طوبى…/ جواد بولس
|جواد بولس| عجبي كيف لجريمةٍ أن تتحوَّل إلى مغطس/مطهر، […]
طوبى…/ جواد بولس
|جواد بولس|
عجبي كيف لجريمةٍ أن تتحوَّل إلى مغطس/مطهر، يستوعب هذه الجموع من المرائين، يتمسحون بدخان الأضحية ويتضرعون إلى خلاص ونصيب في لعبة الأيام وهزال الدم والإثم الشفيف المنسيّ هناك على شواطئ طبريا وسفح ذاك الجبل الذي عليه علَّم “السيّد” الإنسان ما ولمن تكون السعادة والخلاص. “طوبى للحزانى فإنهم يُعزّون”، قال ومضى و”وطوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون”.
ألمنزلق خطر! قلنا وأكدّنا، لأنّ ما يُجاز ويُستحبّ، هناك في أرض “اليباب” والذل والعطش، في عالم العجب والاحتلال، مسوّغًا بذريعة أمن مشتهى ومدَّعى، لن يوقفه وهمٌ مغلَّف بشريط أخضر ولا دموع من الكريستال النقي تذرفها عيون حاخامات أمّت “طوبا” واستنكرت باسم ربها مؤكدةً أن حرق مسجد يعتبر عملًا لا إنسانيّا ولا أخلاقيّا!
رياء على رياء! فأين كان الدمع عندما بدأ ربيبو حاخامات “جبال يهودا” وهضاب “السامرة” بحرق أخضر فلسطين والإطباق على كل متنفّس ورئة؟
“أمتلئ خجلًا بعد مشاهدتي ما فعلوه بهذا المسجد، ليحترم كل إنسان الأماكن المقدسة للآخر”، غيض من ما فاضت به عزيمة رئيس الدولة، الذي حجّ مع وفد كبير مختلط من زعامات دينية مختلفة، إلى حيث وقع الدنس وزحف الفساد.
رياء على رياء! كم بودي أن أصدّقك يا فخامة الرئيس. كم بودي أن أقتنع أن ما قيل في “طوبا” قيل بصدق حقيقي وفي مكان مناسب ووقت سليم. الصدق صدق دائم، لا يصح في مواسم ويغيب في أخرى! والمكان هو الأرض، كل الأرض، في “طوبا” وفي القدس، في قانا وفي المثلث والعراقيب طبعًا! والزمان هو الأبد والأزل من يوم آدم إلى يوم آدم!
القصة ليست بالحجر ولا ببناء أنشأه الرجال، إذ بدأوا يتسابقون من سيقيم بنيانًا أراهن أنّه سيكون أكبر وأرحب وأفخم ممّا حرق ودمّر! فها هي داخلية الدولة تعلن عن رصد مبلغ من المال للشروع الفوري بإعادة الحياة والروح للحجر! وها هم مشايخ المسلمين يعلنون أن البناء سيرمم ويشاد بمال المسلمين ولن يقبل مال آخر! الكل يتدافع والهمم مستنفرة.
رياء على رياء! اكتظاظ في مشهد الزيف والتنكر للحقيقة وللذات. وكأنني في حضرة العبث أحرف رائعة الأخطل في مدح بني أمية فتصبح من وجعي “حُشدٌ على الذلِّ ذوّاقو الخنا!” فوزير الأمن الداخلي يعلن “إنهم يسببون ضررًا لوشائج العلاقة بيننا. كلنا إخوة في الشرق الأوسط ومثل هذا الحادث لن يعكر صفو العلاقات بيننا. أنتم أناس غالون وعزيزون لا تسمحوا لأناس مجرمين أن يقودوكم…”، نعم هكذا يخاطب زميل ليبرمان الحضور وأبناء المصاب والوطن! يخاطبهم بجلاء لا يجارى بل يوارى في خضم من المزايدات المكررة المجافية للواقع التي لا تقول الحق والفصل والحقيقة.
“هذه بلدة فيها أكثر من ثلاثمائة مجند في الجيش والشارع الرئيسي فيها سمي تيمنًا بيجآل آلون”، هكذا نقل مراسل “هآرتس” على لسان بعض من متذمري البلدة. من الجائز أنه يحرّض أو يحوّر أو ينقل حديث أحدهم لغرض في نفس مريض! مهما كانت الحقيقة لا أعتقد أن الوفود المتقاطرة إلى طوبا سعت لأكثر من تسجيل موقف وضمان صورة على مسرح العبث والزيف!
واقع البلدة واقع حزين ومؤلم ولا يعالج بتصريح ناري مثل: “فإن كانت المساجد تغيظهم فسنبني مئات المساجد”، كما صرّح النائب مسعود غنايم ولا مثل: “الأيدي الآثمة التي تطاولت على مسجد النور هنا في طوبا يجب أن تقطع”، كما صرّح ووعد الشيخ كمال الخطيب ولا بشرح بديهيات لم تغب عن بال أهل طوبا لأنها هناك مدفونة في ما سلخ من أراضي القرية وبلعته مستوطنات مجاورة.
القضية تحتاج إلى مواقف مثابرة وواضحة وممنهجة وهادفة وفعّالة طيلة أيام السنة وما يجيء بعدها من سنة، لا تأخذكم فيها سِنة ولا يغرقكم منصب أو نعمة أو نسيان. فطفرةٌ تشعلها لحظة حريق بأيدٍ تستهدف الفتن وتهوى النار والجحيم لن تشفي غليلًا ولن تأتي بغسان كنفاني ليخلف يجئال آلون في طوبا.
لا أعرف كيف سجّل كل وفد زار طوبا وعاد إلى تنظيمه وقواعده نتائج زيارته وجداول الربح والخسارة، لكنني أحار كيف ستتابع الأزمة التي أشعلتها تلك الأيدي الخبيثة، وكلي قناعة أن “إضرابًا عامًا للقرى البدوية الشمالية” يعلنه ما يسمى بـ”منتدى السلطات المحلية البدوية” هو كمن يذر الملح على جراحنا ويجزي من كان سبب البلوى والبلاء.
القضية كانت قضية البشر وليس قضية الحجر. هكذا من عصر موسى إلى عصر عيسى ومن عصر عيسى لعصر محمد! فهناك على مقربة من طوبا زنغرية كانت “العِظة على الجبل” وهناك قيل: “طوبى للرحماء لأنهم يُرحمون”، فارحمونا يا سادة من فرط حبكم لطوبا. “طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض”، فمتى يا سادة سنرث الأرض؟ متى؟ ربما إذا صدق من قال “في كل يوم أرى أناسًا يهربون من المعبد ويقتربون من الله”، ربما!