عن نغمات الضجّة الصباحية/هشام نفاع
أخطر أنواع الضجة هو الصباحي. ذلك الذي يصادر منك حقك الشرعي والقانوني الذي يجب أن تتضمنه المواثيق الدولية: الحق بالنوم الصباحي ساعة إضافية.
عن نغمات الضجّة الصباحية/هشام نفاع
|هشام نفاع|
أحد الأصدقاء ادّعى مرة أن ذروة صفاء التفكير واردة في الصباح فقط، لأن ما يأتي لاحقـًا ليس أكثر من محاولات للصمود أمام مختلف نغمات الضجّة المتصاعدة.
هناك من أورد مرجعية تاريخية لمسألة صفاء الذهن في الصباح مستشهدًا بالسيّد فريدريك نيتشه الذي كانت الصباحات أكثر أوقات تفكيره إشراقـًا – حسب الرواة. صحيح أنه لم يتسنَّ لي التيقـّن من هذه المرجعية، ولكن هناك ما يوحي بالموافقة النظرية على خصوصية الصباحات، مع أنني أحاول ألا ألتقيها شخصيـًا إلا نادرًا..
ونغمات الضجّة هي مسألة حظّ كما يبدو، رغم أن إيماني بالحظ والنجوم والأقمار والسماء وسائر الأوثان يؤول إلى الصفر. أخطر أنواع الضجة هو الصباحي. ذلك الذي يصادر منك حقك الشرعي والقانوني الذي يجب أن تتضمنه المواثيق الدولية: الحق بالنوم الصباحي ساعة إضافية. وهو حق يـُنتهك بشكل طبيعي وكأنه أمر عاديّ.
فإما أن تنعم بالسكن على شارع رئيسي تتنوّع فيه الألحان الصاعدة من محرّكات شتى أنواع السيـّارات (التي يظنها بعض أصحابها ديسكوتيهات متنقلة)، او أن تقطن بجانب أناس شديدي اللطف، ولشدة لطفهم يدللون كلبهم كأحد الأبناء، وهو دلال جعل الأخ كلب يبالغ بعض الشيء، فصار يظنّ أنه عندليب، وقرّر الاعتياد على إطلاق صوته الرخيم بالنباح في كل صباح.
وهناك أيضًا: رنـّة اليوم، والتي تأتيك من الهاتف زاعقة كالأغاني الراقعة.
دائما أكره فيه هذه الثقة المفرطة بالنفس، فهو رتيب الصوت والرنين الى حدود تجعله يبدو مثيرًا للسخرية.. فسواء كان الأمر في منتصف الليل او منتصف النهار، في وسط النوم او في قمة الصحوة يتصرف بنفس الطريقة. يطلق نفس الرنين. لديه نفس الصوت (مهما تعددت النغمات للصاحبة والصاحب والماما وأبتاه). وأتخيل جهازًا أكثر لباقة يطلق رناته حسب نفسية صاحبه، بالضبط مثلما نتصرف نحن مع معارفنا. فلا يمكن ان تتحدث مثلا مع من فقد عزيزًا بنفس نبرة الصوت التي تفرفطها في العرس. شويّة نظر!
في ذلك اليوم، كانت رنات الهاتف متواصلة، وانضم اليها كلب الجيران، تطوّعًا، لتمتلئ أذناي بسلطة من الأصوات. وشعرت أن الهاتف النقال والكلب يتبادلان الأدوار. فالعلاقة مع الكلب ربما بدأت من ايام الغابة، حين كان الجميع يعيشون في نفس البيئة الطبيعية، أما اليوم وقد غابت الغابات فلا بد أن الأصدقاء المخلصين سيتغيرون أيضا: بدلا من الكلب ابن الغابات لدينا الهاتف المحمول ابن ثورة الاتصالات.. كلاهما مفيد وكلاهما يؤنس الوحشة، وكلاهما ينبح!
23 مايو 2011
“ذلك الذي يصادر منك حقك الشرعي والقانوني الذي يجب أن تتضمنه المواثيق الدولية: الحق بالنوم الصباحي ساعة إضافية. وهو حق يـُنتهك بشكل طبيعي وكأنه أمر عاديّ.”
خصوصي لما تكون معلن استقلالك التامّ مُكعْبـِشـًا تحت اللحاف في صباحات الشتاء الداكنة.