الوعي الشّقيّ: قراءة هيجلية/ هشام روحانا
على أنّ هذا الاعتراف المُرتَجَى من الذاتِّ، ليس له أن يتحقق إلا بخوضها معركةً تكون هي فيه مستعدة للموت حقا، ذالك من أجل أن تحوز اعتراف الآخر بها
الوعي الشّقيّ: قراءة هيجلية/ هشام روحانا
|هشام روحانا|
تعي الذّات (الـ ما قبل حداثية) ذاتها، بالتوسّط من خلال التماثل مع رموزها المقدسة، وكذلك يفعل الشعب. وهي إذ تفعل هذا فإنها تفعله لأنها لا تجرؤ على أن تَنسب لنفسها قيمةً مُتساميةً في هذا العالم الدُنيوي، فتنسِبها بالإزاحة (Displacement) إلى عالم رُموزها المتعالية، أي إلى ذاك المقدس المفارق لوجودها الواقعي. وبما أنّ هذا الوجود الآنيّ وجود تعيس فإنها تهرب منه إلى عالم عُليوي هي منه دونه. فيغدو هذا الوعي وعياً شقياً، أي وعياً مُغترباً عن ذاتها في تحققها الموضوعي في هذا العالم الدُنيوي البائِس.
ومن الناحية الفعّلية يكون هذا الوعيّ وعيَ العبد المُنكفئ عن العمل، بما هو جوهر وجوده الفعليّ؛ فبالعمل نفسه يغدو العبد سيداً مُعترفاً به، من خلال التغيير الذي يحدثه في الطبيعة، أي في وجوده المتحقق فِعلاً. وهو قبل هذا ما يزال الوعي الذي لم يحقق بَعد ذاته، بتغيّرها. وهذا الوعيُّ الذي لا ينفك إلا أن يكون وعياً كلامياً لا يفعل في الطبيعة ما هو مطلوب منه أن يفعله، أي أن يغيّرها، فالذات لم تفلح بعد في حيازة حريتها، وجودا متحققا موضوعياً بالعمل، ولهذا فإنّ وجودها هو وجود العبد لا يرتفع من الوجود “بالكلام” إلى الوجود “بالعمل”.
على أنّ هذا الاعتراف المُرتَجَى من الذاتِّ، ليس له أن يتحقق إلا بخوضها معركةً تكون هي فيه مستعدة للموت حقا، ذالك من أجل أن تحوز اعتراف الآخر بها. إلا أنّ هذه الذات هي ذات ما قبل حداثية تواجه آخراً مخترعا. هو آخر ليس بآخرها هي بالذات، فآخرها الحقيقي لا يعدو عن أن يكون إلا سويتها المتحققة حريةً بالعمل، أو هو آخر كانته هي في زمن ولى ومضى، لترُوز نفسها أمام هذا الآخر الذي كانته يوماً فتجدها في فوات عظيم. فلا يلتئم جرحها النرجسيّ إلا بآخر مخترع، لا يعدو عن كونه آخرَ قد حقق سيادته دونها، وبالضدّ منها، فهو إذًا غير معنيّ بها تماماً. فهي (أي الذات) تأتي إلى معركة مَخِيلتها، أو قُل سيادتها (Prestige) متأخرة دونها. وهو (أي هذا الآخر المخترع) لا وجود له أمامها إلا في مُخيلتها، فوجوده المتحقق هو وجود السّيادة التي لا تُنازِل العبيدَ بل الأسياد. وفي أنسداد أٌفقه الوجوديّ [بما هو وجود قد تحقق فانتفى]، المنغلق على ذاته عنصرياً، يلاعب هذا المعتبر من قبلها سيداً هذه الذات المثلومة، متلاعبا برموزها متطاولاً على مقدساتها.
مَنظُوراً إليها على أنها دونٌ، تلقي الذات بعيوبها على العالم الواقعيّ وكذلك تفعل النفس الجملاء (Beautiful Soul)، لتقف أمام مأزقها الوجوديّ هو بالذات. فإمّا صراعٌ على حُرمة الرمز لا تستطيعه، ذلك أنّ وجودها هو وجود “بالكلام”، أو صِراع تستطيعه بانتقالها منه إلى الوجود “بالعمل”، أي إلى الوجود المتحقق حُريةً، ولهذا فإنّ صراعها هنا هو صراع إجتماعيّ ثوريّ. دونها أن تستعيد ما قد صار مُلكاً للرمز، لتغدو هي في ذاتها متحدة مع رمزها الذي لا يساء له إلا لفرط عبوديتها هي بالذات.
(17-09-2012)