قيامةٌ في عناتا…
سأكتب اليوم لكَ نصًا موسميًا يثير البُكاء، هديّة لأنك كنت ولدًا شاطرًا…
قيامةٌ في عناتا…
|مجد كيّال|
قُم يا حبيبي، صباح الخير، قُم…
إنه يوم الرحلة المدرسية، انه اليوم الكبير، رغم أن الطقس ماطر. هل جرّبت يومًا أن تُقنع امرأة عجوز بأن الله، بالحقيقة، لا يُمطر في أعياد المسلمين ويشمّس في أعياد اليهود؟ قُم إلى رحلتك، حضن المعلمة ينتظرك على باب الروضة. خذ حقيبة “باوار رينجرس” التي تتوارثها أنت وأخوتك وأبناء عمّك منذ خمس سنوات، لا زالت في حالةٍ جيّدة بما يكفي، ولم نصبح حتى الآن في حالةٍ جيدة بما يكفي لنشتري غيرها. “احمل الشنطة صح”، يا حبيبي… على كلا الكتفين، وامسك بيد أختك واذهب…
قُم يا حبيبي، إلى رحلتك، قُم، صباح الخير…
ستذهبون اليوم إلى مدينة الملاهي، انها مكان جميل! هل تعلم؟ انها أجمل حتّى من أراجيح المستوطنة المجاورة! ستقفون بصفين وتشبكون أياديكم، هل تريد أن تُمسك يد تمارة؟ حسنًا يا حبيبي، أعدك أن لا أقول لأخوتك، وعد، امسك يدها… امسك يدها يا حبيبي قبل أن تنتهي الرحلة، بعد عام أو اثنين ستذهبان إلى مدرستين منفصلتين، واحدةٌ للإناث وواحدة للذكور.. وتضيع منك الفرصة، فقم يا حبيبي، قبل أن تكبر.
قُم يا حبيبي، إلى مدينة الملاهي، قُم، صباح الخير…
لا أعرف إن كانت بلدية رام الله قد أضافت لمدينة الملاهي السفينة التي تقلب في الهواء، لكنّ بالتأكيد هنالك ألعاب أجمل منها وأقل خطورة. قُم، لقد وقّعت لك على ورقة أولياء الأمور وترك أبوك ثلاثين شيكل تدفعهم للست مها… قُم إلى مدينة الملاهي، هل تريد أن تلعب بالسيارات المتصادمة أم تركب قطار الرٌعب؟
قُم يا حبيبي، إلى قطار الرعب، قم، صباح الخير…
سأكتب اليوم لكَ نصًا موسميًا يثير البُكاء، هديّة لأنك كنت ولدًا شاطرًا، ولتسامحني على أني لم أستطع أن أكون من المرافقات في الرحلة، سامحني، فإن ذهبت معك، من سينظّف ممرات الجامعة العبرية؟ لكني أعدك أن أذهب معك في المرة القادمة إلى الزيارة الصفيّة للمكتبة البلدية في صلاح الدين، لنشاهد مسرحية “الشاطر حسن” مرةً أخرى يا حبيبي، وينحني أحمد أبو سلعوم في نهاية المسرحية، لك يا صغيري، كما لا زال يفعل منذ أكثر من ثلاثين عام.. (هل يعرف أحمد أنه قد أنحنى لك، أنت أنت؟) وعندما تكبر سآخذك كما لم يذهب أي ولدٍ قبلك من عناتا إلى “الحكواتي” ونشاهد مسرحيةً، ربما نشاهد “مونولوجات غزّة” وتعود إلى البيت تردد النص: “صار عندي فرشة لحالي… صار عندي فرشة لحالي…” ثم أكتب عن هذه الحادثة في نص موسميٍّ يثير البكاء، هديةً، لأنك كنت ولدًا شاطرًا.
قم يا حبيبي، إلى نصٍ موسميٍّ يثير البكاء، قم، صباح الخير…
غدًا سيشتغل العلماء بكَ، سيقارنون عدد الدقائق التي ستظهر فيها على شاشة الأخبار الإسرائيلية بتلك التي يظهر فيها طفل يهوديٍّ خُدش في لعبة كرة قدم. وستصبح هذه الرحلة “إنجازًا وطنيًا” كشف للعالم الوجه الحقيقي للمعقبين اليهود فهبّ الناس للقتال وتركوك وحيدًا على حصانٍ أبيض يدور ويدور في مدينة الملاهي. إنها الملهاة يا حبيبي، إنها ملهاتنا- ملهاة شعبٍ يرش فوق الجرح “لايكات”- إنها ملهاتنا؛ إننا لا نعرف كيف نموت دون سبب، هل تصدّق؟ إننا لم نعد نعرف الحزن الآتي من الصدفة، فالمصائب في بلادنا عقلانية بمعظمها: ليس عنفًا بين طوائف ولا رصاصة طائشة سببها بيع المخدرات المتفشي (تشير الدراسات إلى تقاعس الشرطة يا حبيبي!) ولا رصاصة على الحاجز الجديد، لقد افتتحوا لنا، هنا بجانبنا في شعفاط، حاجزًا جديدًا.. قم يا حبيبي، ألا تريد أن تلعب بالاشتباك مع الجنود؟ قم، فأنت لم تصب برصاصة سيقول أهل المنظمات الحقوقية بأنها ليست مطاطية بل معدنيةً مغلفةً بالمطا ومن ثم تظهر إحداهن متحذلقةً: “وي تيتش لايف سير!”… قُم يا حبيبي فأنت ستذهب إلى الرحلة دون حاجةٍ لإثبات حسن نواياك بتكرار رفض التدخل الأجنبي؛ إنها الملهاة يا حبيبي، إنها ملهاتنا.
قم يا حبيبي، إلى ملهاتنا، قم، صباح الخير…
لم تعد قادرًا يا حبيبي على الانتباه إلى أنك لن تحقق أحلامك التي ستهدر فيها الأبدية المتبقية. افرك أسنانك وابتسم، إنه يوم الرحلة، إنه اليوم الكبير. هل يُمكنك أن تقنعني بأن الله لا يُمطر في أعياد المسلمين ويُشمّس في أعياد اليهود؟ هناك أمور بسيطة أنما مستعصية. قُم يا حبيبي إلى رحلتك الجميلة، سيكون نهارًا رائعًا، رحلة قصيرة ومن ثم يأتي الخلود… أعدك يا حبيبي.
قُم يا حبيبي، سيكون نهارًا رائعًا، قم… صباح الخير.
9 أغسطس 2012
ساقتني الصدفة الجميلة لقراءة ما ابدعت مع اني من عشاق قديتا ومبدعها ومناغشاته الرائعة مع صغيرته التي أدمنت على قراءتها , كلماتك أيها المجد أحزنتني ولكنها زادتني إصرارا على الانحناء لفلذات اكبادنا دون إنكسار , دمت ودام قلمك البديع .
9 أغسطس 2012
بالصدفة المحضة الجميلة قرأت مقالتك الرائعة , أعتذر لتأخري رغم أني من عشاق قديتا وما يكتبه مبدعها وأقرأ مناغشاته مع صغيرته المشاكسة الجميلة كأني أقرأها باستمتاع لأول مرة , كما القدس القديمة تسحرني وأراها كل لحظة وكأنها المرة البكر , أحزنتني وزودتني مشكورا بلا مجاملة في أن أظل أنحني لفلذات قلوبنا دونما إنكسار , ليحيا قلمك لنستنير به دوما .
19 فبراير 2012
جميل جدا………..لا تعليق و أنا لا أوافق السيد عزمي على رأيه
17 فبراير 2012
عزيزي الكاتب،
أنا لا أعرفك شخصيا ولكني أتابع كتاباتك بشغف.
ورغم جمالها فهي لا تنفك تستغل القضايا الإنسانية لتنفش بريش كاتبها وتتفاخر. أليس هذا أسوأ من اللايكات التي انتقدتها ؟
16 فبراير 2012
عزيزي مجد تدهشني كل مرة من جديد عندما أقرأ ما تكتب. فلتدم بخير وسلمت يداك.
16 فبراير 2012
حتى البكاء .
رائع