عميلة في مقهى تل-أبيب/ شيخة حليوى
“عربيّة في شمال تل أبيب” سيكون شعارا لدعاية انتخابيّة يساريّة فريدة من نوعها! في الطاولة القريبة منّي يجلس “أفيخاي أدرعي” الناطق بلسان جيش إسرائيل بالعربيّة، الوحيد الّذي كان وجهه أقبح من حرب غزّة، الوحيد الذي تكتسبُ العربيّة في فمه طعم القيء!
عميلة في مقهى تل-أبيب/ شيخة حليوى
<
|شيخة حليوى|
مقهى شمال تل أبيب ليس كأيّ مقهى خاصّة في ساعات المساء… قريبٌ من كلّ شيء، بعيد عن كلّ شيء.
هنا فقط تحتاج مَن يترجم لك قائمة الطعام رغم إنّها بعبريّة بسيطة…
في مقهى شمال تل أبيب يجلسُ أبٌ يراجعُ مع ابنه الصغير درسا في الإملاء، يشربُ القهوة ويسمّع لابنه كلمات بالعبريّة…
“بكَ وبدونكَ أستطيعُ العيش..”with or without you I can live
أغنية بالإنجليزيّة تنبعثُ من جهاز الموسيقى في المقهى. الأب يمنُّ على ابنه: “لقد ساعدتك في معظم الكلمات”، الابن يتذمّر: “لا، لا “الله” صنعته بنفسي، ” الله” صنعته بنفسي”.
الأب يصحّح ابنه وينظرُ إليّ بطرف عينه كأنّما ينتظرُ تأكيدا على ذكائه: “لا تقُلْ صنعته بل كتبتها… كتبت كلمة الله بنفسي…”. الابن يؤكّد لوالده: “لا، لا… الله صنعته بنفسي.” الأب يستسلم، الله لا يعترف بمقاهي تل أبيب. تتساوى هنا الكتابة والخلق.
في شمال تل أبيب مقهى يقدّم المجدّرة ضمن “الوجبات القوميّة”، وممثّل إسرائيليّ يلهو بأحجار مَسْبَحة عجميّة أصليّة، تُعينه على حفظ دوره غيبا. عن شماله يتحدّث صحفيّ من جريدة “هآرتس” مع وزير سابق عن مساوئ الاحتلال بينما يرتشفان القهوة.
في شمال تل أبيب المقهى ملتقى الفنّانين والسياسيين والمتشبّهين بهم والعالقين بين هذا الحلم وذاك والمتربّصين بهم جميعًا. إذا نظرت إليهم من قبيل الصدفة وليس لأنّك تعرفهم يتظاهرون بالانزعاج، وحين لا تنظر إليهم لأنّك لا تعرفهم ولا يعنونك بشيء ينزعجون بالفعل.
في شمال تل أبيب نادل المقهى يقدّم الخدمة للزبون وكلبه، وفيه فقط يحمل العاملون رتبا تُحاكي الرُّتب العسكريّة أو الأكاديميّة، فلكلّ نادل مساعد ولكلّ مساعد مُساعد. المراحيض يتقاسمها روّاد المقهى وزوّار مدرسة الفنون المُحاذية للمقهى، فتختلط رائحة القهوة برائحة الألوان والفخّار الطّريّ و…الغُربة في وجه عامل سودانيّ أو أريتريّ يتسلّلُ من الباب الخلفيّ للمقهى.
أجلس هناك ثلاث ساعات أنتظرُ ابني حتّى ينتهي من دورة الرسم، يدرسُ آليّات وتقنيّات الرسم وبعض استراتيجيّات المواجهة، وهي عنده تتلخّص بتجنّب الكلام مع بقيّة الطلاّب أو مخالطتهم. أحضرُ كتابا لا أقرأه، أحتسي القهوة. أنظرُ حولي، أصغي للناس وأكتب، أجري بعض اتّصالات هاتفيّة تكشف عن عروبتي التي يخفيها مظهري العادي. بعض الجالسين من اليساريين ينظرون إليّ ويبتسمون بنشوة غريبة، وجودي هناك في أقصى شمال تل أبيب هو “حصيلة نضالهم السياسيّ” في تحقيق المساواة على أرض الواقع. ينتظرون منّي كلمات شكر أو نظرات امتنان، أو أقلّه استخدامي في حملة اليسار في الانتخابات القريبة. “عربيّة في شمال تل أبيب” سيكون شعارا لدعاية انتخابيّة يساريّة فريدة من نوعها! في الطاولة القريبة منّي يجلس “أفيخاي أدرعي” الناطق بلسان جيش إسرائيل بالعربيّة، الوحيد الّذي كان وجهه أقبح من حرب غزّة، الوحيد الذي تكتسبُ العربيّة في فمه طعم القيء! يشتاق إلى غزّة تُعيد “مجده” الغابر الذي يغيب في عبريّته العاديّة جدّا. يُفسد على اليساريين خططهم!
بعضُ المشاهير يشكّون في أمري. هذه العربيّة قد تكون عميلة دولة عربيّة متآمرة على الوسط الفنّي الإسرائيليّ، أو مجنّدة من إيران لرصد الحركة الفنيّة والثقافيّة في قلب إسرائيل. يشعرون بالزّهو، يرفعون أصواتهم متعمّدين ويسترقون النظر إليّ. أضحكُ… أبدو غبيّة! يتأكّدون من ظنّهم.
“إنّها عميلة تتظاهر بالغباء”.
أكتبُ وأضحكُ…
24 أكتوبر 2014
خاطرة رائعة وعميقة تصف حال الفلسطينيين في الداخل في مشهد مبسّط، وتصف التناقض الذي يعيشه الاسرائلي تماما.مشكورة حلوة
26 يناير 2013
نحن أمام نص سردي رائع ينفتح على متخيل الكتابة ليؤسس الواقعي البعيد كليا عن صورة الواقع المباشر من هنا تنهض فنيته لتنتج منطق جمالية القراءة والتلقي للنص بناء على شكل الكتابة . النص لايحيل إلى واقع يعرفه القارئ كنسخة طبق الأصل وتلك إحدى خصائص الكتابة السردية الأدبية . فقوة النص في توسطه الفني لإزاحة تقريرية الواقع من خلال تدليل – دلالات – لانهائي للنص يصعب القول فيه بأحادية القارئ أي إننا إزاء نص يسمح بتعدد القراءة والتأويل . لأنه يتشكل كاختلاف وتناقض في بنياته التركيبية والدلالية وهو يحاول مقاربة واقع التفكك والتنافر والتعقد في انبنائه ابتداء من أقصى الفكر الصهيوني إلى أدنى تجلياته كاستيطان يومي ليس على الأرض فقط بل أيضا في اليومي المعاش لحظة بلحظة كأفكار وتصورات وعلاقات اجتماعية …مما يجعل كل المثيرات غير بريئة ولاحيادية بما في ذلك المقهى هي ذات فعالية استعمارية عنصرية …الإنسان الفلسطيني يعيش وسط حصار من التحيزات الصهيونية في الفضاء والزمن لذلك يجد نفسه في صراع مركب ومعقد…شكرا للكاتبة
26 يناير 2013
وهل يجب احتكار الكتابة على طبقة الفيرست كلاس لكي تُنقل صورة تقريرية تصيب قلب الواقع؟
بالعكس، فجمال المشهد هنا يكمن بشعبيته التي تلازم كل عربي في الداخل ببساطة ودون الغوص في تحليلات وما وراء المشاهد.
كاتبة المقال مشكورة نقلت للقارئ الغير واعي على واقعه حالة ترافقه أينما حرك عينيه دون أن يدرك أن وراء الاكمة ما وراءها.
دعونا نترقي قليلاً ولا نستقطب تابوهات اضافية، فما الخطورة في نقل صورة “ركيكة وتقريرية تضعف المضمون وتخدّر جمالية المشهد المركّب”؟
26 يناير 2013
لا أدري من أين أبدأ فساختصر
سكنت 5 سنوات في تل أبيب ولا زلت أزورها كل نهاية أسبوع….. ما تتحدث عنه الكاتبة بتصوير المقهى ليس حصري على الشمال بتاتاً … أما بالنسبة للنظرات وعميلة وعربية في تل أبيب كشعار فالأمر غير صحيح بالمرة
وهنالك عرب وعربيات في شمال ووسط وجنوب تل أبين من سنة سيدي يعني فيش اشي جديد إلا أنه يبدو انك اكتشفتيي تل أبيب مؤخراً وعاملي أشي من الموضوع وهو عادي جدا … لا يوجد ما هو جدير بالنشر …
25 يناير 2013
المعلق “ت”، للسرد أشكال عديدة، احدها هو السرد الذي تسميه تقريريًا، وهو ليس تقريريًا على أي حال، إنه التقاط شديد الحساسية للجو الذي يحيط بعربية في مقهى بتل أبيب، مع تعليقات غير تقريرية. النص هو خاطرة، وهذا أسلوب الخواطر. لا أفهم كيف كان يتوجب على الكاتبة أن تنقل المشهد لكي يكون بنظرك غير مبتذل.
25 يناير 2013
انا لم اقل ان هذه التدوينة ليست دليل على “وجود فلسطينيين يفهمون المشهد المركّب المعقّد ويحافظون على هويّتهم ووطنيّتهم رغم وجودهم في قلب المشهد”… التدوينة قد تكون ساخرة لكن الغلاف السردي “للسخرية” هذه ركيكة وتقريرية تضعف المضمون وتخدّر جمالية المشهد المركّب, وهذا حسب رأيي المتواضع, شديد الخطورة.
25 يناير 2013
الأخطر من ذلك المعلّق الكريم، ألاّ تستوعب أنّ هذه الرؤيا الثاقبة الساخرة الفاهمة للمشهد الإسرائيليّ وليست المبتذلة كما تدّعي هي دليل على وجود فلسطينيين يفهمون المشهد المركّب المعقّد ويحافظون على هويّتهم ووطنيّتهم رغم وجودهم في قلب المشهد!
25 يناير 2013
هناك ازمة واضحة في الوصف الابداعي والأدبي للحالة الاجتماعية السياسية لفلسطيني الداخل. هذه الخاطرة والخاطرة السابقة تحت عنوان “الى تل ابيب خذوني معكم” اخطر حتى من تغييب المشهد برمّته. النقل التقريري التبليغي لتداعي الوعي والافكار عند كلاكما يسقط ويذيب الخاصيّة السرديّة في فوهة الابتذال. ولابتذال علاقات القوى والمشهد الثقافي في حالتنا نحن الفلسطينيين خطورة اكبر من دبابة اسرائيلية.
مع كامل الاحترام.
الرجاء الحذر