ما هي الدولة المطروحة من مجموعة “تكامل”؟/ جلال أبو خاطر
أنا أشكك وبشكل كبير في أهداف هذه المبادرة. قد أكون مخطئا، ولكني لم أرَ بياناً من هذه المجموعة يوضح موقفها تجاه اللاجئيين الفلسطينيين، لم أرَ إلا لافتة تعطي الحق لخمسة ملايين فلسطيني للعيش في فلسطين من دون أن تذكر مصير 6 ملايين فلسطيني آخر في المهجر والشتات. فكرة أخرى طرحها صديق لي، فهل من الممكن أن تكون هذه المبادرة “تكاملا” يهدف لوضع أساس لضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية؟ عدم ذكرهم لحق العودة يثير تساؤلات عديدة من الصعب أن نفهم ما يرمون إليه تماماً عبر مبادرة “تكامل”.
ما هي الدولة المطروحة من مجموعة “تكامل”؟/ جلال أبو خاطر
| جلال أبو خاطر |
تفاجأت خلال تجوالي في مدينة رام الله برؤية عرائض كبيرة تروج لفكرة الدولة الواحدة وتلغي فكرة الدولتين، فقد قرأت اللافتة (نعم لدولة ديمقراطية واحدة للجميع، لا لحل الدولتين). في بادئ الأمر، وبعد رؤية لافتة واحدة فقط، أعجبت بالفكرة، وذلك لأنها واقعية وتدعم وجهة نظري بالحل المستقبلي لقضيتنا. ولكن أصريت على التحري من هذا الأمر، فمن هم “تكامل” وما هي فكرتهم الكاملة وراء هذا الإقتراح؟
عدت للبيت وجلست على الفيسبوك، سرعان ما رأيت صوراً لدعايات مثيلة أخرى تحمل توقيع “تكامل” في مختلف المحافظات الفلسطينية. علقت بذهني لافتة واحدة بغاية الوقاحة والإستهتار بحق الشعب الفلسطيني، فقد قرأت اللافتة “دولة ديمقراطية واحدة لـ 5 مليون عربي و6 مليون يهودي”. بغض النظر عن الـ 6 مليون يهودي، الشعب الفلسطيني ليس ولم يكن أبداً 5 مليون. اليوم، يفوق عدد الفلسطينيين على أرض فلسطين وفي الشتات وفي المهجر 11 مليون فلسطيني، فبأي حق تنتقص مجموعة “تكامل” حق 6 ملاييين فلسطيني لبناء دولة “متكاملة” على حسابهم؟ هذا برأيي عكس التكامل بل هو إنتقاص.
أنا أشكك وبشكل كبير في أهداف هذه المبادرة. قد أكون مخطئا، ولكني لم أرَ بياناً من هذه المجموعة يوضح موقفها تجاه اللاجئيين الفلسطينيين، لم أرَ إلا لافتة تعطي الحق لخمسة ملايين فلسطيني للعيش في فلسطين من دون أن تذكر مصير 6 ملايين فلسطيني آخر في المهجر والشتات. فكرة أخرى طرحها صديق لي، فهل من الممكن أن تكون هذه المبادرة “تكامل” تهدف لوضع أساس لضم إسرائيل لأراضي الضفة الغربية؟ عدم ذكرهم لحق العودة يثير تساؤلات عديدة من الصعب أن نفهم ما يرمون إليه تماماً عبر مبادرة “تكامل”.
ولكن أمر آخر ضايقني أكثر من كل ما سبق، وهو الغضب العارم في الشارع الفلسطيني الذي دفع العديد من الشباب لتمزيق هذه اللوحات – وبنفس الوقت دعم مبادرة دولة أيلول. عملية التمزيق كانت منظمة في كل المحافظات الفلسطينية، ترك الشباب توقيع “فتح مرت من هنا” بعد تمزيق اللافتات. بدأت أشعر بأن الكم الأكبر من الغضب الموجه ضد “تكامل” هو لأنها تشكل خطراً على مبادرة دولة أيلول، وليس لأنها تشكل خطراً على حق اللاجئ. حسب القانون الدولي المتعارف عليه لدى الجميع، فدولة أيلول تشكل أكبر خطر على حقوق اللاجئ الفلسطيني، فقد أظهرت دراسات مختلفة بأن دخول السلطة الفلسطينية الأمم المتحدة كدولة مستقلة يزيل منظمة التحرير كممثل رسمي لكافة الشعب الفلسطيني ويصبح فقط سكان الضفة وغزة هم المعتبرون كفلسطينيين، فقط. إن كان ما دفع الشباب الفلسطيني اليوم لتمزيق الملصقات هو “حق اللاجئ”، فلماذا لم يعترضوا على دولة أيلول؟ وإن كان يحق لهؤلاء الشباب بتمزيق الملصقات الدعائية ل “تكامل”، فيحق للآخرين بالإعتراض على ملصقات دعائية لدولة أيلول. من هو الطرف الذي يقرر الحل الأنسب للفلسطينيين في هذه المنطقة؟ فلماذا يحق للشعب بالترويج لدولة أيلول ولا يحق لبعض آخر للترويج لأفكار مختلفة؟
فكرة الدولة الواحدة، بالنسبة لي وبالنسبة للعديد من المفكرين والناشطين والسياسيين الفلسطينيين، هي الفكرة الأكثر إيجابية وواقعية وتضمن حقوق الجميع. ولكن يبدو أن فكرة “تكامل” تختلف كثيراً عن الرؤية الفلسطينية بالدولة الواحدة. رؤية الدولة الواحدة التي أتفق معها، كما تنص البنود التالية المذكورة في “إعلان الدولة الواحدة” 29 نوفمبر 2007:
- أرض فلسطين التاريخية هي ملك لكل من يعيش فيها، وكلّ من طُردوا أو هُجروا منها منذ 1948 ، بغض النظر عن الدين، أو الإثنية، أو الأصل القومي، أو الجنسية الحالية؛
- يجب أن يؤسَّس أي نظام للحكم على مبدأ المساواة في الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية لجميع المواطنين. وتنبغي ممارسة السلطة بإنصاف صارم باسم الناس جميعاً، على تعدد هوياتهم؛
- يجب إزالة التبعات المدمرة لعقود من الاستعمار الصهيوني في مرحلتي ما قبل تأسيس الدولة وما بعده، بما يشمل إلغاء جميع القوانين والسياسات والممارسات وأنظمة السيطرة العسكرية والمدنية التي تضطهد وتميِّز على أساس الإثنية أو الدين أو الأصل القومي؛
- الاعتراف بشخصية المجتمع التعددية، والتي تشمل تجارب وأوضاعًا متمايزة دينياً ولغوياً وثقافياً وقومياً؛
- خلق دولة غير طائفية، لا تميز في الحقوق بين مجموعة إثنية أو دينية وأخرى، وتحترم فصل جميع أشكال الدين المنظم عن الدولة؛
- تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، انسجاماً مع قرار الأمم المتحدة رقم 194 ، هو ضرورة جوهرية للعدالة، ومعيار رئيسي لاحترام مبدإ المساواة؛
- وضع سياسة شفافة ولاتمييزية في مجال الهجرة الوافدة؛
- الاعتراف بالعلاقات التاريخية بين الجماعات المتعددة داخل الدولة الديمقراطية الجديدة ونظيراتها في الخارج؛
- يجب أن يلعب كل من أُقصي تاريخياً عن عملية اتخاذ القرار، وبالذات فلسطينيو الشتات واللجوء والفلسطينيون داخل إسرائيل، دوراً مركزياً في رسم أطر هذا الحل؛
- إنشاء هيكليات قانونية وتأسيسية للعدالة والمصالحة.
كفى حلولاً وإقتراحات عبثية، فالقائمين على “تكامل” أرادوا التقسيم الديمغرافي مع الصهاينة، و حل الدولتين ليس إلا تقسيم جغرافي مع الصهاينة. أنا لا أريد أن يصبح وطني مقسماً كما عرضته لنا قطر في حفل إفتتاح الألعاب العربية 2011، ولا أريده أن يصبح محصوراً على 5 مليون فلسطيني فقط. الوطن هو حق الجميع، وأكبر خطر للحركة الصهيونية العنصرية هو تطبيق الدولة الواحدة كما ذكرتها البنود في إعلان الدولة الواحدة بالأعلى. هذه الدولة لن تأتينا على طبق من ذهب، بل النضال الشعبي هو الطريق لتحقيق مبتغانا. فنحن لسنا نطالب بشيء غير ما نستحق. الحق سينتصر بنهاية المطاف، ولكن دون الإصرار فسنضيع بمتاهات ليس لها نهاية.
*جلال أبوخاطر طالب ساكن القدس ومدوّن على الإنتفاضة الإلكترونية. بإمكانكم متابعته على تويتر @JalalAK_jojo
22 نوفمبر 2013
كنت من تحدا ياسر المصري وسوف اقلب الضفة رأسا على عقب