برنامج “أرزة وزيتونة”: كشف عوراتنا أمام الملأ
… |باسم صبيح| منذ بداية شهر رمضان وأنا أتابع برنا […]
برنامج “أرزة وزيتونة”: كشف عوراتنا أمام الملأ
…
|باسم صبيح|
منذ بداية شهر رمضان وأنا أتابع برنامج الأخ ماهر شلبي “أرزة وزيتونة”، الذي يُبثّ من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. يقوم شلبي بتوجيه أسئلة بسيطة جداً من المفترض أن تكون إجابتها سريعة ومن دون تردّد وارتباك من سكّان المخيمات، وخصوصًا النساء والرجال الذين تترواح أعمارهم بين 30 و60 عامًا. بعض الأسئلة التي يوجهّها المذيع للاجئين على سبيل المثال: ما هي عاصمة دولة فلسطين؟ أو أذكر أسماء 5 مدن فلسطينية؟ أو أذكر أسماء 5 قرى فلسطينية من قضاء المدينة الأصلية التي هُجرت منها؟ ما هو مستغرب في الموضوع أنّ معظم الذين تم توجيه الأسئلة إليهم لا يعرفون الإجابة، ولا يتذكّرون أبسط الأمور التي من المفترض أن يعرفها أيّ طفل فلسطيني لا يتجاوز عمره 10 سنوات!
من يشاهد البرنامج يصاب بالصدمة الحقيقية والذهول، وخصوصاً المنخرطين في السياسة والذين يعملون في المؤسّسات التي تدافع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين. عندما لا تعرف امرأة فلسطينية يتجاوز عمرها الخمسين عاماً الإجابة على سؤال: “ما هي أهم المعالم الدينية في القدس؟” فهذا مقلق جدًا ويوحي بأنّ الذاكرة الفلسطينية تتعرّض للشطب. وعندما يسأل لاجئ فلسطيني عن عاصمة دولة فلسطين ولا يعرف الإجابة، فهذا مؤشّر على الاندثار وعدم ايلاء الاهتمام للتعليم؛ ولا حتى لحفظ الذاكرة التي راهنا عليها في صراعنا الطويل مع إسرائيل وحركتها الصهيونية.
من المسؤول عن ذلك؟ ولماذا وصل أهلنا في المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى هذا الحال من عدم التذكر؟
منذ أن أصبح لدينا وعي بالقضية الفلسطينية ونحن ننقش في الذاكرة أسماء المخيمات الفلسطينية في لبنان تحديدًا. وكنا نغني لصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة والمية ومية وتل الزعتر والرشيدية وعين الحلوة… ونعرف أيضا أصول اللاجئين والمدن والقرى التي هُجروا منها في العام 1948. المخيمات واللاجئون الفلسطينون في لبنان كانوا العمود الفقري للثورة الفلسطينية والتصدّي لإسرائيل والاجتياح الإسرائيلي للبنان؛ بل كانت المخيمات في نظرنا القاعدة الأساسية للنهج الثوري التقدميّ، وعنوانا للكفاح والتصدّي لكلّ المخططات التي حاولت إنهاء القضية الفلسطينية. وقد كلف ذلك عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، إضافة إلى تدمير هذه المخيمات أكثر من مرة، وإزالة البعض الآخر منها عن وجه الأرض كمخيم تل الزعتر على سبيل المثال. هذه المخيمات هي التي خرّجت القيادات السياسية والمبدعين ورواد الثقافة الفلسطينية المعاصرة: ناجي العلي، غسان كنفاني، محمود درويش وشفيق الحوت وغيرهم كثر.
الصورة التي تأتي من لبنان مفعمة بالحزن وتعبث على الإحباط؛ صحيح أنّ الأوضاع المعيشية في مخيمات لبنان هي الأسوأ إذا ما قُورنت بالأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في أماكن أخرى، وهو أمر معروف وليس بحاجة إلى نقاش، ولكن هل هذا التبرير مقنع؟ صحيح أنه لا يمكن أن يُلام اللاجئ الذي يكافح من أجل الحصول على قوته اليومي وهو يعيش في مخيمات تفتقر لأدنى مقومات الحياة البشرية، ولكن أن يصل “الوعي الوطني” -ولا نقول المستوى الثقافي أو الأكاديمي- لسكان المخيمات إلى هذا الحدّ من الانهيار في الذاكرة، فهذا أمر غير مقبول ولا يوجد ما يبرره. المسؤولية عن هذا الانحدار الخطير في الوعي الفلسطيني تقع على عاتق منظمة التحرير أولا، والفصائل الفلسطينية بلا استثناء ثانياً. لا يجوز أن يُلقى اللوم على اللاجئ الفلسطيني الذي ترك بدون حماية منذ أن غادرت منظمة التحرير الفلسطينية لبنان في العام 1982، ولا يجوز أن يترك اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بدون برامج تعبوية ثقافية وتعليمية ورعاية صحية، حتى وإن كانت الحكومة اللبنانية تحرمهم من ابسط قواعد حقوق الإنسان، وخصوصاً الحقوق المدنية والسياسية.
تاريخ الثورات في العالم يقول إنّ الشعب الذي لا تتوفر لديه مقومات الحياة الأساسية من تعليم وصحة بالأساس، لا يستطيع أن يحافظ على موروثه الثقافي والتحامه بأرضه، وهذا بالطبع أقصر الطرق وأسرعها إلى الهزيمة
المستغرب أن أحدا من القيادات الفلسطينية حتى هذه اللحظة لم يُبدِ أيّ تعليق على الموضوع، وكأنّ الصورة تأتي من جواتيمالا وليس لبنان، أو كأنّ ما يحدث أمر مقبول جداً وليس مستغرباً من قبل القيادات “الشرعية” و/او “غير الشرعية”. هذه القيادات التي أشبعت الشعب بطولات ومفاوضات ومقاومة عسكرية وانتصارات وهمية، هي المسؤولة عن الانحدار والإحباط الذي يصيب الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته في الداخل والشتات. شلبي يعبر عن صدمته في كل حلقة، ويناشد الفصائل الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن يولوا اهتماماً أكثر لحفظ ذاكرة أهلنا في لبنان من الضياع، لكن لا حياة لمن تنادي. إيلاء الاهتمام بهذا الجرح الدامي أولى بالرعاية ألف مرة من نقاشات الفصائل والحوارات التي لا تنتهي عن الانقسام وتقسيم الكعكة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. الوطن وتوفير سبل المقاومة والصمود للشعب قضايا يجب أن يكون على رأس أولويات هذه الفصائل، وليس الجلوس في غرف الاجتماعات وإشباع الناس أوهاما عن المقاومة المسلحة والتحرير الوهمي وبناء الدولة الوهمية.
تاريخ الثورات في العالم يقول إنّ الشعب الذي لا تتوفر لديه مقومات الحياة الأساسية من تعليم وصحة بالأساس، لا يستطيع أن يحافظ على موروثه الثقافي والتحامه بأرضه، وهذا بالطبع أقصر الطرق وأسرعها إلى الهزيمة. إنّ صراعنا مع إسرائيل ليس على من يمثل من، أو من هو الشرعي وغير الشرعي، بل على الوجود والذي يشمل الإنسان وهويته كما الأرض وحمايتها. عندما نقتنع بأنّ الحفاظ على الذاكرة الجماعية والفردية من الشطب وبأنّ الشعب (الإنسان الفلسطيني وليس الرباعية الدولية) هو مصدر الشرعية، عندها يمكن أن نقول إننا تقدّمنا خطوة نحو تحرير أنفسنا قبل تحرير أرضنا وإعادة لاجئينا إلى أرضهم وممتلكاتهم.
عندما التقى الراحلان محمود درويش وإدوارد سعيد للمرة الأولى، وكان ذلك في شقة مفكرنا سعيد في نيويورك. قال كلاهما: إذا كان الماضي تجربة، فلنجعل من المستقبل معنىً ورؤيا. لكن يبدو أنّ الرؤيا والمعنى في طريقهما إلى الاندثار؛ ففصائلنا وقياداتنا السياسية ما زالت لا تفرق بين الجامع والجامعة.
23 أغسطس 2010
اخ باسم اني اوافقك الرأي فيما قلته .. لكن هل بوسعنا نعت هذا البرنامج بكاشف عوراتنا ؟؟؟ لا ..
فالمسؤلية ابدا لا تقع على سكان المخيمات اللذين لا حول لهم ولا قوة ..