الثورة المصرية الى أين؟.. لقاء مع الناشطة المصرية دينا جميل/ فادي شبيطة
أنا لا أعتبر هذه الثورة ثورة الشباب فهي كانت ثورة الجميع- شبابا، رجالا، نساءً، شيوخا وحتى أطفال. من نظم وأعلن عن انطلاق الثورة هو مجموعات شبابية يسارية وليبيرالية وجدت ظروفا مهيئة لانضمام الجميع
الثورة المصرية الى أين؟.. لقاء مع الناشطة المصرية دينا جميل/ فادي شبيطة
.
|فادي شبيطة|
أجريت هذه المقابلة مع دينا جميل، الصحفية والناشطة السياسية التي كانت إحدى المشاركات بتنظيم نشاطات فترة الثورة المصرية. وهي عضوة في المجموعة المؤسسة لحزب التحالف الشعبي الإشتراكي وهو عضو مؤسس في تحالف الثورة مستمرة، الحاصل على 10 مقاعد في الإنتخابات الأخيرة. وقد التقيتها في مونتريال، كندا، خلال جولة لقاءات دعيت اليها دينا للحديث عن الثورة المصرية في عدد من المدن الكندية.
تابع العالم أجمع ثورات الربيع الربيع العربي التي انطلقت شرارتها من تونس لتبدأ موجة ارتجاجية اجتاحت العالم العربي أجمع. رافق بداية هذه الثورات شعور عام بالحماس والأمل ببداية مسيرة تحرر المواطن العربي من أنظمة القمع والاستبداد، وصولا إلى تحرّر المنطقة من قيود الامبريالية والتبعية. شكلت الثورة المصرية نموذجا رائعا لشعب انتفض انتفاضة شملت كل شرائحه وأطيافه ونجح بقلب نظام الإستبداد الذي يحكمه من دون أيّ تدخل خارجي.
اليوم، وبعد ما يزيد عن سنة لإنطلاق الثورة، يبدأ المشهد السياسي المصري الجديد بالتكوّن، وتبدأ القوى التي توحدت لصنع الثورة بخوض معركتها الداخلية لتحديد شكل مصر الجديد. من الواضح وجود رؤى مختلفة، بل ومتناقضة أحيانا بالنسبة لشكل وسياسات مصر الجديدة. فهل انتهت الثورة بسقوط مبارك ورموز النظام القديم، أم أن الثورة ما زالت مستمرة بهيئة أخرى؟ هل الانتخابات والهدوء النسبي الحالي هما دليل على انتهاء الثورة والدخول الى مرحلة انتقالية ديموقراطية، أم انها فترة هدوء مرحلية؟ ما هي نوعية العلاقة بين المحور الاسلامي، المحور الليبارالي واليساري والمجلس العسكري في هذه المرحلة، وما هي رؤية كل جانب؟ ماذا كان دور الطبقة العاملة في صناعة الثورة وما هو دورها اليوم؟ هل نحن في بداية فترة تحول ديمقراطي تحرّري في مصر، أم أنّ هناك خطرًا لتبديل ديكتاتورية وسياسات قديمة بشبيهاتها بحلة جديدة؟
من الصّعب تحميل هذه المقابلة وزر الإجابة عن كل هذه الأسئلة الكبيرة، ان كان بالامكان الاجابة عليها أصلا، الا أنه من المثير سماع وجهة نظر من الداخل لناشطة تعيش الأحداث وتنتمي الى كتلة سياسية يسارية اشتراكية، تعمل جاهدة للتأثير على الساحة السياسية المصرية.
- حدثينا أولا عن تسلسل أحداث الثورة كما عشتها وصولا الى اليوم.
دينا جميل: “أذكر فترة عملنا على تنظيم التظاهرات الأولى في 25 يناير. لم تكن هذه أول تظاهرة ننظمها، فقد اعتدنا في السنوات الأخيرة على تنظيم المظاهرات في مناسبات عديدة، واعتدنا على الإصطدام مع الأمن كل مرة. كانت تظاهراتنا السابقة محدودة نسبيا، ولم يكن من العسير على الأمن قمعها. توقعنا عددا أكبر في 25 يناير، لكننا لم نتوقع ثورة. تعاقبت الأحداث بسرعة لنفهم أننا نجحنا أخيرا بترجمة عمل السنوات التي سبقت، الى ثورة خرج فيها كل الشعب المصري لخلع النظام. عند الرجوع الى الوراء والتفكير في الطريق الذي قاد الى الثورة، أرى ببداية الانتفاضة الفلسطينية الثانية سنة 2000، وتظاهرات التضامن لدعمها في مصر نقطة تحول هامة. ذلك لأنّ أسلوب تعامل النظام المصري مع هذه التظاهرات وقمعه الوحشي لها، قد كشف لعامة الناس دور النظام وارتباطه بالمصالح الإمبريالية الأمريكية الإسرائيلية. أعتبرها نقطة تحول لأنها شكلت نهاية فترة التسعينات التي اتسمت بالركود من حيث الحراك السياسي الاجتماعي ليتجدد الحراك الشعبي من بعدها. تبعتها التظاهرات ضد غزو العراق في آذار/مارس 2003 حيث تم احتلال ميدان التحرير من قبل المتظاهرين، لتتبعها نشاطات حركة التغيير التي بدأت بـ 2005، احتجاجات القضاة، حادثة قتل وتعذيب المعتقل خالد سعيد عام 2010 وتلفيق التقارير حول أسباب مقتله ليتحول الى رمز لقمع وتعذيب الأمن للناس وغيرها من الأحداث. كل ذلك تراكم ليوصلنا الى بداية الثورة.
“لم يكن اختيار يوم 25 يناير كموعد لأنطلاق فعاليات الثورة صدفة. لقد تم اختياره لكونه عيد الشرطة السنوي للتركيز على قمع النظام للشعب. حجم القمع وطريقته في هذا اليوم سببا ردود فعل غاضبة باقتحام اقسام الشرطة من قبل المتظاهرين في الكثير من المناطق، ثم أضحى واضحا يوم 28 يناير أن الثورة قد اتسعت لتشمل جميع شرائح المجتمع وخاصة الفئات المستضعفة والطبقة العاملة. ما حسم الأمر وأجبر مبارك على التنحي هو مشاركة طبقة العمال التي تشكل الشريحة الأوسع في المجتمع.”
- هل لك أن تصفي الخارطة السياسية في فترة ما بعد مبارك؟ من هي القوي المركزية وما هي رؤيتها؟ ما هي نقاط الخلاف والتوافق المركزية؟
د.ج. “يمكن بشكل عام أن نقول بأن هناك محورين أساسيين: محور الأحزاب الإسلامية ومحور الأحزاب الليبيرالية والأحزاب اليسارية. اسفرت انتخابات مجلس الشعب الأخيرة عن فوز المحور الإسلامي الممثل بجماعة الاخوان وبالسلفيين بأغلبية ساحقة (نحو 70%) بينما تقاسمت ألأحزاب اليبيرالية، أحزاب اليسار والقوى الأخرى ال 30% من مجمل عدد المقاعد. غالبية نقاط الخلاف لا تتعلق بالمواقف المعلنة بل بالممارسة على أرض الواقع وبما تختار هذه القوى فعله والتركيز عليه، مقابل ما تختار تجاهله. سأذكر بعض هذه النقاط:
“- التأخير في محاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين والضغط من أجر تبرأتهم (وهو ما حصل فعلا في الكثير من الحالات) من جانب المجلس العسكري. الحكومة الاسلامية الجديدة تقول بالعلن انها مع محاكمة المسؤولين ولكنها عمليا متواطئة مع المجلس العسكري بحيث أنها ضد أي حراك شعبي بهذا الخصوص وتختار عدم ممارسة أي شكل من الضغط السياسي على المجلس العسكري.
“- ما زال مستشارون وموظفون حكوميون كبار يتقاضون عشرات آلاف الجنيهات شهريا، بينما يتلقى موظفون عاديون مئات الجنيهات فقط. هذه فجوات غير منطقية بادارة أموال الدولة. هناك مطالب وبرامج عملية قدمت لرفع الحد الأدنى للمعاشات الحكومية وتحديد الحد الأقصى. تشمل هذه البرامج طريقة تمويل هذه التغييرات ايضا. تتجاهل الحكومة الجديدة والمجلس العسكري جميع هذه المطالب، مما يبقي تصريحات الاصلاح فارغة من المضمون.
“- تم تقديم قانون لضمان الحريات النقابية والسماح بتسجيل نقابات عمالية مستقله يتم تجاهله بشكل متعمد. كانت هناك مثلا حالات تم فيها تحويل عمال الى محاكمات عسكرية لمجرد انهم اضربوا.
“- قام المجلس العسكري بوضع قانون جديد بعد الثورة يمنع التظاهرات والاعتصامات والحكومة الاسلامية الجديدة تؤيدة.
“بالمقابل هناك محاولات مستمرة وناجحة الى حد ما لتشويه صورة المعارضة على انها السبب في انعدام الاستقرار وفي عدم تعافي الاقتصاد لتحويل الأنظار عن كل ما ذكر أعلاه. اذا فنحن نرى توافقا وانسجاما بين الحكومة الجديدة والمجلس العسكري بشكل يضمن الحفاظ على الكثيرمن سياسات النظام السابق.”
- هل صحيح القول بأن من قام باطلاق شرارة الثورة وقيادتها هم مجموعات شبابية يسارية وليبيرالية وشباب الاخوان رغم معارضة الاخوان؟ يتسائل الكثيرون أين اختفى هؤلاء ولماذا لم ينجحوا بأن يكونوا ممثلين بشكل قوي في مجلس الشعب المصري؟
د.ج. “أولا، أنا لا أعتبر هذه الثورة ثورة الشباب فهي كانت ثورة الجميع- شبابا، رجالا، نساءً، شيوخا وحتى أطفال. من نظم وأعلن عن انطلاق الثورة هو مجموعات شبابية يسارية وليبيرالية وجدت ظروفا مهيئة لانضمام الجميع. بعد ايام من اندلاع الثورة، تشكل ائتلاف شباب الثورة (6 ابريل، شباب من أجل العدالة والحرية من تيار التجديد الاشتراكي، شباب الاخوان رغم معارضة حزبهم الأم، شباب دعم حملة البرادعي، شباب حزب الجبهة. جمع الإئتلاف توجهات كثيرة ومختلفة حول هدف اسقاط نظام مبارك. بعد سقوط النظام، عادت معظم هذه المجموعات للعمل من خلال أحزاب سياسية تنتمي اليها أو ترى نفسها قريبة منها.”
- ما هي توجهات الحكومة الجديدة الاقتصادية والسياسية وعلاقتها بالمجلس العسكري؟
د.ج. “سأتطرق هنا الى جانبين: الأول هو العلاقة مع أمريكا واسرائيل والثاني هو العدالة الإجتماعية، الحريات والقضايا الإقتصادية داخل مصر. من الواضح بأن المجلس العسكري مرتبط بقوة بالسياسة الأمريكية بالمنطقة، ويتلقى دعما ماديا وعسكريا من الولايات المتحدة. بناء عليه، فهو معني بالحفاظ على العلاقات السابقة مع اسرائيل والولايات المتحدة. أما داخليا، فان المجلس العسكري مرتبط عضويا أيضا بكبار رجال الأعمال ورؤوس الأموال، وبناء عليه، فهو غير معني بتغيير الوضع القائم ووضع أي سياسات لا ترضي هذه الشريحة. أما بالنسبة للحكومة الإسلامية الجديدة، فيبدوا انها على توافق مع المجلس العسكري في كل ما ذكر. أعلن ممثلو جماعة الاخوان صراحة عن التزامهم ب “المعاهدات الموقعة”، ولا نرى أي اجتهاد من ناحيتهم حتى بما يخص فتح معبر رفح مثلا.
“أما بالنسبة لسياستهم الاقتصادية، فهم نيوليبيراليين وقيادتهم نفسها مبنية من رؤوس أموال ورجال أعمال غير معنيين بتطبيق سياسات قد تمس ثروتهم. لذا، فمن غير المتوقع أن يقوموا بتبني سياسات من شأنها جسر الفجوات الاجتماعية الضخمة وتوزيع الثروة بشكل أكثر عدالة، لأن ذلك معناه التصادم مع شريحة رؤوس الأموال التي هي جزء من تركيبتهم.”
- لقد حصلت جماعة الإخوان والحزب السلفي على أغلبية ساحقة بانتخابات ديموقراطية، فهل يعبر هذا حقا عن رغبة الشعب، وهل يعني أن أهداف ومطالب الثورة في طريقها الى التحقق؟
د.ج. “لديهم فعلا قبول شعبي وتم اختيارهم ديموقراطيا. ينتظر الناس الآن انتهاء المرحلة الأخيرة من الانتخابات بانتخاب الرئيس، ويتوقعون أن تبدأ الأوضاع بالتغير بعد ذلك. آمل أن تبدأ الحكومة الجديدة بالسير في الطريق الصحيح، الا أن كل المؤشرات لا تدل على ذلك حاليا. يتوقع الناس أن تتغير أوضاعهم ولا يبدوا أن الحكومة الجديدة قادرة أو راغبة بصنع تغيير جدي يغير علاقات القوة وعلاقات الانتاج القائمة حاليا. ان بقي الأمر كما هو عليه بعد انتهاء الانتخابات فأنا أتوقع تنامي التذمر وتجدد التحركات الشعبية ضد الحكومة الجديدة.”
- المرحلة المقبلة- هل نحن في مرحلة انتقال ديموقراطي أم أن الثورة مستمرة لأنها لم تحقق أهدافها بعد؟ ما هو دور اليسار وما هي علاقته بالشارع المصري؟
د.ج. “اليسار عزل نفسه عن الناس لفترات طويلة سابقا. بالماضي كان حزب التجمع الحزب اليساري المركزي وكانت له قواعد شعبية جدية. عمل السادات في فترة حكمه على ضرب اليسار بالتحالف مع الاسلاميين، ليتحول النظام الى محاربة الإسلاميين في فترة مبارك. قامت قوى اليسار المركزية بالتحالف مع نظام مبارك ضد الاسلاميين متناسية بذلك دورها الطبقي ودورها بدعم الحريات لتتحول الى معارضة مدجنة.
“نعمل في السنوات الأخيرة على اعادة بناء يسار حقيقي وجدي ليأخذ دوره بالعمل مع القاعدة والتفاعل مع الناس في كل نضالاتهم. العملية الثورية مستمرة وموجودة تحت السطح على الدوام رغم الهدوء النسبي الموجود حاليا وعلى اليسار أخذ دوره بتنظيم الناس من أجل مواصلة العملية الثورية حتى تتحقق الأهداف. تسمية الحزب “الثورة مستمرة” جائت من رؤيتنا بان الثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها أنها مسيرة بدأت ولم تنته بخلع مبارك. بالنسبة لعلاقتنا بالحكومة الجديدة فانا لست مع أن نكون كيسار مع الليبيراليين في خندق واحد فقط على اساس كوننا ضد الاسلاميين، فهناك ليبيراليين من بقايا النظام السابق أو رأس ماليين جشعين لا أجدهم أقرب مني. التيار الاشتراكي عمل بالتعاون مع الاسلاميين سابقا ضد مبارك ولكن الاسلاميين اليوم هم الحكومة ومشكلتي معهم هي سياساتهم على الأرض وليس كونهم اسلاميين، لذا علينا أن نشرح للناس وأن نكون واضحين بهذا الخصوص. ما حسم الثورة هو نزول الطبقة العاملة والشرائح المهمشة الى الشارع، ولكن اليوم، ليس هئلاء هم من يحكم، لذا على اليسار أخذ دورة بتنظيم هذه الشريحة لتدافع عن حقوقها ومطالبها التي قامت الثورة من أجلها أصلا.”
- سؤال أخير لا بد منه- هل أنت متفائلة مستقبلا؟
“نعم، انا متفائلة بالنسبة الى السنوات القريبة التالية. هناك الكثير من العمل علينا القيام به. يجب أن تستمر العملية الثورية وأن نأخذ دورنا بتنظيم الجماهير وتقوية قواعدنا العمالية، ولكنني أعتقد اننا قطعنا شوطا جيدا ومتفائلة بالنسبة لما يمكننا تحقيقة مستقبلا.”
25 مارس 2012
هل لا يزال أحد يعتقد أن هناك ثورة في مصر؟