إطالة نزيف سوريا، والمستفيدون!/ هشام نفاع
البعض اختار تحويل القرصنة السياسية إلى معيار قاموا بموجبه بتنظيف ساحة النظامين الدمويين وتنصيبهما ذخرًا للعروبة الثورية المقاومة. وكأنّ هناك مقاومة مع شعب مقطوع اللسان ومقصوم الظهر
إطالة نزيف سوريا، والمستفيدون!/ هشام نفاع
>
|هشام نفاع|
حين كنّا في أوج الحراك الاحتجاجي الشعبي العربي، مطلع 2011، تساءلنا بعد تونس ومصر: “على مين الدور؟”.
الأخبار المتناثرة، حينذاك، عن تحرّك في سوريا قوبلت بقليل من الثقة، وبكثير من الخشية مما قد يفعله النظام. بورصة الاحتمالات توجّهت لدى البعض نحو المغرب العربي، الجزائر خصوصًا، لكن ليبيا كانت أسرع.
مثل النظام السوري تقريبًا، اختار النظام الليبي “الحل” الأمني. هذه حدود عقليته، كأيّ دكتاتور و”أسرة حاكمة” (وما أحقر هذا المفهوم). ومثله تقريبًا، وفّر الفرصة للمتربّصين بفرص سفك الدم والهيمنة كالضباع المتربصة للجّيف.
حين كان اليساريون والوطنيون والتقدميون و”الأوادم” عمومًا يجرون الحسابات بمبدئية وحماسة، كانت أدوار السياسات الدولية العليا، ومجروراتها العربية –الخليجية منها خصوصًا– تجري حساباتها هي أيضًا. تفاوتنا في الحسابات لكنهم فاتونا في الممارسات، لأنّ عتادنا “شوية دم وضمير” وعتادهم بترودولار وسلاح وتآمر.
دخول قراصنة الامبريالية وزعامات النفط المنهوب من شعوب العرب، أسقط القذافي ونظامه. ولا زال قراصنة الدماء يحاولون إسقاط بشار الأسد ونظامه. لم يسقِطوا الأول (مباشرة) ولا يقاتلون الثاني (بالوكالة) حبًا وحرصًا على حرية ولا ديمقراطية. لا. بل طمعًا في الهيمنة مهما كان الثمن بعملة الدم والخراب. بهذا المفهوم: نعم هناك مؤامرة، لكنها ليست جديدة، بل قائمة، دائمة، وقديمة، لذلك فلا “فتاحة” بترديد لازمة المؤامرة.
في هذه الأثناء تم استكمال التآمر على اليمن ولا يزال التآمر على البحرين جاريًا. والصمت هنا يلفّ الموقف.
البعض اختار تحويل تلك القرصنة، التي كان يجدر بالعقل والتجربة توقّعها، إلى معيار قاموا بموجبه بتنظيف ساحة النظامين الدمويين وتنصيبهما ذخرًا للعروبة الثورية المقاومة. وكأنّ هناك مقاومة مع شعب مقطوع اللسان ومقصوم الظهر. وهناك من أسرف فقام بقراءةٍ بأثر رجعي وبنكوصٍ أكروباتي ليفتي لنا من علياء نظرته التقدمية: ما هذه الثورات العربية إلا فصول في المؤامرة، فكفّرها؛ كفّر كل الصدق الخالص في ملايين الصدور العربية التائقة إلى كرامة وحرية ومعنى لأن تكون.
بدلا من الاجتهاد لفهم وشرح ظروف سرقة الثورة من شباب العرب لشباب العرب، والتفكير في سبل مقاومتها، اختار بعض كسالى اليسار والتقدميّة “الموت الرحيم” لحراك الشباب والشعوب. خنقوه في مهده بحرصهم على منظومات أيديولوجية مرسومة، كالسلفيين في هذه الحالة، بالأسود والأبيض.
لقد جرت مياه (ودماء!) كثيرة في نهر العرب 2011 و 2012، وصارت عملية القرصنة الغربية-العربية الرجعية المشتركة ضد الحراك الثوري العربي، أكثر جلاء وسفورًا. لم يقف القراصنة في وجه التحرّك، فهُم أذكى من ذلك، بل حاولوا -وما زالوا يحاولون- إفساده، خطفه وسرقته. ولكن بالمقابل، بدلا من أن يتعاون ويجتهد أصحاب المصلحة المشتركة وسكان الخندق السياسيّ الواحد من الثوريين ومناصريهم ليواجهوا محاولة قنص الثورة وسرقتها، فقد فعلوا ما فعله اليسار وحلفاؤه على مرّ التاريخ الحديث: اختصموا واقتتلوا على “قداسة التحليل” وتركوا القراصنة يواصلون بكل هدوء وسلاسة ولؤم نهبهم ثورة شعوبنا.
سوريا تنزف. لا واشنطن ولا حلفاؤها يستعجلون الحسم. الهدف هو إطالة عمر الأزمة والنزف لأنّ مكسبهم سيكون عندها أكبر: ليس إسقاط النظام، بل إسقاط الدولة والبلد معًا. فهذا هو الهدف في النهاية
بدلا من التفكير –ولو بأداة أضعف إيمان القلب واللسان– بكيفية مواجهة ما يتفاقم ويتعثّر ويتعسّر، انقسم فريق احتياطيّ الثورات السياسي والفكري، فارتحل فخذُ منه صوب النظام بعناق دببة، حتى لو جاوروه في أقبية المخابرات والعذاب، وهرول آخر نحو معاداة النظام كهدف مقدّس، حتى لو جاورهم في الخندق النقيض متسلحون بمال وسلاح أمريكي وسعوديّ. فهكذا هي الحياة لدى اليسار العربي الأعور: عيون عاجزة سوى عن قشع لونيْن لها لا ثالث لهما في طيف الشمس. وهكذا ضلع ثوريّون أيضًا في فعل كسوف شمس الحرية التي انتظرناها، تغنّينا بها وغنينا لها مرارًا بحرارة سابقًا.
لقد نقل اليساريون والوطنيون والتقدّميون والمتعقلون عمومًا الحربَ إلى ديارهم المتواضعة. وهكذا أدّينا، بغباء، الفريضة بخشوع علمانيّ. لم تردع هذه المعركة الجانبية المُدارة بنيران صديقة بيننا أيّا من طرفيّ الحرب “القديمة” الدائرة لتكريس القديم: لا ردع مخابرات النظام وأذرعه الشرسة عن المضيّ في غيّ “الحلّ الأمنيّ” المستقدِم بنفسه أيضًا قراصنة النهب، ولا صدّ الإمبريالية الغربية وحجارة شطرنج العمالة العربية عن إفساد الحراك الشعبي العادل بواسطة مال وسلاح أعداء الشعوب العربية، سواء المتبجّحين منهم بمقاومتهم للذوْد عن الثورة (بمعاش نفطيّ الرائحة) أو الزاعمين بجهادهم لاستكمال مآلها (بتمويل/تسليح بنفس الرائحة).
هكذا غاب السؤال الأخطر: كيف ساهم همج الاستبداد وهمج مجرورات الرجعية والهيمنة (معًا، وسياميًا) في رفع لهيب النار ومنسوب الدم، وبالتالي خدمة ما تريده الأدوار العليا منذ أولى أيام حَراك تونس ومصر العظيم: كبح الحراك الثوري العربي وقتله قبل أن يكبر!
سوريا تنزف. لا واشنطن ولا حلفاؤها يستعجلون الحسم. الهدف هو إطالة عمر الأزمة والنزف لأنّ مكسبهم سيكون عندها أكبر: ليس إسقاط النظام، بل إسقاط الدولة والبلد معًا. فهذا هو الهدف في النهاية. وعلى هذا الطريق الدّنس يتحقق للامبرياليين وعملائهم العرب وحكّام إسرائيل الهدف الاستراتيجي الأكبر: صدّ سيرورة الحراك الثوري العربي وقطعها عبر تركيز الأنظار والمخاوف في هذا المشهد الدموي المرعب المتواصل.
سؤال الأسئلة: كيف يكسر الوطنيون والتقدميون و”الأوادم” العرب هذه الدائرة الدموية المقفلة، بعيدًا عن الخيارات السّهلة؛ بعيدًا عن السّير في ركب المستعمر والعميل باسم تسطيح الثورة، وبعيدًا عن الالتحاق في ركب النظام ودمويته المتغطرسة، باسم تسطيح المقاومة.
ختامًا، أقتبس مما قاله المعارض الوطني السوري د. هيثم منّاع، في مقابلة أخيرة لقناة “الميادين”: “الحلّ السّياسي هو المخلّص الوحيد للمجتمع السّوري ممّا يمكن تسميته بالحرب القذرة، لأننا لم نعد في قيم ثورة، ولم نعد في قيم دفاع عن دولة. هناك عصابة تضرب في الناس وهناك أناس يردّون أحياناً بنفس الوسيلة، وبالتالي خرجنا من كل القواعد”.
23 نوفمبر 2012
ملاحظة للموقع:النساء ايضا يمكنهن التعليق, الرجاء اضافة تاء التأنيث- قال\ت
23 نوفمبر 2012
الشعوب المقموعة لابد وأن تنتفض هذا ما حلمنا به وتغنينا به دائما ولكننا كنا رومانسيون اعتقدنا بأنه حين تستيقظ الشعوب سيبزغ الفجر رغم علمنا لكل الذئاب المتربصة ولكل القوى التي تتقن لعبة الأصطياد في الماء العكر وإذ بالبعض ولأن الحلم تحول لكابوس دموي ولأنه رهينة التفكير الثنائي والرؤية بالأبيض والأسود ولأن الواقع صعب ومعقد يجد نفسة بالضفة الأخرى وبالجانب الاخر من الخندق. نعم ان ثورة الناس التواقين الى الحرية والحياة بكرامة تغتصب وكما يحدت دائما فإن السهام تتجه نحو المغتصبة وأكتر ما يؤلم ان من يلقي هذه السهام اليوم هو من ردد “إذا الشعب يوما…” في الأمس ولربما لا زال يرددها اليوم في ساحات أخرى…
1 أكتوبر 2012
بكل دول العالم المعارضة بالأغلب يكونوا ناس شرفاء و همهم النهوض بالبلد و دحر السلطات المستبدة إلا بسوريا فالمعارضة فيها ناس مرتزقة مرتبطين أمنيا بالغرب و ببعض الأنظمة العربية ولا يمثلون إلا أنفسهم ، بالله عليكم شخص متل ميشيل كيلو هل يملك على الأرض السورية زخم و قوة ، هل يستطيع تحريك أو تحريض ايا من الشارع السوري ، ناس مفزلكة تجيد المراوغة بالكلام والظهور على شاشات القنوات المغرضة
28 سبتمبر 2012
قصيدة الى ثوار سوريا
الكاتب والشاعر أسامه مصاروه
الى ثوار سوريا
يا ثوار سوريا العظام
ويا احرارها الكرام
في المدائن والخيام
لكم مني الف سلام
يا ثوار سوريا العظام
الى الأمام الى الأمام
حتى ينسحق النظام
وحتى ينزاح الظلام
يا ثوار سوريا العظام
لم يعد لفشار ٍ زمام
فالطريق الى انهزام
مهما استنفر من لئام
يا فشار يا ابن الحرام
هل تصورت في الغمام
لك مسكن أو مقام
لن تطال ولن تلام
هل تخيلت الإحتكام
الى القتل والانتقام
سوف يبقي لك النظام
دون مس ٍ على الدوام
يا فشار لن تنام
أعين الثائر الهمام
بالأغاني لا بالسهام
سوف ينتزع المرام
كسر ما شئت من عظام
واقتل ما شئت من آنام
وافعل ما شئت من آثام
وقل ما شئت من كلام
أخف رأسك كالنعام
واستتر بألف لثام
وارتبط بألف حزام
سوف تنهار بانتظام
فابشري وافرحي يا شام
أبشري وافرحي يا شام
17 سبتمبر 2012
هذه المقالة تندرج في باب المزاودة الأخلاقوية لا غير. فمعايبة اليساريين الذين انضووا تحت راية النظام الدموي لا تتوازى أبدا مع معايبة أصحاب الاموال والبترول والفكر الوهابي ( نفط بن الكعبة وحاشيته).فمن هؤلاء مأزق الأخلاق ومن هؤلاء نزيف الدم. هذه هي المعادلة الوحيدة. الأنكى من ذلك هو أن الكاتب ينضح بالأخلاق والوعظ ولا يجرأ على الاعتراف بأن موقفه وزملائه تجاه الأزمة في سوريا يتسم بالمثالية الثورجية الفضفاضة التي ما انفكت تجد لها متسعا في اجندة الرجل الأبيض.
17 سبتمبر 2012
موافق جداً وياريتني مش موافق, المؤامرة هي على الربيع العربي فقط. الوضع كثير مؤلم ومحزن!
17 سبتمبر 2012
جرعات الوعي لما يحدث يا هشام لا تزال لا تصل المنسوب العام /الخاص !
لماذا لا تبرح كيدك .
16 سبتمبر 2012
أوافق معك هشام في كل كلمة وأزيد ملاحظتين اثنتين أنه في الوضع الناشئ أقرب ما يكون لتسمية مؤامرة هو أكذوبة التدخل الدولي الذي لا يظهر منه حتى الآن سوى تشجيع السوريين على اللجوء واذا كان هناك أي مساعدات عسكرية فهدفها كما يبدو اطالة أمد الحرب وعدم استعجال الحسم ولا يمكن ألا يرى العقل أن هذا الوضع بالذات هو الأفضل لاسرائيل وحلفاؤها.
أما الملا حظة الثانية فهي حول السار العربي ؟؟؟؟ عن أي يسار يا رفيق نتحدث؟؟؟؟؟ هل كان هناك يوما يسار عربي منظم يحمل أي قيم ديموقراطية وانسانية مع الأسف كان اليسار العربي ستالينيا متعصبا قايض حقوق الانسان والديموقراطية والعدالة الاجتماعية مقابل موقع في السلطة أو مقابل مواقف مؤيدة للاتحاد السوفييتي المرحوم في السودان والعراق وسوريا وغيرها. فهل تتوقع من هكذا يسار لم يجر حسابا حقيقيا مع النفس ولم يخلق لنفسه مرجعيات أخلاقية وسياسية تحظى بموقع جماهيري ألا يكون محكوما بماضيه وألا يؤيد النظام الفاشي بنفس حجج الممانعة والمقاومة والتصدي للامبريالية وغيرها من ترهات أكل عليها الدهر وشرب