حبيشة القاهريّة / علي نصوح مواسي
“إلى ثائرَةٍ عرّتها الهمجيّة في شوارع القاهرة، فعرّتنا.”
حبيشة القاهريّة / علي نصوح مواسي
| علي نصوح مواسي |
حبيشة
وقفنا لديكِ
لا للألم
وإنّما للجسدِ المُعرّى “الحرام”،
لعباءةٍ سوداءَ تدلّت
من عقولنا الظّلام،
لسؤالنا:
منقّبة؟!
محجّبة؟!
كم جنينا حين لم نراكِ
إلّا معلّبة..
بكينا عليكِ
لا لثورةٍ تصهلُ في شرايينِ روحِكِ
تُسابِقُ خيولَ الشّبابِ في ميادينِ الخلاصِ
وتقبّل وجع الهراواتِ بآهٍ
إنّما
لنَهْدَيْ زُرقَةٍ أزهرا في جسدٍ ناعمٍ
بياض
غضِبنا لكفّيكِ
أُفلِتا من قدرٍ يجرّهما نحو النّجاةِ
سَقَطا على أرضِ عتمةٍ
في فكيّ جهالهْ،
لا لاحتمالِ حجرٍ يزهرُ منهما
يقصفُ مجنزرة
إنّما لرقّةٍ عاجزةٍ تفترضها
أفكارنا المخدّرة..
صرخنا لساقيْكِ
علّقا رخوينِ منهكينِ في هواءِ الرّصاص
لا لأزقّةٍ مشطّاها
عمّدها حذاؤك الرّياضيّ بالبطولة
إنّما لأنوثَةٍ دُرّبنا على أن نستوعِبَها قاصِرَة
ظهرت لنا فجأةً
من حيثُ لا نَدري
حمامةً كاسِرَة
تُقاومُ قطيعَ ضَبعٍ
في ضَميرِ
القاهِرَة..
حبيشة
وجّهنا حبرَنا ومآقينا إليكِ
لا لحبٍّ نابِضٍ في رِئتيكِ
أو لعقلٍ يرسمُ الأحلامَ خلفَ صَدغيكِ
أو لصرخةٍ تثورُ فوقَ شَفَتَيكِ
أو لدمعَةٍ تغفو على خدَّيكِ
تَدوسُهُا بساطيرُ النّذالة
إنّما
لفرجٍ يغوصُ عميقًا عميقًا بينَ فخذيكِ
يفكّرُ فيهِ كلّ الرَجالِ
الطّغاة
وتحرِصُ عليهِ كلُّ النّساءِ
الشُّقاة..
حبيشة
أنتِ أنتِ
منذ القرنِ الخامس:
خروجٌ عن المألوفِ لدينا
رغمَ أنَّكِ ما ينبغي أن يكونَ الطّبيعيَّ
شذوذٌ في وعيِنا ولا وعيِنا
حسِّنا ولا حسِّنا
عقلِنا ولا عَقْلِنا
رُغمَ أنَّكِ أصلُ الأُصول
نُدرةٌ
رُغمَ أنَّكِ ما يَجِبُ أن يكونَ بديهيَّ الشّيوع
لم نحتمل يومًا نجومَكِ تبيضُ أفكارًا في فضاءاتِ الخيالْ
دوائرَكِ الكوكبيّةَ في مساراتِ المَجالْ
حواراتِكِ اللّولبيّةَ مع إقليدس وأرسطو وأبولونيوس
عن منطقِ الاحتِمالْ
لم نحتمِلْ أنثى السّؤالْ
وامرأةً حسناءَ بلا قلنسوةٍ أو عِقالْ
يتتلمَذُ على يدها الرّجالْ
لم نحتملكِ ثائرَةً
تغنّينَ في ميادينِ النّضالْ
لم نحتمِلْ حُبَّكِ
وصفاءَكِ
المُحالْ..
حبيشة
ما أنتِ سوى انعكاسِ صورَتنا في مرآةِ جريمَتِنا
دُسْناكِ مذ أوّلِ نورٍ رَضِعناهُ
مُذ أوّلِ حرفٍ نطقناهُ
مذ أوّلِ نصٍّ كتبناهُ
مذ أوّلِ حجرٍ وضعناهُ
مذ أوّلِ جيشٍ بنيناهُ
مذ أوّلِ قانونٍ فقِهناهُ
مذ أوّلِ مَجدٍ صككناهُ
كفّرناكِ، شعوَذناكِ، شتمناكِ، نبذناكِ، أسرناكِ،
عرّيناكِ، جرَرْناكِ، رفسناكِ، سلَخْناكِ،
رَجَمْناكِ، قتلناكِ، أحرقناكِ
بنارِ الرّبّ
ثمّ قدّسناكِ
وأسميناكِ
“شهيدة النّور”
وصلّينا لأجلك
فما الغريبُ، وما العَجيبُ
فجأةً
في اغتيالِ وردةٍ على يدِ بشريّةٍ دهماءَ
احترفت اغتِيالَ الوُرودْ؟!
حبيشة
سحرُ كليوباترا
أنفةُ زنوبيا
أحاديثُ عائشة
كحلُ شجرة الدّرّ
شعرُ رابعة
كفُّ جميلة بوحيرَد
بندقيّةُ دلال المُغربي
حلمُ طلّ الملوحي
قافية آيات القرمزي
قداسَةُ مريم البتولْ
ياسمينُ شرفةٍ
يحلمُ بغزالاتِ البراري
وفراشاتِ الحُقولْ..
حبيشة
كلّنا اليوم باباواتٌ
إن صمتنا
وكلّ شوارعنا اسكندريّة..
* أ. هذا النّصّ تناصٌ مع صورةٍ من ميدان التّحرير، وفيلم “Agora”، ونصّ لمجد كيّال، ورواية “عزازيل”.
ب. حبيشة (هيباتيا): أوّل شهيدةٍ للعلم يعرفها التّاريخ، ولدت في الإسكندريّة المصريّة حوالي عام 380م، وهي عالمة رياضيّات ومنطق وفلك، وفيلسوفة تنتمي للمدرسة الأفلاطونيّة الجديدة. كانت ابنة الفيلسوف ثيون، آخر زملاء متحف الاسكندرية الملحق بمكتبتها التي احترقت، وقد قام بطريرك الاسكندريّة، كيرليس الرّابع، المشهور بعمود الدّين، بتحريض جماهير من المسيحيين على اغتيال حبيشة، حتى هاجت الجماهير وهبت عليها، فلحقوا بها خلف عربتها وألقوها أرضًا، وقاموا بتعريتها تمامًا، وسحلها في شوارع الاسكندريّة، وتذكر بعض التّقارير أنّه تمّ سلخ جلدها عن جسمها وإعدامها حرقًا فيما كانت لا تزال حيّة، فيما ذكرت تقارير أخرى أن إحراقها ونزع جلدها عن بدنها تمّ بعد قتلها، حتّى انفصل لحمها عن العظم، ثمّ مثّلوا بالجثّة وحرقوها، وكان ذلك عام 415م تقريبًا.
كانت جريمة حبيشة أنّها لم ترضخ لسلطة الكنيسة وأساطيرها وكهنتها، وتمسّكت بحقّها في العلم، وحرّيّتها في التّفكير والاعتقاد، وإصرارها على عدم مسايرة التيار الظلاميّ الصّاعد بامتدادٍ في الإمبراطوريّة الرومانيّة، وأن الناس احترموها وقدّروها واستمعوا إليها، وأن رجالات السياسة تأثروا وتعلّقوا بها، فرأت سلطة الكنيسة بالاسكندريّة أنها خطر، وأنها “لبّ الفكر الوثنيّ لما تحمله من أفكار فلسفيّة”.
4 يناير 2012
كفّرناكِ، شعوَذناكِ، شتمناكِ، نبذناكِ، أسرناكِ،
عرّيناكِ، جرَرْناكِ، رفسناكِ، سلَخْناكِ،
رَجَمْناكِ، قتلناكِ، أحرقناكِ
بنارِ الرّبّ
ثمّ قدّسناكِ
SORRY MAN BUT WTF!!!!