الفلسطينيون هم اصحاب الحق في الدفاع عن انفسهم/ شيمس ميلن
الولايات المتحدة وبريطانيا تقفان خلف العدوان الاسرائيلي على غزة. العدالة تتطلب تغييرا في ميزان القوى على الأرض
الفلسطينيون هم اصحاب الحق في الدفاع عن انفسهم/ شيمس ميلن
>
|شيمس ميلن|
|ترجمة: سوار عاصلة- خاص بقديتا|
الطريقة التي امتَدح بها السياسيون والإعلام في الغرب العدوان الاسرائيلي على غزة، تدفع للظن بأن إسرائيل تواجه هجوما غير مبرّر من قوة أجنبية مسلّحة بشكل جيّد. وقد صرّح الرئيس أوباما: “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، “لا يمكن لأيّ دولة في العالم أن تتسامح مع الصواريخ التي تنهال على مواطينها من خارج حدودها”. وردد وزير خارجية بريطانيا وليام هيج صدى حديث أوباما، الذي أفاد بأنّ حماس تتحمل المسؤولية الرئيسية عن قصف إسرائيل للسجن المكشوف، ألا وهو غزة. في غضون ذلك، ردّد معظم الإعلام الغربي ادّعاء إسرائيل بأنّ عدوانها يأتي ردًا على الهجمات الصاروخية من جانب حماس، حيث تحدثت قناة “بي بي سي” بشكل مُملّ عن صراع “الكراهيات القديمة”.
في الواقع، يوضح استعراض تسلسل الأحداث على مدار الشهر الماضي أنّ إسرائيل لعبت الدور الحاسم في التصعيد العسكريّ: بدءًا بهجومها على مصنع الأسلحة في الخرطوم، والذي بحسب التقارير يزوّد حماس بالاسلحة، مرورا بقتل 15 مقاوما فلسطينيًا في أواخر تشرين الأول، وإطلاق النار على فلسطيني معاق ذهنيا في مطلع تشرين الثاني، وقتل فتى يبلغ من العمر 13 عامًا في غارة إسرائيلية، ثم الحادثة الحاسمة الاربعاء الماضي التي تم خلالها اغتيال قائد الجناح العسكري في حماس احمد الجعبري، تزامنا مع مفاوضات على هدنة مؤقتة.
لرئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتانياهو، الكثير من الدوافع لبدء جولة سفك دماء جديدة، من ضمنها اقتراب الانتخابات (الهجمات العسكرية على الفلسطينيين هي مقياس يقترن باستطلاعات الرأي قبل الانتخابات الاسرائيلية)، الحاجة لاختبار الرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، ممثل الأخوان المسلمين، والضغط على حماس لإخضاع غيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية، وفرصة تدمير مخازن الصواريخ قبل أيّ مواجهة مع إيران، واختبار نظام القبة الحديدية الدفاعي الجّديد لإسرائيل.
بعد 6 أيام من العدوان المتواصل الذي نفذته رابع أكبر قوة عسكرية في العالم ضد اكثر مناطقها بؤسا وازدحاما بالسكان، بلغت حصيلة القتلى الفلسطينيين 130 قتيلاً على الأقل، يقدر نصفهم من المدنيين، إضافة الى 5 اسرائيليين. وزير الداخلية الاسرائيلي، إيلي يشاي، أكد في تصريح له أنّ الهدف هو “إعادة غزة إلى العصور الوسطى”.
قد لا يتجاوز سفك الدماء حتى الآن الحدّ الذي وصل إليه في عملية “الرصاص المصبوب” سنة 2008-9، التي خلّفت 1400 قتيل فلسطينيّ خلال ثلاثة أسابيع، إلا أنّ القضية ليست مجرّد من بدأ ومن قام بالتصعيد، او حتى انعدام التكافؤ الساحق في هجوم عسكري إسرائيلي آخر (إلى ما قبل المواجهات الاخيرة، حيث وصل عدد القتلى الفلسطينيين الى 314 منذ سنة 2009، مقارنة مع 20 قتيلا من الاسرائيليين).
تصوير إسرائيل كضحية لها كامل الحق في أن “تدافع عن نفسها” ضدّ هجوم من “خارج حدودها” هو بحدّ ذاته تحريف مستغرب للواقع. في نهاية المطاف، إسرائيل كانت على مدار 45 عامًا سلطة احتلال غير قانونية في الضفة الغربية وغزة، حيث معظم السكان هم من عائلات لاجئين طردوا سنة 1948 ممّا تعرف اليوم بإسرائيل.
بالرغم من انسحاب اسرائيل من مستوطنات وقواعد عام 2005، الا أنّ قطاع غزة ما زال تحت الاحتلال فعليا وقانونيا- وكذا هو معرّف أيضًا بحسب الأمم المتحدة. تسيطر اسرائيل على الحدود البرية والبحرية والمياه الاقليمية لغزة وثرواتها الطبيعية، ومجالها الجويّ ومحطات الطاقة والاتصالات. مارست اسرائيل الحصار على غزة منذ استلام حماس للحكم عام 2006-7، وقيّدت حرية التنقل والموادّ والتموينات الغذائية من والى خارج القطاع – الى حد حساب وتحديد 2.279 سعرة حرارية للفرد من أجل أن تبقي أهل غزة على نظام حمية نموذجيّ، وما زالت تحتل القطاع بين الحين والآخر على أهوائها.
لهذا فأهل غزة هم شعب خاضع للاحتلال ويملك الحقّ في المقاومة، بما في ذلك القوة المسلحة (لكن من دون استهداف المدنيين)، بينما إسرائيل هي قوة احتلال ملزَمة بالانسحاب وليس الحقّ في الدفاع عن اراضيها التي تسيطر عليها او تستعمرها بالقوة العسكرية.
حتى لو انهت اسرائيل احتلاها بالفعل عام 2005، فأهل غزة هم فلسطينيون وأرضهم التي تشكل 22% من فلسطين التاريخية المشروعة للدولة الفلسطينية والمرهونة بإنسحاب اسرائيلي من الضفة الغربية المحتلة وشرق القدس. للفلسطينيين الحق بالدفاع عن نفسهم والتسلح على ارضهم، سواء شاؤوا ممارسة هذا الحق ام لم يشاؤوا.
عوضا عن ذلك، الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى أوروبية أخرى موّلت وسلّحت ودعمت الاحتلال الإسرائيليّ، بما فيه الحصار على غزة، وهي وفعليا تمنع الفلسطينيين من الحصول على اسلحة تمكنهم من حماية انفسهم امام غطرسة الجيش الاسرائيلي.
ليس من المستغرب ان القوى ذاتها التي مارست الغزو والاحتلال والتدخل في العالمين العربي والاسلامي على مدار العقد الاخير، أن تقف بثقلها وراء إسرائيل التي تمارس ذات الشيء على عتبتها. ليست الصواريخ الفلسطينية ما يمنع اسرائيل من رفع حصارها وتفكيك مستوطناتها غير القانونية أو الانسحاب من الضفة الغربية وغزة، بل هو الدعم المطلق من جانب الولايات المتحدة والغرب الذي يمنح اسرائيل الحصانة.
مهما كانت دوافع الحكومة الإسرائيلية لإنهاء صراع الأسبوع الماضي، الا انه على ما يبدو عاد بنتائج عكسية. ولاول مرة منذ انطلاق الثورات العربية تكون القضية الفلسطينية في مركز الاحداث.
تأثرا بموجة التغيير وتعاظم التأييد في المنطقة، استردت حماس مصداقيتها كحركة مقاومة، والتي كانت قد بدات تتلاشى عام 2009، وعزّزت قوتها مقابل قيادة السلطة الفلسطينية برام الله والتي تتضاعف الثقة فيها باستمرار. اتساع نطاق الصواريخ بعيدة المدى التي وصلت تل-ابيب والقدس بدأ بتغيير ميزان الردع الذي كان احادي الجانب بشكل ساحق.
الهدنة التي تداول بها يوم الثلاثاء (20 تشرين الثاني الجاري) سوف تؤكد بحسب التقارير تَحمّل حماس مسؤولية تسليح القطاع وكسر الحصار بشكل بعيد الاثر، وفتح معبر رفح على حدود مصر للبضائع والناس. بالرغم من ذلك، لا يبدو أنّ هذه هي الصفقة الامنية طويلة الامد التي ارادتها اسرائيل مع حماس، والتي ستحمل معها خطرا بتعميق الانقسام الكارثيّ بين الضفة الغربية وغزة.
إنّ أيّ وقف لما حصل من قصف وموت ومعاناة في الأسبوع الماضي يجب أن يكون موضعَ ترحيب. لكن وقف إطلاق النار لن يمنع اندلاعًا آخر للعنف. ومهما يكن الاتفاق في نهاية الأمر، إلا أنه لن ينهي الاحتلال الإسرائيليّ واستعمار الأرض الفلسطينية أو حرب السلب والتجريد ضدّ الشعب الفلسطيني. هذا الأمر يتطلب ضغطا متواصلا على قوى الغرب التي تدعمها لكي تغيّر نهجها. ولكن أهمّ ما يتطلبه الأمر هو تغيير موازين القوى على الأرض.
.