“فضيحة” و”عقاب” بصيغة فلسطينية: اللهجة المحكية وسيمياء العنوان في القصة الفلسطينية في إسرائيل/ محمود غنايم
يمكن تصنيف الكتّاب الذين استعملوا العامية إلى مجموعتين: مجموعة لامست الواقع بمنطلق رومانسي، كما لدى نجوى قعوار مثلاً، والمجموعة الثانية تعاملت مع العناوين بصورة أكثر تركيبًا من خلال تحويل العنوان إلى استعارة أو رمز، كما لدى حبيبي وحليحل
“فضيحة” و”عقاب” بصيغة فلسطينية: اللهجة المحكية وسيمياء العنوان في القصة الفلسطينية في إسرائيل/ محمود غنايم
أكان أدركها جان كوكتو (Jean Cocteau) غواية العنوان وهو يردد: لا ترشوا كثيرًا من العطر على الزهور!؟
(Genette, 1988, p.720.)
|محمود غنايم|
1. تمهيد
هذه الدّراسة تسعى إلى الوقوف على توظيف اللهجة المحكية الفلسطينية بتشكيلاتها المختلفة، سواء من خلال الألفاظ أو التعابير أو الأمثال أو من خلال استيحاء الأجواء الشعبية في القصة الفلسطينية في البلاد عبر عناوين هذه القصص،وذلك انطلاقًا من أن العنوان يعتبر عتبة نصية بالغة الأهمية يمكن من خلاله الكشف عن دلالات شتى حين التعامل معه سيميائيًا كعلامة لفظية تنطوي على دلالات رمزية.كما أن استعمال اللهجة المحكية بتوظيفاتها وتشكيلاتها المختلفة كثيرًا ما يحمل دلالة فارقة من حيث تاريخ الأدب، سواء بالتدليل على حقبة معينة أو الإشارة إلى تبني مدرسة، أو فلسفة أو الانضواء تحت مظلة أيديولوجية ما.[1] وانطلاقًا من ذلك، يجدربنابحث هذا الموضوع سينكرونيًا للوقوف على وظيفة اللهجة المحكية في العنوان، ودياكرونيًا لتلمّس تطور الرؤية الأدبية والاجتماعية والسياسية التي ينضوي تحت لوائها هذا الأدب.[2]
لعلّ العنوان هو العتبة النصية-اللفظية الأولى أو الرئيسية التي تواجه القارئ، سواء كان ذلك عنوانًا رئيسيًا للكتاب، أو عنوانًا داخليًا للقصة أو للفصل.. إلخ. إن أثر العنوان هو من الآثار الهامة التي توجّه القارئ منذ البداية. وفي كثير من الأحيان يعود إليه القارئ مرة أو أكثر خلال القراءة وفي نهاية القراءة،[3]وذلك لإتمام عملية تخييط العمل الأدبي ورأب أجزائه، شأنه شأن العديد من العناصر الفنية، على حد تعبير فورستر.[4]
منذ الثمانينات من القرن الماضي بدأ الاهتمام بمصطلح “العتبات” ووظائفها في النص الأدبي.وقد أثار هذا المصطلح، المترجم عن جيرار جينيت (Gérard Genette) في كتابه Seuils (عتبات) (1987)، اهتمامًا نقديًا كبيرًا في العقود الثلاثة الأخيرة. ولعلّ جينيت هو من أكثر الباحثين الذين أثّروا على النقد العربي الحديث في هذا الموضوع، وإن لم يكن الأول في هذا المضمار. تُرجم كتابه إلى الإنجليزية تحت اسم: Paratexts: Thresholds of Interpretation.[5] وقد تناول المصطلح العديد من النقاد الأجانب أولاً، ومن ثم العرب، ولقيترجمات مختلفة، كهوامش النص أو النص الموازي من المصطلح(Paratext)، أو العنوان كمصطلح أكثر تحديدًا، أو الـمُناصّ في بعض الكتابات المغربية.[6]كما تم حديثًا تناول هذا الكتاب وكتب أخرى للمؤلف بالعربية في كتاب عبد الحق بلعابد، عتبات (جيرار جينيت من النص إلى المناص).[7] تناول جينيت في كتابه عدة عتبات نصية، كالمؤلف والملحقات والتنبيهات والتمهيد والإهداء والتنويه والشكر والمقدمات والهوامش، ومن بينها العنوان.[8]
ولهدف هذا البحث نرى أن هذه المصطلحات لا تجانب الحقيقة، لكنها تنطلق من وجهات نظر قد تختلف بطريقة أو بأخرى بعضها عن بعض. فالعتبات تضم العنوان، ولكن ثمة عتبات نصية أخرى عدا العنوان، كما أسلفنا.[9] أما هوامش النص فمصطلح ينقل القارئ، على الأقل من الناحية اللغوية، من عتبة المدخل خارج النص، والتي تكون عادة في البداية، إلى أماكن أخرى قد تقع في داخل النص أو في ذيله، وهو ما لا نعنى به بشكل خاص هنا. النص الموازي ترجمة مقبولة لهدف هذا البحث، وإن كان يضم، كمصطلح العتبات، عناصر أخرى غير العنوان. ولكن خصوصية مصطلح “النص الموازي” وأهميته تكمن في انفصاله عن النص-المتن، وفي نفس الوقت في عدم انسلاخه تمامًا عنه، فهو مواز للمتن لكنه ليس جزءًا منه.[10]
إنّ النظر إلى العنوان كوحدة مستقلة موازية للنص لا تنفي العلاقة الحميمة معه.[11] يرى بسام قطوس، مثلاً أنّ العنوان يقود إلى النص، بل إن العنوان هو النص والنص هو العنوان.[12] بينما جينيت يتعامل مع هذه العلاقة بشيء من التركيبية وهو يوازي بين العنوان والنص، إذ يرى أن الأول يتوجه إلى قطاع واسع من الناس أو الجمهور العريض كلافتة إعلامية، بينما الثاني هو للقراءة.[13]ويمكننا أن نفهم هذا الكلام بعدة أشكال: إن العنوان موجَّه إلى قطاع مختلف عن القطاع الموجّه إليه النص. ومثلما أن قطاعًا من الجمهور يستجيب لنداء العنوان ويأتي إلى النص، فثمة مجموعة أخرى لا تستجيب لهذا النداء وتبقى في إطار المتحدث عنه أو المروّج له دون الدخول إليه.[14]كذلك هناك القارئ الذي يتصل بالنص ولا يقع ضمن المجموعتين السابقتين، لأنه لا يأتي إلى النص من خلال العنوان. ولكن إن عاجلاً أو آجلاً لن يكون دخول هذا القارئ إلى النص إلا عبر هذه العتبة النصية: العنوان. النتيجة التي نصل إليها من خلال هذه القضية، نصوغها بشكل مختلف عما طرحه قطوس، وهي أنّ النص لا يتم الوصول إليه إلا من خلال العنوان، ولكن ليس بالضرورة أن يقود العنوان إلى النص، إذ ثمة جمهور يتعاطى مع العناوين لكنه لا يتعاطى مع النصوص.[15]
وتجدر الإشارة إلى دراسة شعيب حليفي الرائدة عن العنوان في اللغة العربية،[16] حيث تعتبر خطوة هامة وإشراقة فريدة للنظر في تشكّلاته. يرى حليفي أن العنوان هو وسيلة للكشف عن خبايا النصّ وطبيعته، كما أنه يساهم في فك غموضه. ثم يصوغ تلك العلاقة القائمة بين النص الموازي والنص بلغة استعارية، ولكن فيها من الحقيقة الكثير، إذ يرى أن “النص الموازي في الرواية هو خطاب مفكَّر فيه، آثِمٌ لأنه الشيء الذي يوجّه المتلقي ويرسم انطباعًا أوليًا عن ذلك النص، سرعان ما يتوسع أو يتقلص مع القراءة”.[17]ما نستخلصه من ملاحظة حليفي أن العنوان، كنص مواز، يوجّه المتلقي نحو النص، وهو يتحمل عبئًا لا يستهان به من هذا التوجيه، إذ من خلاله يتعامل القارئ مع النص. إن الأخذ بهذا التعامل، سواء قاد إلى قبول الانطباع الأولي الذي يتركه العنوان في ذهن القارئ، أو مال إلى رفض هذا الانطباع، أو شكّل بناءً نصيًا جديدًا ذا صورة مركّبة تأخذ من القبول والرفض معًا- في جميع هذه الأحوال، وفي تعبير حليفي، لا يُعفي العنوان من “الإثم”.
ويرى حليفي كذلك أن العنوان هو كالنواة التي يركّز فيها الكاتب مجمل نصه، ولكن هذه النواة تبقى ناقصة، مفتقرة إلى الكمال وتقف كتساؤل يحتاج إلى الإجابة. هذه الإجابة هي النص.[18]
ولتسهيل التعامل مع العنوان، تحدث بعض الباحثين عن أهم وظائفه. وهي تتلخص فيأهم الوظائف التالية:[19]
1- الوظيفة التعيينية أو التعريفية أو المرجعية(function of designation or identification or referential function) التي تسمّي النص وتعرّف القارئ على هويته وانتمائه بشكل أولي.[20]
2- الوظيفة الوصفية (descriptive function): وهي التي تقول أكثر من الوظيفة المرجعية وتفصّل في القول لوصف ما يقدم عليه القارئ.
3- الوظيفة الإيحائية (connotative function): وهي تومئإلى ما قد يختفي في النص، لكنها لا تحدده بشكل لا يقبل التأويل.[21]
4- الوظيفة الإغرائية أو الإغوائية (seductive function): وهي تدفع القارئ وتجذبه نحو النص لقراءته.[22]
إن جميع وظائف العنوان تقود أولاً وقبل كل شيء إلى النص، سواء الوظيفة التعيينية التي هي الوظيفة الابتدائية التي تعيّن النص بالاسم، أو الوظيفة الوصفية التي تحدده وتتقدم خطوة أخرى إلى داخله أكثر من الوظيفة التعيينية، أو الوظيفة الإيحائية التي تترك للقارئ حرية التجول في غياهب النص، أو الوظيفة الإغرائية وهي تدعو القارئ بالوسائل المختلفة، الفنية وغير الفنية، إلى الإقبال عليه.[23]ومجمل القول هنا أن العنوان هو عنوان للنص، وهو يقود إليه أولاً. فلا وجود له بدونه. ويكون من نافل القول أن نعتقد بوجود عنوان أصلاً بلا نص. حتى لدى تلك الفئة، التي تتعامل مع العناوين لكنها لا تقرأ النصوص، ثمة نص افتراضي لم تبتدئ بعد قراءته.[24]
إنّ العلاقة بين العنوان كنص مواز وبين النص-المتن تعتبر مادة خصبة للنقد الأدبي وتاريخ الأدب من حيث عملية التحقيب الأدبي،[25] ومن حيث الانتماء الأيديولوجي للنص، سواء كان ذلك انتماء أدبيًا أو ثقافيًا، سياسيًا أو اجتماعيًا، وذلك “بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص وتحديد جانب أساسي من مقاصده الدلالية”.[26]
وهذا ينقلنا إلى وظيفة هامة،لم تلق، في رأينا، اهتمامًا كافيًا لدىالباحثين، وهي الوظيفة الأيديولوجية للعنوان.[27] وهذه الوظيفة تخرج عن التفاعلات الداخلية للعنوان مع النص وتنطلق نحو السياق بكل ما يعني ذلك السياق من مؤثرات خارجية.[28] وفي ذلك يورد عبد الفتاح الحجمري ملاحظة تستحق الاهتمام، إذ يرى أن للنص علاقات متشعبة، منها ما تختص بالعنوان، وأخرى تنطلق إلى خارج النص. وهي ما يطلق عليها العلاقات “العبر نصية” (Paratext).[29] وإذا كان العنوان يلخّص ما يأتي، أي النص، إلا أنه كذلك “بارقة تحيل على الخارج-خارج النص”.[30]
إن قدرة العنوان على الإغواء تقاس بمدى استجابة القارئ لدعوته لينقاد إلى النص. وإذا كانت هذه القدرة فاعلة فقد “تورّط” القارئ بعد أن تجاوز هذه العتبة إلى النص. لكنّ هذا “التورّط” لا يتوقف عند معاينة النص فحسب، بل يرتدّ ثانية إلى المؤلف، وإلى الإحاطة بانتماءاته الأدبية والثقافية، والتعريج كذلك على قناعاته الاجتماعية والسياسية.[31]
وإذا كان جينيت قد أشار في معرض حديثه عن أنواع العناوين إلى أهمية رصد العنوان دياكرونيًا والوقوف على أشكاله عبر تاريخ الأدب، إلا أنه لم يتعرض لوظيفته خارج النص بالتفصيل، ولم تحتل هذا القضية جل اهتمامه.[32]كما أن ارتباطات العنوان بالسياق الذي انبثق منه لا تقف عند مجال معين، كالسياق الاجتماعي، كما يرى حليفي،[33] بل تنسحب كذلك على سياقات أخرى، كالسياقين السياسي والثقافي بشكل عام.[34] وهذا السياق العام يفرض قسريات معينة على طبيعة العنوان شكلاً ومضمونًا ليتلاءم مع طبيعة النوع الأدبي الذي يقدّمه. وهذا يعني، بكلمات بسيطة، أن العنوان ينبني ويتشكل بناء على الظروف التاريخية.[35]
أما شعيب حليفي فيسهب في الحديث عن طبيعة العنوان وتحولاته في الأدب العربي على مرّ العصور، ويقف على العلاقة القائمة بين تشكّل العنوان وبين تطور المفاهيم الأدبية. وعلى سبيل المثال، يرى حليفي أن العناوين السوريالية تميل إلى الصور الاستعارية وتؤدي وظائف كثيرة ومتراكبة.[36]وهذه الإشارة تفتح الباب على مصراعيه لتلمّس العلاقة التي تنشأ بين العنوان والنص في الأدب الحديث (الحداثي والمابعد حداثي). وهي علاقة تشرّبت من مجمل العناصر التي تتفاعل في النص الحداثي بتركيبية عصيّة على الاستسلام للقارئ بسهولة. وإذا جاز لنا أن نشبّهها بما يقوم بين السؤال والجواب من وشيجة، إلا أن هذا الأخير ليس بالبساطة أو السذاجة، بحيث يغلق الباب أمام تساؤلات تتوالد من الجواب، بل يفتح النص أمام تساؤلات جديدة. وبذلك يتحول السؤال إلى أسئلة عديدة لتزداد الحيرة ويكثر التساؤل، ويصبح العنوان “غواية لا تقدّمنا شيئًا بقدر ما تفاجئنا وتفْتِنُنا”.[37]
إن إنتاج الدلالة لا يتم إلا من خلال دراسة التفاعلات النصية، وهذا ما تحاول هذه الدراسة طرحه، إذ ترى في العنوان، كما أسلفنا أعلاه، نصًا مستقلاً من ناحية، ومرتبطًا ارتباطًا وثيقًا مع متن النص من ناحية أخرى. ولذلك نرى أن تحليل العنوان أولاً يبدأ كنص مستقل وما يمكن أن يوحي به من دلالات قبل الدخول إلى المتن. أما العملية الثانية في تحليلنا هنا فهي تلمّس الصلة القائمة بين العنوان وبين النص-المتن، إذ نرى أن التحليل لا بد له من أن يقود إلى النص وعدم الوقوف على العتبة النصية فحسب، إذ أن الفائدة لا تتم بصورة كاملة إلا عبر الولوج إلى معالم النص لتأكيد أو نفي بعض التصورات والإيحاءات التي يفرزها العنوان. العملية الثالثة التي نراها هامة هنا هي كيفية الخروج ثانية من النص إلى خارج النص بنتائج أكثر دقة: من العنوان إلى النص ومن ثم من النص إلى الخارج. وهنا يكمن الفهم السيميائي للعنوان المدعّم بالنص-المتن. ونحن نعتقد أن الدراسة المتكاملة التي تطمح إلى الإحاطة بسيمياء العمل الأدبي لا يمكنها أن تخرج من العنوان وحده دون تأكيد أو نفي ذلك من خلال النص.[38] ومع ذلك، فهذا بحد ذاته يمكن أن يعتبر إنجازًا رغم محدوديته. أما ما نطمح إليه هنا فهو عدم التوقف عند هذه الثنائية: النص الموازي والنص-المتن، بل جعل هذا التناول يعمل في ثلاثة أبعاد: النص الموازي-العنوان، النص–المتن وخارج النص-السياق.
كما نفترض بأن للشكل في العنوان أهمية لا تقل عن المضمون.[39] وحين تبرز وظيفة العنوان الإيحائية أو الإغرائية فهي لا تعمل من خلال ما يوحي أو يغري به العنوان بواسطة معناه فحسب، بل لا نجازف حين نفترض أن هاتين الوظيفتين تعتمدان أساسًا على شكل العنوان لا على مضمونه. ومعنى ذلك أن الشكل قد يكشف عن انتماء النص النوعي، أو عن أسلوبه، أو جدته أو تقليديته. وهو ما يؤسس لأهمية اللهجة المحكية بتشكيلاتها المختلفة التي تنكشف أولاً من خلال العنوان وتوحي للقارئ بأنه مقدم على نص من نوع معين، أو قد تغويه لتلمّس هذا الغموض الذي يغلّف العنوان على أثر تعدد الدلالات أو عدم دقتها حين تراوح بين الفصحى والعامية.
ونظرًا لتشعب الموضوع واتساعه اخترنا في هذا المقال عينة أولية لخمسة أعمال قصصية قد تمثّل معظم التيارات والاتجاهات والأجيال،لكنها تبقى عينة ناقصة لما في هذا القضية من الجوانب الدقيقة التي تستحق دراسة أكثر شمولاً. وهذه الأعمال، حسب تاريخ صدورها، هي: لمن الربيع[40] لنجوى قعوار فرح (1923-)؛ طريق الآلام وقصص أخرى[41] لمصطفى مرار(1930-)؛ إخطيّة[42]لإميل حبيبي (1921-1996)؛ تحت سطح الحبر[43]لسهيل كيوان(1956-)؛ كارلا بروني عشيقتي السرية[44] لعلاء حليحل (1974-).
تفترض هذه الدراسة بروز استعمال اللهجة المحكية في العنوان لدى الكتّاب الـمُؤَدْلجين، أولئك الكتاب الملتزمين الذين ينظرون إلى أدبهم كمؤدٍّ لرسالة اجتماعية أو سياسية. كما تفترض تزايدًا في استعمال المحكية بتوظيفاتها المختلفة في الثلاثين سنة الأخيرة، وهي الفترة التي بدأت تشهد وعيًا ثقافيًا متحررًا وجرأة معينة في تقبّل المحكية والتعامل معها كعنصر لا يتجزأ من اللغة.[45]ومن هنا فإن توظيف المحكية في هذه الفترة يتخذ أبعادًا مركّبة ويحمل دلالات عدة لا تقف عند تصوير الواقع فحسب، بل تتعدى ذلك إلى دلالات أدبية أكثر عمقًا وأشد تركيبًا، وذلك انعكاسًا لتراكب الأدب والحياة معًا. وفي هذا إشارة واضحة إلى مرحلة ما بعد الواقعية بمفهومها غير التقليدي الذي لا يرى في الأدب صورة مرآوية للواقع بل أفقًا أكثر رحابة من حيث تعدد الدلالات وتنوعها.[46]
وفي الجهة المقابلة، فإن افتقاد الأصداء الشعبية/العامية في عناوين بعض الأعمال الأدبية والسعي نحو رفع اللغة وتفصيحها أو ربطها باللغة الكلاسيكية وحقولها الدلالية الخاصة يتضمن كذلك وظائف هامة يجدر الوقوف عليها، من منطلق التضادّ،للخروج بنتائج دالّة في المجال الثقافي العام: الأدبي والسياسي والاجتماعي.[47]
2. البدايات: بين الكلاسيكية والرومانسية
2.1مجموعة لمن الربيع[48]لنجوى قعوار فرح تضم أربع عشرة قصة لا أثر للهجة المحكية إلا في عنوان قصة واحدة: “حاجات لجدتي”.[49]ويبدو العنوان للوهلة الأولى فصيحًا، إلا أن لفظة “حاجات” تحمل دلالة عامية غير موجودة في الفصحى، بمعنى “أشياء”. ولعل الحساسية الأدبية التي تتمتع بها الكاتبة دفعتها إلى تفضيل الكلمة ذات الدلالة العامية على الكلمة الفصيحة “أشياء” التي لا تحمل دلالة حرفية محددة،[50]انطلاقًا من أن الكاتبة لم تخرج على قواعد اللغة باستعمالها لكلمة موجودة في قاموس الفصحى، بغضّ النظر عن الدلالة.[51]وما دفع الكاتبة لذلك هو كون القصة، كما يظهر من عنوانها، وكما يتأكد من مضمونها، تحكي عن أمور خاصة بالجدة، وهي أشياء لها نكهة التراث المحلي–الشعبي،التي أثارت في نفس الراوي الشاب عالمـًا أليفًا يخلد إليه مقابل عالم المدينة الذي يثير فيه أحاسيس الغربة:
آه. كم كنت أشتاق إلى أن يحين آخر الأسبوع وأعود إلى البيت، وأدخل إلى الحاكورة فتستقبلني أشجار الرمان بقناديلها الحمراء، ثم ألمح جدتي وهي تنتظرني، وقد أعدت لي صنفًا من الطعام أو الحلوى التي تعرف أني أحبها. وأدخل من وهج الحر إلى العَقد البارد، وأشرب من الكوز الذي غطته والدتي بالشاشة البيضاء ذات الخرز الأزرق، ويفوح من أصيص الريحان إذا ما حرّكْته بيدي عطر زكي أمين. ثم تقع عيناي على المخدة؛ فأجد طاووسها لا يزال مختالاً، وأجد ليلها لا يزال مضاء، وقبابها تناديني، وأشجارها تعاتبني لهجراني لها؛ ويحتويني عندها سلام، ويتفتح عالم أحلامي وأشعر أن الحياة أعمق وأكبر وأجمل من يومياتنا التافهة في المدينة.[52]
سيميائيًا العنوان يحمل بعدًا واقعيًا يصل النص بالمكان، ولكن هذه الصلة تتضمن الحنين (النوستالجيا) إلى الأشياء الجميلة التي يفتقدها المجتمع الذي يخطو نحو العصر الحديث. وهذه نغمة ذات أصداء رومانسية نموذجية: الحنين إلى الماضي والأشياء الفطرية.. إلخ. ويجدر التنبيه إلى أن الخروج على الفصحى في “حاجات لجدتي”، كما ألمحنا أعلاه، ليس خروجًا تامًا في القاموس اللغوي بكل أبعاد اللفظة، وهو ما يدعم التصوّر الذي يرى في هذه المرحلة التاريخية التي يمر بها الأدب العربي في إسرائيل سمة التأرجح بين الرومانسية والواقعية.[53]
2.2 نظرة مقارنة على كاتب مجايل لنجوى فرح وهو مصطفى مرار في مجموعته القصصية طريق الآلام وقصص أخرى تكشف عن توجه مختلف كليًا.[54]قصص المجموعة صدرت في الصحافة بين نهاية الخمسينات والستينات. المتمعن في العناوين لا يجد أي أثر للهجة المحكية،[55]بل على العكس من ذلك، إذ يلاحظ بعض الإشارات الكلاسيكية في عناوين مثل: “قد يهون العمر”،[56] “أصخرة هو”،[57] “الشجرة الخبيثة”،[58] و”… ويخرج الميت من الحي؟”.[59]
النظر إلى إحدى هذه القصص يؤكد الجو الذي يوحي به العنوان؛ إنه توجّه نيوكلاسيكي لا أثر للواقعية ولا حتى للرومانسية في أجوائها. وهذا يستحضر أمامنا أجواء القصص التي كتبت في نهاية القرن التاسع عشر في الأدب العربي، من حيث تحليقها في عالم الخيال، وصلتها الواهية بالواقع.[60]في قصة “قد يهون العمر”، يقدم الراوي أجواء خيالية بلا مرجعية واقعية، في مجتمع قروي محافظ،لفتاة موظفة تعمل في إحدى المؤسسات، يستقبلها عند وصولها بوّاب، ثم تدلف إلى المؤسسة حيث يلقاها المدير الذي يتربص بها لإقامة علاقة حب معها وهي في حالة يأس،بعد أن رفض أهلها تزويجها من حبيبها وابن عمها الذي كان بمثابة أستاذها. وتقوم بعد ذلك الفتاة بكتابة عدة رسائل لحبيبها الذي هجرها وارتبط بأخرى. وضمن إحدى الرسائل تخاطبه قائلة: “إن عمري كله ليهون علي من أجل هذه الساعة التي أستجديها… لكنك لا تريد أن تسمع”.[61] ومن هنا جاء عنوان القصة.
ولنقتبس من مونولوج المدير الذي يراقب الفتاة لنلمس مدى كلاسيكية اللغة وعدم ملاءمتها للموقف من منطلق واقعي:
ألا تبًّا لهذه الأيام التي لا يعرف أهلها الوفاء… وبوركت أيام كنا نقتتل فيها، حتى يصل الأمر بيننا إلى تبادل الطعنات إذا جرؤ أحدنا على اتهام آخر “بأنّه نقّل فؤاده حيث شاء من الهوى”.[62]
أو من خلال سرد الراويذي اللغة المرتفعة ذات الأصداء الكلاسيكية:
وعلى غير انتظار… إذا هو يغيّر اتجاه سفينته مرغمًا… ولكن سعيدًا “وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم”.[63]
أو:
ولكن أحدًا من هؤلاء الناس لم يكن يرى في سلوك أي من الحبيبين ما كان يراه “بنو عذرة” ذات يوم.[64]
بقي أن نشير إلى النهاية المأساوية-الدراماتيكية للقصة،والتي تتساوق مع هذا النوع القصصي في هذه المرحلة، إذ تقرر الفتاة أن تضع حدًا لحياتها بعد أن كتبت رسالة الوداع.[65]
لعله بات من الواضح أن العنوان يقودنا إلى استنتاج معلومات تفيدنا كثيرًا في تاريخ الأدب من حيث تحديد المدرسة الأدبية التي ينتمي إليها هذا النص الذي ينسلخ عن الواقع بأصدائه الكلاسيكية.[66]
3. نهاية السبعينات
منذ نهاية السبعينات، وبشكل تدريجي، نشهد تعاملاً أكثر جرأة مع اللهجة المحكية في العناوين، بل يتخذ هذا التعامل صورًا أكثر تركيبية مما مضى. لتمثيل هذه الفترة في أوجها اخترنا رواية إخطية.[67]
3.1“إخطية” بالعامية الفلسطينية تعني العقاب أو الجزاء على ارتكاب إثم أو اقتراف جريرة.[68] وقد كتبت الرواية على شكل ثلاث قصص يطلق الكاتب على كل قصة اسم “دفتر”.[69]
تحكي الرواية قصة ازدحام سيارات غريب وقع في تقاطع شارعي هحالوتس وشارع الأنبياء في حيفا وامتدّ إلى أرجاء البلاد جميعًا حتى تل أبيب جنوبًا، وذلك قبل عشر سنوات من تاريخ القصّ، أي في بداية السبعينات من القرن الماضي. يستذكر الراوي-المتكلم هذه الحادثة عبر تداعيات مختلفة. ويذكر أنّ الأوساط السياسية والشعبية والصحفية اختلفت في أمر هذا الازدحام وأسبابه،[70] إذ يبدو أنه جرّاء حادث أمنيّ لا يفصح الراوي عن كنهه تمامًا، ويفهم تدريجيًا أنه تسلل لأحد الفلسطينيين إلى البلاد. وخلال هذا الازدحام تجري أحداث كثيرة ومتشابكة، أحدها عودة عبد الكريم، أحد سكان شارع عباس في حيفا، بعد هجرة طويلة في العديد من دول العالم، إلى مسقط رأسه. وحين يطول انتظاره في الازدحام يخرج من سيارته، ويقال إنه رأى صدفة إخطية، حبيبة الصبا، في الشارع فلحقها:
فقد شاهده [عبد الكريم] شهود عيان وهو يقذف بنفسه من سيارة التاكسي، ويركض وراء فتاة كانت تجري في وسط الشارع ما بين السيارات المزدحمة، حافية القدمين وحاسرة الرأس، عريانة إلا من ثوب نوم ملطخ بالوحل وممزق عند الصدر، مشقق الطرف السفلي وهي، محتضنة في صدرها، طفلة في عامها الأول عليها أطمار بالية.[71]
ويدّعي عبد الكريم بعد أن تمّ القبض عليه أنه لم ير هذه الفتاة، بل حلم بها، وقد قُبض عليه بناء على الحلم لا على الواقع.[72]ويتذكر الراوي أن عبد الكريم هذا كان أخفىرسائل الغرام في سور مدرسة الراهبات قرب شارع عباس قبل سقوط حيفا وقيام الدولة، بداخل علبة صغيرة كانت تستعمل للشكولاطة، وأنه جاء لأخذها![73]
أما معنى “إخطية” التي ترد في العنوان فيقع في نفس خانة الأسماء العربية الغريبة، مثل “نهاية” و”نُهى”،[74]وهو نوع من التمني أن تكون تلك المولودة نهاية البنات.[75]وتكون إخطية جزاء لجريرة تمّ ارتكابها. وهذا ما نستشفه من تفسير الاسم كما يرد على لسان الراوي:
كان سمع جدته تصرخ في وجه والده: “إخطية”، حين همّ بضرب ابنته (أخت الراوي الصغيرة) عقابًا لها على إيثارها اللعب مع الأولاد الذكور. ومعناها أن البنت “خطيتك”. أو أن ضرب القاصر “خطيئة”. وقد يكونون -قال- سموا تلك البنت “إخطية” أو “خطية” لأنها ولدت سابع بنت أو ثامنًا أو عاشرًا، أو حين همّ والدها بوأدها.[76]
أُطلق سراح عبد الكريم بعد تحذيره بعدم الدخول إلى البلاد. وتستمر قصته حيث يكشف الراوي عن قصة أخرى له تتعلق بأخته “سروة”، الفتاة الجميلة التي عشقها جميع صبيان الحارة، وكانت نهايتها أن سقطت من أعلى شجرة تسلقتها.[77]ويقدم الراوي ذلك المشهد بشكل دراماتيكي:
وقعت سروة فوق صخرتها: راقصة سمراء في غلالة حمراء سيّابة، سيّابة. انسابت الغلالة الحمراء على صخرتها فغطت جرن الشلال بقطيفة أرجوانية خطفها الريح بعيدًا في حضن البحيرة. ورأينا النار في حلّة نار. وعادت الصخرة ملساء، عذراء، كما كانت منذ الخليقة. ولم يتوقف الشلال عن مسح دمائها ودموعنا. وعادت ذاكرتنا، ملساء، عذراء من هول تلك الصدمة. وأقفر من أهله شارع عباس، ذهبت سروة وأخوتها كما ذهبت، من قبلها، إخطية.[78]
فالقصة، كما نرى، عبارة عن فانتازيا تمزج بين الواقع والحلم وبين الحاضر والماضي، فتصوّر حيفا، فلسطين، كبلد ينعم بالسلام وبالطبيعة الخلابة والحب، تسوده السكينة ويخيم عليه الهدوء. أما إخطية، وهو اسم فتاة غير موجود في الواقع، فكانت حبيبة الجميع في فلسطين سابقًا،كما سروة، إنها الوطن الذي نزح عنه أهله وأخلّوا بذلك الحب. أما الطفلة التي كانت تحملها إخطية وولدت من سفاح فهي رمز لخيانة الأهل، أهل هذا الوطن الذين تخلّوا عنه. ولكي يؤكد الكاتب الرمز يتساءل الراوي ما إذا كان هذا هو اسمها فعلاً، وذلك لتحميل العنوان دلالة رمزية.[79]وأخيرًا يلقي في نهاية الرواية، وفي الكلمات الأخيرة منها بالرمز قائلاً:
كلٌ يسأل عن إخطيته كيف تركها، ولماذا تركها، وكيف حالها من بعده.[80]
ويمكننا الاستمرار في تلمّس الأبعاد المختلفة لعملية الترميز التي يطلقها العنوان، فنجد إشارات في الرواية تدل على تشابه بين إخطية وحواء، مثلاً: “هل انتزعوها من صدره كما انتزع الخالق الرحمن من صدر آدم ضلعًا فإذا هو«إخطية»؟”[81]وما دامت حواء هي رمز للإثم فإخطية هي كذلكرمز للجرم والخطيئة.
4. بدايات القرن
اخترنا هنا عملين لمناقشة العنوان فيهما، وهما: تحت سطح الحبر لسهيل كيوان، وكارلا بروني عشيقتي السرية لعلاء حليحل. ونبدأ أولاً بمجموعة حليحل، وعلى عكس ترتيب صدورها، لما في هذه المجموعة من استمرارية لما سبق.
4.1 علاء حليحل في مجموعته الأخيرة كارلا بروني عشيقتي السّرية[82]يواصل التيار الذي برز من خلال الكتابات الحداثية التي احتلت مركز الحياة الثقافية الفلسطينية في الثلاثين سنة الأخيرة.[83] إنه يبدي تعاملاً واعيًا مع المحكية في عناوينه دون أن يحاكي أحدًا من كتّاب هذه المرحلة؛ متميز في البساطة والعمق معًا، وفي انتهاجه مسارًا واقعيًا في قصصه، لكنها واقعية بعيدة عن التقليدية كل البعد، لأنه كاتب مفعم بروح السخرية، يذكّرنا بما عرضنا له من مكر إميل حبيبي وحذقه في إخطية، على سبيل المثال لا الحصر.
تظهر العامية في مجموعته من خلال عنواني قصتين،[84] أحدهما يبدو عاديًا وغائمًا: باطون، بينما الثاني يتكشف إغوائيًا، صارخًا وجاذبًا للنظر: “عزارة”. واللفظة تعني الفضيحة بصيغة فلسطينية، وهي شائعة في اللهجة الدارجة الشامية.[85]وتأتي هنا لتموقع كلمة “فضيحة” الفصيحة وتكسبها طعمًا ولونًا، إذا جاز التعبير. وهذا العنوان يلحّ على القارئ لتجاوز هذه العتبة للنظر في النص.
قراءة القصة تعمّق الدلالة الأيرونية-الساخرة التي يحملها العنوان، فالراوي الطفل تربّى على أن الخروج على مسلمات المجتمع أمر غير مقبول، حتى وإن كان هذا الخروج يهدف إلى رفض مخالفات أخلاقية والوقوف في وجهها. لذا فالاحتجاج على كبار القوم لا يورث إلا السمعة السيئة والفضيحة؛ إنه خروج على عرف العائلة وعادات المجتمع التي اكتسبت سمة الشرائع التي لا مجال لمراجعتها أو مناقشتها. واللفظة “عزارة” تكتسب دلالتها العميقة والمركّبة من خلال تلاعبها الساخر بهذا التوتر الذي ينشأ بين قيم القارئ المعاصر لفهم هذا الحدث على طرف نقيض للإيمان الراسخ الذي يتعمق في خلد أبطال القصة كبارًا وصغارًا. ويقود هذا التوتر أخيرًا إلى رفض القارئ لهذا التوجّه التقليدي-المتخلف الذي يعني إلغاء الفرد وتقديس المجتمع والزعيم والفكر الأبوي التسلطي.
من أجل ترسيخ الرسالة التي يسعى الكاتب إلى إيصالها، تعرض القصة جوًا مشحونًا بالخوف والترقب عبر الراوي الطفل:
رغم سنواتي العشر، إلا أنني كنت قادرًا على استيعاب أن أمرًا جللاً وقع. كانت والدتي تغلق باب غرفة نومنا في كل مرة يُفتح، كي لا نسمع ما يدور من همس مضطرب في الصالة. لم تكن “جلسات” كهذه تتم في المنزل إلا في الأمور الجسام.[86]
وكذلك:
يبدو أن أختي كانت تفهم أكثر مني، بسنواتها الاثنتي عشرة، وربما بحدسها الأنثوي الذي بدأ يتفتح على واقع الحياة من حولنا، فكانت تنصت باهتمام عبر شقّ الباب وكان الخوف يسيطر على قسمات وجهها في كل مرة يعلو اللغط.[87]
إلى غير ذلك من الأمور غير العادية التي تحدث وتثير مخاوف الراوي الطفل، سواء داخل البيت أو خارجه، إلى حد اعتقاد الراوي أن أحدًا في العائلة قد توفي. وفي اليوم التالي دبّت حركة مختلفة في المنزل، وكانت رائحة الطبيخ تفوح من جميع الأركان. ويتبين أن العائلة عقدت اجتماعًا لتسوية الموضوع الذي بقي خافيًا على الأطفال الذين أحسّوا بهول الخطب، ولكنهم لم يعرفوا ماهيته ولم يجدوا له تفسيرًا. ويتضح تدريجيًا خلال قراءة القصة أن طفلة في عمر الراوي أو أكبر قليلاً قد تعرضت لأعمال مشينة من أحد كبار العائلة. وبسذاجة الأطفال وبراءتهم قامت هذه الطفلة بكشف الأمر، بحيث انتشر الخبر في البلدة. وحينئذ تهرع العائلة للانعقاد في بيت والد الراوي لتسوية الموضوع الذي يضرّ بوحدة العائلة وسمعتها. ثم يؤتى بالطفلة الضحية وأمها تجرّها للاعتذار من الجاني وتقبيل يده، لأنها أهانته ولطّخت سمعته وسمعة العائلة بالمفهوم التقليدي للمجتمع الأبوي. وبعد أن يتم ذلك ويسوّى الأمر تنطلق الزغاريد ويتنفس الجميع الصعداء، لأن الرباط العائلي لم يتزعزع. وقد لُقّنت الطفلة وأهلها، وخاصة أمها، درسًا في الرضوخ لأعراف المجتمع التقليدي.
لقد سرت هذه القيمة التربوية من الكبير إلى أصغر الأطفال. وهمهم الجميع: “يعني هيي لازم تحكي؟ الله يفضحها!”.[88]وكانت النساء-الأمهات على رأس من طبّق هذا المفهوم وتبنّاه. وبذلك تؤكد هذه القصة الفكرة التي ترى أن النساء يقفن ضد أنفسهن، أو أن المرأة تقف في وجه بنات جنسها وتحاربهن من منطلق أنها كأقلية تتبنى فكر الأكثرية أو السلطة وتقوم بالتماهي مع مستعمرها واستبطانها لأيديولوجيته المعادية لها.[89]وهكذا تقول أم الراوي لابنتها تعليقًا على الحدث:
“تروح تتخيّب! شو هيّي أول وحده؟ بدّا تخرب العيلة؟ إوعك بحياتك تجيبي هاي السيرة أو تفتحي هيك موضوع! فاهمة؟” تمتمت أختي بكلمات قدّرتُ أنها خضوع تام لمطلب أمي.[90]
هكذا يحمل العنوان “عزارة” من المفارقة المركّبة أكثر بكثير مما يحمل من وظيفة التصوير السطحي للواقع، كما درجت على ذلك الواقعية التقليدية. وينضمّ بهذا علاء حليحل إلى ركب الكتّاب الذين يؤمنون برسالة الأدب الملتزم في كشف عيوب المجتمع التقليدي والتنديد بقاموسه ورموزه. ولا غرو أن يكون هذا الخروج لا يعني التنكر للمفاهيم المضمونية للثقافة التقليدية على مستوى الخطابي والإعلاني فحسب، بل لأشكالها ورموزها وأدوات تعبيرها من خلال تبني أشكال حداثية مناقضة لها في أدبه كذلك. وبذلك يدين حليحل هذا المجتمع على مستوى الفعل الأدبي لا على مستوى الشعارات فحسب.[91]
4.2 وهذا يقودنا إلى فئة أخرى من الكتّاب في الاتجاه المعاكس قلما تظهر اللهجة المحكيةأو آثارهافي العناوين الخارجية أو الداخلية لقصصهم بصورة مكشوفة. وهذا يبرز بشكل خاص لدى الكتاب الذين بدأوا كتابتهم منذ الثمانينات من القرن الماضي.[92]اخترنا من هؤلاء الكتّاب سهيل كيوان.[93] سنقف أولاً على بعض عناوين قصصه. ثم نحاول الإجابة عن أسباب تقنّع العنوان لديه فيما بعد.
تحت سطح الحبر تضم 18 قصة قصيرة[94]لا تطل الأجواء الشعبية إلا من خلال عنوان واحد وهو “أبو حسن بدون «غانيات حزينات» ولا «جميلات نائمات»”.[95]ولكن بالإضافة إلى هذا العنوان ثمة عنوانان يلفتان النظر لا بد أولاً من النظر فيهما ثم نعود لمعالجة هذه القصة.
ما من شك أن العنوان الأكثر جذبًا للنظر هو عنوان المجموعة “تحت سطح الحبر”،فهو كسرخلّاق وتلاعب لافت في التعبير الـمُؤَتْمَت (automatized):[96]“تحت سطح البحر”. عملية كسر الأتمتة، أو اللاأَتـْمَتَة (Deautomatization) هنا لا تدل على نهج حداثي في انتقاء العنوان فحسب، بل يمكن أن تقول لنا الكثير سيميائيًا حول طبيعة هذه المجموعة ومنحى كاتبها. وهذا ما يغرينا بالمتابعة لقراءة القصة التي تحمل العنوان نفسه: “تحت سطح الحبر”.[97]وحدسنا الأولي أن هذه القصة تنتمي إلى تيار “أدب ما وراء الأدب” (ArsPoetica)،[98]وتدعم هذا التكهن تقنية التلاعب في كسر التعبير ليحلّ “الحبر”رمز الكتابة محلّ “البحر”. وثمة تناص خفي بين العنوان والآية القرآنية: “قُل لو كان البحر مِدَادًا لكلماتِ ربِّي لَنَفِدَ البحرُ قبْلَأن تَنفَدَ كلماتُ ربِّي ولو جئْنا بمثْلِه مَدَدًا”.[99]والآية تتضمن الأصل ومرادف الكسر من التعبير معًا: البحر والمداد (الحبر)، إذ يرد ذكر البحر الذي ينفد مداده قبل أن تنفد كلمات الله التي لا حدّ لها. تعرض القصة للإملاءات الاجتماعية التي تقمع الأديب وتكتم صوته الحقيقي، بدءًا من الأب الذي يقمع طفله حين تلوح عليه بوادر الإبداع الأدبي، ومرورًا بالزوجة التي تتصيد زوجها الكاتب لتُسقط العالم الحقيقي على الآخر التخييلي، وانتهاء بالمجتمع والأبناء الذين يكمّمون فم الأديب ويكبّلون قلمه، فيظلّ أسيرًا لهذه القيود الاجتماعية ولا يقوى على التعبير عن نفسه بصدق وحرية. وهكذا تخنق حرية التعبير ويوءَد الأدب الحقيقي. وعلى لسان الراوي ترد الكلمات التالية لتلخّص حالة المبدع الذي يعاني من هذه القيود:
أحس بأهمية ما لا يُكتب بقدر أهمية ما يُكتب! كلمات كانت ترفع تنورتها فوق الركبة وتكشف كشحها صارت متجلببة وتغضّ طرفها حياء! رقابات لا عين رأت ولا أذن سمعت، لبعضها أنياب مزرقّة تمزّق لحم الكلمات، وأخرى ترمي فستقها وتوتها لنصّ أسير في قفص من ذهب! هكذا تعلّم البحث عن المستور تحت سطح الحبر، وفي تلال الأصداف الفارغة عن هدية تسد رمق روحه السّاغبة.[100]
الفكرة التي يعالجها الكاتب فيها الكثير من الأصالة والتجديد. وقد عبّر عنها بطريقة منبتّة عن السياق المحلي والعربي، فلا أسماء شخصيات ولا مكان ولا زمان. وبذلك تحدّدت هذه القصة في المجال شبه التجريديّ الذي لا يلتصق بجو معين. وكذا كان العنوان.[101]
قصة “لكل مقام حذاء” لا يقل عنوانها إبداعًا عن عنوان المجموعة، مع التشابه الواضح بينهما في الطرح المضموني وفي التقنية الفنية.فالعنوان هو كذلك كسر للتعبير المؤتمت: “لكل مقام مقال”.وتُبرز القصة أهمية التغيير والإقدام على الجديد واقتحام المجهول وعدم التمسك بالأصول التي لا فائدة من ورائها. الحذاء يمثّل الأرضية التي يُركَن إليها والجذور التي تضرب في الأرض. وبذا يكون التردد في تغيير الحذاء البالي وعدم الإقدام على واحد جديد بدله، رغم قِدمه واهترائه، يدلان رمزيًا على هذا الطرح الذي قد يصبّ في مجال أدب ما وراء الأدب.يجوز لنا فهم ذلك كدعوة للأدباء إلى التجديد إذا عرفنا أن البطل عبّر عن موقفه من التغيير كمندوب للمنتدى الثقافي الذي ينتمي إليه. وعبْر خطبة ألقاها، شبّه ذلك الخوف من الجديد بالخوف من تغيير الحذاء.
وفي نفس مجال الأدب ما وراء الأدب، يمكن فهم التعبير “لكل مقام حذاء” من منطلق الضعة أو الخسّة التي يكتسبها الحذاء في المفهوم الشعبي، فالضرب بالحذاء هو إهانة للمضروب حين لا ينفع الكلام. ولنا أن نقارن بين المقال والحذاء لنشتمّ من التعبير عدم جدوى الكلام أو تفاهته وفراغه من مضمونه. وهو ما جعل بطل القصة يتردد في الكلام، بل يتنازل عن حقه فيه. ثم كان أن رضخ تحت الضغط ليعبّر عن رأيه في خطبة غير تقليدية، وكأنها كانت صفعة للمتكلمين والحضور، أو ضربًا لهم بالحذاء.
ويمكن كذلك أن تتجه الفكرة في “لكل مقام حذاء” إلى حضّ المجتمع عامة على تبني الجديد في الحياة والفكر. وسواء فهمنا القصة على مستوى الأدب الواعي بذاته أو كطرح لهمّ جماعي، ففي الحالتين لا نلمس إشارة واقعية عينية لمعالجة همّ اجتماعي أو سياسي في السياق المحلي أو العربي. وهكذا تتشابه هذه القصة مع سابقتها في عنوانها وفي طرحها لقضية إنسانية عبر همّ يؤرّق الكاتب وقلمه في مجال الإبداع.[102]
وعودة إلى عنوان القصة: “أبو حسن بدون «غانيات حزينات» ولا «جميلات نائمات»”، إذ نرى أنها تمزج بين الحداثي والشعبي بطريقة مبتكرة، فهي من ناحية تتحدث عن ثقافة الراوي-الكاتب الذي قرأ ماركيز(Márquez) وجذبته روايته ذاكرة غانياتي الحزينات،[103]التي تذكر مضاجعة الكاتب العجوز للعاهرات الـ 514،ويقارن ذلك مع الرواية اليابانية الجميلات النائمات لكاواباتا،[104]التي تذكر ارتياد كبار السن لمنزل الجميلات النائمات، يقضون ليلة إلى جانب مراهقة نائمة تحت تأثير مخدّر مكتفين باستعادة شبابهم عبر الذكريات والخيالات.ومن ناحية أخرى، يخطر ذلك كله ببال الراوي وهو يجلس في بيت للعزاء بجانب “أبو حسن”، شيخ تجاوز الثمانين من العمر وقد تزوج للمرة الثالثة من فتاة في ريعان الشباب. ويعلمه أبو حسن خلال كلامهما أن زوجته حامل، وذلك من خلال حوار طريف يبدأه الراوي بسؤال “أبو حسن” عن سبب زواجه في هذه السنالمتأخرة ليجيبه:
- أنا يا عمي لم أتزوج من أجل الأولاد! أخذتها فقط كي لا أتحمل جميل أحد، لا يوجد أصعب من تحمّل جميل الآخرين! الرجل بدون امرأة مثل الكلب بعيد السامعين!
همست له –لأجل الطعام والغسيل فقط تزوجت!
فردّ بمتعة ظاهرة –وهل يوجد شيء ألذ من يد امرأة تليّف لك ظهرك أثناء الاغتسال! أنا لا أغتسل إلا في اللجن، أجلس فيه وهي تصب الماء وتفرك لي ظهري ورقبتي!
- ليفة وبس يا أبو حسن؟
- يعني إذا أعطاك الله نعمة فهل ترفسها! ثم إذا أعطى الله هذه المستورة (نتفة) ولد تعيش لأجله وتتكئ عليه في شيخوختها فلم لا! هل أحرمها من قسمتها ونصيبها! يا رجل الناس ما عادت تخاف الله! إنهم قليلو دين! يحاربون شرع الله![105]
من الملاحظ أن الكنية الشعبية في العنوان “أبو حسن”تتآلفمع أجواء هذه القصة المفعمة بالحكي الشعبي الذي نلمسه من خلال التعابير والألفاظ ذات النكهة المحلية. ولكن الكنية هنا تختلط بتعبيرين غريبين على الأجواء: “غانيات حزينات” و”جميلات نائمات”، الأمرالذي يخلق توتّرًا في العنوان تنتهجه القصة الحداثية، بحيث يجاور البعد الشعبي والاجتماعي البعد العالمي والإنساني في هذه القصة.هكذا نخرج بنتيجة مؤداها أن سهيل كيوان ما زال يراوح في مجموعته هذه بين الخروج على المحلي والانطلاق إلى الإنساني والمجرّد وبين روابط دفينة تنبجس من الأجواء الشعبية. وهذا ما تحقّق بصورة جليّة في قصته هذه، بينما غلبت على معظم قصص المجموعة الأجواء المجرّدة الخالية من العناصر الشعبية، وهو ما توَّجَهُ عنوان المجموعة الحداثي، كما أوضحنا أعلاه. ويعيدنا هذا الاستنتاجإلى افتراضنا أن سهيل كيوان ينتمي لذلك التيار الذي يصرّ على عدم تفريطه بالشعبي،وإن تخطّاه بمفهومه البدائي، ليستغله في تحقيق قصة حداثية لا تنكص عن دعوتها للتغيير والثورة في العديد من المجالات.
5. وبعد،
لعله من الصعب الخروج بنتائج حاسمة من خلال خمسة أعمال قصصية، ومع ذلك لنا أن نطرح بعض التصورات التي تحتاج إلى مواصلة البحث والدراسة لتأكيدها أو نفيها.
رأينا سينكرونيًا ما للعنوان من أهمية بالغة كعتبة نصية في تحديد شعرية النص وسيمياء الأدب. وقد اتخذت المحكية عبر العنوان سبلاً ووسائل شتى بتوظيفها في القصة الفلسطينية في الداخل، سواء على مستوى اللفظة، التعبير، المثل، الأصداء الشعبية، الاستعارة والرمز.
وبرؤية دياكرونية، في مرحلة البدايات قلّ استعمال المحكية في العناوين بصورة واضحة، فكانت تارة تنزوي وراء العناصر الكلاسيكية، وفي أحيان كثيرة تختلط مع مخلّفات المدرسة الرومانسية. مع الثمانينات بدأت تدريجيًا تتضح معالم مرحلة أخرى ذات طابع حداثي أكثر تركيبًا في التعامل مع المحكية. ينتمي للبدايات مصطفى مرار، نجوى فرح، بينما ينتمي للمرحلة الثانية إميل حبيبي، وعلاء حليحل وسهيل كيوان.
هناك كتّاب تبدو العامية في عناوينهم بحاجة إلى تعامل نقدي خاص. ولعل أحد التفسيرات التي تتبادر إلى الذهن هو الطابع غير الواقعي لقصصهم. ومع ذلك ليس من الحكمة إطلاق أحكام نقدية متسرعة على أدبهم وانتمائهم. وهذا ينطبق على سهيل كيوان الذي لم يتعامل مع المحكية في العنوان بتلك البساطة التي ميّزت كتّاب البدايات. لقد تمازج لديه الحداثي بالواقعي والإنساني بالاجتماعي والعالمي بالمحلي في نسيج مركّب بألوان الطيف.
يمكن تصنيف الكتّاب الذين استعملوا العامية إلى مجموعتين، مجموعة لامست الواقع بمنطلق رومانسي، كما لدى نجوى قعوار مثلاً. وهكذا جاءت عناوين قصصها أحيانًا كوصف أو تلخيص لمضمونها. بينما المجموعة الثانية تعاملت مع العناوين بصورة أكثر تركيبًا من خلال تحويل العنوان إلى استعارة أو رمز، كما في إخطية حبيبي التي تؤرّخ للعقاب الفلسطيني على المستوى السياسي، أو تحميله دلالة ساخرة عبر استنكار الفضيحة في “عزارة” حليحل وهي تدمغ الواقع الفلسطيني على المستوى الاجتماعي.
يمكن الإشارة إلى التزام بعض الكتاب اجتماعيًا وسياسيًا من خلال الولوج إلى عالمهم عبر العنوان، والبعض الآخر لا يتكشف ذلك من عناوينهم بنفس الأدوات النقدية. المجموعة الأولى ينتمي إليها قعوار ومرار بينما ينتمي للمجموعة الثانية بخطوط عريضة: حبيبي وحليحل وكيوان، مع فوارق بينهم. ولعلّ قضية الالتزام هذه تكتسب أهمية خاصة في السياق الفلسطيني المحلي، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي.
ومع ذلك، فليس بالضرورة أن نتوصل إلى نتائج بشأن كتّاب ينتمون إلى مرحلة تاريخية معينة أو مدرسة أدبية ما وأن ينسحب ذلك على فترة تاريخية أخرى أو انتماء مذهبي مغاير. وهذا ينطبق على مصطفى مرار الذي ينتمي إلى البدايات وتميزت عناوينه وكتاباته في الخمسينات والستينات بطابع المحاكاة للكتابات النيوكلاسيكية، كما أن ثقافته لها تأثير واضح على مجموعاته الأولى بشكل لافت. ولكن الأسباب التي تكمن وراء اختفاء العامية في عناوين مرار في البدايات ليست نفسها التي تبرّر تقنّعها لدى كيوان.
ومن هنا، وبشيء من التعميم، وبقدر من العلمية، يمكن الحديث عن مدارس أو تيارات أدبية من خلال العناوين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تجلّى ذلك بوضوح لدى نجوى فرح التي تراوحت عناوينها بين الرومانسية ونزر من الواقعية في مجموعتها لمن الربيع، ولدى مرار ككاتب بعيد عن الرومانسية والواقعية في بداياته، ولدى كيوان وهو يوغل في مسارب الحداثة وما بعد الحداثة، أو لدى علاء حليحل ككاتب مغرق في واقعية ساخرة، تراوح بين الحداثي والشعبي، وكأن القارئ يلمس فيه ذلك العمق الخاص الذي ميّز إميل حبيبي في تعامله مع المحكية في العنوان. وبقدر ما يبدو هذا التعميم مريحًا لمدّ خطوط بين كتّاب تشابهوا في المشارب وانتموا إلى نفس التيار، رغم ما يفصل بينهم من سنين، بقدر ما يثير تساؤلات جديدة ويطرح تحديات صعبة حول صلاحية التحقيب الذي ينتهجه تاريخ الأدب، والذي استفاد منه هذا المقال، في انتهاج رؤية دياكرونية في التعامل مع تطور تقنية المحكية في العنوان.
وأخيرًا، لم يعد ثمة شك أن للعنوان موقعًا مركزيًا ومميّزًا في منظومة العناصر التي يتشكل منها العمل الأدبي. وهذا يدعونا، من ناحية أخرى، إلى التشكيك في الأهمية القصوى التي نحمّلها للوظيفة الأدبية التي تناط باللغة من خلال تكرار الحروف، أو الألفاظ أو التعابير، الأمر الذي يؤدي إلى لفت نظر القارئ وإغرائه باستخلاص نتائج على مستوى النص وعلى مستوى الدلالة خارج النص. هكذا ينتهج الباحث وقارئ الأدب عادة في اعتماد التكرار مقياسًا في البحث الأدبي للوقوف على بعض السمات الأسلوبية ووظيفتها الأدبية، كالموتيفاتأو الرموز أو الجرس اللفظي، على سبيل المثال لا الحصر. ولكن مركزية العنوان تعيد ترتيب الأوراق بحيث نميل إلى القول بثقة إنه مهما كانت الأهمية التي يكتسبها التكرار، ومهما كان التشديد على كثرة الاستعمال وتواتره في المجال اللغوي ذا دلالة مؤثرة، فإن موقع المركّب اللغوي في النص، سواء كان لفظة أو تعبيرًا أو جملة وغيرها، أكثر أثرًا ودلالته أشد وقعًا على النص الأدبي؛ قد يظهر المركّب اللغوي مرة واحدة ولكن في مكان مركزي ومميز فيكتسب من الفاعلية والإغواء أكثر بكثير من ظهوره عدة مرات في مواقع غير ذات أهمية. وينطبق هذا الكلام على ظهور لفظة عامية في العنوان ليكون تأثيرها فعالاً أكثر من تكرار ظهورها في عدة مواقع هامشية في داخل النص. وكان رومان ياكبسون (Roman Jakobson) قد لجأ إلى الفن التشكيلي لتبرير ذلك حين قال: “إن كيلوغرامًا من الصِّباغ الأخضر ليس أكثر اخضرارًا من نصف كيلوغرام”.[106]
.
ثبت بالمراجع
أبو تمام، 1957 أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي (1957)، ديوان أبي تمام، شرح الخطيب التبريزي، القاهرة: دار المعارف.
أدونيس، 1972 أدونيس (1972)، زمن الشعر، بيروت: دار العودة.
الأغاني الأصفهاني، أبو الفرج (د. ت.)، كتاب الأغاني، حيفا: بئيرأوفست (عن طبعة دار الثقافة اللبنانية).
الأندلسي، 1962 الأندلسي،أبومحمدعليبنأحمدبنسعيدبنحزم (1962)،جمهرةأنسابالعرب،تحقيق: عبدالسلامهارون،القاهرة: دارالمعارف.
بدر، 1983 بدر، عبد المحسن طه (1983)، تطور الرواية العربية الحديثة في مصر (1870-1938)، القاهرة: دار المعارف.
بلعابد، 2008 بلعابد، عبد الحق(2008)، تقديم: سعيد يقطين،عتبات (جيرار جينيتمن النص الى المناص)، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، الجزائر: منشورات الاختلاف.
بنكراد، 2005 بنكراد، سعيد (2005)، السيميائية: مفاهيمها وتطبيقاتها، اللاذقية، سوريا: دار الحوار.
بنيس، 1989 بنيس، محمد (1989)، الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها، ج 1، التقليدية، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
بوطيب، 1996 بوطيب، جمال (1996)، “العنوان في الرواية المغربية (حداثة النص/حداثة محيطه”، جماعة من المؤلفين، الرواية المغربية – أسئلة الحداثة، الدار البيضاء: دار الثقافة، ص 193-204.
بيدس، 1990 بيدس، رياض (1990)، صوت خافت، نيقوسيا: مطبوعات فرح.
الجزار، 1998 الجزار، محمد فكري (1998)، العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
جينيت، 1999 جينيت، جيرار (1999)، “طروس الأدب على الأدب”، ترجمة: محمد خير البقاعي، الموقف الأدبي، ع 333، ص 116-125.
الموقع: http://www.awu-dam.org/mokifadaby
تاريخ الدخول: 5/6/2012.
حبيبي، 1985 حبيبي، إميل (1985)، إخطية، نيقوسيا: بيسان برس.
حبيبي، 1991 حبيبي، إميل (1991)، خرافية سرايا بنت الغول، حيفا: دار عربسك.
الحجمري، 1996 الحجمري، عبد الفتاح (1996)، عتبات النص – البنية والدلالة، الدار البيضاء: منشورات الرابطة.
حداد، 2002 حداد، علي (2002)، “العين والعتبة، مقاربة لشعرية العنونة عند البردوني”، مجلة الموقف الأدبي، دمشق، ع 370، ص 38-62.
حسين، 2007 حسين، خالد حسين (2007)، في نظرية العنوان، مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية، دمشق: دار التكوين.
حليحل، 2012 حليحل، علاء (2012)، كارلا بروني عشيقتي السرية، عكا: كتب قديتا.
حليفي، 1992 حليفي، شعيب (1992)، “النص الموازي في الرواية (استراتيجية العنوان)”،مجلةالكرمل، قبرص: بيسان للصحافة والنشر، ع 46، ص 82-102.
حليفي، 2005 حليفي، شعيب (2005)، هوية العلامات في العتبات وبناء التأويل، الدار البيضاء: دار الثقافة.
حماد، 1997 حماد، حسن محمد (1997)، تداخل النصوص في الرواية العربية، القاهرة: الهيئةالمصريةالعامةللكتاب.
حمد، 2011 حمد، محمد (2011)، الميتاقص في الرواية العربية، مرايا السرد النرجسي، باقة الغربية: أكاديمية القاسمي.
حمداوي، 2006 حمداوي، جميل (2006)، “لماذا النص الموازي”، مجلةالكرمل، رام الله: مؤسسة الكرمل الثقافية، ع 88/89، ص 218-225.
حمداوي، 2011 حمداوي، جميل (2011)، “السيميوطيقا والعنونة”، صحيفة المثقف، 24/1/2011.
تاريخ الدخول: 11/6/2012. (نشر المقالسابقًا في عالم الفكر، الكويت، م 25، ع 3، 1997، ص 79-112).
حمداوي، دهشة جميل حمداوي، “صورة العنوان في الرواية العربية” (عن مجلة أقلام)، موقع دهشة.
تاريخ الدخول: 6/5/2012.
رضا، 2010 رضا، عامر (2010)، “دلالة العنوان في المجمــوعة القصصية”، دنيا الرأي، 25/11/2010.
http://pulpit.alwatanvoice.com
تاريخ الدخول: 10/6/2012.
ريان، 2012 شقير-ريان، فاطمة (2012)، الأمثال الشعبية الفلسطينية في قصص مصطفى مرار،كفر قرع: أ. دار الهدى.
السعداوي، 1990 السعداوي، نوال (1990)، دراسات عن المرأة والرجل في المجتمع العربي، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
الشرق، 2000 الشرق (2000)، ملف خاص عن مصطفى مرار، مجلةالشرق، ع 1، كانون الثاني-آذار.
شوقي، 1984 شوقي، أحمد (1984)، الأعمال الكاملة: المسرحيات، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب.
طرابيشي، 1995 طرابيشي، جورج (1995)، أنثى ضد الأنوثة: دراسة في أدب نوال السعداوي على ضوء التحليل النفسي، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر.
عباد، 1993 عباد، عبد الرحمن (1993)، القصة والأقصوصةالفلسطينية، دراسة تحليلية في أدب مصطفى مرار، باقة الغربية: منشورات شمس.
عباسي، 1998 عباسي، محمود (1998)، تطور الرواية والقصة القصيرة في الأدب العربي في إسرائيل (1948-1976)، حيفا: مكتبة كل شيء، وشفاعمرو: دار المشرق.
العلام، 1997 العلام، عبد الرحيم (1997)، “الخطاب المقدماتي في الرواية المغربية”، مجلةعلامات، ع 8، موقع سعيد بنكراد.
تاريخ الدخول: 11/6/2012.
عويس، 1988 عويس، محمد (1988)، العنوانفيالأدبالعربي:النشأةوالتطور،القاهرة: مكتبةالأنجلوالمصرية.
غنايم، 1992 غنايم، محمود (1992)، تيار الوعي في الرواية العربية الحديثة، القاهرة: دار الهدى، بيروت: دار الجيل.
غنايم، 1995 غنايم، محمود (1995)، المدار الصعب، رحلة القصة الفلسطينية في إسرائيل، جامعة حيفا: منشورات الكرمل، وكفر قرع: دار الهدى.
غنايم، 2/2003 غنايم، محمود (2002-2003)، “العبر نوعية في الأدب العربي الحديث: سقوط العصمة والقداسة عن الفن القصصي”، الكرمل (جامعة حيفا)،ع23-24،ص193-208.
فاعور، 2001 فاعور، ياسين (2001)، القصة القصيرة الفلسطينية، ميلادها وتطورها (1990-1924)، دمشق: اتحاد الكتاب العرب.
فرح، 1963 قعوارفرح، نجوى (1963)، لمن الربيع، الناصرة: مطبعة الحكيم.
فرح، موقع موقع نجوى قعوار فرح.
تاريخ الدخول: 6/5/2012.
الفريجات، 2009 الفريجات، عادل (2009)، “السرد ناقدًا والنقد مسرودًا”، في: نبيل حداد ومحمود درابسة (تحرير)، تداخل الأنواع الأدبية، مؤتمر النقد الدولي الثاني عشر، المجلد الأول، إربد، الأردن: عالم الكتب الحديث، ص 721-737.
فورستر، 1994 فورستر، إ. م. (1994)، أركان الرواية، ترجمة: موسى عاصي، طرابلس، لبنان: جروس برس.
قرآن القرآن الكريم.
قطوس، 2001 قطوس، بسام (2001)، سيمياء العنوان، عمان: وزارة الثقافة.
كاواباتا، 2006 كاواباتا، ياسوناري (2006)، الجميلاتالنائمات، ترجمة: ماري طوق، بيروت: دار الآداب.
كيوان، 2005 كيوان، سهيل (2005)، تحت سطح الحبر، رام الله: دار الماجد.
لوباني، 1999 لوباني، حسين علي (1999)، معجم الأمثال الفلسطينية، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون.
ماركيز، 2005 غارسياماركيز،غابرييل (2005)،ذاكرةغانياتيالحزينات،ترجمة: صالحعلماني،دمشق: دارالمدى.
الماضي، 2005 الماضي، نريمان (2005)، “العنوان في شعر عبد القادر الجنابي”، 26/12/2005، موقع إيلاف.
تاريخ الدخول: 5/6/2012.
المتنبي، 1900 المتنبي، أبو الطيب (1900)، ديوان أبي الطيب المتنبي،علق حواشيه: سليم إبراهيم صادر، بيروت: دار صادر.
مرار، 1970 مرار، مصطفى (1970)،طريق الآلام وقصص أخرى، القدس: مجلة الشرق.
منصر، 2007 منصر، نبيل (2007)، الخطاب الموازي للقصيدة العربية المعاصرة، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
موريه وعباسي، 1987 موريه، شموئيل ومحمود عباسي (1987)، تراجم وآثار في الأدب العربي فيإسرائيل 1948-1986، القدس: المجلس الشعبي للثقافة والفنون، معهد هاري ترومان للأبحاث، الجامعة العبرية،وشفاعمرو: دارالمشرق للترجمة والطباعة والنشر.
وليك ووارن، 1992 وليك،رنيهوأوستنوارن (1992)،نظريةالأدب،الرياض: دار المريخ للنشر.
ياكبسون، 1988 ياكبسون، رومان (1988)، قضايا الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
ياكبسون، 1988 ياكبسون، رومان (1988)، قضايا الشعرية، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، الدار البيضاء: دار توبقال للنشر.
يقطين، 1989 يقطين، سعيد (1989)، انفتاح النص الروائي (النص–السياق)، بيروت والدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.
אבן-זהר, 1984 אבן-זהר, איתמר (1984), “אוטומאטיזאציה”, הספרות, מס’ 1 (33), עמ’ 142- 143.
Badawi, 1992 Badawi, M. M. (1992) (ed.), Cambridge History of Arabic Literature: Modern Arabic Literature,Cambridge: Cambridge University Press.
Even-Zohar, 1990 Even-Zohar, Itamar, (1990), “‘Reality’ and Realemes in Narrative”, Poetics Today, 11:1, pp. 207-218.
Forster, 1954 Forster, E. M. (1954), Aspects of the Novel, New York: A Harvest Book, Harcourt, Brace and Company.
Genette, 1988 Genette, Gérard (1988), “Structure and Functions of the Title in Literature”, translated by Bernard Crampé, Critical Inquiry, vol. 14, pp. 692-720.
Genette, 1991 Genette, Gérard (1991), “Introduction to the Paratext”, translated by Marie Maclean, New Literary History, vol. 22, No. 2, Probings: Art, Criticism, Genre, Spring, pp. 261-272.
Genette, 1997a Genette, Gérard (1997), Palimpsests: Literature in the Second Degree,translated byChanna Newman& Claude Doubinsky, foreword by Gerald Prince, Lincoln: University of Nebraska Press.
Genette, 1997b Genette, Gérard (1997),Paratexts: Thresholds of Interpretation (Seuils) translated byJane E. Lewin, foreword by Richard Macksey, Cambridge: Cambridge University Press.
Ghanayim, 2008 Ghanayim, Mahmud (2008), The Quest for a Lost Identity: Palestinian Fiction in Israel, Wiesbaden: Harrassowitz.
Jakobson, 1987 Jakobson, Roman (1987), Language in Literature, ed. by KrystynaPomorska& Stephen Rudy, Cambridge, MA: Belknap.
Marquez, 2005 Garcia Marquez, Gabriel (2005), Memories of My Melancholy Whores, translated by Edith Grossman, New York: Vintage Books.
Mukarovsky, 1964 Mukarovsky, Jan (1964), “Standard Language and Poetic Language”, in: P. L. Garven (ed.), a Prague School Reader, Washington D. C.: Georgetown University Press, pp. 17-30.
Scholes, 1982 Scholes, Robert (1982), Semiotics and Interpretation, New Haven & London: Yale University Press.
Selden, 1993 Selden, Raman & Peter Widdowson (1993), a Reader’s Guide to Contemporary Literary Theory, New York: Harvester Wheatsheaf.
Somekh, 1991 Somekh, Sasson (1991), Genre and Language in Modern Arabic Literature, Wiesbaden: Harrassowitz.
Taha, 2000 Taha, Ibrahim (2000), “The Power of the Title, Why Have You Left the Horse Alone by MaÎmÙdDarwÐsh, Journal of Arabic and Islamic Studies, 3, pp. 66-83.
Taha, 2002 Taha, Ibrahim (2002), The Palestinian Novel: A Communication Study, London: Routledge Curzon.
Taha, 2009, Taha, Ibrahim (2009), “Semiotics of Literary Titling: Three Categories of Reference”, Applied Semiotics/SémiotiqueAppliquée (AS/SA) 9:22, pp. 43-62.
[1]عن وظيفة العامية بشكل عام في الأدب، انظر على سبيل المثالSomekh, 1991؛ غنايم، 1992.
[2]كتابة تاريخ الأدب بالمفهوم الحديث يتطلب دراسة نصية، أو بالأحرى دراسة العديد من النصوص للخروج بنتائج يمكن التعميم من خلالها. انظر كذلك حمداوي، دهشة، إمكانية تحقيب الرواية بناء على العنوان.
[3]انظر حداد، 2002، ص 45.
[4]انظر Forster, 1954, p.152؛ والترجمة: فورستر، 1994، ص 111.
[5]Genette, 1997b.
[6]انظر مثلاً يقطين، 1989، ص 102.
[7]انظر بلعابد، 2008. ثمة كتاب آخر سابق لجينيت تناوله بلعابد في كتابه، وهو Palimpsests: Literature in the Second Degree ؛انظر Genette, 1997a، وقد ترجمه إلى العربية باسم “أطراس”، بلعابد، 2008، ص 26، بينما ترجم البقاعي الفصل الأول منه تحت عنوان “طروس الأدب على الأدب”، انظر جينيت، 1999.
[8]انظر كذلك Genette, 1988; Genette, 1991; Genette, 1997a, p. 3.حول إشكالية المصطلح، انظر حماد، 1997، ص 17-37، وخاصة ص 31؛ حمداوي، 2006، ص 218-225
[9]انظر العلام، 1997؛ حليفي، 2005، ص 9-128.
[10]بنيس، 1989، ص 76-77؛الحجمري، 1996، ص 9؛ حسين، 2007، ص 43-56.
[11]الجزار، 1998، ص 31.
[12]قطوس، 2001، ص 72-77.
[13]Genette, 1988, p. 707.
[14]انظر الماضي، 2005.
[15]هذه القضية، رغم أهميتها، خارجة عن موضوع دراستنا، لأنها تنشغل بالعنوان فقط.
[16]حليفي، 1992.
[17]ن. م.، ص 83.
[18]ن. م.، ص 84.
[19]Genette, 1988, pp. 708-720. انظر وظائف متعددة أخرى، تنبثق بطريقة أو بأخرى من الوظائف المشار إليها في المتن، لدى حسين، 2007، ص 97-108.
[20]مثلاً يرى جمال بوطيب أن العنوان يحيل على النص. وهي الوظيفة المرجعية الأساسية له، بوطيب، 1996، ص 193-194.
[21]بنكراد، 2005، مستويات الدلالة، ص 270-273.
[22]بلعابد، 2008، ص 73-89. انظر كذلك قطوس، 2001، غواية العنوان، ص 60.
[23]إن العنوان يمكن أن يشكّل مدخلاً إلى النص، لكنه يمكنه كذلك أن يشكّل عائقًا للدخول إليه.
[24] انظر منصر، 2007،من النص الموازي إلى النص، ص 311-380.
[25]عويس، 1988.
[26]الحجمري، 1996، ص 7.
[27]لم يشر إليها جينيت في أبحاثه العديدة. انظر حليفي، 1992، ملاحظة رقم 53، ص 102.
[28]انظر كذلك يقطين، 1989، ص 96-97، إذ يرى أن العنوان هو نوع من التعاليات النصية التي تعالق بين نص وآخر. ويطلق على هذا النوع من التعاليات اسم “الـمُناصّ”، ترجمة لمصطلح جينيت: (Paratext). وكما يفهم من هذا أن هذه التعاليات لا تحيل على الواقع.
[29]الحجمري، 1996، ص 9.
[30]حليفي، 1992، ص 84.
[31]الحجمري، 1996، ص 10-11.
[32]Genette, 1988, pp. 711-715.
[33]حليفي، 192، ص 84.
[34]انظر رضا، 2010، إذ يشير إلى البنية الدلالـية للعنوان باقتضاب. انظر كذلك حمداوي، 2011، نهاية المقال: تركيب واستنتاج.
[35]حول القسريات النوعية، انظر غنايم، 1992، ص 5-49.
[36]حليفي، 1992، ص 89.
[37]ن. م.، ص 90.
[38]تجدر الإشارة في هذا السياق إلى المرجعيات الثلاث التي يتناولها إبراهيم طه في العنوان، وهي المرجعية الخارجية، والمرجعية الذاتية-الشخصية، والمرجعية الداخلية للنص. انظر Taha, 2009, pp.43-62.
[39]Genette, 1988, pp. 709-710.
[40]فرح، 1963.
[41]مرار، 1970.
[42]حبيبي، 1985.
[43]كيوان، 2005.
[44]حليحل،2012.
[45]هذا يعني أن هناك تناسبًا طرديًا بين التحرر من القوالب الجاهزة وعدم التعامل مع اللغة من منطق المحافظة على فصاحتها وتحريرها من دلالاتها القاموسية الكلاسيكية وبين تنامي الوعي الثقافي عامة. قد يبدو أن القضية تحمل فكرة مسبقة أو تفتقر إلى العلمية، ولكن ما نراه على أرض الواقع يمكن أن يشكّل مدخلاً صلبًا لهذا التصور.
[46]راجعJakobson, 1987, “on Realism in Art”, pp. 19-27؛وليك ووارن، 1992؛Selden,1993.انظر كذلك الدلالة الاستعارية للعنوان، حليفي، 1992، ص 83، ص 89.
[47]كان أدونيس قد انشغل بموضوع العلاقة بين اللغة الكلاسيكية مثلا وبين الموقف السياسي والاجتماعي المحافظ أو الرجعي. انظر مثلاً، مقالته “الشاعر العربي المعاصر أمام ثلاثة أسئلة”، أدونيس، 1972، ص 107-119. انظر كذلك Taha, 2000, pp. 67-68،وإشارته إلى وظيفة العنوان خارج النص.
[48]للتوسع، انظر غنايم، 1995، ص 61-105. وكذلك موقع الكاتبة على الإنترنت: فرح، موقع.
[49]عناوين القصص المدرجة في الفهرس هي 14 عنوانًا: السائلان، بهاء، حاجات لجدتي، سيدة محسنة، حجر العثرة، رماد، الحب الصامت، تاريخ امرأة، بوابة مندلبوم، قصة سعادتي، أمرّ الاختيارين، أجير في أرضه، نداء الشام وعتاب الرمان، شذا الحقول.
[50]حول الدلالة الحرفية والدلالة الإيحائية أو الرمزية، انظر Scholes, 1982, connotation and denotation, pp.143-144.
[51]لعل هذا هو المكان المناسب لنؤكد من البداية أننا نرفض رفضًا تامًا الأبحاث ذات النهج الذي يبحث عن أصول بعض الكلمات العامية في الفصحى ليؤكد من خلال ذلك أن الكاتب لم يخرج عن أصول الفصحى دون الانتباه لدلالة الكلمة أو إلى ما هو أعمق من ذلك كمبنى الجملة الداخلي وعلاقتها بالجمل الأخرى. ونحن هنا لا نشير إلى الأصول الفصحى لبعض الكلمات العامية لتأكيد هذا النهج، بل نشير إلى ذلك من منطلق الكاتب الذي قد يجد تبريرًا لاستعماله الكلمة العامية. ولكن بين التبرير والفعل الإبداعي فرق شاسع. لذا لا مجال لمقولات مثل تلك التي ترى أن الكاتب لم يخرج عن الفصحى حين يستعمل كلمة ما، لأن ما في ذهنه هي الدلالة العامية للكلمة، وذلك لتأثير الازدواجية اللغوية التي تنسحب كذلك على العديد من عناصر اللغة.أحيانًا كنا نشير أن للكلمة أصولاً فصيحة إذا ما كان هناك تشابه في الدلالة، لكن التشابه في الدلالة مع ذلك لا يعني أن الكاتب استقى لفظته من الفصحى.
[52]فرح، 1963، ص 23-24.
[53]انظر Ghanayim, 2008, pp. 31-47، حيث يذكر المؤلف أن لغة الوصف لدى عطا الله منصور في هذه الفترة ذات مسحة رومانسية، وإن سعى الكاتب إلى إضفاء صبغة الواقعية على النص. انظر كذلك تصورًا مشابهًا لدى فاعور، 2001، ص 129-211. ينتمي لهذه المرحلة كذلك حنا إبراهيم في كتاباته الأولى.
[54]عن مصطفى مرار، انظر موريه وعباسي، 1987، ص 208-210؛ عباد، 1993؛ غنايم، 1995، ص 198-199، ص 218-219؛عباسي، 1998، وخاصة ص 311-312؛ الشرق، 2000؛ ريان، 2012.
[55]عناوين القصص المدرجة في الفهرس هي 15 عنوانًا: ستة آلاف، بنت الحرمان، قد يهون العمر، تراب الفحم، يوم هربت الثقة، أم البنات، العود اليابس، نغم، عودة الفلاحين، أصخرة هو؟، طريق الآلام، الشجرة الخبيثة، بين حربين، يوم عمل آخر، “… ويخرج الميت من الحي؟”.
[56]مرار، 1970، ص 19-26. إشارة إلى بيت أحمد شوقي في مسرحية مجنون ليلى:
قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً وتهونُ الأرضُ إلا مَوضِعا ( شوقي، 1984، ص216).
[57]مرار، 1970، ص 83-88. إشارة إلى بيت المتنبي في داليته المشهورة التي مطلعها:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيـكَ تجْــــديـــدُ
أصَخْرَةٌ أنَا، مـا لي لا تُحَرّكُــني هَذِي المـُدامُ وَلا هَذي الأغَارِيدُ (المتنبي، 1900،ص434-433).
[58]مرار، 1970، ص 97-108. ثمة إشارة إلى الآية القرآنية: “ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتُثَّت من فوق الأرض ما لها من قرار“،قرآن، سورة 14، آية 26.
[59]مرار، 1970، ص 127-135. ثمة إشارة إلى الآية القرآنية: “يُخْرِجُ الحيَّ من الميت وَيُخْرِجُ الميتَ من الحيِّ وَيُحْيِي الأرضَ بعد موتها وكذلك تُخْرَجُونَ”، قرآن، سورة 30، آية 19.
[60]انظر بدر، 1983، الفصل عن امتداد تيار التسلية والترفيه، ص189-121؛ وكذلك بدوي في مقدمته عن الأدب العربي في القرن التاسع عشر:Badawi, 1992, pp.16-18 .
[61]مرار، 1970،ص 23.
[62]مرار، 1970،ص 20. الاقتباس في نهاية المثال فيه إشارة إلى بيت أبي تمام:
نَقِّل فؤادَك حيث شِئتَ من الهوى ما الحبُّ إِلّا للحبيبِ الأوّلِ (أبوتمام، 1957،م 4، ص253).
[63]مرار، 1970، ص 20. إشارة إلى الآية القرآنية: “كُتِبَ عليكم القتالُ وهو كُرْهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبُّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللَّهُ يَعلمُ وأنتم لا تَعلمونَ”، قرآن، سورة 2، آية 216.
[64]مرار، 1970، ص 20. إشارة إلى قبيلة بني عذرة التي ينتسب إليها جميل بن معمر (بثينة) (ت نحو 701) الذي عرف عنه الغزل العفيف (العذري)، انظر مثلاً الأغاني، ج 8، ص 90-155؛ الأندلسي، 1962،ص450-448.
[65]مرار، 1970، ص 26.
[66]لعله من الممتع والطريف كذلك، أن نتتبع أثر اهتمام الكتّاب بالواقع في هذه الفترة ووعيهم من الناحية النظرية أهمية كون الكاتب/الإنسان واقعيًا، لكنهم لم يملكوا الأدوات التي تمكّنهم من تحقيق ذلك. البطلة في قصة “قد يهون العمر” تتوجه في رسالتها إلى حبيبها الذي هجرها وتسخر منه لأنه تخلى عنها بسهولة وارتبط بأخرى وبدأ ببناء مستقبله من جديد. فتقول له: “إنني أحسدك على قوة إرادتك وعلى .. «واقعيتك » ..” (المزدوجان في الأصل) (مرار، 1970، ص 23). ثم تَعِدُه ساخرة بأن تكون قوية الإرادة وواقعية كأستاذها، وتخبره أنها قررت أن تقيم علاقة مع مدير المؤسسة الثري وتهدم بيته بعلاقتها وتجعله يفلس.. إلخ. وبعد هذه التخيلات التي يثيرها غضبها من حبيبها تقرر أن تكون واقعية من نوع آخر، فتقول في رسالتها الأخيرة: “ولكن.. ماذا أترك لك وللدنيا يا حبيبي؟ لقد كنت واقعيًا فأحييت بيتًا، وخلقت أسرة، فهل أكون أنا “واقعية” فأهدم وأقتل؟ ألم أكن تلميذة نجيبة؟” (ن. م.، ص 25). وبعد ذلك، كما أسلفنا، تنتحر. ما نلمسه هنا هو التلاعب في لفظة الواقعية وتحميلها عدة دلالات. وهذا يشير بطريقة ما إلى وجود المصطلح في تلك الفترة في الحياة الثقافية بشكل فضفاض وغير واضح الدلالة. ويبدو أن المصطلح كان يعني، كما يظهر من النص، مواجهة الموقف وعدم الهروب منه.. إلخ. وما من شك أن التلاعب باللفظة هنا لم يأت من فراغ، بل شغلت هذه اللفظة/المصطلح الوسط الثقافي في الخمسينات والستينات، وهي الفترة التي كتبت فيها القصة.
[67]ينتمي لهذا التيار كتاب أمثال محمد علي طه، محمد نفاع وحنا إبراهيم في نهاية السبعينات.
[68]يختلف لفظة الكلمة “إخْطيِّة” من مكان إلى آخر في أنحاء البلاد، فالبعض يلفظها بفتح الطاء، والبعض بكسرها، وقلة يلفظونها باللهجة اللبنانية: إخطَيّ. وفي منطقة المثلث تلفظ بفتح الخاء وكسر الطاء: خَطِيِّة.
[69]الدفتر الأول باسم “شخوص”، ويتضمن ستة عناوين داخلية: 1- سيف من الأسماء مسلول، 2- الجلطة، 3- الرامزور، 4- محامي الأمة، 5- الملثم، 6- عطية. والدفتر الثاني باسم “إخطية”، ويتضمن أربعة عناوين داخلية: 1- عودة أبي العباس، 2- مليحة، 3- إخطية، 4- سروة. والدفتر الثالث باسم “وادي عبقر”، ويتضمن عنوانين داخليين: 1- الكنزة الصوفية، 2- صباح الخير يا عبد الرحمن.
تستحق هذه العناوين الداخلية وقفة متأنية، ولا مجال لذلك هنا.
[70]يطلق على الازدحام اسم “الجلطة”. انظر حبيبي، 1985، ص 19.
[71]ن. م.، ص 57-58.
[72]قارن مع قصة رياض بيدس، “نزهة ليلية”،بيدس، 1990، ص 7-12، وكذلك تحليل القصة في غنايم، 1995، ص 274-277.
[73]حبيبي، 1985، ص 56، ص 72.
[74]ن. م.، ص 58.
[75]“نهى” في المفهوم العامي يعني آخر الشيء ومنتهاه، وهو يتشابه مع إحدى دلالاتها الفصيحة.
[76]حبيبي، 1985، ص 59. المعنى أن ولادتها سابع بنت أو ثامن بنت .. إلخ هو نوع من الجزاء أو العقاب للأهل. أو أن كلمة “إخطية” تقال للأب الذي يهم بوأد ابنته كنوع من التحذير من عقاب رباني لثنيه عن فعلته.
[77]قارن بين سروة وسرايا بالاسم أولاً، ومن ثم في مشهد مشابه سقطت فيه سرايا في رواية خرافية سرايا بنت الغول، حبيبي، 1991، ص 160-161:
أما في تلك الليلة، حين صاحت “من هناك؟” فلم تحرك جناحيها بل سقطت عن الصخرة في حديقة عباس إلى هاوية الغياب دفعة واحدة-سقوط الطير وقد أصابته رصاصة الصياد. هل رأيت سقوط الطير وقد أصابته رصاصة الصياد؟
[78]حبيبي، 1985، ص 84.
[79]ن. م.، ص 74.
[80]ن. م.، ص94.
[81]ن. م.، ص 66.
[82]كارلا بروني Carla Bruni هي زوجة الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي.
[83]تنتمي لهذا التيار فاطمة ذياب، ميسون أسدي وغيرهما.
[84]المجموعة تضم 22 قصة، من ضمنها 11نصًا قصيرًا جدًا تحمل اسم “قصص عن قصائد لم تكتب”. وجاءت القصص والنصوص معنونة بالشكل التالي: الخيمة، كارلا بروني عشيقتي السرية، قهوة وكروسون، فيديو، باسبورت، هواء البحر، حلم أبيض، المبارزة، عذاب القبور، خيانة، عزارة. قصص عن قصائد لم تكتب: القبلة الأولى، شاعر، جدي يموت، حبيبتي تتوجني رجلاً، صبي لحام، باطون، حجر كبير، اتصال، داني، اتساع، هي أغنية.
[85]انظر المثل الفلسطيني العامي: “عزارة وعليها شهود”. يضرب فيمن ضبط متلبسًا بقبح أو ذنب، وكان شهود قد رأوا وسمعوا.لوباني، 1999، ص 516.
[86]حليحل، 2012، ص 157.
[87]ن.م.
[88]ن. م.
[89]انظر السعداوي، 1990، ص 241، 708؛ طرابيشي، 1995.
[90]حليحل، 2012، ص 159.
[91]انظر فكرة أدونيس حول العلاقة بين الشكل والمضمون في الفكر والأدب، أعلاه ملاحظة رقم 47.
[92]يبرز ذلك لدى ناجي ظاهر ورياض بيدس على وجه الخصوص. سنعالج ذلك في دراسة موسعة.
[93]حول الكاتب، انظر Taha, 2002, pp.165-182; Ghanayim, 2008, pp. 113-116 .
[94]18 قصة معنونة كالآتي: رغم سذاجتك، تحت سطح الحبر، لكل مقام حذاء، الشيب، ترانسفير، زفاف شاعرة، ريمة الدراجة، عولمة، الضيف، همس النجوم، شمس الأصيل، فندق نجومه نحس، رحلة صيد، لمن يرن الهاتف، عشب، أبو حسن بدون غانيات حزينات ولا جميلات نائمات، نداء الجنية، ممتع ومريح.
[95]كيوان، 2005، ص 125-132.
[96]حول الأتمتة واللاأتمتة راجعMukarovsky, 1964, pp. 17-30؛ אבן-זהר, 1984, עמ’ 142-143;Even-Zohar, 1990, pp. 207-218؛ غنايم، 1992، ص 19-20.
[97]كيوان، 2005، ص 15-20.
[98]ArsPoetica (شعر عن الشعر– أدب عن الأدب) أو الأدب الواعي بذاته أو أدب ما وراء الأدب Metaliterature وهي مصطلحات متشابهة للإشارة إلى فن أدبي يعالج موضوع الفن الأدبي نفسه.وهناك تقسيمات مختلفة حسب الأنواع الأدبية نفسها، كشعر وراء الشعر، أو قصة ما وراء القصة أو مسرحية ما وراء المسرحية وغيرها. وهذه المصطلحات، كما نرى، تستعمل للإشارة إلى انشغال الأدب بفن الشعر والأدب عمومًا. إن المقولات والإشارات التي وردت للوقوف على وظيفة الأديب ومعاناته في وضع تأليفه، وغير ذلك من المواضيع التي تتعلق بعملية الخلق والإبداع، وجدت منذ أقدم العصور في الآداب الأجنبية والأدب العربي، وإن كان ذلك قد بدأ يبرز أكثر في المدرسة الرومانسية لعلاقة ذلك بالأنا (المبدع) التي تأكدت من خلال الأدب الرومانسي. ولكن الشعر (والأدب عامة) حول فن الأدب نما في أجواء تضعضعت فيها مكانة الأديب واهتزت القيم الفنية والثقافية في العصر الحاضر، مما جعل “الأدب ما وراء الأدب” ظاهرة بارزة وهامة في الأدب الحديث عمومًا. انظرغنايم،2/2003،ص196-198.انظر كذلك محمد حمد حيث يستعمل عدة مصطلحات للظاهرة، ويعنون كتابه بمصطلحين مختلفين: “الميتاقص” و”مرايا السرد النرجسي”: الميتاقص في الرواية العربية، مرايا السرد النرجسي، حمد، 2011. انظر رأيًا مختلفًا فيه نوع من التحفظ ومصطلحات أخرى، كالسرد الناقد والنقد المسرود، الفريجات، 2009، ص 721-737.
[99]قرآن، سورة18، آية 109.
[100]كيوان، 2005، ص 19-20.
[101]نقول شبه تجريدي تحفظًا، لأن النص المقتبس مثلاً يذكر الكلمات “المتجلببة” التي قد تكون كناية عن الإملاءات الدينية في المجتمع العربي. وهذه يمكن اعتبارها إشارة واقعية.
[102]انظر غنايم، 2/2003، ص 195-197.
[103]انظر الترجمة الإنجليزية: Marquez, 2005،والترجمة العربية: ماركيز، 2005.
[104]راجع ترجمة الرواية، كاواباتا، 2006.
[105]كيوان، 2005، ص 131-132.
[106]” Un kilo de vert n’est pas plus vert qu’un demi kilo.”Jakobson, 1987, p.88. انظر كذلك الترجمة، ياكبسون، 1988، ص 55.