Visit Palestine!/ راجي بطحيش
. |راجي بطحيش| إن أشد ما يغيظني في الطروحات الثقافية ال […]
Visit Palestine!/ راجي بطحيش
.
|راجي بطحيش|
إن أشد ما يغيظني في الطروحات الثقافية الجاهزة والقادمة من الخارج عادة باجتهادات غاية في السذاجة. وبصفتي أملك شرف “التمعمل” في الوحل الثقافي و”الحضاري” الإسرائيلي كوني مبدعا من الـ 48، أقول إنّ إسرائيل بشكلها الحالي كمؤسسة عسكرية وأمنية وكغيتو كبير لليهود في الشرق الأوسط هي غير معنية، كما أنها لا تحبذ بأي شكل من الأشكال ولا تسعى على الصعيد الثقافي الرسمي وغير الرسمي (إذا استثنينا اليسار الراديكالي) أن يتجوّل العرب من جنسيات عربية متنوعة في شوارعها ويلتقطون الصور في ساحة الساعة بيافا مثلا. كما أنّ ذلك لا يسعدها بتاتا، وهي تشعر بالتوتر والخوف حين يدخل هؤلاء لزيارة فلسطين عبر بوابتها الأكثر إحراجًا وعمقا: مطار اللد على اسم المناضل دافيد بن غوريون. وينعكس ذلك بطريقة الترحاب والوداع المريبة.. فليس هكذا يُستقبل المدعوين للتطبيع.
إنّ حملات الترهيب والخوف الداخلي الذي ينتاب المثقفين والمبدعين العرب الذين يحملون جوازات أو جنسيات تخولهم دخول فلسطين وزيارتها بأكملها عبر البوابة الإسرائيلية، هي غير منطقية، خاصة -وكما ذكرت- أنّ إسرائيل بجوهر قيامها ووجودها تريد أرضا نقية من ذاكرتها الحقيقية كما أنها لا تريد زوارا ومفكرين يفقأون الدمّل الأخلاقي المقفل منذ سنين؛ فإسرائيل مرتاحة جدا من مشهد الأسوار التي نشرتها حولها حسب رؤية “نحن هنا” و”هم هناك” مع إمكانية تحمّل القليل من العرب المزعجين إن هم بقوا في مناطقهم المتخلفة بعيدا عنا ولا ضير أن نرمي لهم القليل من الفتات من حين لآخر.
ووفق هذه الذهنية فإنّ السوري الذي يحمل جنسية بريطانية مثلا والقادم لزيارة فلسطين لا يمنح إسرائيل اعترافا أو جائزة تطبيعية وفق الطرح البالي، بقدر ما يضعها في مأزق أخلاقي وفي مقاربة (عن ماذا يبحث هؤلاء العرب هنا؟) والتي تحاول أن تتهرب منها ليل نهار، خصوصا أنها تعرف أنها فشلت في إقفال باب المطالبة العربية “العاطفية على الأقل” بالحق على كامل فلسطين.
يمكن التعامل مع عملية التفتيش الأمني في المطار وكذلك ختم الجواز لفنان تونسي مثلا على أنها عملية اعتراف المنهزم بواقع وجود المنتصر والتعامل معه وطلب الإذن منه للتحرك في الحيز الذي يفترض أنه عربيّ. ولكن إذا نظرنا إلى الأمر برؤيا إبداعية قليلا فيمكننا أن نتعامل مع الأمر على أنه خوف المفتش (بكسر الياء) من المخزون الوجداني للمفتش (بفتحها). وكما ذكرت سابقا، فمن المنطقي أن تخاف إسرائيل من مجيء هؤلاء وهي غير معنية إطلاقا وكناتج عن حيثيات وجودها أن يأتي مفكر مصري مثلا لزيارة حيفا والناصرة ويافا وإقامة الندوات فيها (التي لا صلة لها بإسرائيل الرسمية والمدنية كي لا أُفهَم خطأ) ولقاء العرب الفلسطينيين المقيمين فيها وممارسة تواصل قومي طبيعي يثبت أن باب التاريخ لم يوصد، وهو أصلا لم يوصد مرة.
إنّ قدوم فنانين وشعراء وكتاب وأكاديميين عرب ممّن يتاح لهم ذلك، ووقوفهم بالطوابير عند شباك ختم الجوازات في مطار بن جوريون، لهو تحدٍّ لمخاوف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أولا، كما يساهم ذلك، ثانيًا، في إحياء الحياة الثقافية والفنية في الداخل من قبل الإمتداد العربي وبشكل تفاعلي يضع الخطاب الثقافي الإسرائيلي (إن وُجد) جانبا ويقوم بنبذه كما يساهم هذا (ولو بالقليل) في إعادة الشرعية الأخلاقية لهوية المكان وإعادة تأليف “الرواية” كما هي بحق ومن الداخل وليس كما ترد جاهزة عبر القنوات الإخبارية. كما سيعمل ذلك بالطبع وبشكل تراكمي على إنتاج نوع لم نعهده من الحيوية الثقافية في الداخل تخلق تواصلا ثقافيا وفنيا مع المحيط الطبيعي.
وهذا بحق هو كابوس إسرائيليّ!