جمعيّة الثقافة العربيّة تستردّ أملاك الغائبين/ مطانس فرح
“سيتحوّل المبنى إلى مَعلم ثقافيّ عربيّ، وسيجلب الحياة لكلّ المِنطقة”
جمعيّة الثقافة العربيّة تستردّ أملاك الغائبين/ مطانس فرح
.
|تقرير: مطانس فرح|
|تصوير: وائل عوض|
في الوقت الّذي يقوم فيه البعض بالعبث بأوقافنا ومقدّساتنا وأملاكنا، ويقوم البعض الآخر ببيع أملاك الحاضرين منّا والغائبين عنّا، ضاربين عُرض الحائط بمصلحة أبناء شعبنا الفِلَسطينيّ؛ قامت جمعيّة الثقافة العربيّة، مؤخّرًا، بشراء بنايتين هامّتين في حيّ “هدار” في مدينة حيفا، كانتا في حِيازة مؤسّسة يهوديّة، وتعود الأرض الّتي بُنيتا عليها إلى عائلتين عربيّتين تركاها بعد النكبة، لتتحوّل الأرض – كباقي الأملاك المتروكة – إلى أملاك غائبين؛ نبارك هذه الخطوة ونزفّها بشرى لكلّ صغير وكبير من أبناء شعبنا الفِلَسطينيّ.
إلّا أنّ الأمر لم ينتهِ عند هذا الحدّ، ففي أعقاب فوز جمعيّة الثقافة العربيّة بالمناقصة، وشرائها بنايَتي: “بيت مكابي” الأسطوريّ والـ”سيتي هول”، أُثيرت زوبعة في أوساط المتطّرفين اليهود، وحتّى “المعتدلين” منهم وبعض “اليساريّين”، مدّعين أنّ هاتين البنايتين لهما طابع خاصّ، وتشكّلان رمزين هامّين من رموز حيفا، وخصوصًا “بيت مكابي” الّذي يشكّل مَعلمًا ومركَزًا لحركة “مكابي”؛ فلا يمكن بيعهما للعرب!
ففي مدينة “التعايش” الأمثَل(!) حيفا، أثارت هذه الصفقة المباركة حفيظة “إخوتنا” اليهود؛ فقد استشاط عدد منهم غضبًا، وأعرب بعض الجيران اليهود عن تخوّفهم من “جيرانهم” الجدد، وعدم رضاهم عن أن يسيطر العرب على البنايتين، مدّعين أنّ العرب آخذون بالتوسّع والانتشار وبشراء العقارات أيضًا، مضيفين أنّ هذا الأمر “خطير” وقد يؤدّي، قريبًا، إلى محو معالم حيفا اليهوديّة(!) –ذكرت لكم التعايش الحيفاويّ الأمثل، صحيح– حتّى إنّ موجات عدم الرضا عن صفقة الشراء والغضب والسخط وصلت بلديّة حيفا، وطالت بعض أعضاء المجلس البلديّ فيها، أيضًا.
إلّا أنّ عنصريّة هؤلاء وحقدهم لن يفسدا فرحة شعبنا، وخصوصًا الحيفاويّ منه، بصفقة الشّراء الهامّة الّتي بادرت إليها وأشرفت عليها، بشكل شخصيّ، مديرة جمعيّة الثقافة العربيّة، د. روضة بشارة-عطا اللّه، ومعها كان لي هذا الحديث:
- بدايةً، أبارك لكم على هذا الإنجاز الهامّ.. لكن معلوم أنّ جمعيّة الثقافة العربيّة تُعنى بالأمور الثقافيّة لشعبنا الفِلَسطينيّ وتحافظ عليها وتدعمها؛ ألم تأتِ خطوة اقتناء البنايتين في حيّ «هدار» الحيفاويّ مفاجِئة.. فمن أين جاءتكم الفكرة؟
“انبثقت الفكرة عن رؤيتنا إلى بناء المؤسّسات الثقافيّة العربيّة المستقلّة، ومن تشخيصنا لافتقار الفِلَسطينيّين في الداخل إلى مركَز ثقافيّ يكون بمقدوره رعاية الطاقات الثقافيّة الكامنة، وتوفير جوّ يحثّ على الإبداع والدفع نحو مداواة التشوّهات المختلفة التي تكونّت؛ ومن تحديدنا لحاجتنا كمجتمع إلى إقامة مركَز ثقافيّ عربيّ متعدّد المجالات يشمل قاعة مؤتمرات ومكتبة وطنيّة ومسرحًا قوميًّا ومرافق ثقافيّة وفنّيّة عديدة، نفتقدها كمجتمع.
“اقتناؤنا للمبنيين في حيفا ليس مفاجئًا إطلاقًا؛ فقد نشرنا بيانًا واضحًا حول ذلك، أواخر شباط الماضي، للإعلام العربيّ والعبريّ. وقد بحثنا –لفترة طويلة– عن قطعة أرض مناسبة لكلّ المشروع في عدّة مناطق، اخترنا حيفا لأنّ هذه المدينة العريقة تحوّلت من جديد إلى مركَز مجتمعيّ مدينيّ وثقافيّ فنّيّ لمجتمعنا الفِلَسطينيّ في الداخل، ووجدنا –خلال بحثنا– أنّ هاتين البنايتين مناسبتان لإقامة جزء من مرافق المركَز، لموقعهما الجغرافيّ الإستراتيجيّ بجانب الأحياء العربيّة في حيفا: “وادي النسناس” و”عبّاس” و”الألمانيّة”.”
- هل جاءت هذه الخطوة لجعل الجمعيّة –إضافة إلى حفاظها على ثقافتنا الفِلَسطينيّة– جمعيّة للحفاظ على واسترجاع أملاك الغائبين؟!
“لا، لن تتحوّل الجمعيّة إلى مؤسّسة لإعادة أملاك اللّاجئين أو الغائبين، هذا ليس دورنا كمؤسّسة. على مستوى رؤيتنا الوطنيّة نحن –بالتأكيد– مع حقّ العودة ومع إعادة أملاك الغائبين المسلوبَة منهم؛ كما أنّنا نهتمّ – ضمن عملنا – بالحفاظ على الموروث المِعماريّ الفِلَسطينيّ ضمن مشروع “العِمارة والهُويّة” مع منتدى المِعمارييّن وطلّاب مواضيع العِمارة.”
- لمن تعود الأرض الّتي بُني عليها المبنى؟ ولِمَ يشكّل رمزًا أو مَعلمًا هامّـًا من معالم مدينة حيفا، رغم أنّه حديث العهد، نسبيّـًا؟
“قبل نكبة عام 1948 امتلكت عائلتا الأبيض والمرّ الحيفاويّتان هذه الأرض (حسَب الوثائق والمستندات القانونيّة والرسميّة في بلديّة حيفا)، ثمّ هُجّرت العائلتان من المدينة. في أواخر سنوات الخمسين أقيم المبنى كواحد من أوائل المباني الكبيرة بعد إقامة الدولة، ولذلك يعتبرونه مبنًى تاريخيًّا، كما يعتبرونه ذا قيمة ثقافيّة لأنّه ضمّ –خلال سنوات– قاعة سينما وناديًا رياضيًّا، وناديًا موسيقيًّا.
“الحقيقة أنّ المبنى أُهمل جدًّا، وأصبح –للأسف– مرتعًا لمدمني المخدّرات. ترميمنا وتفعيلنا له سيحوّله إلى مَعلم ثقافيّ عربيّ وسيجلب الحياة لكلّ المِنطقة؛ وهذا سبب فرح سكّان الحيّ وتجّاره الّذين هنّأونا وشكرونا على مبادرتنا ومشروعنا؛ لأنّنا لن نخلّصهم من المأساة القائمة فقط، بل سنبثّ حياة ثقافيّة وجماهيريّة في الحيّ، بخلاف ما ادّعى بعض المتذمّرين.”
- علمت أنّ مبنى “بيت مكابي” كلّفكم أكثر من أربعة ملايين دولار، فمن أين لكم هذه المدّخرات أو الموارد الماليّة؟
“أوّلًا، هي أربعة ملايين شيكل لا دولار؛ لقد قامت الجمعيّة –منذ عام 2006– بتطوير مشروع “المجمع الثقافيّ المتعدّد المجالات” والعمل من أجل تجنيد الموارد الماليّة لتنفيذه، وقد نجحنا في تجنيد دعمٍ ماليّ من حكومة قطر.”
- من الواضح أنّ هذين المبنيين سيخضعان لترميمات «من الألف إلى الياء»، في أعقاب إهمالهما سنوات طويلة.. فمتى تنوون إحياء المبنيين من جديد؟
“لقد بدأنا مسار التخطيط الهندسيّ لترميم المبنيين وتجهيزهما على أحسن شكلٍ، ونأمل أن يتمّ إنجاز هذا الترميم خلال سنة ونصف السنة تقريبًا، أي حتّى أواخر عام 2013.”
- هل سيصبح المبنى مقرًّا لجمعيّة الثقافة العربيّة، لتشهد حيفا بذلك قفزة ثقافيّة فِلَسطينيّة نوعيّة إضافيّة؟
“هذا طموحنا؛ إنّ الجمعيّة تسعى لأن تساهم بشكل فاعل ومركَزيّ في نهضة المدينة الثقافيّة والرفع من شأن الحياة الثقافيّة فيها، كمركَز يخدم المجتمع العربيّ في حيفا ومن كلّ المناطق. ”
- ما دور د. عزمي بشارة في تجنيد التبرعات الّتي جاءتكم من دولة قطر؟
“نحن قدّمنا اقتراح المشروع رسميًّا إلى حكومة قطر، وتمّت الموافقة عليه بدون قيد أو شرط.”
- لِمَ اقتنع المتبرّعون في قطر بضرورة التبرّع، لهدف اقتناء هذين المبنيين بالذّات؟
“برأيي، اقتنعوا بالمشروع كونه –ببساطة– مشروعًا مُقنعًا ويلبّي الاحتياجات الفعليّة والأساسيّة لمجتمعنا الفِلَسطينيّ في الداخل؛ وينبثق –كما ذكرت لك– عن رؤيتنا إلى بناء مؤسّساتنا الثقافيّة الوطنيّة، الّتي من المفروض أن تبنيها الحكومة لو رأت فينا أقلّيّة قوميّة أصلانيّة، لها حقوق ثقافيّة جماعيّة ومواطنة متساوية؛ لكنّ الوضع لدينا مضادّ، والدولة –هنا– تعمل على تشويهنا الثقافيّ من خلال المناهج الدراسيّة وسياسات السيطرة المختلفة واحتلال الوعي. لقد أعجبهم المشروع ودعموه مشكورين.
“من ناحية أخرى، قطر دولة تتبرّع وتدعم الكثير من المشاريع الضخمة. دعمت هنا –في السابق– إقامة “إستاد الدوحة” في سخنين، ودعموا في جنوب لبنان وغزّة وفي الصّومال أيضًا؛ إنّهم يملكون إمكانيّات للمشاريع الخيريّة والتنمويّة ويموّلون مثل هذه المشاريع. لقد كنّا، دومًا، نلوم الدول العربيّة على عدم دعمها لنا في مثل ظروفنا، وها هي دولة عربيّة تدعم مشروعًا هامًّا لدينا، والممتاز في الموضوع أنّه دعم غير مشروط، بخلاف دعم بعض الصناديق الأوروبيّة والأمريكيّة.”
- ندّعي، عادّةً، أنّ هناك سياسة تمييز بكلّ ما يتعلّق ببيع عقارات أو أملاك، حتّى إن وُجدت مناقصة.. ولكنّه في حالتكم كان الأمر مغايرًا، فما هو تفسيركم؟
“سياسات التمييز ما زالت قائمة طبعًا، لم تكن العمليّة سهلة وجلسنا معهم عدّة مرّات، حتّى بعد أن عرضنا خلال المناقصة سعرًا أعلى بكثير من غيرنا، لأنّنا أردنا هذا الموقع. أعتقد أنّ العامل الماديّ في حالتهم كان حاسمًا، وهذا حسَب تصريحاتهم. ”
- هل يقف حزب التجمّع الديمقراطيّ وراء صفقة البيع هذه، أم أنّ المبادرة جاءت – بالتمام والكمال – من جمعيّة الثقافة العربيّة؟
“جمعيّة الثقافة العربيّة هي جمعيّة غير حزبيّة ومستقلة في عملها، نحن جمعيّة وطنيّة ثقافيّة تخدم كلّ فئات المجتمع وقطاعاته، وهذا ينعكس في أنشطتنا ومشاريعنا. وراء هذا المشروع لا تقف إلّا جمعيّة الثقافة العربيّة، لكنّ أبوابه ستكون مفتوحة لجميع أبناء وبنات مجتمعنا ومؤسّساته وفنّانيه؛ فمشروعنا وطنيّ نهضويّ جماعيّ سيخدم الجميع وستكون فوائده – كما نأمل ونسعى – جمّة.”
.
“بيت مكابي” سيصبح بيتًا عربيًا في مدينة كان للعروبة فيها مَوْئل
موقع “بيت مكابي” في شارع “شبتاي ليڤي” بحيفا، يفصل بين الأحياء العربيّة والأحياء اليهوديّة. الأحياء اليهوديّة الّتي أقامها المستوطنون المهاجرون اليهود بعد الحرب العالميّة الأولى عند منحدرات الكرمل العليا، ما يعرف باسم “هدار”. وهؤلاء المستوطنون استجابوا لنداءات الحركة الصِّهيونيّة فبنوا مؤسّسات منفصلة لهم لتوفّر لهم الخِدْمات بعيدًا عن مؤسّسات المدينة، وأداروا شؤونهم بأنفسهم وتشبّهوا تمامًا بحركات الاستيطان العالميّة الّتي قادتها معظم دول أوروپا الغربيّة في القرن التاسع عشر ومطلع العشرين. ومن بين المؤسّسات الّتي أقامتها الحركة الاستيطانيّة الصِّهيونيّة “بيت مكابي” في حيفا. وقد تمّ تأسيس نادٍ رياضيّ في هذا المبنى، هو عبارة عن فرع لحركة “مكابي” العالميّة. وهذه الحركة هي عبارة عن مؤسّسة تُعنى بالتربية الرياضيّة، وتوفّر الخِدْمات الرياضيّة لأبناء المستوطنين اليهود، ليس في حيفا، فقط، بل في مواقع كثيرة من فِلَسطين قبل النكبة، ومن بعدها.
في حين أنّ الحركة اهتمّت بالنشاطات الرياضيّة، وكان مقرّها قريبًا من حيّ وادي النسناس، فإنّ أبناء هذا الحيّ العرب لم يتمكّنوا من المشاركة في النشاطات الرياضيّة الّتي كان يقدّمها النادي، لأنّ إدارته رفضت مشاركة الشباب العرب فيه، واعتبرته ناديًا مقصورًا على الأعضاء، فقط. ولهذا وجد أبناء الحيّ أنفسهم يلعبون كرة القدم في الأزقّة والشوارع، في حين أنّ أبناء النادي والأعضاء يمارسون الرياضات المختلفة في منشآت متقدّمة وعصريّة وذات أسس حديثة. وهكذا ساهم النادي في تعميق الفصل العنصريّ في حيفا لفترات طويلة.
واليوم، وبعد أن وُفّقت جمعيّة الثّقافة العربيّة لشراء المبنى، فإنّها ستضعه تحت خدمة أبناء المدينة في مجالات ثقافيّة وتربويّة واجتماعيّة، لتمنحهم شيئًا من فرصة التعويض واسترداد الكرامة. وهكذا، فإنّ “بيت مكابي” سيصبح بيتًا عربيًّا في مدينة كان للعروبة فيها مَوئل.
(عن حيفا نت)
4 سبتمبر 2012
بالمقاييس العملية لمهنة الصحافة، هذا الحوار معمول بمهنية عالية. و الموضوع يستحق النظر و التنقيب و التحقيق فيه.
شكرا مطانس
18 يونيو 2012
الى طب بلا هبل:
كنك جبهوي؟ مش بس لانك بتنتقد بدون سبب، لانك كمان صاير تحكي بل “بزنس” !!
17 يونيو 2012
العنوان مضلل — روضى بشارة نقول بشكل واضح ان الجمعية لا تدعي انها تقوم باسترجاع املاك الغائبين:
“لا، لن تتحوّل الجمعيّة إلى مؤسّسة لإعادة أملاك اللّاجئين أو الغائبين، هذا ليس دورنا كمؤسّسة.”
لماذا يقوم موقع قديتا، والذي يدعي الامتياز والتنوير، بنسخ عنوان مضلل عن “حيفا نت” كما هو؟
16 يونيو 2012
انو تشتري مباني مع تاريخ صهيوني حافل ورمزي وتخلدها هاد ايش اسمو ؟ تسترد أملاك الغائبين؟!!!
لو شركة اسرائيلية اشترت بين مكابي , بهدوها وببنو محلها بناية (بزنس..) . وروضة جاي تخلد بيت مكابي.
كل شغلة بتفلسفوها وبتعملولي اياها رب دين الوطنية (وبهاي الحالة الاشي عكس الوطنية) , ولو غيركم عاملها بتشلو عرضو !!
16 يونيو 2012
شكرا جزيرا د.روضة نحن بحاجة ماسة لامثالك !
16 يونيو 2012
كتبت عن ذلك في مدونتي كذلك
http://hanaditalk.wordpress.com/2012/06/11/palestine-3/
15 يونيو 2012
http://www.old-adalah.org/newsletter/heb/jul09/Position_paper_21.7.09_final1.pdf
مرفق ورقة عدالة ولجنة المتابعة بخصوص هذه المسألة (أملاك الغائبين)