عنف الحضور… عنف البقاء!/ حسني الخطيب شحادة
ها هو المشهد التاريخيّ العريق لحضارة إسلامية قد بدأت فعلاً في هذا المكان الجغرافيّ الذي يدعى فلسطين منذ بدايات تكوين الحضارة الإسلاميّة لتصنع مشهداً تاريخياً كأنّه انقرض واندثر
عنف الحضور… عنف البقاء!/ حسني الخطيب شحادة
.
|حسني الخطيب شحادة|
طبقة من الرمال ملقاة بعشوائية وانسيابية على مسطّحٍ من القماش يحمل نكهة بحريّة تكاد تستنشقها من بين أصابع الفنان التي زخرفت الرمال ببعض القطع الخرزية والحجارة التي التقطها وجمّعها من أماكن مختلفة من شتّى أنحاء العالم، ليخلق لنا عالماً جديداً خاصاً به، وبه وحده!
هكذا يصنع لك صورة مصغّرة/ مكبّرة لمشهد لا يبكي على بيوت خالية من سكانها، ولا يقف على أطلال جامع أو كنيسة مهدّمة، ولا يصرخ أمام الجاني المستعمر الذي سلب الأرض والتاريخ؛ بل هو المشهد الطبيعيّ اليوميّ الذي يختفي عن عيوننا في ركضنا المتمرّس أمام الزخم البائس من حضارة الدولار والشيكل!
هذا العبث الفنيّ بمشاعر المُشاهد يتفتّح عن قطعة صغيرة لا تأخذ الكثير من مساحة اللوحة مربعة الشكل، ولكنّها تمتلك جلّ الحيّز الفنيّ. هي فعلاً قطعة صغيرة تختفي بالصدفة أو بغير الصدفة لتعرض عليك مربعاً آخر مرسومًا بالألوان النابعة من عناصرها البدائية لتستحضر قطعة من فسيفساء تعود إلى فترة العهد الأمويّ البائد…
ها هو المشهد التاريخيّ العريق لحضارة إسلامية قد بدأت فعلاً في هذا المكان الجغرافيّ الذي يدعى فلسطين منذ بدايات تكوين الحضارة الإسلاميّة لتصنع مشهداً تاريخياً كأنّه انقرض واندثر… فيأتي الفنان الفلسطينيّ، ابن حيفا، ليعيد صياغته من حكم وجوده ها هنا، ومن منطلق معرفته بالمكان التاريخيّ، ومن منطلق وعيه الحضاريّ لما يجري هنا على السّاحة الفنيّة والمشهد الثقافيّ الإبداعيّ الذي يصارع على بقائه في الذاكرة وفي الوعيّ الجماليّ العام.
هذا العنف المستتر في لوحة فنيّة هو عنف الحضور… وهو عنف البقاء… وهو بحدّ ذاته أيضًا، عنف عدم التواطؤ مع مسلّمات كثيرة، لعلّ العديد من فنانينا وفناناتنا لم يجدوا لها حلاً بعد!
(د. شحادة باحث ومحاضر في الفن الإسلامي)