مقطع عرضي: تمرين في تذليل الذات
ننشر هنا نصوصا من العدد الأول لمجلة “مقطع عرضي” ومقدمة العدد * المجلة تصدر عن مجلة عصابات ثقافة ويحررها ألموج بيهار، نعمه جرشي، تامر مصالحة، ماتي شموئيلوف، في نهج كتابيّ وتفكيري خارج الإجماع الصهيوني في دولة إسرائيل * شراكة عربية يهودية نادرة وجديرة بالتأمل والمتابعة
مقطع عرضي: تمرين في تذليل الذات
|مقطع عرضي|
توطئة
في البداية كانت الحاجة ثم البيان العقائدي الناري ومن بعده المشاعر الجياشة والإدراك القاطع بأنّ هذا ما وجب أن يكون. ومن ثمة الاشهار في الجرائد ومسح المجال وتحطيم اللسان وأخذ القرار الفيصل من الذي ينتمي إلى هنا ومن لا. بعد كل هذا يمكننا الجلوس في مقهى ومصافحة شاباتٍ او شبان يافعين مرتديين بلائز ضيقة وأن نشعر بالرضى والتأثير والأهميه، ها قد اكتملة الثورة!
لكن ماذا لو كان واقعنا نقيد هذه الصورة، ونحن لسنا سوى خلفاً شاحباً لثورة فاشلة! لن نكتب بياناتٍ، ولن نقول شيئاً بثقه كبيرة، وسنرفع أيدينا عن محاولة التجديد والتحطيم والحزم. وعوضاً عن ذلك سنستخدم حركاتٍ صغيرة ذات أهمية او خطوات كبيرة دون جدوى تذكر، لن نصر على فحوى او على تعريف أو على تجديد، لن نصر على قول شيء او على أن نكون شيئاً ما لم يكن له نظيرٌ من قبل، او ان ندعي بأن ما نقدمه لم يتم تقديمه من قبل.
سيكون هذا بمثابة تمرين في تذليل الذات والمقولة ولا نعني بذلك تهميشها، بل العكوف على صنعة المزج والتوثيق لشيء آخر يحدث منذ بضع سنين في مجال الأدب. سيكون هذا توثيقاً للحدود الهلامية بين الواقع والخيال، بين الأدباء ومن ليسوا كذلك. فالسياسة كما الواقع لم تتوقف يوماً على أن تكون جزءاً من عالمنا الأدبي. ربما سنتمكن لآن من ازالت الأقنعة عن أدباء متنورين، عن ادعائات الأدب الرفيع الذي لايساوم في الجودة. فلقد مات كونستاندينوس كفافيس وألترمان ويونه فولخ ومحمود درويش ونزار قباني والأدب لا يكون ولا يصنع الا في مكان تتواجد به الحياة والأحياء.
لقد تم انشاء مجلة “مقطع عرضي” لتوثيق أولئك الذين ما زالوا على قيد الحياة، ولمرافقة الحراك الجاري منذ عدة سنين داخل الحيز العام لأشخاص لا يطالبون انزال الشعر إلى الشارع، بل انهم يدعون ان الشعر هو الشارع عينه بنبضه وتطلعاته، الادباء هم جزء منه وهم يمثلون جزءًا من الحراك السياسي والنضال الاجتماعي والمجتمعي فيه، وعليه فان هذه المجلة الأدبية لا تسعى إلى تعريف ورسم معالم أدبية جديدة انما تحاول تعريف ورسم معالم الشارع والحيز العام، كيف يجب أن يكون، وأي خطابٍ عليه أن يتضمن وأي مواضيع يتوجب أن يتحدثوا عنها بداخله، أي لغةٍ يتحدثون بداخله، ومن يكونوا جيرانه.
من هذا المنطلق اخترنا العربية والعبرية لتكون لغة الشارع التي تكون أحياناً مفهومة وأخرى مبهمة، وجودهن ليس متعلق ببعضهن البعض. لقد أردنا بأن نجعل من الشارع مكاناً أكثر أماناً لا بواسطة زيادة الحراس والرقباء بل بواسطة الغوص داخل ما يخيفنا، داخل ما نرى انه في صلب ايديولوجيا التخويف والقلق الذي تنبض به شوارع آبائنا في حيفا، دبورية، رعنانه، وعسقلان. نريد أن يكون لنا حق الاختيار بما نراه أهلاً لأن نخافه أو لا نخافه وأن لا نورث الخوف كما نورث المتاع.
وعليه فلقد اخترنا أن نستهل عددنا الأول بالخراب والخوف منه، ذات الخراب الذي يهدد بتقويض الجديد من قبل أن يبنى، وهو ذاته الذي يتيح ويشرعن لاقتراف الجرائم الجسام باسمه وبدعوى منع حصوله. الخراب كما يبدو قد سلب منا امكانية الاختيار، امكانية ان يشعر المرء شيئاً ما بمفرده. الاشارة إلى الخطر هي دلالة على ما نعتبره كجزء خارجي أو كمجموعة مختلفة. وعليه فان السؤال من هو ذلك ال”نحن” المعرف بواسطة الخوف من الخراب، كما تتساءل الشاعرة “عنات زخاريا” في قصيدتها من دون أن تعطينا جواباً على سؤالها هذا الذي يبقينا مع حرج اللا جواب.
للغة على ما يبدو المقدرة لإعطاء تعريف أولي للمجمعة، لكن ضياع اللغة أو تفكيكها يعيدنا إلى مرحلة اللا جواب، إلى البداية، إلى العربية الموشحة بالعبرية كما هو عند الشاعرة “أميره هس”، إلى الهوية المتنازعة والمتناقضه كما هو عند الكاتب جودات عيد.
كلما أخذت المواد لهذا العدد بالتجمع أكثر فأكثر، تبين لنا أن الخراب لا يختفي عندما ننظر إليه عن قرب، لكنه يختلف عن هذا الذي درسناه في المدرسة، وقرأناه في الأخبار. فعندما نمعمن النظر اليه يتضح لنا، أن هذا الخراب ليس موحداً أو متواصلاً وهو ليس “لنا” أو “لهم” فهو في لحظةٍ واحدة الايديولوجيا كما يصفها الكاتب “اليك حنان” في مقاله، وفي أخرى هو وصف أو مقطع من فيلم نهايته معروفه مسبقاً للجميع كما هو الحال في قصيدة الشاعرة “مايا انجلر سبيكتور” أو مكان يَصُب فيه المعنى والمفهوم لمصطلح ال”أنا” كما هو الحال في قصة الروائي “عميخاي شليف”، فتنوع أشكال وأوصاف الخراب يقلب نظام الأشياء ليلزمنا بأن نصف ماهيته لذاتنا بدل أن ندعه يعرف ماهيتنا هو. هذا التنوع يتيح لنا أن ننظر للخراب عن كثب لكي نرى عيوننا التي تنعكس وترتسم في داخله، لأن وجهه هو وجهنا نحن.
الحديث عن الخراب يتيح لنا ان نتحدث بوضوح عن هويتنا الحالية، يتيح لنا أن نكذب أقل أو على الأقل أن ناتي بأكاذيب مضحكة، بهذا الشكل قد نستطيع الابتعاد عنه أو تحجيم ستوطه الطاغية، وبهذا الشكل تصبح الوجوه مكشوفةٌ أكثر ومخيفة أقل مما قد تشجع رجل الشارع بأن لا يبعث يدان متعبتان لتفتيش حقائبنا.
هكذا ارتأينا أن نبدأ عددنا الأول لمجلة “مقطع عرضي” بجعل كلِ شيء يسيراً ومفتوحاً على مصراعيه، كل ما في المجلة يمكن فتحه وإغلاقه، تصغره وتكبيره، طباعته وترجمته، بعثه واستقباله، اختيار الصيغة الإلكترونية للمجلة سيتيح كما نأمل للمجلة أن تعرض نفسها على بيوتٍ وحواسيب كثيرة، مما يتيح للقارئ أن يأخذ ما يريد أخذه والامتناع عن الباقي.
(ألموج بيهار، نعمه جرشي، تامر مصالحة، ماتي شموئيلوف)
.
• مقطع عرضي | مجلة عصابات ثقافة | العدد الأول: خراب | هيئة التحرير: ألموج بيهار، نعمه جرشي، تامر مصالحة، ماتي شموئيلوف | تصميم غرافي: آفي بوحبُط | عنوان للمراسلة: larochav@gmail.com | إطلاق العدد يوم الثلاثاء 4 أيلول، الساعة 19:30 في ابرم بار, القدس, شارع يافا 97
لتحميل العدد على هيئة “بي دي إف”
.
من نصوص العدد:
يوم اقتُلعت “التينة الدمقراطية“/ هشام نفاع
من الاثنين للخميس دعس على تراب “سلمة“/ راجي بطحيش
مقاطع من ذاكرة مقصوفة/ ياسمين ضاهر
تاريخ المستقبل/ شاحر ماريو موردخاي