وأمل/ نائل الطوخي
الحنان معطوف على الأمل. فقرة مأمون الشناوي الآن اكتملت
وأمل/ نائل الطوخي
|نائل الطوخي|
استثقلت أم كلثوم على ما يبدو “وصفولي الصبر.. لقيته خيال وكلام ف الحب يادوب يتقال”. استثقلت الجملة، فقررت الانتهاء منها على الفور. أم كلثوم كانت لديها قنبلة، وأرادت تفجيرها، ومثل الأطفال، فلم تصبر على تفجيرها كثيرا. انطلقت:
“أهرب من قلبي اروح على فين
ليالينا الحلوة ف كل مكان
مليناها حب احنا الاتنين
وملينا الدنيا أملل.. أمل”
تكررها ثلاث مرات.. الجملة الموسيقية هنا –والتي لحنها عبد الوهاب– هي جوهرة الأغنية، لثلاث مرات كانت أم كلثوم تردد “ليالينا الحلوة” وحتى “وملينا الدنيا أمل.. أمل”.. وبعد الانتهاء من المرات الثلاثة تضيف الست معلومة صغيرة: “وحنان”.
الحنان معطوف على الأمل. فقرة مأمون الشناوي الآن اكتملت. معلش، كان لا بدّ من تعطيل اكتمالها قليلا. أم كلثوم كانت مبسوطة باللحن، والناس كانت مبسوطة، والناس رغبت في التوقف هنا قليلا. يؤمن الناس بالحكمة القائلة: “رأسٍ بلا كِيف، يستحق السيف”. الناس رغبت في كِيف كهذا، رغبت في تأجيل فضولها قليلاً، فضولها لمعرفة الكلمة التي ستأتي على قافية “مكان”، الكلمة التي ستختم –من الناحية الشعرية– المقطع، رغبوا في إسكات هذا الفضول لصالح التأمل الرائق للمكان الذي نقف فيه، للعب بكافة إمكانياته، والأهم من معرفة كل ما في سلة الخضار، هو تأمل حبة فاصوليا وحيدة، تأملها لدرجة رؤية العالم كله فيها، إلى هذا أشار السيد خورخي لويس مرة.
أعزائي، لم تكن هذه سوى قمة جبل الجليد؛ فيما بعد تبدأ أم كلثوم المقطع من أوله، من “وصفولي الصبر”، وتتوقف –أيضاً– بدلع عند “أهرب من قلبي”. تعيدها مرتين، والثالثة تكون القنبلة. لا تغني أم كلثوم.. لا تنطق كلمات الأغنية، تستبدلها بآهات:
“أهاهاها هاها هاها
أههه ههههه آهه
أااااااه أه أها
وملينا الدنيا أمللل.. أمل”
تستبدل أم كلثوم الكلام البشري، اللغة، بمقاطع صوتية، بآهات. تضرب في مقتل سلطة اللغة وسلطة الفهم، لصالح المتعة، تنحاز للمزاج ضد العقل، للكيف ضد الرأس الذي بلا كيف. والآهات هنا هي إشارة انطلاق، تستعمل الدندنة والهمهمة والغمغمة وكل ما لا يمت بصلة للغة البشرية:
“ممممم.. مم. ممم
ممم. ممممم. ممم
مممم. مم. ممم
وملينا الدنيا أمللل.. أمل”
وفي مرة أخرى، تأتي الموسيقى بديلا عن صوتها. الآلات تعزف لحن “أهرب من قلبي” كاملا، بما فيه “وملينا الدنيا أمل.. أمل”، وهي الجملة التي لم تتنازل أم كلثوم عن نطقها طيلة كل محاولاتها اللعوب من قبل.. الآن تتكسر الكلمات المكتوبة كليا.. الآن تسيل.. تتحول إلى موسيقى فحسب.. الآن ينفجر مأمون الشناوي غاضبا، وينتصر عبد الوهاب، كالعادة.
وفي النهاية فقط، تنطق أم كلثوم –للمرة الثانية– “أملللل. وحنان”، تنطقها، كأنها تغلق مقطعا طال فتحه، كما قلنا، ولم يكن يضير الناس فتحه على الإطلاق، ولكنها تغلقه أيضا بصرامة مدرسة تقول لتلاميذها: “لعبنا كتير. ضحكنا كتير. نتكلم جد شوية بقى”. بجدية تقول “أمل وحنان”، بصرامة وثقل ظل وسخافة مطلقة. ليفتح هذا سخافات قادمة كثيرة. ينطلق اللحن الراقص السّخيف: “عيني عالعاشقين.. حيارى، محرومين.. عيني يا عيني، يا عيني.. عيني يا عيني.. يا عيني، عييييييني”، ويُسدل الستار على أروع مقطع موسيقى عرفته البشرية.
*كاتب وصحفي مصري
10 سبتمبر 2013
حلو
30 ديسمبر 2011
“ويُسدل الستار على أروع مقطع موسيقى عرفته البشرية.” …
ليش، وانت فاكر انو البشرية كلها عربان؟؟؟
30 ديسمبر 2011
هو مش المفروض المقال يبقى اسمه “وحنان” حيث أن الحنان معطوف عالأمل, مثلما ورد بنص عنوان المقال.