“الزواج للجميع” والتحرر الجنسي. نحو استراتيجية سياسية أخرى
هذا الفصل بين التناسل واللذة الإيروتيكية كانت لاحقا العامل الأساسي لنشوء وحماية العائلة البرجوازية النووية كنموذج ومساحة خاصة بالتناسل. كذلك، العائلة البرجوازية أصبحت المكان “الشرعي” الوحيد للتناسل، بحيث تدين بدناءة كل ما كان يحصل خارج إطارها.
“الزواج للجميع” والتحرر الجنسي. نحو استراتيجية سياسية أخرى
| جيانفرانكو ريبوتشيني |
|ترجمه/الى العربية::: :: وليد ضو |
“إذا اكتفى المثليون بالمطالبة بحريتهم، فإن هذه المطالبة لوحدها لن تكون ثورية وبإمكاننا تخيل أنها ستدخل ذات يوم ضمن سياق تبنيه البرجوازية وكل نهج إصلاحي. وستكون إرادة العيش في جزيرة مثلية حرة عبثية، من خلال التخلي عن خوض الصراع ضد الاستغلال الاقتصادي والبنى الاقتصادية غير الشرعية” (جبهة المثليين للعمل الثوري، مجلة Tout، ٢٣ نيسان ١٩٧١)
قُدِم مشروع قانون يهدف إلى تشريع الزواج المدني للأزواج من الجنس نفسه إلى مجلس الوزراء والجمعية الوطنية الفرنسية حيث سيناقش في كانون الثاني ٢٠١٣. فالوعد الذي أطلق خلال الحملة الانتخابية لفرنسوا هولاند بدأ يسلك طريقه نحو التنفيذ. من دون شك أن المعالم الرئيسية للقانون لا تزال مبهمة، ولكن الأكيد أن جزءا من الوعود خلال الحملة الانتخابية للمرشح الاشتراكي إلى رئاسة الجمهورية لن يتم الالتزام بها. وما عدا أي تعديل تشريعي على مشروع القانون، فإن القانون الذي يشغل وسائل الإعلام بما خص الأزواج من النساء لن يدخل ضمن بنود هذا القانون الجديد. والنقاش الدائر في وسائل الإعلام بدأ يأخذ مجراه ضمن الرأي العام. فمؤيدو|ات ومعارضو|ات “الزواج للجميع” (والعبارة تخفي تمييزا جنسيا!) يتواجهون|ن في الصحف، وعلى شاشات التلفزة، وفي المواقع الالكترونية لجماعات الـم.م.م.م.، (مثل: http://yagg.com/، http://www.tetu.com/). وبدأ تشكيل جماعة ضاغطة من قبل الجمعيات المثلية القريبة من الحزب الاشتراكي.
هذه المعركة، المعتبرة مصيرية للحضارة، يشبهها البعض بإلغاء عقوبة الاعدام في عهد روبير بادينتر\فرنسوا ميتران [الأول وزير العدل خلال ولاية الثاني الرئاسية الأولى- الملاحظة من المترجم]، وتنحصر هذه المعركة ضمن إطار تشريعي وحقوقي فقط. إنها معركة تشريعية. وبالتأكيد من غير المقبول رفض هذا الصراع للمساواة في الحقوق، لكن المستغرب، مع استثناءات قليلة، أن الحجج تبقى ضمن مجال المساواة من الناحية الشكلية والرمزية.
ومن البديهي أن اعتراف الدولة وتشريع الأوضاع الزوجية، من زواج وبنوة، الحالية أو المستقبلية، تستحق أن تعالج تشريعيا وبمساواة.
وليس عادلا أن لا يحق لأشخاص التمتع بحقوق محصورة حتى اليوم بالغيريين|ات، ويتمنون التمتع بحق لا يتوفر لهم. ولماذا لا يطالبون به؟ فمسألة المساواة هي مسألة مهمة. وبعيدا عن قسم من اليسار الذي لا يهتم سوى بالقضايا الطارئة، كما يدعي الاتحاد من أجل حركة شعبية [الحزب الحاكم السابق]، فالمساواة أمام القانون والمطالبات الجنسية هي مسائل مهمة في فرنسا اليوم.
الهويات “الثقافية” المستقلة والبلاغة النيوليبرالية
نحن نعيش حاليا في حقبة ثورة مضادة للتحرر الجنسي وجزرا للحركات “الثورية”. أن تكون ثوريا اليوم، في موضوع الحريات الجنسية، عادة ما يتم تصنيفك تحت خانة المثالية، من خلال نبرة تحقيرية بكامل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ. فالزمن الحالي هو زمن الملموس، للوقائع ولإدارة “الواقعي”، وليس لليوتوبيا أو الثورة.
هل يجب حاليا الانسحاب من بلاغة “الإدارة”، هذه البلاغة النيوليبرالية التي تسيطر على كامل الخطاب السياسي، ومن ضمنه التقدمي، منذ ثلاثين عاما. تستكشف ليزا دوغان في كتابها الصادر عام ٢٠٠٣ بوضوح الأوضاع الحالية للحركات المطلبية، والكوادر النظريين-السياسيين الذين يتطورون منذ بدء “الثورة النيوليبرالية” خلال الحقبة الريغانية والتاتشيرية. والكاتبة تنطلق من معطى أن “اليسار التقدمي يتطور ويتوالد من خلال تعارُض الاقتصادي بالنسبة للثقافي، العالمي بالنسبة للهوية، التوزيع بالنسبة إلى الاعتراف، المحلي أو الوطني بالنسبة إلى العالمي، ويضيع وسط كل ذلك”. هذه التعارضات البلاغية، التي تعتبرها دوغان خاطئة ومضرة، هي نتيجة الصراع ضد السيطرة السياسية والثقافية التي فرضها اليمين وربحها خلال السبعينات والثمانينات عبر الفلسفة السياسية الليبرالية حيث فصلت الحياة الاقتصادية عن الحياة السياسية، والحياة الثقافية عن الحياة الشخصية. هذا الفصل الاصطناعي للاقتصاد عن بقية مجالات الوجود البشري يسعى عبر النظرية الليبرالية تقديم السوق والرأسمالية كأمر حيادي، وشفاف، وباعتبارها آليات تسير وفق طرق مستقلة بها، وبالتالي مفصولة عن النضالات لقضايا النوع الجندري، أو الهويات، أو الجنسية أو غيرها. هذه النضالات الأخيرة هي في الواقع قضايا ثقافية، وسياسة هوياتية، التي ضمن الإطار النظري-السياسي للنيوليبرالية، لا علاقة لها بالاقتصاد. الأمر الذي يشير إلى إمكانية فصل هذه المطالبات عن السياسة الأوسع في النظام الرأسمالي. هذه البلاغة النيوليبرالية تشدد بشكل عام على خلق مساحة ثقافية مستقلة من الداخل من خلالها تتصارع عدة هويات، وتتنافس من أجل الدفع نحو الأمام بمطالبها “المدنية” أو المواطنية التي تستطيع الدول، أو لا تستطيع، منحها بحسب “شرعيتها” أو “ملاءمتها” مع المرحلة. على سبيل المثال، وكما كتب جاسبير بوار (٢٠١٢) في كتاب ترجم جزئيا إلى الفرنسية، فإن الهويات الكويرية البيضاء في الولايات المتحدة قد جرى استمالتها وأصبحت بالتالي طيعة لأنها مندمجة في إطار انتماء وطني، ولأنها تساهم في ممارسة الإقصاء الموازي والمعاصر للهوية الذاتية للعرب والمسلمين، الذين يصبحون مثالا مضادا للمواطن الصالح. هذه الحالة المذوتة (الذاتية) تسعى، بلا شك، مع الدولة للتخلص من العناصر السيئة للمواطنية وللتمكن من تبرير ومتابعة دون أي عقاب سياستها الإمبريالية. وهذا الأمر بات ممكنا لأن “الحركات التقدمية اليسارية”، كما يسميهم دوغان، قد تماشت مع الخطاب النيوليبرالي، ولأن المعارك والمطالب تندرج جميعها حاليا ضمن إطار الهويات الثقافية المفترضة أنها متعارضة أو متنافسة.
العودة نحو المستقبل: الجبهة المثليين للعمل الثوري واستراتيجيتها الثورية
الحركات الثورية التي أعلنت خلال الستينات والسبعينات والثمانينات، احترام الحقوق والاعتراف بالهوية، فإنها قامت بذلك من خلال استراتيجيا سياسة حيث كان الهدف، إذا لم يكن إسقاط النظام البرجوازي، فأنها على الأقل سعت لتحقيق المساواة في الحقوق، مثل إلغاء القوانين المجرِّمة للمثلية الجنسية في فرنسا، كان ذلك ثمرة تفكير نظري وحاجة ملحة لإنقاذ الذات والمؤخرة! وهذه المطالبة انطلقت من تجربة حسية لرجال تعرضوا لمضايقات في أمكنة التلاقي والجذب العامة، التي تبدو من الخارج كمؤسسات تجارية. ويتعلق ذلك بالقدرة على البدء بالتنفس. لكن هذه المطالب السياسية كانت تشكل جزءا من خطاب أوسع للتحرر. ومن الملفت للنظر قراءة ما ورد عام ١٩٧١ في عدد خاص لمجلة الجميع (Tout) التي كانت تصدرها جبهة المثليين للعمل الثوري ويترأس مجلس تحريرها جان بول سارتر، أنه للهرب من مداهمات الشرطة حتى لو كان يمكن أن يكون الحل يشبه “غيتو علب الليل للمثليين… التي لا تحتوي على رجال الشرطة بطبيعة الحال، ولكن العلاقات مزيفة بين الناس. وعلبة الليل هي مملكة المال، فنرقص بين الرجال، ونتبادل التقدير بصفتنا سلعا، والمجتمع الغيري-الأمني يستولي علينا”. حتى مسألة الحماية الشخصية والاندماج المادي جرت أشكلتها (من إشكالية) مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الحلول التي يمكن تحدث ضمن النظام الرأسمالي. العدو هنا هو المجتمع “الغيري-الأمني”، هذا القمع المعقد الذي لا تعتبر عبره الدولة متواطئة إنما أحد ممارسيه الأساسيين. ونفهم جيدا أن جبهة المثليين للعمل الثوري تعتبر الدولة (الغيرية-الأمنية البرجوازية) ليست كوسيط نطلب منها الاعتراف بنا، إنما باعتبارها العدو الذي ينبغي إسقاطه أو على الأقل السيطرة عليه. التفكير حول التحرر الجنسي يتأسس في هذه الحالة على نقد الدولة الأمنية، للنظام البرجوازي الذي يستعمل “الشرطة” و”السجون” للمعاقبة والقمع. وبالنسبة لجبهة المثليين للعمل الثوري فإن “المثليين لا يدّعون أن معركتهم ضد جنسانية وثقافة البرجوازية يجب أن تكون في مقدمة الأولويات. إنما يعتبرون أن هذه المعركة غير مفصولة عن المعركة ضد الاستغلال الاجتماعي-الإقتصادي. لأن أحدهم دون الآخر يُبقي النضال من دون جدوى”.
وانطلاقا من موقف نضالي، فإن الجبهة تصل إلى نقطة سياسية جوهرية: الهويات “الثقافية” ليست ولا يمكن أن تكون خارج النظام الرأسمالي. بل على العكس، كما كتبت ليزا دوغان، في مجتمعاتنا “هرمية الطبقات والعرق، المؤسسات الجنسانية والجندرية، والعلاقات الإثنية والدينية، هي المسارات التي يعبر من خلالها المال، والسلطة السياسية، والموارد الثقافية والتنظيم الاجتماعي”. هذه الهرميات الاجتماعية وهذه المؤسسات “الثقافية” هي بجزء أساسي نتاج النظام الرأسمالي. من المهم هنا تحديد أن الرأسمالية لم تنتج الرغبة المثلية. فالممارسات الإيروتيكية بين أشخاص من الجنس نفسه موجودة في كل المجتمعات وفي كل الحقبات التاريخية. ما أنتجه هذا النظام هو التحكم بالجنسانية.
المثلية والغيرية الجنسية مؤسستان وعلاقات اجتماعية للجنسانية
التحليل المهم للمؤرخ جون ديميليو (١٩٩٣) حين أقام الصلة بين “المثلية الجنسية” وتطور الرأسمالية خلال القرن الثامن عشر. حيث أثبت كيف أن الرأسمالية الصناعية خلقت ظروف الفصل بين جنسانية الإنجاب وجنسانية اللذة، تبعا لتحولات عميقة أصابت المؤسسة العائلية. لأن العائلات فقدت دورها الانتاجي لصالح المعامل المؤسسة حديثا، بسبب دخولهم إلى سوق العمل (والانتاج بات يحصل خارج الإطار العائلي، حيث تمكن الأفراد من تجاوز بسهولة الروابط العائلية. الرأسمالية الصناعية خلقت ظروفا تمكّن الأفراد من تنظيم ممارسات إيروتيكية بطريقة مستقلة عن التناسل، وخارج الإطار العائلي. هذا الفصل بين التناسل واللذة الإيروتيكية كانت لاحقا العامل الأساسي لنشوء وحماية العائلة البرجوازية النووية كنموذج ومساحة خاصة بالتناسل. كذلك، العائلة البرجوازية أصبحت المكان “الشرعي” الوحيد للتناسل، بحيث تدين بدناءة كل ما كان يحصل خارج إطارها. وضمن هذا السياق، وبحسب ميشال فوكو (١٩٧٦)، فإن ظهور المثلية الجنسية باعتبارها “نوعا”، و”تخنثا نفسيا” حصل ضمن الخطاب السائد في وسائل الإعلام، وضمن الاجتهاد القضائي وفي النصوص الأدبية وذلك خلال القرن التاسع عشر في أوروبا. ففي هذه اللحظة وجد المثلي اسمه داخل الثقافة الغربية. والمثلية الجنسية أصبحت مؤسسة اجتماعية.
وهذا الأمر يعني أن المثلية الجنسية والغيرية الجنسية قد أصبحتا مؤسستين نشأتا ضمن سياق اجتماعي- اقتصادي محدد، داخل المجتمعات الرأسمالية الصناعية. هذه المؤسسات هي التي تحدد مسار التذرر الاجتماعي الحاصل حاليا، والمُمَيِّز هرميا المجموعات المُشَكَّلة “ثقافيا” بهدف تقاسم الثروات، المادية والثقافية والرمزية في وقت واحد. مثل العرق، والطبقة، والإثنية، والعمر، الهويات الجنسية تعمل كمحددات مميِّزة اجتماعيا. لا يتعلق الأمر هنا فقط بهوية أو ثقافة تستحق الاحترام أو حتى التسامح، إنما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية التي من خلالها يوزع مجتمعنا المصالح والميزات التي لا تحتل فقط مكانة رمزية إنما أيضا مكانة مادية. ولهذا السبب لا يمكن تحقيق أممية المثلية الجنسية. لأن كل المجتمعات لم تعرف، أو لم تعرف بعد، هذا التذرر الاجتماعي من خلال الجنسانية. والالتباس يمكن أن يحصل عندما نعتبر أن المثلية الجنسية والغيرية الجنسية هما هويات ثقافية، أو حتى أسوأ من ذلك، هويات نفسية. ولكن الالتباس بين الرغبة والمؤسسة الجنسية، التي نشأت في مجتمعاتنا ضمن الهويات، لا يمكن لها العمل إلا لأننا توقفنا النظر إلى الجنسانية كمؤسسة اجتماعية، والمثلية الجنسية والغيرية الجنسية كعلاقات اجتماعية للجنسانية.
إنطلاقا من ذلك وإنطلاقا من الأصل الجدلي للعائلة البرجوازية كمكان محدد للتناسل والمثلية الجنسية كمؤسسة (غير تناسلية [؟!]) بالعمق وأنطولوجيا خارجة عنها يمكن فهم لماذا كانت المؤسسة العائلية تعتبرها الحركات الثورية المثلية خلال الستينات والسبعينات واحدة من الأعداء الرئيسيين. ويمكن في هذا الإطار استعادة هذا التعبير لجبهة المثليين للعمل الثوري، “هل المثليون الثوريون جاهزون لبذل مجهود مهم: لفرض، وبشكل منافس لكل الثوريين، مشروعا يتمتع بمصداقية نحو عالم جديد. هذا لا يعني إلغاء الزيجات وخاصة العائلة، التي تصنفها الدولة كخلية وحيدة قابلة للحياة، وبقية الأشكال تعتبرها الدولة مسبقا غير واقعية أو ستؤدي إلى الفوضى. لم نفكر بشكل كاف لأي مدى، عندما تتهم المثليين بأنهم غير منتجين (للأولاد) أو يعطلون تناسل الجنس البشري، فإن المجتمع الرأسمالي يشكل من صورة الطفل الصورة نفسها للقيمة المضافة”. وأيضا “نريد تدمير العائلة والمجتمع لأنهما لطالما قمعونا!”
حقوق ومساواة. لكن لمن وكيف؟
إذا كانت حاليا، على العكس من المرحلة السابقة، حركة الـم. م. م. م.، أو على الأقل الفئة المسيطرة على الأخيرة، لا تريد تدمير العائلة، لكنها تريد على العكس الانخراط بها، من الضروري التساؤل عن مصدر هذا الانحراف بالموقف، والتساؤل عن نتائج هذا الانخراط والسياق التي يندرج ضمنه. إحدى الأجوبة التي يمكن تقديمها هو أن جزءا من الحركة المثلية، ومعها اليسار التقدمي، قد تبنى الخطاب النيوليبرالي لفصل “الثقافي” عن الاجتماعي. ومسألة المساواة يتم تقديمها باعتبارها الشكل الوحيد الممكن دون طرح مسألة إعادة توزيع فعلية. لا يعني هذا الكلام أن مسألة المساواة الشكلية لا تستحق أن تطرح، لكنها عليها أن تكون ضمن استراتيجيا تستهدف مجموع مسائل العلاقات الاجتماعية للجنسانية. ولا يمكن القول، كما فعل شيوعيو الحزب الشيوعي الفرنسي خلال السبعينات (وسنوات أخرى)، أن المسائل الجنسانية ثانوية، وأن التمييز سيزول مع الثورة الاشتراكية. لا أولويات في النضال. كل ما يقال هنا انه ينبغي عدم الاستسلام لوجهة النظر النيوليبرالية للعالم، حيث تنفصل نضالات الاعتراف عن نضالات إعادة توزيع الثروات، هذا الكلام هو استعادة للثنائية العزيزة على نانسي فرايزر (٢٠١١). ليس فقط لأن كل عنصر من هذه الثنائية لا يشكلان عناصر مستقلة ومقسومة، إنما لأنهما في الواقع واحد. وهذه الثنائية بالتالي لا وجود لها.
في حالة الزواج، فإن هذه المؤسسة ستمنح حقوقا جديدة للأزواج المثليين أو المثليات (لكن لا أحد يتحدث عن حقوق المتحولين|ات جنسيا ووضعهم الخاص أمام القانون)، بالنسبة إلى الحقوق فإنها أصلا متوفرة من خلال عقد المساكنة، وهي بشكل عام إمكانية أن يرث|ترث شريكه|ا وحق الأبوة الكاملة لابن|ة الشريك|ة المتوفى (ابنه|ا البيولوجي أو بالتبني). في الواقع، المؤسسة الزوجية تمنح حقا، أو بالأحرى، امتيازا، للشركاء إمكانية نقل أملاكهم دون وجوب دفع رسوم الانتقال، المفروضة على وريث|ة غير متزوج|ة (تصل إلى 60 بالمئة من قيمة الإرث). هذا الأمر يعني أن الزواج يمنح امتيازا لإمكانية انتقال الإرث دون دفع أي رسم. وما المطالبة “بالزواج للجميع” سوى توسيع لهذا الامتياز ليشمل الأزواج من المثليين والمثليات. وفي المجال الاقتصادي، الزواج يمنح إمكانية الحصول على الحقوق (الامتيازات) التي جرى تنظيمها من خلال عقود المساكنة. أما الأبرز في هذا الموضوع، وما يدفع بالعديدين لتنظيم عقد مساكنة هو امتياز التنزيل للمجموع الضريبي للثنائي نسبة إلى مجموع مداخيل كل شخص. وعقد المساكنة، كالزواج يعطي فرصة ضريبية لكل ثنائي.
كذلك، فإن أغلبية عقود المساكنة قد أجريت بين ثنائيين غيريين. وذلك يعود إلى سببين. فإذا كان ثمة فارق شاسع بين مداخيل الشريكين، بإمكان الثنائي دفع في بعض الحالات أقل بقليل من لو صرح كل شخص عن مدخوله بمفرده. على العكس لا يستفيد الثنائي الذي يتقارب مدخول كل منهما من نفس الامتيازات. ولكن، على ما يبدو أن أغلب من استفاد هم الأزواج الغيريون، حيث التمييز بين الأجور بين الرجال والنساء (النساء تتقاضين أجورا أقل بثلاثين بالمئة من تلك التي يتقاضاها الرجال) يلعب دورا أساسيا في خلق الظروف المؤاتية للتخفيض الضريبي الذي يوفره عقد المساكنة أو الزواج. وكما نعلم أن التجانس الاجتماعي (البحث عن شريك من الفئة الاجتماعية نفسها) وهي ميزة أساسية في تشكيل الثنائي (سواء كانوا غيريين، مثليين أو مثليات)، وكما أن الثنائي المؤلف من جندر جنسي واحد فإن عدم المساواة في الأجور على أساس جندري لا تلعب دورا هنا، لذلك فإن المثليين والمثليات لا يجدون في عقد المساكنة ما يلائمهم. على العكس من ذلك، الغيريون، وخاصة الرجال منهم، فإنهم يجدون مصلحة أكيدة في ذلك.
أكثر من ذلك، للاستفادة من هذا القانون، يجب أن تكون المداخيل كافية لدفع الضرائب. وإذا كنا لا ندفع الضرائب فإن عقد المساكنة لا يُستفاد منه اقتصاديا. لكن، وبعيدا عن الأحكام المسبقة المطلقة على المثليين (دينك- DINK: أجران ولا أولاد) فإن الأخيرين يربحون أقل من الرجال الغيريين. من جهة أخرى، المثليون والمثليات يعيشون في أغلب الحالات في ظروف اقتصادية هشة بسبب رهاب المثليين والمثليات، ويُحد تطور أجورهم بفعل الاستحالة المفروضة عليهم في الوسط الاجتماعي وفي الشبكات المتحكمة في عالم العمل الذي يغلب عليها الطابع الغيري. الوصول إلى عمل مستقر وذي أجر محترم، وإلى مسكن لائق، هو أكثر صعوبة على الأشخاص الذين لا يشاطرون الشروط الاجتماعية التي تجعل من الغيرية القضية المحورية. هذه الشروط هي بشكل أساسي بناء لشبكة علاقات مهنية الضرورية للترقي المهني والوصول إلى الوظائف الأعلى أجرا. على العكس من الصورة النمطية المطلقة على المثلي والمثلية باعتبارهما أغنياء، فإن قسما كبيرا من المثليين والمثليات يعيش في ظروف اقتصادية واجتماعية هشة نسبة إلى المجتمع الغيري.
والأكثر أهمية من كل ذلك هو واقع أن قسما كبيرا من المثليين والمثليات لا يعيشون معا!
الامتيازات التي يمنحها الزواج، بصفته مؤسسة، ينتج إذا تذررا اجتماعيا، تضمنه الدولة، بين الأزواج وغير المتزوجين، وأيضا، بين واقع الحال المعالج هنا، بين الثنائي الغيري والثنائي المثلي. إمكانية زواج المثليين والمثليات يستبعد فقط الفصل بين الأزواج من جنسانية مختلفة، وتبقى الحال كما هي بين المتزوجين وغير المتزوجين على سبيل المثال. أكثر من ذلك، هذه المؤسسة وقيمتها الذاتية تشجع تضييقا لاحتمالات بناء تضامن بين الأفراد. والثقافة المثلية، وبسبب التمييز القانوني والمادي الذي أصابهم ولا يزال، قد أنشأوا عدة مؤسسات تضامنية، ووسائل لتعزيز التقارب وتوسيعه، وأمكنة خاصة للتبادل، والدعم النفسي والروحي والمساعدة، ويبقى التضامن بين المتزوجين وغير المتزوجين يبقى غير قائم بسبب الإفقار المؤسساتي. إعادة الاعتبار لهذه التجارب يبقيه الإلحاح الدولتي خارج النقاش، كما تساهم المجموعات الـم.م.م.م. المهيمنة بذلك. استراتيجية سياسية قابلة للحياة، وحتى ظرفية، بالنسبة لمجموعات الـم.م.م.م.م.م. يجب أن تنطلق من هذه التجارب التي كانت، ولا تزال، غنية وقيمة ليست فقط بالنسبة للـم.م.م.م.م.م.، ولكن أيضا بالنسبة للمجتمع بأكمله.
معالم أولية من أجل برنامج آخر للإصلاحات
هذه الاستراتيجية، جزئية، ومؤقتة، وانتقالية (لأنها بكل حال من الأحوال لا تواجه بالعمق نظام السيطرة والانقسام الاجتماعي للعلاقات الاجتماعية للجنسانية)، وتنطلق من تجارب التنظيم الاجتماعي للـم.م.م.م.م.م، ويمكن أن تطالب الدولة أن تزيل التمييز القائم على الشكل الأوحد للثنائي، هذه المطالب يمكن أن تقوم، من بين غيرها، على:
أولا: توسيع الامتيازات الضريبية والحقوقية المحصورة حاليا بالمتزوجين لتشمل علاقات التضامن بين مجموعة الأشخاص وغير المتزوجين.
ثانيا: إمكانية اختيار حر لوريث|ة أو أكثر أو المستفيدين|ات أو أكثر من النفقة أو من إعانة الأرمل|ة دون أن يلزم|تلزم على الزواج.
ثالثا: إمكانية تبنٍ شامل للوصول إلى تناسل مساعد طبيا لكل فرد، أو ثنائي أو مجموعة أشخاص، وتبني نظام تمييز إيجابي للـم.م.م.م.م.م. من أجل التوازن مع الانحراف لرهاب المثلية داخل الإدارات العامة.
رابعا: الحق في التجميع “العائلي” وتوسيعه ليشمل أشكال التضامن بين الـم.م.م.م.م.م. دون أي يقوم ذلك تحت عنوان “الحب” وأن يفرض عليهم البرهان والوعد بالمشاعر المتبادلة والوفاء.
خامسا: وضع موضع التنفيذ لخدمة عامة مختصة باستقبال وإقامة طارئة ولوقت طويل للـم.م.م.م.م.م. وكما هو معلوم فإن ظاهرة المشردين من الم.م.م.م. هي واقع مهم بفعل الرفض واللاستقرار الناتج عن رهاب المثليين والمثليات والمتحولات جنسيا، فتخصيص ملاجئ للم.م.م.م. هو في الواقع مسألة جد ضاغطة.
سادسا: تحديد سياسة إسكانية عامة تقوم على التمييز الإيجابي تفسح في المجال للـم.م.م.م.م.م. للحصول على جزء من المساكن الشعبية.
سابعا: الوقف الفوري للقوانين التي تعاقب العمل الجنسي والقوانين المضيقة على عاملات الجنس والتي تنكد حياة من هو أصلا يعاني من ذلك حيث يشكل الـم.م.م.م.م.م. قسما كبيرا. تنظيم العمل مع إقامة التوازن بين العمل الجنسي وبقية أنواع العمل، مع تأمين مختلف الضمانات والحمايات ضمن قانون العمل.
ثامنا: إلغاء الحصانات الطبية وفرض سياسة عامة للصحة مجانية وتأمين صحي للجميع دون المرور عبر شركات التأمين.
تاسعا: خلق خدمة عامة للـم.م.م.م.م.م. الكبار السن الذين|اللواتي يكبرون|ن في أغلب الأحوال لوحدهم|ن. وضع موضع التنفيذ لبيوت تقاعد حيث يمكن للـم.م.م.م.م.م. من تنظيم أنفسهم|ن وفتح النقاش حول الانحرافات المميزة جنسيا للنظام الحالي وخلق مساحات خاصة للتآلف المثلي، والمتحول جنسيا…
عاشرا: تأمين الحد الأدنى للأجور للفئة العمرية التي تتراوح بين ١٤- ١٦ سنة، ويسمح للـم.م.م.م.م.م. بالعيش بكرامة والتخلص من عدم الاستقرار وعدم الاستقلال للفئة العمرية الشابة، والذين يخضعون|ن في بعض الحالات لضغوط عائلية.
فرض سياسة ضريبية تقدمية وإعادة النظر بتوزيع الثروات والانتاج، تجاه العمل وتسمح بإقامة خدمات عامة، يجب أن تكون ضمن أولوية مطالب أية جبهة سياسية ولاستراتيجيا الـم.م.م.م.م.م.
استراتيجية تحررية أخرى ممكنة!
مسألة المساواة لا يمكن طرحها بطريقة شكلية. لأن النضالات للاعتراف فقط بحقوق الـم.م.م.م.م.م. يخشى أن تمنع التفكير باستراتيجيات التحرر الحقيقية. أكثر من ذلك، استراتيجيا شاملة تأخذ بعين الاعتبار مجمل الحاجات والنضالات من أجل مجتمع ومؤسسات أكثر عدلا ومساواة، يمكن أن يشكل وسيلة ثمينة لخلق تحالفات وتوافقات مع مجموعات وقطاعات من الشعب الذين قد يتلاقون حول نفس المطالب.
هناك أمثلة عديدة لهذه التحالفات. كما حصل في يوتاه في الولايات المتحدة (ولاية جمهورية وجد محافظة في مسألة الجنسانية) على سبيل المثال، فحركات ومجموعات الم.م.م.م. في سالت لايك سيتي ( وخاصة “إيكواليتي يوتاه”) فازوا معارك هامة تعني الحقوق الاجتماعية والصحية ولكن أيضا من أجل الاعتراف بشكل شرعي بالاقتران المدني، من خلال تبني استراتيجيا موسعة. خلال الحملة الانتخابية لعام ٢٠٠٩، أثبتت هذه الحركات أن مطالبها لا تقتصر فقط على الوسط الـم.م.م.م.م.م.، واستطاعوا التوصل إلى توافق سياسي لأنها لم تقتصر على المطالبة بالحقوق، لكنها استطاعت خلق صلات مع مطالبات بالاعتراف وإعادة التوزيع الذين استطاعوا إقناع الحاكم من الحزب الجمهوري جون هانتزمان والسكان في يوتاه الذين هم في معظمهم من المورمون. وهو نصر مرموق في الولايات المتحدة حيث يوجد قانون فيدرالي يسمى “سوبر دوما” الذي يمنع أي نوع من القوانين التي تعترف بالأزواج المثليين، هذا القانون سبقه قانون آخر “دوما” (قانون الدفاع عن الزواج) عام ١٩٩٦ الذي يعرف الزواج باعتباره اقتران رجل بامرأة.
في هذا الإطار، جمعية القوس (للتعددية الجنسية والجندرية) في فلسطين تلتزم منذ سنوات في الصراع من أجل التحرير الوطني وتشارك بفعالية في حملات الـBDS (المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل) وضد الحملة التي تقوم بها الحكومة الإسرائيلية لتبييض وجهها أمام المجتمع العالمي وغسل جرائمها ضد المجتمع الإسرائيلي المعروفة بـ(Pinkwashing). وجمعية حلم في لبنان التي ظهرت علنا عام ٢٠٠٣ خلال المظاهرات المناهضة للحرب على العراق وحمل أفراد مثليون في هذه التحركات أعلام قوس القزح [قدمت الجمعية العلم والخبر لوزارة الداخلية اللبنانية في ٤ أيلول ٢٠٠٤- التوضيح من المترجم]. الاستراتيجيا المعلنة من قبل حلم كانت دائما الوضوح السياسي والتضامن إلى جانب حركات سياسية أخرى. عام ٢٠٠٦، كانت حلم من أوائل المنظمات التي تحركت علنا ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان. في هذه المناسبة، شاركت في تأسيس “صامدون” مع غيرها من المنظمات الطلابية، واليسارية، والمناهضين|ات للحرب، والمناصرين|ات للبيئة، والمنظمات الفلسطينية، الذين عملوا بنشاط خلال الحرب لتأمين الملجأ، والعناية والمساعدة للشعب الهارب من الصواريخ في بيروت.
في فرنسا كذلك هناك جمعيات تصارع من أجل استراتيجيا أشمل التي لا تركز فقط على المساواة الشكلية. أكت-أب والفهود الزهر هم من الأمثلة على ذلك. لكن الحركات الـم.م.م.م. المسيطرة تركز عملها حاليا على المساواة الشكلية. ومسألة الزواج يبدو أنها تحتكر كل الطاقات ومساحات النقاش والنضال، وفارضة تأجيل إلى وقت آخر مسألة التحرر والعدالة الاجتماعية. ولكن سياسة “الوقت الآخر” وهرمية النضالات كانت دائما مقتلا لكل حركة. وإذا كان برنامج العمل فرضَهُ من يعتبر أن التحرر الاجتماعي قد يشكل مسا بامتيازاته ومصالحه، هناك دائما “الوقت الأول” لما هو أهم.
حان الوقت لإعادة التفكير باستراتيجية شاملة تسمح بتحويل المجتمع والدولة ليصبح أكثر عدلا ومن خلالها يمكن للتحرر والعدالة الاجتماعية أن تعبر حقا عن الجميع.
المراجع والمصادر:
D’Emilio John, « Capitalism and Gay Identity », in H. Abelowe, M. A. Barale & D. Halperin (eds.), The Lesbian and Gay Studies Reader, New York, Routledge, 1993, 467-476.
http://www.tetu.com/actualites/france/virginie-despentes-repond-a-lionel…
Duggan Lisa, The Twilight of Equality, Boston, Beacon Press, 2003.
FHAR, « Libre disposition de notre corps », Tout !, n°12, 23 avril 1971.
Foucault Michel, La volonté de savoir, Paris, Gallimard, 1976.
Fraser Nancy, Qu’est ce que la justice sociale ? Reconnaissance et redistribution, Paris, La Découverte, 2011.
Laurent Thierry et Mihoubi Ferhat, «Moins égaux que les autres ? Orientation sexuelle et discrimination salariale en France », document de recherche EPEE (Centre d’Études des Politiques Economiques de l’Université d’Evry), 10-05, en ligne : http://www.univ-evry.fr/modules/resources/download/default/Recherche/Les…, consulté le 12 novembre 2012.
Perreau Bruno, « Le mariage pour tous est-il “straight” ? », Libération du 4 octobre 2012, en ligne : http://www.liberation.fr/societe/2012/10/04/le-mariage-pour-tous-est-il-…, consulté le 6 octobre 2012.
Weston Kath, Families We Choose. Lesbians, Gays, Kinship, New York, Columbia University Press, 1997.
Zarestsky Eli, Capitalism, the Family, and Personal Life, New York, Harper & Row, 1986.
http://www.u-m-p.org/actualites/espace-presse/mariage-homosexuel-la-stra…
http://www.tetu.com/actualites/france/virginie-despentes-repond-a-lionel…
www.univ-evry.fr/modules/resources/download/default/Recherche/Les%20labo…
Pour le cas états-unien voir entre autres, Kath Weston, Families We Choose. Lesbians, Gays, Kinship, New York, Columbia University Press, 1997.
www.liberation.fr/societe/2012/10/04/le-mariage-pour-tous-est-il-straigh…
Lisa Duggan, « What’s Right with Utah », The Nation, 24 juin 2009.
المصدر: contretemps
المصدر العربي: المنشور