طارق علي: تحديات الثورة والمعارضة في القرن الـ 21
المؤرخ المخضرم، الروائي، والناشط طارق علي يتحدّث عن التحديات التي تواجه الثورات العربية ومستقبل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على أثر “الانسحاب” من العراق، وأهمية حركة المعارضة الحالية التي تجتاح شوارع وميادين المدن في مختلف أنحاء العالم
طارق علي: تحديات الثورة والمعارضة في القرن الـ 21
.
|أجرى الحوار: فراس خطيب|
|ترجمة: ساندرا أشهب- خاص بـ “قديتا”|
هل تتفق مع الرأي القائل بأن التغيير في العالم العربي منقوص؟
“أنا ادعم الانتفاضات الجماهيرية في العالم العربي. عندما اندلعت في البداية قارنتها بأوروبا عام 1848. حينها بدأت هناك انتفاضات هائلة هيأت الوضع للقرن الذي تلاه. في الوقت الذي هبت فيه هذه الانتفاضات في أوروبا كان هناك الكثير من الهزائم والنكسات، وأعتقد أن هذا على الارجح ما سنشهده ونعيشه. وآمل أن لا يكون هذا هو الحال، ولكن حتى الآن يبدو أن السلطات ستعالج الوضع من خلال وعود بإصلاحات قليلة هنا وهناك، مع الإبقاء على حكم النظام نفسه. هذا ما يحدث في تونس ومصر. اما وضع ليبيا فمختلف تماما. حيث انه من المفروض أن الغرب تدخل من أجل حقوق الإنسان ووقف سيطرة معمّر القذافي على بنغازي، لينتهي الامر بحرب وبقصف البلاد من قبل حلف شمال الاطلسي على امتداد عدة اشهر. والنتيجة ستكون فوضى برأيي. لقد ذهبت إلى أنه أيا كان الفائز في ليبيا فإن الشعب الليبي، وبالنظر لما يحدث الان، سيكون خاسرًا. ليبيا مهمة بالنسبة لهم ليس بسبب جغرافيتها وحسب ولكن بسبب الجيولوجيا أيضاً، فهي تحتوي على احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي، الشيء الذي لن يفرطوا به أبدا.”
لقد مرت اشهر منذ تَفَجُر “الربيع العربي”، ما هو تقييمكم لرد فعل الرئيس الأمريكي براك اوباما عليه؟
“رد الفعل الأولي للولايات المتحدة كان المفاجأة والخوف. المفاجأة من حصوله وتصعيده، والخوف من أن ذلك من شأنه ان يطيح بالواجهة كلها في المنطقة، بما في ذلك عواقب غير متوقعة وصعبة التكهن. في تونس، حاول الأمريكيون في النهاية الحفاظ على زين العابدين بن علي في السلطة عن طريق الفرنسيين. عرضت حكومة ساركوزي ووزير دفاعه إرسال قوات فرنسية للحفاظ على بن علي في السلطة، لكن بعد فوات الأوان. فقد كان بن علي على متن طائرة متوجها الى السعودية. في مصر حاولوا ايضا السيطرة على الوضع بداية على أمل الحفاظ على مبارك في السلطة. بعدها دارت الكثير من المفاوضات من وراء الكواليس وفي نهاية المطاف وبعد استشعار أن الوضع قد يخرج عن السيطرة، وربما يؤدي إلى نزاعات في الجيش، حينها رأت الولايات المتحدة انه على الرئيس حسني مبارك التنحي، فتم “تكبيله في سترة المجانين” وأُنزل عن “المسرح السياسي” وهو يصرخ ويقاوم. ثم نشأ وضع كان عليهم فيه التضحية بمبارك، لكنهم يريدون البقاء والاستمرار، كما يفعلون في باكستان وتونس وبلدان أخرى حيث تم التخلص من قوى الموت والطغاة. وقد سمحوا بإنشاء واجهة مدنية تم التفاوض عليها وتصميمها بعناية فائقة. تلك لا تعمل بشكل جيد جدا، لأن هجوم قوات الأمن على المتظاهرين يظهر مدى هشاشة الوضع.”
لماذا، وبعد انتصار كهذا للشعب في مصر، حدثت انتكاسات عديدة؟
“تعتبر الانتفاضات الجماهيرية حيوية للغاية لرحيل الديكتاتوريين، ولكن ما يضع النقاط على الحروف هي الوسائل السياسية الحقيقية. فحقيقة هي أن هذه الحركات الجديدة في العالم العربي لم تنتج بعد تشكيلات سياسية جديدة ذات أهمية كبيرة. هنا الاختلاف مع أمريكا الجنوبية واضح جدا. ففي تسعينيات القرن الماضي وفي القرن الحادي والعشرين نشأ عبر امريكا اللاتينية مزيج من الحركات الاجتماعية الضخمة التي انتجت أشكالا جديدة من التنظيمات السياسية. تنازعت هذه المنظمات في الانتخابات وتولت السلطة ديمقراطيا وانتخابيا، ومن ثم نفذت الإصلاحات الهيكلية، مما يشكل تحديا للقبضة الرأسمالية النيوليبرالية – ليس الرأسمالية ككل، ولكن هذا الشكل المحدد من الرأسمالية. من دون أشكال جديدة من المنظمات السياسية فإن الهياكل السياسية القائمة كالإخوان المسلمين، وخاصة في مصر، تصبح لديها أفضليه كبرى.”
كيف ترى مستقبل العلاقة بين الجيش المصري والولايات المتحدة؟
“هذا يعتمد كثيرا على ما سيحدث خلال السنة المقبلة. بمجرد الانتهاء من تشكيل حكومة مدنية منتخبة في مصر، أيا كانت، فإن ذلك سيغير المعادلة او القوى المحركة – اي إنتاج حكومة لديها شرعية وهو ما يفتقر اليها الجيش. لكني اعتقد ان قوة الجيش المصري آخذه في الانحدار، والنظام الذي يحاولون فرضه في مصر سيحيل الوضع الى مثلما هو في باكستان واندونيسيا حيث الجيش هو القوة الرئيسية المتعاونة مع الولايات المتحدة. على مدى العقد الماضي، امتنعت الولايات المتحدة عن استغلال القوات العسكرية في هذه البلاد لأنها رأت أنها غير مثمرة وبدأت بالتعامل مع أشكال أخرى من الأنظمة. وأعتقد أن هذا على الارجح ما سيحدث في مصر، ولذا فإن هناك الكثير من المفاوضات جاريت.”
لماذا برأيك لا تزال احداث الانتفاضة السورية مثيره للجدل على الرغم من عدد القتلى؟
“هناك عدد من الأسباب التي قسمت العالم العربي بصدد سوريا. السبب الأول هو أنه يُنظر إلى سوريا باعتبارها النظام الوحيد في المنطقة الذي حافظ على قدر من الاستقلال واتخذ موقف صارم من قضايا معينة. سواء كان ذلك دقيقا أم لا، فأعتقد أن الامر أكثر تعقيدا من ذلك. كان نظام الأسد انتهازيًا للغاية، وكما نعلم قد شارك في حرب الخليج الأولى، فأين ذهبت ما تعرف بمكافحة الامبريالية آنذاك؟ من ناحية أخرى، من المؤكد ان هذا النظام دعم حزب الله في لبنان والقوى التي كانت ناشطة في محاربة اسرائيل، بحيث يشكل هذا تناقضا آخر. ثالثا، هذا هو النظام الذي ظل معاديا للامبريالية. وهذا مصدر للبلبلة. السبب الرابع في رأيي، هو أن قصف حلف شمال الاطلسي في ليبيا لمدة ستة أو سبعة أشهر جعل العديدين في العالم العربي في غاية الحساسية لمسألة التدخل الامبريالي، فهم لا يريدون أن يروا ذلك في سوريا. كما قالت الكثير من الجهات المعارضة السورية أنها لا تريد أن ترى ذلك ايضا. لذا فان مزيجًا من هذه العوامل يشكل تخبطًا تجاه الوضع في سوريا. الا ان الوضع غير محير بالنسبة لي، أريد أن يكون ذلك واضحا. سلالة الديكتاتورية هذه فُرضت على السوريين بداية بحافظ الأسد الذي جاء إلى السلطة عن طريق انقلاب وحشي ضد الجناح المدني في حزب البعث، والذي كان يقوده بعض العناصر رفيعة المستوى وتم محوهم عن بكرة أبيهم في سوريا. تماما كما فعل صدام حسين في العراق. لقد قتلوا، هجروا، نفوا وسجنوا الكثيرين. وهكذا وصلوا للسلطة. ومنذ ذلك الحين يقوم النظام بمناورات فعالة داخل سوريا والمنطقة من أجل البقاء في السلطة، والآن يرفضون قبول حقيقة نهايتهم. فمن المدهش تماما أن الأسد لم يستطع اقحام إصلاحات في سوريا، بعدما رأى البوادر تحلق من حوله. فقد رأى ما يحدث في تونس ومصر و لسبب ما ظن ان بإمكانه التمسك بالسلطة. شعوري هو أن أيامهم قد ولت، وأنه عاجلا أم آجلا نظامهم سوف ينهار. نقطة أخرى تستحق الأخذ بعين الاعتبار الآن هي أن السعودية قررت ضرورة وجود حكومة سنية في سوريا والتي ستكون حليفتهم ومن الممكن السيطرة عليها. لذا فإن موقفهم تجاه سوريا تبدل 180 درجة. كانوا مستعدين للتسامح مع نظام الأسد. كانوا مستعدين للتعامل معه، خصوصا بعد الانسحاب من لبنان، والذي اعتبره السعوديون نصرا كبيرا. ولكن كيلهم الان قد طفح، فالضغوط الكبيرة على السوريين آتيه من المحور السعودي في المنطقة. السعودية تريد التخلص منهم وهو ما يشكل سببا آخر للعداء تجاه ايران التي تدعم نظام الأسد. انها صورة مشوشة ولكن لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أن الشعب السوري قد اكتفى قائلا: نحن لا نريدك، ارحل بسلام. ولكن عدد القتلى وحجم المجازر التي ارتكبت في سوريا الآن ستجعل الرحيل بسلام صعبا.”
ما هو تقييمكم لسوريا بعد الأسد؟ ما هي الأدوار التي تقوم بها الولايات المتحدة واسرائيل في ما يجري في سوريا؟
“أعتقد أن الإسرائيليين لا يريدون التغيير. من المؤكد أن الإسرائيليين لا يريدون الإطاحة بنظام الأسد، لأنهم يتعاملون معه تارة ويقاطعونه تارة اخرى، ومن غير الممكن معرفة من قد يتبعه. رعب الإسرائيليين هو من الحكومات الديمقراطية، لأنه بمجرد وجود حكومة ديمقراطية في المنطقة، حتى لو لم تكن ممتازة في العديد من القضايا، فانه سيتوجّب على الاسرائيليين التجاوب مع بعض أهواء قاعدتها الجماهيرية. والقاعدة الجماهيرية العربية/ الشارع العربي معاد لما يفعله الإسرائيليون في المنطقة منذ ثلاثة عقود. فهم يمقتون ذلك، لذا سيكون هناك الكثير من الضغط. الاسرائيليون يفضلون التعامل مع الطغاة لأنهم يحسنون ابرام صفقات معهم، وليس هناك ما يشير إلى أنهم يريدون إزالة نظام الأسد.”
هل ردة الفعل الضبابية للقوى الغربية تجاه الربيع العربي نابعة من “الخوف” من جماعة الإخوان المسلمين؟
“لماذا تشكل حركة الاخوان المسلمين تهديدا لهم؟ انها قوة محافظة اجتماعياً، والغرب يحب العمل مع القوى المحافظة في جميع أنحاء العالم. لماذا هذا التبدل في المواقف، هل لمجرد كونهم مسلمين؟ شخصياً أنا لا أدعمهم، ولكن إذا كان الناس يريدون انتخابهم للسلطة كما تم انتخاب الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا أو إيطاليا أو أي مكان آخر، فلماذا يجب منعهم؟ هذا ليس مجرد عداء لجماعة الإخوان المسلمين بل عداء لجوهر الديموقراطية في العالم العربي. إذا كان الناس يخشونهم، فالحل هو انتخابهم ومن ثم تقييمهم، وهذا هو الطريق إلى الأمام، وهكذا يجب ان يكون. لكن الهجوم على الاخوان المسلمين هو في جوهره هجوم على فكرة أن الشعب العربي ناضج بما يكفي لاختيار حكوماته. وهذا له علاقة وطيدة بالأهمية الاستراتيجية للمنطقة. أينما وجد النفط فإن الغرب دائما يفضل التعامل مع الطغاة بدل حكومات ديمقراطية.”
إيران، الولايات المتحدة وإسرائيل
ماذا كان رد فعلكم على المؤامرة المزعومة لقتل السفير السعودي في الولايات المتحدة من قبل ايران؟
“أعتقد أن هنالك ريبة كبيرة، فالأمر لا يعقل. انها في الاساس محاولة لمساعدة السعوديين في المنطقة، لأن هناك قدرا كبيرا من الاضطرابات التي يبلَّغ عنها في المناطق الشيعية من المملكة العربية السعودية. ونظرا للدور الذي لعبوه في البحرين، فانهم مضطربون الان. وأعتقد أن وكالة الاستخبارات الاميركية تدعي مساعدة السعوديين، فقد اتضح الآن أن هذا الرجل المفترض ان يكون متهمًا بالقيام بالمؤامرة هو مجنون، وحتى لو كان الإيرانيون حمقى، فلا يمكن ان يكونوا بهذه الحماقة. لذا كان رد فعلي الأولي أن الحادثة ملفقة.”
ما هي سياسة الولايات المتحدة المحددة تجاه ايران؟ هل ستكون عقوبات، حرب، هجوم عسكري موقوت، أم الدبلوماسية؟
“شعوري حول سياسة الولايات المتحدة في العلاقة مع إيران هو ذاته منذ بعض الوقت، وهو نابع من مجرد المصالح الأميركية لزعزعة استقرار ايران. إن محاولتهم للقصف أو لفرض عقوبات ثقيلة بموافقة روسيا والصين من غير المرجح أن تنجح. ستتم مقاومة أي اقحام لهجوم عسكري على ايران من قبل الجنرالات الاميركيين والبنتاغون لعدد من الأسباب: اولاً، سيكون هذا فوق طاقتها العسكرية. ثانياً، هناك خطر في مهاجمة ايران لان الايرانيين حينها سيردون الهجمة في العراق، لبنان أو أفغانستان. نحن ننجرف بما يمكن للولايات المتحدة ان تقوم به وجها لمواجهة مع ايران، ونحن نميل إلى نسيان أن النظام الايراني كان اساسا داعما لحروب امريكا واحتلالها للعراق وأفغانستان. لقد دعمت ايران احتلال الناتو لأفغانستان، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة للولايات المتحدة. وإن فتح النار على الجبهة إلايرانية يعرّض الاحتلال في هذين البلدين لخطر الانهيار وزعزعة الاستقرار، لذا فمن غير المرجح انهم سيفعلون ذلك. الضغط من اجل فعل شيء في ايران يأتي من مصدر واحد، وهو اسرائيل. والسبب في ذلك هو الخوف من أن تكون ايران قد كسرت الاحتكار النووي الاسرائيلي في المنطقة. ليس هناك أي سبب آخر.”
بالنظر إلى الوضع المعقد الذي ذكرته، هل تعتقد أن هناك احتمالا بأن تتخذ إسرائيل إجراءات ملموسة ضد إيران؟
“لا يستطيع الإسرائيليون مهاجمة إيران دون موافقة الولايات المتحدة، وهو أمر مستحيل لأن الفوضى الناتجة يمكن لها ان تسقط النظام السعودي. اذا هوجمت ايران عسكريا من قبل الإسرائيليين فسوف تشب فوضى في الشرق الأوسط وفي أنحاء مختلفة من العالم. فلن يكون هذا شيئاً مرغوبا به. ومن ثم فإن السؤال الوجيه سيكون: ماذا ستفعل المعارضة في السعودية؟ انها ليست معارضة منظمة تنظيما جيدا، لكننا نعرف أنها موجودة. وهذه مشكلة خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة، لأن الشيء الوحيد غير المقبول بالنسبة لهم في الشرق الأوسط هو حدوث أي شيء للنظام في المملكة، فهم يدعمونه بقوة. ولاحظ كيف يتم نسيان اي أحاديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية عندما يتعلق الأمر بالسعودية، فهذا موقف واضح جدا من قبل الولايات المتحدة. لذلك سوف يكون من المغاير لمصلحة امريكا السماح بغارة اسرائيلية على ايران. لكن في بعض الأحيان يقوم السياسيون بفعل أشياء مجنونة وغير عقلانية.”
العراق، أفغانستان وفلسطين
الانسحاب الامريكي من العراق، ماذا يعني هذا في السياق السياسي الراهن في الشرق الأوسط؟
“القواعد العسكرية الضخمة التي بنيت في العراق وتُبنى حاليا في أفغانستان لا تشير لي على اي فك ارتباط سريع. هذا الانفصال شكلي الى حد كبير، على غرار ما حدث عندما احتل البريطانيون العراق. تقهقروا إلى القواعد العسكرية التي لم يُطردوا منها حتى قيام الثورة في عام 1958. نسخ الاميركيون هنا النموذج البريطاني: قواعد عسكرية ضخمة، مثل المدن الأميركية، التي شيدت في 6 أماكن مختلفة في العراق، والتي سيُبقون فيها على الاقل ما بين15 و 30 ألف جندي. ولذلك فمن السابق لأوانه جدا الحديث عن فك الارتباط. وفي حال طالب النظام العراقي بمغادرة جميع الجنود الأمريكيين فمن شأنه أن يكون حدثًا مثيرًا في سياسية الشرق الأوسط. دعونا ننتظر ونرى ما سيحدث.”
الوضع سيكون معقدًا في أفغانستان، ولغاية الأن لم تقدم الولايات المتحدة أي جديد. هل من شأن هذا أن يضعف أوباما أو الولايات المتحدة؟
“إن هذا ما حصل بالفعل. عول أوباما اكتساب مجده الكبير على السياسة الخارجية، والفرق بينه وبين بوش هو أن الثاني لم يرسل قوات كافية لكسب الحرب في أفغانستان، أما أوباما فكان بصدد ارسال المزيد من القوات. فقد أرسلهم، وفشلوا. أساسا، أدى الاحتلال الاميركي لافغانستان لخلق المقاومة، ليست المقصود فقط حركة طالبان المعهودة، والتي لا تزال هناك، بل والعديد من العناصر الجديدة فيها. كما حاججتُ سابقاً، لقد تحولت المقاومة الى البشتون مع وجود قيادة سياسية هي طالبان وطالبان الجديدة.
“لكن شيئا واحدا تتفق عليه هذه المجموعات وهو أنها لن تتفاوض مع كرزاي ما دامت هناك قوات أجنبية في البلاد. أما من وراء الكواليس، فهناك مفاوضات جارية مع المقاومة. والتمس اليها الامريكييون الإنضمام الى حكومة وطنية، وقالت انها ستفعل ذلك، ولكن ليس طالما هناك قوات أجنبية على الأراضي الأفغانية.
“يعيش الأميركيون وجماعة شمال الاطلسي في فقاعة، لدرجة انه يمكنهم زيارة أجزاء محددة من البلاد فحسب عن طريق دفع مبالغ ضخمة من المال للمتمردين، مثلما فعل الروس من قبلهم. لقد فشل الامر حينها، وسيفشل مره أخرى. لا أعرف إذا كان ذلك ممكنا لفترة أطول، ولكن قبل خمس سنوات حاججتُ أن السبيل الوحيد بالنسبة لهم هو الخروج والسماح للبلاد ببناء حكومة وطنية. لكن ليست هذه الطريقه التي يعمل وفقها الغرب.”
لماذا تعتقد أن أوباما يعارض المحاولة الاخيرة لاقامة دولة فلسطينية بعد ان اعلن قبل بضعة اشهر انه سيؤيد اقامة دولة فلسطينية داخل حدود عام 1967؟
“أوباما لا يختلف عن أي رئيس أميركي آخر. حتى أن بوش، في مرحلة معينة، قام بضغوط اكبر من آجل قضية الدولة الفلسطينية. وكان بوش الاب أكثر جدية بشأن مسألة قيام دولة فلسطينية. وكلينتون تحدث عن دولة فلسطينية مستقلة. ولكن في معظم الحالات ما قصدوا به هو الدولة الفلسطينية المستقلة المقبولة على الاسرائيليين؛ والاسرائيليين رفضوا السماح حتى باستقلال إسمي لفلسطين. كان كل ما هو مطلوب من الأمم المتحدة الاعتراف بالوضع الراهن على انه دولة فلسطينية مستقلة. ولكنهم لم يستطيعوا حتى قبول ذلك.
“لقد صفعوا الفلسطينيون على وجههم، وهذا ما ستحصل عليه منظمة التحرير الفلسطينية بعد استسلامها التام للغرب بعد اتفاقات أوسلو. هذه هي المأساة التي تركتهم مكتوفي الأيدي لا يعرفون ما العمل. في أية حال ليس هناك شك في أن مجلس الأمن لن يقبل ذلك لأن الأوروبيين والأميركيين لا يقومون بفعل أي شيء ضد رغبة الإسرائيليين. وكان بيان أبو مازن [محمود عباس] مثيرًا للشفقة. لم يسبق لي أن رأيت زعيماً فلسطينيا مثيرًا للشفقة بهذا الحد. وكان بيانه: “هذا يكشف عن ان الولايات المتحدة غير منصفه.” منذ متى كانت الولايات المتحدة منصفة، معتدلة، منطقية، أو تؤيد الجانبين؟”
المعارضة العالمية والعدالة الاجتماعية
هناك حركة لاحتلال وول ستريت تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية. ما هي العلاقة بين الحركات اليسارية بما يجري، وما مدى التفاؤل حيال الضغط لإحداث التغيير؟
“أعتقد أن الجيل الحالي في جميع أنحاء العالم قد طفح كيله – ليس فقط في العالم العربي، ولكن في أمريكا الجنوبية، والآن في الغرب، ممّن نشأوا تحت مظلة الأزمة الرأسمالية. طفح كيلهم لأنهم يعيشون في بلاد تخلو من أية معارضة جدية من قبل الأحزاب السياسية. هذا الوضع يشتدّ الآن في الغرب، حيث تسود الرأسمالية الخانقه للديمقراطية والمساءلة الديمقراطية. ليس هناك معارضة في بريطانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا أو اليونان. في اسبانيا واليونان احزاب اليسار-المركز هي التي تُقحم السياسات المعادية، مثلما حاول حزب العمال الجديد ان يفعل قبل ان تحل محله حكومة ائتلافية في بريطانيا. وسياسات أوباما وقبله بوش والسياسات الاقتصادية والسياسات الخارجية، كلها تدل على استمرارية النخبة الإمبريالية، فما من جديد.
“في وضع كهذا، فيه أزمة ضخمة وحكومات تشبه التي سبقتها، فإن الشباب يشعر أن لا أحد سيساعده اذا لم يقم بعمل شيء بنفسه. فهم يفعلون ما يعرفون كيفية القيام به، المسيرات، التظاهرات واحتلال الحيز العام. هذا خطوة أولى بالغة الأهمية وتدل على حدوث تحول في الوعي السياسي. ولكن من هنا لا بد من حدوث نقلة، وهي تكوين تشكيلات سياسية جديدة. أنا لا أقول ان الأمر سيكون سهلا، ولكن ان لم يحدث ذلك فان هذه الحركات سوف تتشكل وتنحل دون أن تتمكن من تحقيق مبتغاها.”
هل ترى أن هناك فرصة لخلق تشكيلات سياسية جديدة في الغرب؟
“أعتقد أن الأمر سيستغرق 20 سنة أخرى. على الرغم من أنني أعتقد أن الناس تعلموا من تجاربهم الخاصة. فمن التجربة يتعلم الناس. في مصر علمتهم تجربتهم أن هذه مسألة حياة أو موت: نحن مستعدون للموت، ولكن يجب أن نتخلص من مبارك. عندما يصل الوضع إلى تلك المرحلة في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، سنرى وقتها تطلعات مختلفة ونتائج مختلفة، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن. وقد نجح النظام في التعافي من الاحتجاجات من قبل، وبامكانه فعل ذلك مرة أخرى. فهو لا يشعر بالتهديد الجدي من قبلهم. هذا لا يعني أنهم غير مهمين، بل على العكس هم مهمون جداً، ولكن على المرء أن تكون له رؤية بعيدة المدى.”
هل سيؤدي احتلال وول ستريت والمظاهرات في جميع أنحاء أوروبا إلى حقبة اقتصادية جديدة تتجاوز الرأسمالية؟
“لقد قال لينين أشياء كثيرة وقد نسيها العالم، وهناك مقولة مهمة جدا- قال إنه لن تكون هناك أزمة نهائية للرأسمالية ما لم يكن هناك بديل. وأعتقد أن هذا صحيح تماما، فقد اجتازت الرأسمالية ازمات عديدة من قبل، وكان الحل هو القمع. ستتخطى الرأسمالية أية ازمات ما لم يبرز بديل على المستوى الوطني والعالمي. هذه حقيقة تاريخية مؤسفة. ولا يمكنك تخطي ذلك لان هذا هو النظام الذي في السلطة. انها لا ترى هذه الأشياء باعتبارها تحديا. هذه الانتفاضات والاحتلالات هي في غاية الأهمية، وأنا أؤيدها تماما، ولكن لوحدها ليست كافية، وأعتقد أنه من مسؤولية المرء الاشارة إلى هذه النقطة. ما تعكسه هذه الانتفاضات هو قدر كبير من عدم الارتياح في العالم. انها تشير الى جيل جديد شهد على كل أكاذيب الليبرالية-الجديدة والخصخصة والجشع الرأسمالي. شهدوا على كل ذلك. والآن فجأة ولسبب ما أصبح ماركس ذو شعبية مرة أخرى، لأنه الرجل الذي حلل الرأسمالية بأفضل شكل. اعداؤه ايضًا يعترفون له بذلك. عليهم أن يعودوا إلى ماركس ليعرفوا كيفية عمل هذا النظام. من الافضل ان يعود الناس للقراءة مجدداً وأن يفكروا مرة أخرى. ولكن في النهاية، كلمات لينين ليست خاطئة: الى أن يجد الناس نظاما بديلا، سيفوز النظام السائد دائما.”
كيف يمكن للمرء أن يصف ما نشهده في العالم اليوم؟
“أعتقد أن ما نعيشه الآن هي مرحلة انتقالية، نفسانيا، سياسيا، اجتماعيا وثقافيا. ولكنه ليس تحولا كاملا ما لم يتمخض عن شيء جديد. الفكرة التي تنشرها الرأسمالية النيوليبرالية في جميع أنحاء العالم تقول: اقترض المال، تسوق، شاهد فورنوجرافيا، إفعل ما تريد، وكن سعيداً.. ومع كل هذا تبين الاحصاءات أنه على مدى السنوات الـ 20 أو الـ 30 الماضية، اكثر الامراض انتشارا في معاقل الرأسمالية هو الاكتئاب النفسي. في الواقع إن الرأسمالية تسبب شعورا بانعدام الأمان وعدم الرضى العميق، والذي يظهر على شكل اكتئاب. لقد ثبت ذلك إحصائيا. تتغلغل هذه الظاهرة عميقا جدا في هذا المجتمع، لذلك ليس هناك شك لديّ في أن هذه المجتمعات تعاني من الفساد والشر، ولكن هذا لا يعني أنها ستنقشع سريعًا.
“سيكون القرن ال 21، كما آمل، قرن من الفترة الانتقالية، من شيء نعرف انه غير ناجح الى شيئا من المحتمل أن ينجح. لا يمكننا التنبؤ بدقة ما يمكن ان يكون لأنه ما من يقين في هذا العالم. ولكن رغم ذلك لا أشعر أنه تم إعطاء جواب شافٍ على هذه الأسئلة.”
نظرا للتغيرات التي نشهدها في العالم العربي والاقتصاد العالمي، هل الولايات المتحدة في انحدار؟
“لا. يجب أن أكون صريحا جدا. لدينا جملة يلغتنا في باكستان تقول “طبخ أرز وهمي” يمكننا طهي أطباق جميلة كثيرة في خيالنا، ولكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة عانت انتكاسات أسوأ من هذه خلال تاريخها الامبريالي، ولا يوجد لديها منافس. ومن المفارقات أن احتلال العراق قد جعل من إيران لاعبا رئيسيا في المنطقة. وهذه نتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي للعراق، وحقيقة ان الاحزاب الدينية الشيعية مخلصة جدا لطهران، أو قريبة من طهران، إن لم تكن موالية لها 100٪ يعني أن العلاقة بين الحكومة العراقية تحت الاحتلال والايرانيين وطيدة جداً، وهذه نتيجة مباشرة للتدخل الأميركي.
“الآن لو كان الأمريكيون عقلانيين تماما، كان سيحدث ما حدث مع زيارة نيكسون إلى بكين. كان يجب على أوباما أن يتجه الى طهران ليتوصل لاتفاقية، فقد استعد الإيرانيون لذلك. كانوا سيرحبون به كثيرا، لكنه لم يفعل ذلك. والسبب هو معارضة الاسرائيليين ومقاومتهم. كانت هناك عناصر عاقلة داخل الادارة الاميركية تقول انه بامكاننا ابرام اتفاقية، ولكن وزن إسرائيل داخل النخبة الحاكمة الأمريكية قوي جدا، لذا لم يستطيعوا دعم ذلك بشكل علني.
“لقد أعطى الكونغرس ومجلس الشيوخ شيكا على بياض لاسرائيل بعد 11 ايلول: “انت صديقتنا الفضلى والوحيدة”، بحيث أصبح من الصعب القيام بذلك، لكنهم لربما استطاعوا لو ضغطوا اكثر. وأعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن التراجع أو الهزيمة الأمريكية. اعتقد انها عانت بعض النكسات، لكنها ستتعافى من ذلك بشكل سريع جدا. انها الامبريالية الاقوى وذات قوة عسكرية هائلة، وشهدناها تستخدم في ليبيا. ستة أشهر من القصف، ما عدد القتلى؟ لا أحد يقول لنا. يقول البعض ان العدد بين 50 إلى 60،000، ويقول البعض انه 30،000. وعلى اي حال فالعدد هائل، ويفترض انهم تدخلوا لمنع مذبحة ليتسببوا في ذبح عشرات الآلاف من الناس. هذا هو الواقع، لكنه أيضا استعراض للقوة: هذا ما يمكن ان نفعله من الجو، وحتى من دون قوات برية. وهذه طلقات تحذيرية على المنطقة برمتها تقول أننا ما زلنا هنا، ولن نذهب بعيداً!”
(المقابلة نُشرت في موقع “الأخبار” باللغة الإنجليزية)
18 يناير 2012
طارق علي دائما رائع.
المشكلة الوحيدة هو قوله بوجود تناقض في تصرفات عائلة الاسد. فهم تارة يدعمون الحرب على العراق بقيادة امريكية، وتارة يدعمون حزب الله.
برأيي لا توجد اية تناقضات – ففي الحالتين الموقف هدفه دعم ايران واتباعها، ليس الا! الصورة واضحة ومتكررة: عائلة الاسد توزع شعارات “العروبة” ، لكنها تتبع لايران في سياساتها. فهو يعترف بذلك في نهاية المقال بأن احتلال العراق أدى الى وقوعه بأيدي ايران لان هناك احزاب تتبع لها 100%. نفس الوضع في لبنان.