أقولُ الماء.. ولكن/ علي أبو عجمية
والصابونَ الذي خَلّفَتْهُ الحَرْب/ لم يكن يدري أنَّ فأراً ما/ سوفَ يغتالُ الصُحونَ/ ببزّة الليلِ العسكريّة،
أقولُ الماء.. ولكن/ علي أبو عجمية
| علي أبو عجمية |
(1)
هكذا أفركُ الماءَ الذي خلعَ البحرَ
بوردةٍ مالحة؛
وألوانَ لا تكفي لأصعدَ في صهيلِ الرَمْل،
اللغةُ: صفيحٌ فارغٌ تملؤه الشَمْس،
ولَيْلٌ أنثويٌّ
يعرجُ في الذاكرة!
(2)
هَلْ أَدْلُقُ الماءَ على بابِ الأبجديّةِ؟
..
وأتركُ قلبي
في جَيْبها العُشْبِ
حيثُ يبكي الفراشُ على سَليقتهِ،
والعصافيرُ
تنقرُ لَحْمَ الحُواةِ الطيّبينَ
والشُعراء؛
شاعراً.. شاعراً
…
لا لَيْلَ بعد الحُبِّ؛ لا حُبَّ بعدَ الليل:
أسمعُ الخاطرَ الأبديَّ
يهذي في الطريق،
وأفتحُ الحُزْنَ والنسيانَ
لعاشقينِ..
وأمضي!
…..
فخ
عودُ الثقابِ الذي يورقُ في فمِي
كلّما أوغلتُ
…
في أحاديثَ طارئة
بعد هذا الجوع الضروريّ،
الليلُ الكامنُ
في الشُرْفةِ التي تصعدُ
تصعدُ.. إلى الغيم،
لتنشلَ الماءَ والوحي،
….
كل شيء يستوي خلفي
ويفضحُ نفسهُ عاريا،
كل شيء.
وحبيبتي أيضاً
تلكَ التي تزيدُ ملعقةً
من الكمّونِ
على هذه العتمة!
خُبْز
من سَيّجَ مملكةَ الحُزْنِ بالنَمْلِ
والحُمّى؟
تقولُ الأرضُ لجارتها
من أسْفلِ الشُرْفَةِ الخاوية:
يا سَمائيَ
من سَيّجَ مملكةَ الحُزْنِ
بالنَمْلِ والحُمّى..
…
والصيفُ يحرسُ قُوتَه
كلّما تداعى الحَقْلُ
على كاهلِ المِلْح،
تقولُ:
هل هُوَ المَوْتُ
في طريقِ غَزالٍ مُشتهى؛
أم ذلكَ الطائرُ المحمومُ
الذي يَهوي عند أوّلِ عاشقٍ
يَطْعَنُ الخُبْزَ في ظَهْرهِ..
ويجهشُ.. يجهشُ بالعويلِ
على أمّهِ السُنبلة؟!
حَرْب
الرَجلُ الذي ماتَ
خلفَ حافلةِ النوايا
كقطٍّ
يلعقُ الحليبَ السُمَّ..
والصابونَ الذي خَلّفَتْهُ الحَرْب:
لم يكن يدري أنَّ فأراً ما
سوفَ يغتالُ الصُحونَ
ببزّة الليلِ العسكريّة،
ولم يكن يدري
أنَّ المُواءَ الدائريَّ حِرْفَةُ الكَوْنِ
والكواكبِ الآيلة،
تلك التي تثقبُ الرُوحَ..
وتذبَلُ
تذبلُ في الزُقاقِ الأخير.. كالشظايا!
(الخليل/ فلسطين)
قراءة شخصية * محارب يعايش الطبيعة ويتحايل على ألغامها
يستعصي عليّ أنا شخصيًا، وأنا أحيد الآن ناظريّ نحو شعر التفاصيل اليومية، ربما لكونه، أو هكذا قال عنه البعض، تصنيفًا شعريًا حديثًا خاصًا بالشعراء الشباب؛ مجايليّ، يستعصي عليّ أن أصوغ انطباعًا دقيقًا قابضًا على فكرة ملموسة مفهومة أو أكثر عن شعر “ميتافيزيقي” كالذي يكتبه الشاعر الشاب علي أبو عجمية. ولكني، وقبل أن أضطر إلى قراءة فاحصة لنصوصه، يستهويني معجمه؛ المعجم المستلهم من الطبيعة. لا أنكر خوفي منها، تلك التي ارتبطت تاريخيًا بالشعر، فكانت مصدرًا أساسيًا وبديهيًا لكتابته، والآن، غدت حقل ألغام بمفرداتها: كالغيم والريح والصحراء الخ.. وبالتالي شكي بأن تكون مصدرًا دائمًا ومتجددًا لشعراء العصر. إلا أننا نقف هنا أمام نص فيه من الذكاء ما يجعل من الطبيعة أقرب إلى الغرفة، ما يجعلها أقرب إلى اليدين؛ يقول الشاعر: “هَلْ أَدْلُقُ الماءَ على بابِ الأبجديّةِ؟/ وأتركُ قلبي/ في جَيْبها العُشْبِ/ حيثُ يبكي الفراشُ على سَليقتهِ/ والعصافيرُ/ تنقرُ لَحْمَ الحُواةِ الطيّبينَ/ والشُعراء/ شاعراً.. شاعراً”. نلحظ تزاوجًا بين البشر والطبيعة، بين الشاعر والطبيعة، ليس عن طريق بناء استعارة من الطبيعة تنطبق على الشاعر وهواجسه وأفكاره ومخاوفه، بل عن طريق بناء صورة داخل الاستعارة؛ تكون فيها الطبيعة جاهزة لأي فعل بشري، ويكون البشري/ الشاعر فيها، بالمقابل، ندًا لها وجاهزًا لاقتراحاتها.
يقول علي، أيضًا: “والصابونَ الذي خَلّفَتْهُ الحَرْب/ لم يكن يدري أنَّ فأراً ما/ سوفَ يغتالُ الصُحونَ/ ببزّة الليلِ العسكريّة/ ولم يكن يدري/ أنَّ المُواءَ الدائريَّ حِرْفَةُ الكَوْنِ”. الحديث عن الليل والحرب والكون يبدو حديثًا متجانسًا ذا مفردات يستسيغ الشعر وضعها في سياقات واحدة، أو على الأقل، متشابهة. ولكن التزاوج في الصورة الشعرية المشغولة داخل الاستعارة يأتي هنا بجرأة أكثر وخيال أوسع وألفة أقل؛ باستخدامه لحركة الفأر والصحون وصوت المواء. مشهد قريب قرب المطبخ، مثلا. تصوَّر كم يبعد الكون، بالمقابل!
يبدو لي نص علي كمحارب، طريقه “الطبيعة”، يصادقها ويعاديها، لا يتفرج عليها إنما يعايشها، دون أن يدوس لغمًا. وهو بلا شك نص مصقول؛ رشيق ولكنه تقيل المعنى، في لغة متماسكة، عالية الشعرية والعصرية في آن، لا تخطفها البلاغة إلى الأقاصي الزائفة، ولا البساطة إلى أقاصي العادية الباهتة.
(أسماء عزايزة)
7 يناير 2012
اللحظة الشعرية : تنحدر اللحظة الشعرية من تصادم حالات الوعي باللاوعي، نتيجة ملامسة أو احتكاك بحالات من المعيش، مشاهدة أو انغماسا فيه، وتتكون ألسنة لا تحسن منطقة المنطق ولا تتحداه إلى اللامنطق. انها اعتصار الذات تراوغ انشغالاتها لتستخرج منها صورة لاتثبت في الوعي إلا بعد أن يكون الحس المدرك قد استقر في المتعذر عن الادراك، وتضيق بالحس شعابه فينفجر نبضا مؤتلقا تتلقاه اللغة فلا تتسع له فيحولها حُطاما يمكن أن يكون دالا عليه، وتكون إذ ذاك إعلان ولادة اللحظة الشعرية ، فليس لنا ان نوجه الشاعر بما نريده ان يكتب لنا و نحن يلقى علينا الشعر فاما ان نقبله او نرفضه دون تجريح او استهانة بالشاعر او بما يكتب
7 يناير 2012
“أبو الجماجم”..طوبى لنا بعمقك نحن السطحيّون.
نحنُ على الأقل لا نتخفّى بأسماء مستعارة تعكس مكنونات إرجافٍ وخفاء.
وفيما يبدو لي أنّك بحاجة إلى “فكرةٍ ما \سطحية ما” لتفهم عبارة “نيتشه” هذه ومناطها الرؤيوي.
بكل سهولة باستطاعتي أن أشرح لك النص على نحو تفصيلي وأقدّم عرضاً نقديا لكل مقطع ولكنني لست مضطراً لذلك لأنها ليست وظيفتي بل وظيفة الناقد ولذا
باستطاعة أي ناقد ماهر تفكيك النص بُنيويا وفنيا وباستطاعة أي قارىء عادي أن يتلّمس مواطن الشاعرية ويخمّن مآلات الرمز ويشارك الكاتب هواجسه واستعاراته وصوره المركبّة.
في النهاية هذا جانب قليل من تجربتي ومّما أكتب وهذا هو توّجهي وهذي هي كتابتي إن أعجبتك كانَ به وأهلا بكَ وإن لم تعجبك فاهلا بك أيضا..
وإذا كنت تبحث عن “الكلمات الصحيحة\البسيطة” فهي ليست عندي،من وجهة نظركَ على الأقل
وإن كانت صحيحة عندي فأنا لا أقدّمها مقشّرة ومقدمةً على طبق من ذهب بسيطة مطواعة.
وأمّا التنظير الأدبي فهو هائل وطويل وكذا الأقوال كثيرة ونسبية ومن السطحية أن نحصر أنفسنا في رؤية ما وتوّجه ما
وكم تروقني مقولة حسين البرغوثي “العقل فنجانك الذهبيّ”.
أخيرا أنصحك بقراءة قصائد “الهايكو” البسيطة والمباشرة خصوصا اليابانية منها فقد تكون طلبك وقد تجد روحك الشعري هناك بكلمات صحيحة وبسيطة.
تحيتي
6 يناير 2012
علي الجميل,
أعتذر إن كلامي عكس ما تحب, ولكن حرية الموقع تغريني بأن أقول كل ما يجيش بقلبي عند آخر نظرة ألقيها على النص, وبصراحة مطلقة, تعليقك وتعليق السيدة أسماء كمن يفسر الماء بالماء, فالسيدة أسماء كتبت قطعة طويلة من الإنشاء محاولة تبرير عدم فهمها للنص, وهي اعترفت بذلك, وبالتالي أنت جئت لتقول بأن النص غير مفهوم, وأنا بينكما كتبت بأني لم أفهم شيئاً على الإطلاق.. فهل أنا مخطىء؟
في مسرحية “أديب” لسوفكليس, سأله الوحش لغزاً لم يستطيع أحد قبل أديب حله, وأعتقد أن الوحش كان سيفترس أديب لو كان اللغز: فسّر لي قصيدة علي “أقول الماء ولكن” ؟
حتى أديب “بطل الألغاز” سيفشل, لست أنا فقط ولا أسماء ولا أي قارىء ثالث.
وأنت تدخل قاديتا برجلك اليمنى, هناك جملة ذهبية معلقة على الحائط “يومًا ما سأجد الكلمات الصحيحة، وستكون كلمات بسيطة”- جاك كرواك
الكلمات الصحيحة دائما ما تكون بسيطة, أما هذيان اللغة, ولف ودوران حول فكرة لم تكتمل في ذهنك, أو انها مكتملة وخانك التعبير عنها.
نيتشه قال عن هكذا حالات: العميق يسعى للوضوح, والسطحي يُمثل العمق.
وقاعدة نيتشه هذه بمثابة الميزان لكل كاتب واعي.
احترامي
6 يناير 2012
أشكركِ عزيزتي أسماء على هذه القراءة الوازنة والحاذقة،
أنا أومن أنّ الكتابة الشعرية:فعلٌ عميق ومحاكاةٌ للداخلِ من الخارج الأقصى على نحوٍ شمولي،هذا الذي يدنو ..ويدنو بعيداً عن البساطة والعادية والمباشرةِ.
قد لا أفهم الحداثة أنّها الاسقاط المباشر للحالة فإنّ اليومي والهامشي والمتروك يجب أن يعالج أدبياً حتى يكون شعراً وإلا كان ضرباً من الكلام العادي أو ضرباً من السياقات الأدبية النثرية الأخرى.
وأنا إذ خلصت إلى التجريب في “قصيدة النثر” وأراها مفتوحة على اللغة والزمن والرؤية لا أنفكّ عن الإرثِ الأدبي العربي الهائل وإنّ رؤيتي تتلخص في معالجة الموسيقى الدخلية لقصيدة النثر والتي تتمثل في ثلاثة عناصر وهي: موسيقى المفردة وموسيقى الوعي وموسيقى التماثل،إذ أنَّ للنص أيضا معمارٌ هندسيٌ يميّزه عن سواه.
وإنَّ على النص من وجهة نظري أن يحيلَ إلى الورائيات وهو ما أسميته أنتِ “بالميتافيزيقي” أو الفلسفة ذات القالب الفني التي تحاكي الطبيعة وهي ليست سلبيةفيما أراها وهي اتجاه أدبي قديم جديد في العربية وفي سواها وقد أسس له الشاعر الإنجليزي “جون دن” وتبعه كثيرون ،وإنّ “الغموض” الذي يتحدث عنه الكثيرون ولا أستسيغه كمصطلح “هو المنطق الشفاف عندهم “،أقول هذا وأنا لا أنتمي إلى أي مدرسة نقدية أدبية
ولا أدافع عن أي توّجه هنا أو هناك.
صديقي” أبو الجماجم” كنتَ ألقي حينها قصيدة عمودية للأسف ولكنّها كانت على مستوى عالٍ من التصوير والاستعارة والمجاز،ولا أدري لماذا صفّق جمهور “الغلابه” وهم كذلك فعلا وأنا منهم صفقّوا وكانوا آمنين مطمئنين لأنّهم لا يشترون الشعر وأنا لا أبيعه ولستُ من تجارّه الذين تضجّ بهم أسواق النخاسة، لانّهم لا يتعاملون مع الكتابة باستسهال ممجوج ،
كنت ألقي من قصديتي ” كلونِ الماء” :
“بعضي سرابٌ وليلٌ مثقلٌ وفَمٌ=والبعض أنتِ فكوني كلَّ ما أصِفُ
ماءٌ لعينيكِ..مجدافٌ ..وأغنيّةٌ =وشعر طُهْرٍ به الآثام تقترفُ”
وأنتَ اقترفت الكثير من الآثام الكلامية في تعليقك،
وليتكَ عرّجت على النقد الموضوعي قليلا.
مودتي وتقديري لك.
أسماء عزايزة ..دمتِ بشعر.
5 يناير 2012
ولكن ماذا..
سؤالٌ مشرع في وجه الهرمونيا
هل أضرب يدي بالمنجل
وألتصق بالحظيرة؟
لماذا كلما رأيت عصفوراً..
صرتُ أنا؟
آكل من طرف نفسي
طرف نفسي يأكلني
ونفسي
تأكل
الطرف
وحين أرى “أنا” في هذا الزحام المتآكل
أتذكر العصفور!
—
أستاذة أسماء عزايزة, أنقدي لي هذه القصيدة لو سمحتي, بما انكِ خبرة في الميتافيزيقي.
وإذا علمتِ ما في بطني “كشاعر متخفي” لك هدية أنيقة عبارة عن كرتونة حجابات ستصلك لباب البيت.
———————
ريتك يا علي تمشي بجنازتي لو أني فهمت شيئا مما كتبتَ.
وأنت تضع صورتك حاملاً المايكروفون وتبيع الشعر لعشرات المواطنين الغلابة في الخليل.. هل كنت تلقي عليهم هذا الكلام؟ وهل فهموا معناه؟ وهل اندهشوا؟ هل صفقوا؟
هل شدوا شعورهم؟ هل تركوك بأمان؟ هل تدخل الامن لحمايتك من قبضات الجماهير الغاضبة… ما الذي حدث ساعتها يا علي؟
والسؤال الأهم: هل ضربت يدك بالمنجل والتصقت بالحديقة؟