من الترف المادي أو عدمه.
تتعاطى الدراما مع الموضوع تارة بحذر، وطوراً بسخرية
أما “صبايا 2” من كتابة مازن طه ونور الشيشكلي، فهو العمل الثاني الذي يتناول إحدى الحالات المثلية الخاصة بطريقة “كوميدية”. الشخصية هنا يجسّدها شاب يدرس الحقوق، يخشى عليه المُشاهد من نسمة الهواء لشدّة لطافته. يلعب الدور الممثل فادي صبيح الذي يتميّز ببنية جسدية ضخمة يحاول أن يجعلها متناغمة مع متطلبات الدور المشبع بالنعومة المصطنعة لاستثارة ضحك الجمهور وسخريته.
ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أن “ما ملكت أيمانكم” و”صبايا 2” ليسا العملَين الوحيدَين اللذين يتناولان المثلية الجنسية، بل سبق لمسلسل “أشواك ناعمة” (2005) أن حاول تسليط الضوء على هذا الموضوع.
في العمل الأخير، رسمت الكاتبة رانيا البيطار شخصية فتاة تدعى نضال بملامح وصفات ذكورية، وكانت غالباً ما تتكلم في مواضيع لا تثير فضول الفتيات وتمارس هوايات صبيانية، لكن بتطور يتماشى مع قبول المجتمع والرقابة ربما، تتغير أحوالها بعد تقرب أحد الشباب منها. وبذلك، تعود نضال عن خيار اعتزمت القيام به وهو عملية تحويل جنسي.
صاحبة نص “أشواك ناعمة” نأت بنفسها عن الخوض في تفاصيل عمليات التحويل الجنسي التي تخص من يعانون اضطرابات في الجهاز التناسلي وما يرافقها من مشاكل نفسية معقدة. واقتصرت المعالجة التلفزيونية الدرامية على تصوير الأمر كمشكلة أهواء ذكورية لدى الشابة يغذيها والدها الذي لم تمنحه الحياة فتى يتمناه. وكانت الحبكة محلولة بحيلة من المعالجة النفسية المدرسية التي أيقظت الفتاة على أنوثتها.
والخلاصة أنّ التجارب التي تتعاطى فيها الدراما مع المثلية الجنسية، يطغى عليها تارةً طابع الحذر في تسمية الأمور، وتارةً أخرى السطحية في استعمال المثليين سلعة للسخرية. لكن لمحاكاة واقع المثليين في الدراما، نحتاج إلى التعمق في التفاصيل الصغيرة النفسية والعاطفية التي تكوّن الشخصية المثلية من دون الإيهام السطحي بها الذي قد يؤدي إلى الوقوع في فخ الاعتقادات الخاطئة.
(عن “الأخبار”)