الثورة وعودة المعنى/ هشام نفّاع
|هشام نفاع| العقيد معمر القذّافي يطلّ على الشاشة. خلافً […]
الثورة وعودة المعنى/ هشام نفّاع
|هشام نفاع|
العقيد معمر القذّافي يطلّ على الشاشة. خلافًا لمن سبقاه خلف جدران التاريخ قبل أسابيع، لا توجد هنا أية توقعات. إحتمال التنحّي أشبه بنكتة.
جنون ودماء. دكتاتور يتوحّش أمام شعب ثائر. خطاباته تكاد تشكّل تحديًا للسوريالية لولا خلوّها من أية مسحة تجريد. كلماته مباشِرة كلّ مقطع فيها رصاصة تقتل؛ كل فقرة قذيفة تدمّر؛ النص برمّته مجزرة.
لشدّة صراحتها الدموية تفقد المفردات قدرتها على التهديد. تصبح دمًا يُسفك في تزامن كامل بين القول والفعل؛ بين الإعلان الصريح عن جعل المشهد الليبي أرضًا محروقة وبين اندلاع نيران نيرون.
العبث يقتحم حدودًا جديدة. من الصعب كبت الضحك أحيانًا على الصورة المجتمعة التي يمكن بقليل من الخيال تصوُّرها لمسخ صناعيّ أو سينمائيّ. ضحكٌ يترك نوعًا من الشعور بالذّنب. من الصعب كبت السخرية، لكن استيعاب ما يُقال لا يمكّن من إبعاد ما يُخبّأ في ظلّ القول: جثث محصودة بالرصاص ومحروقة بالقذائف، بعضها مكبّل اليدين خلف الظهر وفي الرأس ثقب ينزّ منه الدم.
إطلاق صفة الجنون على الشخص تمنحه نوعًا من الحكم المخفّف، شرعنة مبطّنة غير مقصودة لأقواله وأفعاله. كأنّ صوتًا خفيًا يخرج من النعت بالجنون ليقول: “يمكننا استيعابه وتفهّمه”.
فهل الدكتاتور مجنون حقًا؟ هل يتطابق هذا مع شدة إتقانه تكتيكات فِعل القتل المخطّط المدجّج بالسلاح الحديث؟ أين تلتقي بالضبط صورته شبه الكاريكاتوريّة الملفوفة بزيّ لا يمكن إحالته الى أيّة أسطورة ولا اشتقاقه منها، مع الرائحة الممتدّة كخيط مرعب على أثر أفعاله المنتشرة في الشوارع الضيقة والمساحات الرملية الشاسعة التي يزدحم فيها الموت؟
الجنون حالة إنسانية نسبيّة. قد يكون فيه تجنٍّ على مختلفين بيننا. الجنون ليس انتقاصًا من إنسانية المنعوت بالجنون. لهذا، ففي حالة الدكتاتور نحن بحاجة الى مفردة أخرى.
مثلما تبينّا أن معنى مفردة “نظام جمهوريّ” باللغة العربية الحاكمة هو الجريمة المنظّمة، فإن معنى كلمة الثورة بلغة سفّاح ليبيا هو ما تؤلفه صورٌ لمروحيّات تقتل شبانًا يطالبون بالعمل والتعليم، لمرتزقة مأجورين يعدمون أبناء الشعب ولعائلة حاكمة تستبيح كلّ شيء.
فلم تقم طغمات القمع العربيّ الرسمي بخنق الأنفاس وذبح الحريات فقط، بل خنقت اللغة وقطعت اللسان أيضًا؛ حوّلت مفاهيم كثيرة الى هياكل عظمية وجثث باردة؛ شوّهت ملامح مفردات وكلمات ومصطلحات وضعتها الإنسانية لتعبّر عن أحلام جميلة وأهداف نبيلة. لأن عقود الحقارة الحاكمة التي قتلت أحلام الناس لتطيل عمر سيطرتها، صادرت أيضًا ما يعبّر عن الحلم.
هذه القتامة تنزاح في هذه الأيام التاريخية كما تزول الغشاوة عن العين. لأنه حين تشتعل الثورة في عقول وصدور ضحايا القمع والقتل والفقر والخنق، فإنهم يستعيدون معنى كونهم شعوبًا تروح تستعيد الكلمة وتُعيد إليها المعنى. والمسألة ديالكتيكية بالطبع: هكذا تنكشف حقيقة “علمانية” زين الدين بن علي، و”جمهورية” حسني مبارك و “اشتراكية” معمّر القذافي. إنها مجرّد أغطية بالية تخفي مسرحًا لجريمة.
لم تُعِد الثورات العربية الينا الروح وفرحة الحياة وإشراقة العيون فقط، بل أعادت الينا لغتنا: أعادت المعنى للّغة واللّون للحلم. ثورة ليبيا ستقطع خطوة إضافية. وحين تتخلّص قريبًا من السفّاح المنتحِل صفة الثوريّ، سيعود للجنون أيضًا معناه العذب، المنطلق، المحلّق والحالم بكل ما هو جميل.
27 فبراير 2011
كل الشله ما بتنفع واحنا رجالك يا نفاع
27 فبراير 2011
أحسنت يا مبدعنا الجميل ويا مفكّرنا الأصيل!
26 فبراير 2011
كل شي هلأ ومن قبل متل أكنو نسخ سينمائية طويلة من رواية 1984… ما في اشي ببرر تصرفات الحكام، بس كمان صار لازم بالقليلة الشعوب ما تتنازل في فكرها وكلامها.. بس اذا الواحد ما قدر، فأضعف الإيمان انو يسكت. أبدعت!